عندما التزمتُ الصمت، أمال لُــو رأسه وتأمّلني.
“ما خطبكِ؟ هل كرهتِ الأمر حقًا إلى هذه الدرجة؟”
“لا، لا. ليس الأمر كذلك.”
أجبتُ على عجل.
“هل كنتَ تنتظر عودتي؟”
“بالتأكيد.”
“لدينا متسع من الوقت.”
“لأن أيّ وقتٍ أقضيه في انتظار شارل يستحق ذلك.”
ابتسم لُــو وأمسك بذراعي. تبعتُه إلى الأريكة، وجلستُ بجانبه.
“إذن، أين كنتِ؟”
كان سؤالًا عابرًا، كتحيّةٍ بسيطة.
لكنني شعرتُ ببعض التوتر.
تساءلتُ إن كان لُــو قد لاحظ أنني التقيتُ بالإمبراطور.
‘لا أعتقد ذلك.’
فتظاهرتُ بالهدوء وأجبتُ.
“آه، نزهة قصيرة.”
“آه.”
وكأن توقّعي كان صحيحًا، أخذ لُــو كلامي على محمل الجد. وخزني ضميري مجدداً، لكنني حاولتُ تجاهله. كان الشعور بالذنب بسبب كذبةٍ كهذه سخيفاً.
“هل تأقلمتِ مع القصر؟ قالت ديزي إنكِ تبدين بخير.”
“أجل. لستُ من النوع الذي لا يستطيع التأقلم في أيّ مكان.”
“هذا صحيح. شارل لا تعرف معنى الحرج.”
“… يبدو الأمر مُحرِجاً بعض الشيء أن تجيب بهذه السرعة.”
بففت، ابتسم لُــو وأسند وجهه على كتفي. ثم عانقني بقوّةٍ بذراعه.
“هلّا بقينا على هذا الحال حتى موعد العشاء؟”
فرك وجهه وكأنه يستجدي ذلك.
“أحبّ أن أكون معكِ.”
“…..”
خفضتُ عيني للحظة، ألتقط أنفاسي. ثم تذكّرتُ حديثي مع الإمبراطور.
«إذن، لنبدأ اليوم.»
اليوم، هذا هو.
سأهرع اليوم لقتل الإمبراطور، وسيتم اعتقالي، وسأضطرّ لفراق لُــو إلى الأبد.
لذا أسندتُ خدي على رأس لُــو وأومأتُ.
“أجل. لنفعل ذلك.”
لأنني أحبّ أن أكون معكَ أيضًا.
ابتلعتُ الكلمات التي لم أستطع نطقها، وتمنّيتُ أن أشعر بحضنه أكثر.
لأنها ستكون المرّة الأخيرة.
* * *
كان الظلام لا يزال يسود المكان.
فتحتُ عينيّ فجأة.
ساد الصمت الغرفة، كان الصوت الوحيد هو أنفاسي البطيئة المنتظمة.
شعرتُ بجسدٍ دافئٍ يحتضنني خلف ظهري.
كان لُــو.
كان نائمًا، ذراعاه ممدودتان كالعادة، ملفوفتان حولي.
انسلّيتُ بحذرٍ من حضنه.
حاولتُ جاهدةً السيطرة على قبضة ذراعي لُــو الخفيفة، ففككتُ أطراف أصابعه ببطء.
“…..”
جلستُ بهدوءٍ على لوح رأس السرير ونظرتُ إليه.
شعره الأشعث، حواجبه الناعمة، وارتعاش رموشه بين الحين والآخر.
كان كلّ شيءٍ في غاية الرقّة والدفء … أصبحت رؤيتي ضبابيةً بعض الشيء.
‘أنا آسفة. هناك الكثير ممّا لم أُخبركَ به.’
كان ترك شخصٍ بوجهٍ كهذا أمرًا مرعبًا حقًا.
لطالما كان عناقه يُشعرني بالراحة، ولكن لهذا السبب تحديدًا، لحمايته، اضطررتُ للمغادرة.
وضعتُ يدي على ظهر يده.
كانت دافئة. وناعمةً بما يكفي لتجعلني أشعر بالأسف.
جلستُ بهدوء، أحتضن ذلك الدفء للحظة، ثم نهضتُ بحذر.
‘هيا بنا.’
تدحرجتُ من السرير وتوجّهتُ نحو الباب. أمسكتُ بمقبض الباب برفقٍ واستدرتُ لآخر مرّة.
كان لُــو لا يزال نائمًا.
الشخص الذي أحببتُه أكثر من أيّ شيءٍ آخر.
و… الشخص الذي كان عليّ أن أكون أبعد ما يكون عنه، في هذه اللحظة بالذات.
شدّدتُ عزيمتي وفتحتُ الباب.
مشيتُ بهدوءٍ إلى نهاية الممر الغارق في ضوء القمر الخافت.
لم يكن الوصول إلى غرفة نوم الإمبراطور مشكلة. ربما لأن الإمبراطور كان قد صرف الجميع بالفعل.
وقفتُ أمام غرفة النوم، وأغمضتُ عينيّ للحظةٍ وأخذتُ نفسًا عميقًا.
‘لا تخطِئي يا شارل. من الآن فصاعدًا، أنتِ متسلّلة.’
أدرتُ مقبض الباب بهدوء.
طقطقة.
انفتح الباب بطقطقةٍ خفيفة، ولفّني ظلام الغرفة.
لم تُضَأ شمعةٌ واحدةٌ في غرفة النوم. كانت جميع الستائر مُسدَلة، وكانالهواء ساكنًا.
حبستُ أنفاسي ودخلتُ بهدوء.
سمعتُ أنفاسًا خفيفةً من السرير. حيث يرقد الإمبراطور.
سحبتُ الخنجر المُخبَّأ على خصري وأمسكتُ به بإحكام. كانت أطراف أصابعي باردةً وقاسية.
‘أقرب. بهدوء. بسرعة.’
بمجرّد أن وصلتُ إلى حافة السرير، كان وجه الإمبراطور ظاهرًا بشكلٍ غامضٍ حتى في الضوء الخافت.
انحنيتُ ببطء، والخنجر في يدي. من هذه المسافة، لو اقتربتُ قليلًا –
“أتيتِ في وقتٍ متأخّر.”
فتح الإمبراطور عينيه. نظرتُ إليه، والخنجر في يدي.
“ظننتُ أن الفجر يبدو أكثر واقعية.”
قفزتُ غريزيًا على السرير. ووضعتُ الخنجر أسفل رقبته مباشرة، حيث نبضه.
ابتسمتُ بهدوءٍ قدر استطاعتي.
“يجب أن تصرخ بصوتٍ عالٍ أن دخيلًا قد تسلّل إلى غرفتك.”
ضحك الإمبراطور ضحكةً مكتومة، ثم صفّى حلقه وغيّر تعبير وجهه، وصرخ.
“النجدة – هناك قاتل -!!”
جرحتُ ذراعه بسرعة، وغرقت الوسادة بالدم. في الوقت نفسه، دوّت خطواتٌ مُلِحّةٌ في الممر.
“يا جلالتك!”
“مَن هناك؟”
ما إن فُتِح الباب، حتى سحبتُ الإمبراطور تحت السرير. ثم، وأنا أواجه الحرّاس وهم على وشك الدخول، قلتُ بحزم.
“أيّ حركةٍ ستُعرِّض جلالته للخطر.”
اتّجهت سيوف الحرّاس نحوي.
عانقتُ الإمبراطور ووضعتُ الخنجر على رقبته.
“لا تقترب الآن. إن تحرّكتَ، سيموت جلالته.”
شهق الإمبراطور، وأدار رأسه لينظر إليّ. كان تعبيره متوتّرًا لدرجة أنه لو لم يكن الإمبراطور، لكان سيصبح ممثلاً بسهولة.
حاول الفارس الهجوم عليّ مرّةً أخرى، فضغطتُ على خنجري بقوّةٍ أكبر.
“خطوةٌ أخرى، وستُغرِق دماء جلالته القصر.”
مرّت لحظة صمت.
ارتجفت يداي، لكن وجهي ظلّ هادئًا.
في تلك اللحظة.
تغيّر جو الغرفة.
رنين —
ضربني صوتٌ معدنيٌّ بارد، فتجمّدتُ غريزيًا.
صدر أمرٌ قصيرٌ وحادٌّ من نهاية الممر.
“صوِّب!”
بنادق.
كانت جميع فوّهات البنادق مصوَّبةً نحو رأسي، وصدري، وقلبي، وحتى فوق قمّتي.
“استسلمي الآن!”
“ألقِ سلاحكِ واستسلمي!”
نظرتُ إلى الإمبراطور. بدا لي هو الآخر وكأنه قد أعطاني إشارةً، كما لو أنه قد أعطاني الوقت مُسبَقًا.
“هوه.”
التقطتُ أنفاسي مجددًا، وأفلتُّ أصابعي عنه بهدوء.
أصدر طرف السيف صوتًا خافتًا ضعيفًا عندما لامس الأرض.
“امسِكها!”
“اقبِض عليها!”
عندها، اندفع حارسان، يلويان ذراعيّ ويثبّتانني على الأرض.
تحت هذا الثقل الخانق، تمتمتُ في نفسي.
‘هذا هو.’
نعم. كلّ ما كان عليّ فعله هو أن يُقبَض عليّ هكذا –
“… شارل؟”
لكن ما إن ناداني ذبك الصوت الملهوف، حتى حبستُ أنفاسي. ثم رفعتُ عينيّ ببطء.
في نهاية الممر، كان هناك رجلٌ يركض نحوي بذعر، يحمل مصباحًا بيده. كان شعره أشعثًا، ويلهث لالتقاط أنفاسه.
كان لُــو.
“شارل، ما … ما الذي …!”
ارتجفت عيناه.
كما لو كان في حالةٍ من عدم التصديق، كما لو كان يريد تجاهل الواقع أمامه.
كان لديّ الكثير لأقوله للُــو، لكن لم أستطع قول شيء. الكلمات التي أردتُ قولها لن تصل إليه أبدًا على الأرجح.
“…أنا آسف.”
ابتسمتُ ابتسامةً خفيفة يينما يسحبني الحرّاس بعيدًا، وتجاوزتُ لُــو.
“شارل!”
تظاهرتُ بعدم سماع صرخاته اليائسة.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات