ضيف …… أليس كذلك؟
حدّقتُ في الشعارات والزخارف الإمبراطورية المُبهِرة التي ملأت غرفة الاستقبال، غارقةً في أفكاري.
رايةٌ مخمليةٌ فاخرة، وشعار الإمبراطورية مطرّزٌ بالذهب.
شعرتُ بالاختناق بطريقةٍ ما.
‘هل أرسلوا بالفعل شخصًا من العائلة الإمبراطورية؟’
لقد مرّت أيامٌ قليلةٌ فقط على لقائي بالإمبراطور.
صرّح الإمبراطور حينها بوضوح.
«سأستدعيكِ قريبًا. سنتحدّث مجددًا حينها.»
‘لم أتوقع أن يكون ذلك بهذا القرب.’
لستُ من النوع المُتساهل، لكنني لم أتوقّع أن يتحرّك التنظيم الضخم للعائلة الإمبراطورية بهذه السرعة.
لم يكن هذا مجرّد أمر مجاملة.
بدا الإمبراطور ….. قلقًا للغاية.
“أنتَ من العائلة الإمبراطورية؟”
سأل لُــو بحذر.
قرأتُ الارتباك في عينيه.
“لماذا يبحثون عنا في القصر؟”
همس لي لُــو بصوتٍ مُثقلٍ بالتوتر.
“ربما كُشِفت هويتي.”
“هذا غير صحيح.”
هززتُ رأسي بقوّة.
“زرتُ القصر منذ فترة. ذكرتُ اسمكَ هناك. أظن أنه كان فضوليًا. يبدو أنه أراد رؤيتنا معًا.”
“هل … زرتِ القصر؟ لماذا؟”
بدا سؤال لُــو مُريبًا.
أخرجتُ العذر الذي أعددتُه.
“لقد أصبحتُ مشهورةً جدًا مؤخّرًا. يُعاملني الناس كبطلة. لقد استدعوني لتهنئتي.”
هززتُ كتفيَّ وأدليتُ بتعليقٍ مازح.
“لا تقلق. لم تُكشَف هويتك.”
انقلبت ملامح لُــو بشكلٍ غريب.
بدا عليه الارتياح ظاهريًا، لكن بدا وكأنه يُخفي شعورًا مُعقدًا.
تمتم بهدوء.
“… شارل، على ما أظن.”
“ماذا قلت؟”
أملتُ رأسي، لكن لُــو هزّ رأسه ولم يُجب.
بدلاً من ذلك، ارتسمت ابتسامةٌ لطيفةٌ على وجهه، وخاطب خادم العائلة الإمبراطورية بأدب.
“انتظر لحظة. سنستعدّ بسرعة.”
“خُذّ وقتك، سيدي.”
ردّ الخادم الإمبراطوري أيضًا بأدب.
أحدثت السلطة والضغط الكامنان وراء هذا الهدوء توتّرًا غريبًا، فعُدنا إلى غرفتنا، أكثر هدوءًا من المعتاد.
“بصراحة، لا أريد الذهاب.”
نقر لُــو بلسانه وهو يفتح الخزانة ويختار الملابس.
“حتى لو كان ذلك مناسبةً لتكريمكِ … أشعر بعدم الارتياح لدخول قلب دولة العدو.”
إنها ليست دولة العدو، بل بلدكَ الأصلي …….
لم أستطع التطرّق إلى الموضوع، فابتسمتُ ابتسامةً خفيفة.
“لكن لا يمكننا عدم الذهاب، صحيح؟”
“ماذا لو اختلقتُ عذرًا بأنني مريض؟”
“مع ذلك، كنتَ تبدو بصحةٍ جيدةٍ جدًا في وقتٍ سابق؟”
“تسك.”
أطلق لُــو أنينًا خفيفًا وسحب قميصه.
بدا وكأنه يُخفي عاطفةً خفيّة، يُسوّي تجاعيد قميصه وكأنه يُفكّر في شيءٍ ما.
“حسنًا … إنه لأمرٌ جيد، للنظر إلى الآثار.”
عندها، رمشتُ.
الآثار. نعم، هذا ما كنا نبحث عنه في الأصل.
لكن مع كلّ هذه الأحداث هذه الأيام، نسيتُ الأمر للحظة.
“لقد بحثنا في العالم الخارجي بجدّ، لكننا لم نجدها. هل يُمكن إخفاؤها في مكانٍ ما داخل القصر؟”
“همم … هذا مُحتمل.”
“إذن، حالما ندخل القصر، سننتقل ونبحث عنها.”
أومأتُ برأسي، لكن بصراحة، كنتُ قلقة.
هل سنتمكّن حقًا من تحمّل هذا القدر من وقت الفراغ داخل القصر؟
إذا رأى الإمبراطور لُــو، هل سيتركه وشأنه؟
“حسنًا. لنفعل ذلك.”
أجبرتُ نفسي على الرّد.
وقفتُ أمام المرآة، واخترتُ عباءةً، ولففتُها حول كتفي، ونظرتُ إلى لُــو.
قبل أن أنتبه، كان قد انتهى من ارتداء قميصه وبدأ باختيار ربطة عنق.
“هل كان هناك أيّ اتصالٍ آخر من المملكة المقدّسة منذ ذلك الحين؟”
سألتُ بخفة.
“اتصال؟”
أدار لُــو رأسه.
“لماذا؟ لقد اتصلوا بكَ سابقًا، وطلبوا منكَ الصمت بشأن الكهنة.”
في تلك اللحظة، تصلّب وجه لُــو.
عبس حاجبيه بعمق، وانثنت شفته السفلى قليلًا.
“…لماذا أنتِ فضوليةٌ بشأن ذلك … لا، أجل. لم يكن هناك أيّ اتصالٍ آخر منذ ذلك الحين.”
“… حقًا؟”
كانت إجابةً مضطربة.
أدار عينيه، وتردّدت نبرته، وبدا تنفّسه متقلّبًا للحظة.
سرّحتُ شعري للخلف واقتربتُ ببطءٍ من لُــو.
“لُــو.”
ناديتُه بهدوء.
“أنتَ تتصرّف بغرابةٍ بعض الشيء.”
حدّقتُ بعينه وتأمّلته.
منذ استيقاظه، تغيّر شيءٌ ما في لُــو.
بدا من الخارج كما هو، لكن كلامه وأفعاله أصبحا أكثر حذرًا، وكلماته أصبحت أكثر حدّة.
كان من الصعب وصف ما تغيّر بالضبط، لكنني شعرتُ به.
“أنتَ تصمتُ وتتحدّث بحدّة. كما لو أنكَ تخفي شيئًا ما.”
“…أنا؟”
“نعم. أنت.”
حدّق بي لُــو بصمتٍ طويل، ثم ارتعشت زوايا فمه.
كما لو أنه سمع عذرًا سخيفًا.
ظهرت ابتسامةٌ ساخرةٌ مألوفة، تحمل شيئًا من السخرية.
“لا أخفي شيئًا عنكِ، شارل.”
كانت هذه الكلمات، التي ينطق بها بتلقائيةٍ وعفوية، أسلوبه المعتاد.
لكن …… بطريقةٍ ما، شعرتُ وكأنها كذبةٌ سخيفة.
“…هيا بنا. إنهم بانتظارنا.”
مدّ لُــو يده إليّ.
حدّقتُ بها، ثم حاولتُ أن أتظاهر بالعفوية، وأمسكتُ بيده.
سيكون كلّ شيءٍ على ما يُرام.
تمتمتُ في سرّي.
من أجلي، ومن أجله.
لكن حتى أنا لم أكن متأكدةً من ذلك.
* * *
عندما توقّفت العربة، أخذتُ نفسًا عميقًا.
كانت عظمة البوابة الرئيسية، الظاهرة من النافذة، هائلةً لدرجة أنها خطفت أنفاسي.
فُتِح الباب، ونزلنا من العربة.
انعكس ضوء الشمس على الأرضية الرخامية، ساطعًا بشكلٍ مُبهر.
وقفتُ بجانب لُــو.
رفع نظره إلى السماء في صمت، ثم حدّق في البوابة الرئيسية.
كان تعبيره كعادته، لكنني شعرتُ بتوتّرٍ ما في ملامحه.
ضحكتُ وسألتُه.
“لماذا، هل أنتَ متوتّر؟”
ثم استدار لُــو لينظر إليّ.
“لا. إنه فقط … يبدو الجو مألوفًا.”
عندها، أملتُ رأسي قليلًا.
“مألوف؟”
هل كان تعبيرًا بسيطًا، أم ……؟
بينما كنتُ على وشك المتابعة، اقترب منا قائد الحرس وانحنى.
“السيدة شارل فانسين، اللورد لُــو فانسين. أهلًا بكما في القصر.”
كانت تحيةً قصيرةً وباردة.
تبعنا المُرشِد عبر الممر الرخامي.
بينما كنتُ أفعل ذلك، راقبتُ تعبير وجه لُــو.
كان لُــو يسير ببطءٍ بجانبي، لكن نظره كان يتنقّل بين الحين والآخر، بل كان يلتفت أحيانًا.
كما لو كان يبحث عن شيءٍ ما.
“ما الخطب؟”
“….”
أجاب لُــو بعد لحظة.
“لا. إنه فقط … كيف أصفه؟ شيءٌ ما فيه يبدو مألوفًا.”
تمتم بهدوء.
“هذا الممر، النافذة، اللوحة. كلّ شيءٍ يبدو مألوفًا.”
حدّقتُ به في صمت.
كان وجهه مرتجفًا بلا شك.
بقايا الذكريات القديمة وخزت عقله كالأشواك.
غرابةٌ حاول إخفاءها، لكنه لم يستطع.
‘هل لا يزال لديه ذكريات؟’
اختُطف لُــو عندما كان مولودًا جديدًا ….. ومع ذلك، فإن سبب احتفاظه بالذكريات هو أن هذا المشهد مُسجَّلٌ لا شعوريًا.
لكنني لم أنطق بكلمة.
حدّقتُ به بصمت، ثم مددتُ يدي بخفّةٍ وأمسكتُ بكمّه.
ثم توقف الحارس الذي كان يرشدنا عن المشي.
“ستقابلون جلالة الإمبراطور قريبًا.”
عند هذه الكلمات، حبستُ أنفاسي لا إراديًا.
الآن سيلتقي الإمبراطور ولُــو.
سيعرف الإمبراطور لُــو فور رؤيته.
ولكن ماذا عن لُــو؟
هل سيتأكّد لُــو من أن الإمبراطور هو والده؟
حتى أنا لم أستطع استيعاب الأمر.
لذا، كلّ ما استطعتُ فعله هو البقاء بجانب لُــو.
ابتلعتُ ريقي بعصبية.
كنتُ أكثر توتّرًا مما كنتُ عليه عندما وصلتُ أوّل مرّةٍ وحدي، لذا فركتُ يديّ معًا، محاولةً تهدئة نفسي.
في تلك اللحظة.
-رنين!
سُمع صوتٌ حادٌّ ومُحطَّم. التفتُّ أنا ولُــو برأسينا في آنٍ واحدٍ نحو مصدر الصوت.
كان هناك.
“أنتَ، أنتَ، أنتَ…!”
كانت هناك الإمبراطورة ليلى شاحبة الوجه.
وَيحي.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات