“شارل ! لماذا تهربين؟”
حتى عندما غادرتُ مكان داميان ووصلتُ إلى الزقاق، استمر لُــو بمطاردتي.
لكنني لم أتوقّف.
“شارل !”
في الحقيقة، لا أعرف حتى لماذا كنتُ أركض. استجاب جسدي غريزيًا.
“توقّفي للحظة. حسنًا؟ لنتحدّث فقط.”
تباطأت خطواتي قليلًا عند تلك الكلمات، لكن قلبي ظلّ يخفق بشدّة.
كنتُ أعرف ذلك.
إن عزم لُــو على الركض، لأمسكَ بي في لحظة.
لكن لُــو لم يُمسِك بي. حتى هنا، جعلني سلوكه المحترم ظاهريًا أضحك لا إراديًا.
‘أنتَ حقًا …’
في تلك اللحظة، وأنا أتنفّس بصعوبة، توقّفتُ أخيرًا. ثم، بعد أن التقطتُ أنفاسي، التفتُّ إلى لُــو.
“… لقد توقفتُ، تمامًا كما قلتَ.”
تحدّثتُ بصوتٍ باردٍ متعمّد. تجنّبتُ النظر في عيني لُــو، محدّقةً في الزقاق خلفه.
“لماذا أتيت؟”
وقف لُــو في نهاية الزقاق، وتقدّم خطوةً حذرةً للأمام، يلهث.
“لماذا؟ هل تريد أن تلومني أكثر؟ هل تريدني أن أعتذر مجددًا؟”
“شارل .”
“إذا أردت، فسأفعل. أنا آسفة. أنا آسفة جدًا. أنا آسفة لإجباركَ على العودة.”
“شارل .”
تحدّث لُــو، الذي كان أمامي بالفعل، بصوتٍ مرتجف.
“لماذا تقولين هذا؟ أنتِ لا تقصدينه حتى.”
ابتلعتُ ريقي بصعوبة. عضضتُ على شفتي السفلى.
“منذ البداية.”
تنهّد لُــو بهدوء.
“أنا آسفٌ لشكوكي بكِ.”
رفعتُ رأسي ونظرتُ في عينيه الزرقاوين.
“لم تكوني لتُسرّبي معلوماتٍ عن الكهنة … ومع ذلك شككتُ بكِ دون تفكير.”
“لماذا تعتقد ذلك؟”
ضغطتُ على أسناني.
“كان بإمكاني إخبار كاتاكل. كان بإمكاني خيانتك.”
“أقول إني أُصدِّقُكِ لأنكِ لن تفعلي شيئًا كهذا … لكن هذا لن يبدو صادقًا.”
ضحك لُــو بهدوءٍ وأخذ نفسًا عميقًا.
“لقد كلّف الإمبراطور شخصًا لمراقبتكِ .”
اتّسعت عيناي عند سماع كلماته.
شخص؟
لم أشعر بأيّ شيء؟
ارتجفت عيناي قليلًا.
“تلقّيتُ تقريرًا يفيد بأن شارل لم تكن على اتصالٍ مع عملاء كاتاكل.”
“…..”
“لا يمكن أن تكوني قد سرّبتِ معلوماتٍ لكاتاكل.”
عضضتُ شفتيّ بقوّة.
من الجيد أن يثق بي لُــو. من حسن الحظ أن سوء الفهم بأنني بعتُ المعلومات قد تم توضيحه… لكن هذا كلّ شيء. لم يُبدِّد سوى شكوكٍ بسيطة.
“كان عليكَ أن ترفض.”
“ماذا تقولين؟”
كان صوتي يرتجف بشدّة.
“إنها حقيقةٌ لا تقبل الجدل أنني خنتُك.”
“لم يكن لديكِ خيار.”
كانت كلمات ‘ماذا تعرف أنت؟’ على طرف لساني.
لكن ربما في أعماقي، كنتُ آمل أن يفهم لُــو مشاعري الحقيقية.
أنه مهما بدت أفعالي مشبوهة، فإنه سيفهم.
هكذا كان الأمر.
“لم تتحالفي مع كاتاكل من قبل. ولا مرّةً واحدة.”
وكأنه يقرأ أفكاري، نظر إليّ لُــو وتابع.
“ألم يكن ذلك لأنكِ لم تتمكّني من الفرار من كاتاكل؟”
“…..”
لم أستطع التنفّس براحة. كان رأسي يحترق، وشعرتُ برغبةٍ في الاتكاء على جدار الزقاق البارد.
“أخبريني بصراحةٍ بما تفكّرين فيه الآن، شارل.”
“ولماذا أفعل؟”
“لأنني أريد أن أكون بجانبكِ.”
أجاب على الفور.
التوت أصابعي لا إراديًا.
“لأنني لا أريد أن أفارقكِ لهذا السبب البسيط. ولا أريد أن أدعكِ تتركينني.”
“لهذا ‘السبب البسيط’.”
رفعتُ رأسي لأنظر إليه في عينيه. لمعت عيناه الزرقاوان في ضوء الغروب الخافت.
“لقد خدعتُكَ منذ أن التقيتُك.”
“أعلم.”
“لقد خنتُك.”
“يمكنكِ أن تظنّي ذلك.”
“لكن أنا كذلك بالفعل.”
“لم يكن الأمر كذلك بالنسبة لي.”
الفهم الكامن في وجه لُــو الخالي من التعبيرات، والصدق الذي شعرتُ به تجاهي … جعلني أشعر باختناقٍ أكبر.
لقد أحبّني كثيرًا،
ومع ذلك لم أخنه فحسب، بل هربت.
ومع ذلك قال لُــو إنه لا بأس.
أوجعني قلبي.
شعرتُ بأسفٍ شديد، وندمٍ كبير، أردتُ الزحف إلى حفرة.
“شارل .”
أكمل لُــو.
“ما يهمني هو أنتِ نفسكِ.”
“….”
“وجودكِ بجانبي وحده كافٍ لي.”
للحظة، ساد الصمت في الزقاق.
لم يتحرّك أيٌّ منا، ولم يتكلّم أيٌّ منا.
في ذلك الصمت، اقترب لُــو ببطءٍ مني. لم يمدّ يده أو يعانقني، لكن عينيه أخبرتني.
لقد وثق بي.
“…..”
خفضتُ عيني وأخذتُ نفسًا عميقًا.
كافحتُ طويلًا لإخفاء هويتي، والآن ظننتُ أنني مضطرّةٌ للتخلّي عن كلّ شيءٍ والرحيل.
لكن الأمر كان سهلًا للغاية.
كانت ساقاي ترتجفان من الإرهاق.
“شارل!”
مدّ لُــو يده بسرعةٍ وساندني. دفنتُ نفسي بين ذراعيه وأطلقتُ ضحكةً جوفاء أخرى.
“لو كنتُ أعلم أن هذا سيحدث، لاعترفتُ لكَ مبكّرًا.”
حينها لما اضطررتُ للقلق بشأنه، أو للتلوّي بالذنب.
أسندتُ جبهتي على صدره وأخذتُ نفسًا عميقًا. لامست راحة يد لُــو الكبيرة مؤخرة رأسي.
“حسنًا، بما أن هذا أوّل شجارٍ لنا، أليس هذا إنجازًا لعلاقتنا؟”
“ليس الأمر كما لو أننا تشاجرنا، بل أنني هربتُ من جانبٍ واحد.”
“مع ذلك، لقد وجدتُكِ.”
ضحك لُــو وقال.
“أحبّكِ، شارل.”
همس في أذني.
“أحبّكِ أكثر ممّا تتخيّلين، أعمق ممّا قد تتصوّرين، وسأستمر في حبّكِ دومًا.”
“..…”
“لن أترككِ أبدًا.”
أمسك بشحمة أذني وخدي في آنٍ واحد.
“لهذا السبب سأجدكِ أينما ذهبتِ.”
“..…”
ابتلعتُ ريقي بصعوبة.
إنه صادقٌّ جدًا، وهذا ما جعل الأمر مخيفًا.
أوه، أنا جادّة.
ارتجفت كتفي قليلًا وتراجعتُ خطوةً إلى الوراء. لكن لُــو لم يدعني أذهب.
“هيا بنا، لنذهب معًا.”
أمسك بيدي.
“لنذهب إلى القصر معًا. سنكون معًا هناك.”
بدا تعبير لُــو وهو يتحدّث أكثر يأسًا من أيّ وقتٍ مضى. بدت عيناه وشفتاه المرتعشتان يائستين، كما لو أنه لم يكن يومًا ما يمزح.
لكن …
“لا.”
هززتُ رأسي بحزم.
“لا يزال لديّ عملٌ في الخارج.”
عبس لُــو قليلًا، ثم سأل بحذر.
“…هل تخطّطين للإطاحة بكاتاكل؟”
“لأكون دقيقًا، بالقائد بايلور.”
زمّ لُــو شفتيه.
“كنتُ أفكّر في الشيء نفسه.”
صرّ على أسنانه.
“مع أنني أصبحتُ رجلًا من رجال الإمبراطورية، إلّا أنني لم أخن المملكة المقدّسة تمامًا.”
أخذ نفسًا عميقًا، وكان تعبيره أكثر شراسةً من أيّ وقتٍ مضى.
“يجب أن أجعله يدفع ثمن قتل الكهنة.”
أومأتُ برأسي باتفاق.
“هناك طريقةٌ واحدةٌ فقط.”
وأكملت.
“طلب مني بايلور والإمبراطور أن أفعل شيئًا ما.”
وهي،
“اغتيال الإمبراطور.”
سأستخدمها.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات