هل بدأت يومكِ جيدًا بعد أنْ استلمتِ هَذهِ الرسالة؟
أكتبُ إليّكِ وأنا في مزاجٍ جيدٍ جدًا. لقد صمّمتُ شموعًا عطرية أراها مرضيةً إلى حدٍّ كبير.
أضفتُ رائحة الأعشاب العطرية بما يتناسبُ مع ذوقكِ، وما إنْ أشعلتُ الشمعة حتى شعرتُ كأنني دخلتُ إلى غابة. كان اختيارًا موفقًا، أيتُها الزميلة.
وبفضل ذَلك، وجدتُ لنفسي حُجّةً مناسبة لأصنع الكثير مِن هَذهِ الشموع التي كنتُ أعتزم إهداءكِ إيّاها، لكن يبدو أنني سأستخدمها أكثر منكِ. حتى أنني وضعتُ واحدةً في قاعة الاجتماعات ضمن إطار العناية برفاهية الموظفين، ولا تتخيلي مدى إعجابهم بها.
ولو مرّت الدوقية بأزمةٍ مالية، أظن أنْ بيع الشموع قد يكون مشروعًا جانبيًا لا بأس به.>
“ما هَذا…؟”
قرأت ليتيسيا الرسالة، وقد ارتسمت على وجهها ابتسامةٌ لا إرادية، إذ كانت الرسالة خفيفة الطابع كأنها كُتبت مِن قِبل شخصٍ في مثل سنها، دوّن مقدمات متكلفة تتحدث عن الطقس أو مجاملات رتيبة كما يفعل معظم النبلاء.
شعرت بفضولٍ شديد تجاه رائحة الشموع، ففتحت الطرد بسرعة.
“رائع…”
فور فتح الصندوق، انتشرت في المكان رائحة أعشابٍ قوية. وُضعت داخله ست شموعٍ خضراء اللون بعناية.
“وصلت سليمةً دوّن أنْ تنكسر أو تتلف.”
لأن إيمريك ساحر، فلا شك أنه استخدم تعويذةً وقائية خفيفة لحمايتها.
استنشقت ليتيسيا رائحة الأعشاب بعمق، ثم واصلت قراءة الرسالة.
<أتمنى أنْ تُسهم هَذهِ الشموع الصغيرة في مساعدتكِ على النوم الهانئ.
وقد سمعتُ أيضًا أنْ شرب الحليب الدافئ قبل النوم يساعد على النوم العميق.
لكن، الأهم مِن كُل ذَلك، هو أنْ تُبعدي الأفكار المزعجة والهموم عن ذهنكِ قبل النوم. أعلم أنكِ صارمةٌ مع نفسكِ، لذا أعلم أيضًا أنْ هَذا ليس بالأمر السهل بالنسبة لكِ، ولهَذا أقلقُ عليكِ.
حين أشعرُ بالقلق، أو حين تبدو الطريق أمامي مسدودةً بصخرةٍ كبيرة، أتذكر ما قلتهٍ لي ذات مرة.
“أنتَ تبلي حسنًا.”
وبفضل تلكَ الكلمات، استطعتُ أنْ أنمو كثيرًا. وأظن أنْ الوقت قد حان لأردها لكِ.
أنتِ تبلين حسنًا، أيتُها الزميلة.>
حين رأت ليتيسيا الكلمات التي كانت قد قالتها في الماضي وقد كُتبت أمامها، شعرت بوخزٍ خفيف عند عينيها. ولأول مرةٍ منذ سنوات، أحست أنها تلقت تعزيةً حقيقية، وملامسةً دافئة لقلبها مِن أحدهم.
<لستُ أملك بصيرة، لكن أشعرُ وكأنني أرى وجهكِ المتأثر أمامي.
سأدفع ثمن تلكَ التعويذة السحرية في يومٍ ما حين تزورين الغرب.
إلى أنْ يحين ذَلك اليوم، كوني بخير.
إيمريك.
ملاحظة: إذا أعجبتكِ الشموع بعد تجربتها، فلا تترددي في إخباري. سأصنع لكِ المزيد وأرسلها إليّكِ.>
“هاهاها…”
أغلقت ليتيسيا الرسالة المرحة حتى النهاية، وانفجرت ضاحكةً بوجهٍ يكاد يبكي.
رسالة إيمريك المليئة بالمودة الطريفة، جعلتها تتذكر رسائل إليوت التي كانت مليئةً بالمودة الرسمية.
لقد شعرت فعلًا برغبةٍ عارمة في البكاء.
***
“جلالتُك. أطلب منكم الإذن بأنْ أكون وصيًّا على الآنسة أديلين شالامي، الابنة الكبرى لأسرة شالامي، مِن مملكة كيلت، وذَلك ردًّا لجميل إنقاذها لحياتي.”
“سمعتُ أنها أنقذت بطلًا مِن أبطال الإمبراطورية في ساعة الخطر. وبما أنها أنقذت بطلًا مِن أبطالنا، فهي بلا شك تستحقُ أنْ تنعم برخاء الإمبراطورية وعطفها.”
بعد أنْ أبلغ ليتيسيا بالأمر، توجه إليوت إلى القصر الإمبراطوري ورفع طلبه إلى الإمبراطور، الذي قبله بكل سرور.
وعندما خرج إليوت برفقة أديلين إلى شارع هيلدرن، أحد أكثر شوارع العاصمة ازدحامًا، تحوّلت أنظار النبلاء وكل أوساط المجتمع الأرستقراطي نحوهم.
“يا إلهي! هل تلكَ الفتاة هي حقًّا النبيلة مِن المملكة المهزومة؟”
“الآنسة إينيس كلامها رقيقٌ مثل قلبها. أظن أنْ تلكَ الفتاة أقرب لأسيرة حربٍ بدلاً مِن نبيلة.”
“كنتُ أعلم أنْ الماركيز دوبون رجلٌ نبيل، لكن لَمْ أتخيل أنه بهَذهِ الدرجة مِن الرقة. يبدو أنه يعتني بها جيدًا، رُبما لأنها أنقذت حياته.”
“همم، هل ترين حقًّا أنْ تلكَ العناية تليق بِمَن أنقذ حياته فقط؟ لو كان زوجي يفعل هَذا… لأخذتُ مهري وعدتُ إلى منزل والدي فورًا. حتى للعشيقات هُناك حدود، فكيف بفتاةٍ مِن مملكةٍ مهزومة، كانت عدوًا للإمبراطورية؟”
“حتى مَن كانت محظوظة بما يكفي لتُصبح زوجة ماركيز، يُمكن أنْ تشعر بالشفقة أحيانًا.”
يرجو الناس لأنفسهم الحظ الجيد، لكنهم يغارون مِن حظ الآخرين، ويصفقون بحماسةٍ للأبطال، لكنهم يضحكون بشدة عند سقوطهم.
ومِن هَذهِ الزاوية، فإنَّ وضع ليتيسيا التي أصبحت ماركيزةً بالحظ، وأديلين التي أنقذت الماركيز، وإليوت بطل الحرب… لَمْ يكُن سوى مادةٍ دسمة للثرثرة بين الناس.
بعد عودة ابنها مُتوجًا بلقب بطل الحرب، وتباهِيها بهِ خلال نشاطاتها في المجتمع الراقي، ما كان للشائعات أنْ تتأخر في الوصول إلى السيدة دوبون.
“ما هَذا بحق الجحيم!”
لَمْ تكُن راضيةً أصلًا عن الفتاة مِن الدولة المهزومة التي كان ابنها يُوليها اهتمامًا بالغًا، فاستغلت غياب إليوت عن القصر وأمرت الخادمات بجلب أديلين، التي كانت تقيم في غرفة الضيوف، إلى مجلسها الخاص.
“تشه، اليوم يومها.”
“لَمْ يكُن يعجبني أساسًا كبرياؤها لمُجرد أنها أنقذت حياة الماركيز، والآن ستتلقى درسًا يُعيدها لحجمها بعد أنْ تنال مِن غضب السيدة الكبرى.”
كان بعض الخدم يترقّبون أنْ تنال أديلين توبيخًا شديدًا مِن السيدة الكبرى، وذَلك رغم أنْ إليوت، سيد القصر، كان يُعاملها معاملةً مميزة، لكنها في النهاية لَمْ تكُن سوى ضيفةٍ طارئة على القصر.
ومِن وجهة نظر الخدم، فإنَّ وجودها لَمْ يُضف لهم سوى عبءٍ جديد يوجب العناية به، لذا كانت مشاعرهم تجاهها في الغالب سلبية ومتذمرة.
ولَمْ يلبث بعضهم، مِمَن لا يستطيعون كتم ألسنتهم، أنْ أسرعوا إلى ليتيسيا ليُبلغوها بما حدث.
“مع أنها أنقذت حياة الماركيز، فإنها لا تُدرك وضعها أبدًا. كانت تتصرف وكأنها شخصيةٌ عظيمة، وكان ذَلك مثيرًا للسخرية.”
“في الحقيقة، إنْ تأخُّر السيدة الكبرى في مواجهتها أمرٌ غريب إذا أخذنا طبعها في الحسبان.”
ورغم انزعاج ليتيسيا مِن وجود أديلين، فإنها لَمْ تجد في نفسها الميل للانضمام إلى تلكَ الأحاديث السلبية، فاكتفت بتوبيخ الخدم على تساهلهم في الحديث.
دخلت أديلين مجلس السيدة الكبرى دوّن أنْ يظهر عليها أيُّ تردد، رغم نظرات الشماتة مِن الخادمات، وخرجت بعد مرور ساعةٍ تقريبًا.
وجهها لَمْ يتغير، ولَمْ تكُن هُناك آثارٌ للدموع في عينيها. بل إنها بدت مطمئنةً وهي تبتسم.
أثار ذَلك النتيجةً غير المتوقعة توترًا خفيًا بين الخدم.
وفي تلكَ الليلة، انتشر في أرجاء القصر خبر مفاده أنْ عشاءً جمع بين إليوت وأديلين والسيدة الكبرى كان مليئًا بالضحكات.
ذَلك اليوم كان نقطة تحوُّل في الرأي العام داخل قصر الماركيز.
***
الأشجار التي أصبحت عاريةً بعد أنْ بلغت أوراقها ذروة التلوّن الخريفي، والرياح التي بدأت تبرد تدريجيًا.
مرّ أكثر مِن شهرٍ منذُ عودة إليوت.
وشهرٌ واحد كان كافيًا لتبدُّل أوضاع الناس بالكامل.
“سمعت أنْ جدتكِ كانت معلمة آداب، وهَذا واضحٌ أكثر كلما رأيتُكِ. لا عجب إذًا في أهمية التربية المنزلية.”
“وسيسعدني كثيرًا أنْ أتلقى تعليمات مِن السيدة الكبرى أيضًا.”
لا أحد يعلم ما الذي فعلته، ولكن بعد محادثةٍ واحدة فقط، استطاعت أديلين أنْ تكسب ودّ السيدة الكبرى بعد أنْ كسبت إليوت مِن قبل، حتى أصبحت شبه متكيفةٍ تمامًا مع الحياة في قصر الماركيز.
“يا آنسة، هل مِن أمرٍ تأمرين به؟”
“هل درجة حرارة غرفة النوم مريحةٌ؟ أليست باردة؟”
الأجواء التي كانت ترفض أو تتوجّس مِن أديلين بين الخدم قد اختفت منذُ زمن، بل وظهر مِن يتقرّب منها ويحرص على نيل رضاها.
وبقدر ما كانت مكانة أديلين تتعزز في قصر دوبون، كانت وضعية ليتيسيا، التي بدت وكأنها تقفُ في الطرف المُقابل، تزداد حرجًا.
لَمْ تكُن قد فقدت سلطتها كـ سيدة اامنزل، لكن طريقة تعامل معظم الخدم معها عادت إلى ما كانت عليه في بدايات زواجها؛ لَمْ تكُن وقحة، لكنها كانت باردةً ومُجردةً مِن الود، يؤدّون ما يُطلب منهم دوّن زيادة.
‘يا لهُ مِن أمرٍ لا يُصدّق…’
راقبت ليتيسيا هَذا التحوّل بدهشةٍ ومرارة. شعرت أنْ جهودها خلال العامين الماضيين كزوجةٍ للماركيز، وما بذلته مِن أجل القصر والإقطاعية، ذهبت سُدى.
رُبما كانت هَذهِ حدود مِن يدخل إلى طبقة النبلاء العليا عن طريق الزواج فحسب.
رغم الظلم والحزن الذي شعرت به، لَمْ يكُن لديها وسيلةٌ مناسبة للرد. فهي بالأصل ابنة عائلة بارونٍ منهارة، ونفوذها في القصر كان ضئيلًا جدًا، ولَمْ يكُن هُناك أحدٌ أظهر إساءةً صريحة يُمكن الإمساك بها.
‘كأنني أغرق شيئًا فَشيئًا في مستنقعٍ لا نهاية له…’
وفي خضمّ ذَلك، حلّ يوم ميلاد ليتيسيا.
منذُ حوالي ثلاثة أسابيع، كانت إحدى خادماتها المُقربات قد سألتها بخجل.
[سيدتي، بما أنْ الماركيز موجودٌ هَذا العام، هل ستُقيمين حفلة عيد ميلادكِ مثل باقي السيدات؟]
خلال العامين اللذين قضاهما إليوت في ساحة المعركة، لَمْ تُقِم ليتيسيا أيِّ حفلات ميلاد، ولَمْ تشترِ لنفسها أيِّ سلعةٍ فاخرة كهديةٍ شخصية.
كانت تشعرُ بالذنب أنْ تحتفل وحدها بينما زوجها يُخاطر بحياته خارجًا.
لذَلك، كانت تكتفي في كل مرةٍ بكعكة عيد ميلاد يصنعها كبير الطهاة ببراعة، وتوزع بعض الهدايا البسيطة على الخدم.
قبل عام، كانت تقول نفسها بأنه حين يعود زوجها، قد تُقيم ولو مرة واحدة حفلة عيد ميلاد تليق بسيدة نبيلة.
لكن رغم عودته، بدا أنْ إقامة الحفلةٍ هَذا العام أمرٌ بعيد المنال. فقد أثارت نزهة إليوت مع أديلين في شارع هيلديرن ضجّةً كبيرة في المجتمع الأرستقراطي، ولَمْ يكُن لديها الجرأة على دعوة الآخرين لحفلة ميلاد.
[صحيح أنْ الحرب انتهت، لكن أعمال الترتيب وتعويضات الموتى والجرحى بدأت لتوّها. سيكون الجميع منشغلًا حتى نهاية العام، لذا مِن الأفضل التفكير في الحفلة العام القادم.]
قدّمت هَذا الردّ المغلف بالحكمة رغم أنْ السبب الحقيقي هو الخوف مِن ألسنة النساء ونظرة إليوت.
وفي يوم السابع مِن نوفمبر، استقبلت ليتيسيا صباح يوم ميلادها بهدوءٍ كعادتها.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليغرام》
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 7"