هذا الرجل بالتأكيد عميلٌ لكاتاكل.
ما اسمه؟
‘أوه، صحيح. جين.’
إنه الرجل الذي تشاجر معي منذ فترة وتعرّض لتوبيخٍ شديد.
لكن لماذا هو في القصر الإمبراطوري؟
التصقتُ بالحائط وحبستُ أنفاسي.
كان جين يتحرّك بتهوّرٍ في الردهة، كما لو كان مُؤمَّنًا.
مستحيل.
لن يُحاول إيذاء لُــو، أليس كذلك؟
حتى لو كانت ليلى مجنونة، ظننتُ أن ذلك لا يُمكن أن يحدث وعينا الإمبراطور مفتوحتان على مصراعيهما.
لكن لماذا أشعرُ بهذا القلق؟
في أوقاتٍ كهذه، من الأفضل عادةً اتباع حدسي، لذلك اتبعتُ جين بحذر.
أدٌى طريق جين إلى قاعة الاستقبال الكبرى، حيث كان لُــو والإمبراطور.
‘هل سيكتفي بالمشاهدة؟’
لا بد أن بايلور قد سمع من ليلى أن لُــو قد أتى إلى القصر الإمبراطوري.
إذن ربما أرسل جين للتجسّس على ما يحدث.
أحاول التفكير بهذه الطريقة ……
‘هاه؟’
بدأ جين يتحرّك.
همس للخادمة التي أحضرت صينية الشاي وأكواب الشاي، ثم أخرج شيئًا من جيبه وبدأ يمسح به أكواب الشاي.
يا إلهي.
حدسي المؤسف كان صحيحًا.
ركضتُ مسرعةً من الظل.
“ماذا تفعل؟”
اعترضتُ طريق جين وسألتُه.
“آنسة! يا لها من مفاجأة!”
اندهش جين فور أن رآني.
“مهلاً! لماذا ظهرتِ هكذا دون أن تنطقي بكلمة؟”
“هذا ما يجب أن يفعله العميل. إذًا، ماذا تفعل؟”
عبس جين وأدار رأسه. فسألتُه مجددًا.
“هل تحاول قتل لُــو فانسين؟”
تقدّم جين خطوةً أقرب.
“إنه أمر القائد. ابتعدي عن طريقي.”
حاول دفعي بعيدًا، لكنني تمالكتُ نفسي وتمسّكتُ بموقفي.
“حتى لو كان زواجًا صوريًا، فهو لا يزال زوجكِ، أليس كذلك؟ إذًا لا تريدين خسارته؟ إنه حبٌّ دامع، حقًا.”
“جين.”
شددتُ أطراف أصابعي.
“كفى عبثًا واخرج من هنا.”
تغيّرت تعابير وجه جين كما لو أنه ابتلع ماءً قذرًا. تجاهلتُه وتحدّثتُ إلى الخادمة التي تغاضت عن أفعاله.
“لقد رأيتُ وجهكِ أيضًا. إذا بقيتِ في القصر غدًا، فلن أتغاضى عن ذلك.”
“… نـ نعم؟”
“إذا بقيتِ في القصر غدًا، ستموتين. مُتَّهمَةً بمحاولة قتل أحد أفراد العائلة المالكة.”
شحب وجه الخادمة. ارتجفت، ثم تخلّصت من الصينية بسرعةٍ وغادرت.
“آه! بجدية!”
ضرب جين بقدمه الأرض وحدّق بي.
“ما خطبكِ فجأة؟ ألم تسمعي أوامر القائد؟ ألا تفهمين الوضع؟”
“أنتَ مَن يبدو أنه لا يفهم الوضع.”
نظرتُ مباشرةً إلى جين ورفعتُ زاويتي فمي.
“لقد مرّ وقتٌ طويلٌ منذ أن استمعتُ لأوامر القائد.”
اتّسعت عينا جين.
“ماذا …!”
“كفى تماطلًا. عُد وأخبِر القائد.”
دقّ قلبي بشدة، لكنني تجاهلتُه.
“لن أدعكَ تفعل ما تريد، أيها القائد.”
“يا مجنونة …!”
في ذلك الحين.
“توقّف.”
تردّد صدى صوتٍ حادٍّ وثقيل.
تجمّدتُ غريزيًا.
“صـ صاحبة الجلالة.”
قلب جين عينيه.
“آه، هذا… لم يكن شيئًا.”
“عُد.”
قالت ليلى بابتسامةٍ أنيقةٍ غريبة. تردّد جين.
“ألم أقل لكَ أن تعود؟”
تردّد جين للحظة، ثم أحنى رأسه وغادر.
حتى تلك اللحظة، كنتُ أحدّق به دون أن أرفع عيني عنه للحظة.
“كنتُ مرتبكةً جدًا في وقتٍ سابقٍ لدرجة أنني لم أستطع تحيّتكِ كما ينبغي. أليس كذلك؟ شارل فانسين؟”
ضحكتُ.
“أليس من المُضحِك كيف تتظاهرين بعدم معرفتي وأنتِ تعرفين كلّ شيءٍ عني؟”
انكمشت شفتا ليلى برقّةٍ عند سماع كلماتي.
“أعلم. أنكِ ابنة بايلور بالتبنّي، وأنكِ عميلةٌ في كاتاكل، و…”
لمحت عينيها باب غرفة الاستقبال.
“أنكِ تُخفين هويّتكِ بإحكامٍ عن لُــوفانتي إليانور، الموجود بالداخل.”
“….”
كان صوتها، رغم محتواه، خافتًا للغاية وهي تُكمِل حديثها.
“تخيلي ماذا سيحدث لو اكتشف هويّتكِ.”
“…..”
“سيغضب بشدّة، أليس كذلك؟ سيتلوّى من الخيانة؟ سيرتجف من الألم؟”
نظرت إليّ وأمالت رأسها ببطء.
“هل تريدين رؤية ذلك حقًا؟”
ابتلعتُ ريقي بصعوبة. لقد تخيّلتُه.
اللحظة التي يكتشف فيها لُــو هويتي.
أعتقد أنه سيتألّم ويتلوّى من الخيانة، تمامًا كما قالت ليلى.
لكن.
‘….. على أيّ حال.’
لُــو يشك بي على أيّ حال.
لذا حتى لو اكتشفت لُــو أنني عميلة كاتاكل ……
‘ما دام لُــو على قيد الحياة، فهذا يكفي.’
كان هذا قلبي الحقيقي.
“الشيء الموجود على فنجانه مجرّد جرعةٍ ستمحو ذكرياته مؤقتًا. لا خطر على حياته.”
تابعت ليلى بصوتٍ مُهدِّئ، وكأنها تُحاول تهدئتي.
“الإمبراطور ولُــوفانتي، كلاهما يحتاج فقط إلى نسيان ذكرياتهما للحظة.”
ابتسمت ونظرت إليّ.
“عليكِ فقط أن تلتزمي الصمت.”
ازدادت النظرة في عينيها قتامة.
“إذا غادرتِ القصر مع لُــوفانتي، فسأمحو كلّ شيء. سأُخفي حتى هويّتكِ.”
“…..”
“إذا عُدتِ إلى المملكة المقدّسة مع لُــوفانتي، أعدُكِ أن أتركه وشأنه وأتوقّف عن مطاردته. حسناً؟”
رمشتُ ببطء.
ثم أخذتُ نفساً عميقاً.
“حسناً.”
فتحتُ فمي ببطء.
“تقولين إنكِ ستخفين هويتي بشرط أن أعود إلى المملكة المقدّسة مع لُــو وألّا تطأ قدمي الإمبراطورية مرّةً أخرى.”
“أجل!”
جاء ردّ ليلى حادّاً. حدّقتُ بها، فاقدةً الإحساس، وتابعتُ.
“أنا قلقةٌ أيضاً. أخشى أن يكرهني لُــو ويمقتني إذا عرف هويّتي الحقيقية. أنا قلقةٌ من أن يؤذيه ذلك.”
أخذتُ نفسًا عميقًا.
“لكن.”
ثم التفتُّ إلى باب غرفة الاستقبال.
“هذا لا يعني أنني أستطيع انتزاع عائلة لُــو.”
الإمبراطور هو والد لُــو.
عائلته الوحيدة.
لا يحق لي إخفاء هذه الحقيقة.
“حتى لو كان الأمر زائفًا، فأنا ما زلتُ عائلة لُــو الآن.”
اختتمتُ كلامي بابتسامةٍ مشرقةٍ عمدًا.
“يجب أن أساعده في العثور على عائلته الحقيقية.”
مرّت لحظة صمت.
انقلب وجه ليلى الرزين.
“أنتِ …! أيتها العاهرة اللعينة!”
صفع!
انقلب خدي. لكنه لم يؤلمني. لستُ ضعيفةً بما يكفي لأثير ضجةً بشأن شيءٍ كهذا.
لكن لماذا؟
لماذا كان الألم في مكانٍ آخر غير خدّي؟
شعرتُ وكأن قلبي يخفق.
لا أعرف لماذا.
“لقد أُفسِد كلّ شيءٍ بسببكِ! يا لكِ من عاهرة!”
رفعت ليلى يدها مرّةً أخرى. هذه المرّة، كنتُ أنوي فقط أن أتلقى الضرب.
لكن.
طقطقة!
توقّفت يد ليلى في الهواء عندما أمسك أحدهم بمعصمها.
“الآن.”
صوت لُــو، بنبرةٍ لم أسمعها من قبل، بحدّةٍ لم أعهدها من قبل، رنّ في أذنيّ.
“ماذا تفعلين؟”
رفعتُ رأسي.
ورأيتُ لُــو، كان وجهه غاضبًا كما لم أره من قبل.
كانت عيناه الضيّقتان بشدّة، وشفتاه المطبقتان بإحكامٍ تحملان غضبًا لا يُوصَف.
في تلك اللحظة، تلاشى الألم الذي كان يضغط على صدري.
لم أستطع قول شيء.
مجرّد وجود لُــو هنا ……
كان كلّ شيءٍ على ما يرام.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات