“بالأمس لم أتمكّن من رؤيتها جيداً، لكن اليوم أرى أن كلّ الفساتين جميلة، آنستي!”
صرخت ماردي وهي ترتّب خزانة الملابس.
“كيف استطعتِ اختيار فساتينٍ تناسبكِ بهذا الدقّة! ذوقكِ رائعٌ حقاً!”
“…لم أخترها أنا. لـو هو مَن اختارها كلها.”
عندها فتحت ماردي عينيها على اتساعهما.
“يبدو أن السيد يحبّكِ حقاً.”
لماذا يصل الأمر دائماً إلى هذا الاستنتاج؟
“وإلّا كيف كان سيتمكّن من اختيار فساتين تتناسب بهذا الإتقان مع مظهركِ الظريف!”
أليس السبب أن لـو مجنونٌ بالموضة ولم يتحمّل ذوقي الرديء؟
راودني شكٌّ منطقي، لكني لم أقل شيئاً.
ظاهرياً، كنا نحن الثنائي المثالي.
“هوهو، ربما سيختار السيد حتى فستان الزفاف أيضاً.”
تذكّرتُ أنهم قالوا إننا سنقيم حفل الزفاف قبل انتهاء الموسم.
هل من الضروري فعل كلّ هذا…؟
– بالطبع يجب إقامة حفل الزفاف.
– رغم أن الجميع يعلم أن شارل في العاصمة، ما زالت تصلني رسائل منهم.
– فقط عندما نقيم حفل الزفاف سيدعوني وشأني. لا خيار آخر.
هكذا كان الأمر…
شعرتُ بغثيانٍ قويٍّ وكأنني على وشك الإصابة بتقلّصاتٍ معديّةٍ مرّةً أخرى، وأخرجتُ زفيراً طويلاً.
“حفل الزفاف قيد التخطيط خطوةً بخطوة، فلا داعي للقلق.”
“أوه، آه. أنا لستُ قلقة.”
“بل الأهم أن نستعد للحفلة اليوم!”
صفّقت ماردي بيديها بحماس.
ثم أخرجت أحد الفساتين المُعدَّة وعرضته علي.
“هذا الفستان الأزرق الداكن سيكون رائعاً. خط الأكتاف غير مبالغٍ فيه وأنيق، بالإضافة إلى قلادة العنق المرافقة. زينة الرباط على شكل فراشة ستجعل الفستان يبدو وكأنه مُصمَّمٌ لكِ.”
“نعم … هذا جيد … ساعديني في ارتدائه…”
“نعم!”
وبدأت فترةٌ من المعاناة.
ارتداء الفستان كان مقبولاً.
لكن المكياج وتصفيف الشعر الذي تلاه… كان حقاً…
‘القتال في الخارج سيكون أكثر متعة.’
الجلوس دون حركة والانتظار كان عذاباً بالنسبة لي.
على أيّ حال، مرّ الوقت وكأنه دهور.
بحلول وقت انحدار الشمس في السماء، انتهى كلّ شيء.
“تبدين جميلةً جداً، آنستي…”
“اليوم ستكونين الأجمل في الإمبراطورية!”
نظرتُ إلى انعكاسي في المرآة.
أبدو أفضل قليلاً من المعتاد.
“نعم. شكراً لكن. أنتن الأفضل.”
رفعتُ إبهامي مبتسمة، فاحمرّت وجنتي الخادمات من الفرح.
“سنرتّب ذيل الفستان كخطوةٍ أخيرة…”
“لا. سأفعل ذلك بنفسي. أيمكنكن المغادرة؟”
بدت الخادمات مرتبكات، لكنهن غادرن الغرفة بعد ترتيب الأدوات.
تاك.
بعد إغلاق الباب وبقائي وحدي، أدخلتُ يدي تحت فراش السرير.
أمسكتُ المسدس والسكين اللذين أخفيتُهما مسبقاً في الخزانة.
“من حسن الحظ أن التنورة واسعة.”
اليوم ليس مجرّد حضورٍ لحفلةٍ في منزل الماركيز.
من المؤكد أن الخيميائي ثيميس يحمل علامة قائد الفرقة هنري. فالطفل كان يعرف بوجود ثيميس.
في هذه الحالة، حيث لا يمكن توقّع ما سيحدث،
كان عليّ أن أكون مستعدةّ جيداً.
ثبتّتُ السكين والمسدس في حزام الجوارب على فخذي.
‘أتمنى ألّا أضطر لاستخدامها.’
بعد الانتهاء، رتّبتُ ذيل الفستان وفتحتُ باب الغرفة.
“…لـو؟”
وجدتُ لـو واقفاً أمام الباب.
“أخفتَني. لو كنتَ هنا، كان عليكَ أن تخبرني.”
على الرغم من كلامي، ظلّ لـو يحدّق بي كتمثال.
شعرتُ بالإحراج وأضفت.
“تأخّرتُ لأني أحضرتُ المسدّس. تحسّباً لأيّ طارئ.”
لكن لـو ظلّ صامتاً. شعرتُ بقلقٍ خفيف.
“لـو؟ لماذا لا تقول شيئًا؟”
أخيراً رمش لـو.
أزال نظره الثاقب عني وأدار رأسه قليلاً، ثم همس.
“…يليق بكِ جيداً.”
بدا وكأنه يقول ذلك بنبرةٍ مُحرَجة.
“أ-أوه، نعم. شكراً لك.”
أجبتُ بإحراجٍ وربطتُ ذراعي بذراعه.
“لنذهب. سنتأخّر.”
لكن ذراعه بدت متيبسة.
همم.
ربما هذا مجرّد خيالي.
* * *
ماركيز بايدن هو ما يسمى ‘الثري الجديد’.
كانوا يعيشون كحكّامٍ حدوديين في أقصى الشمال، لكنهم اكتشفوا منجم ألماسٍ وحصلوا على ثروةٍ طائلة.
بتقديم المنجم للعائلة الإمبراطورية، حصلوا على لقب ماركيز واستقرّوا في العاصمة.
لهذا يتعرّضون للازدراء في المجتمع الأرستقراطي …
‘يحتقرونهم لأنهم اشتروا اللقب بالمال.’
دون تذكّر خدماتهم للوطن أيام حكمهم الحدودي.
‘يقيمون حفلةً كلّ شهرٍ لهذا السبب.’
بصراحة، لا أفهم.
كشخصٍ يعرف جيداً أن لا أحد يحبّه مهما فعل،
لم أستطع فهم جهود الماركيز وزوجته اليائسة لقبولهم.
‘لكن لكلّ شخصٍ طريقته في البقاء.’
نظرتُ من النافذة. رأيتُ أبراج القصر المدبّبة. لقد وصلنا.
“لـو، نحن هنا.”
أخبرتُ لـو، الذي كان صامتًا طوال الوقت الذي ركبنا فيه العربة.
ثم، رمش لـو، الذي كان ينظر من النافذة، ببطءٍ ونظر إليّ
“آه، هل وصلنا بالفعل؟”
نظره كان مختلفاً عن المعتاد.
إن كان عادةً يلاحظني بتمعّن، الآن كان يتجنّب نظري.
“ما خطبكَ اليوم؟”
حدّقتُ به.
“تبدو غير مركّزٍ منذ قليل. هل حدث شيء؟”
رمش لـو مرّةً أخرى ببطء.
“نعم، حدث شيء.”
“ماذا؟”
هل حقاً؟ اندهشت.
لكنه قال.
“شارل، ألا تبدين جميلة اليوم؟”
ماذا…؟
“غريب. لم يحدث هذا من قبل. فجأة بدوتِ جميلة، فظننتُ أن عيني بها مشكلة.”
رفعتُ رأسي ونظرتُ إلى سقف العربة.
أريد أن أضربه.
لكمةٌ واحدةٌ فقط.
“أتريد القتال حقاً؟”
“أنا فقط أقول الحقيقة.”
“الحقيقة لا تعني أنني سأسامحك. توقّف الآن. لماذا أناقشكَ حتى؟”
هزّ لـو كتفيه.
“على أيّ حال، أنا جادٌّ بما قلتُه.”
ثم حدّق بي.
عيناه الزرقاوتان كالبحيرتين ثابتتان عليّ. ليست نظرة المراقبة أو الشك المعتادة.
“تبدين جميلةً اليوم.”
لذا، بدا صادقاً.
رغم أنه بالتأكيد ليس كذلك.
* * *
“مرحباً، ماركيز بايدن. شكراً على الدعوة.”
عند الوصول، قادني لـو إلى المضيف.
فَرِح الماركيز برؤية لـو واستقبلنا بحرارة.
“أوه! الأمير فانسين! أهلاً!”
يبدو أنه دعا لـو، النجم الاجتماعي الحالي، لزيادة عدد الضيوف.
“بل على العكس، أنا ممتنٌ لقبولكَ الدعوة. هل هذه خطيبتكَ المشهورة؟”
“نعم. شارل، قدّمي نفسكِ. هذا ماركيز بايدن.”
التفت إليّ. ابتسمتُ بلطفٍ وانحنيت.
“مرحباً، سيدي الماركيز. تشرّفتُ بلقائك. أنا شارل كوتني.”
صرخ الماركيز كي يسمع الجميع.
“يا للروعة! بخطيبةٍ جميلةٍ هكذا، لا عجب أنكَ لم تهتمّ بغيرها! هاها! الآن عرفتُ سبب بقائكَ عازباً كلّ هذا الوقت!”
شعرتُ بنظرات الحضور تتّجه إلينا. يبدو أنني جزءٌ من سبب دعوة لـو.
تفحّصتُ المكان وأنا أشعر بتلك النظرات.
“كنتُ أعيش وحيداً وأشتاق إلى شارل. لهذا السبب استدعيتُها إلى العاصمة.”
“لو كنتُ مكانكَ لفعلتُ نفس الشيء! أهلاً وسهلاً بكِ!”
مدّ الماركيز يده للمصافحة، فصافحتُه بابتسامةٍ مشرقة.
عادت نظرات الحضور تتجمّع علينا مرّةً أخرى.
لكن هناك شخصٌ واحدٌ فقط لم يكن ينظر إليّ.
إنه …
“وجدتُه.”
همس لـو.
“سأذهب، ابق وتحدّث مع الضيوف.”
همستُ أنا أيضاً ثم تراجعتُ خطوتين للخلف.
وبذريعة ترتيب ملابسي، غادرتُ المكان.
‘ثيميس.’
لأتعقّبه.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل "10"