الفصل 49 : مِن أجل حماية حقوق النّشر ²

التعدي على الصلاحيات والوقاحة…

كانت كلماتٍ تحمل نغمةً قويّةً وسلبيّة.

تجمّعت أنظار الجميع بعدما شعروا أنَّ ما يتفوه به الطرفان ليس بالأمر العاديّ.

ليس فقط المساعدون والسحرة التابعون لمكتب الإدارة، بل حتى أولئكَ السحرة الذين جاؤوا لحلّ شكاواهم كانوا جميعًا يراقبون الموقف.

لكنّ مايس وليتيشيا لَمْ يتفاجآ على الإطلاق، فقد كانا يتوقّعان تمامًا أنْ يلفتا الأنظار حين يتكلّمان.

فهما الآن لا يختلفان عن ممثلين يقفان على خشبة المسرح.

والمجادلة التي ستحدث مِن الآن فصاعدًا، ستنتشر وتتكرر بفضل شهود العيان، حتى تعمّ برج بأكمله.

“أساسًا، لماذا أرسلت الدوقية العظيمة مساعدين إلى برج السحر؟ لأنّ السحرة الذين ينضمون إلى البرج عادةً ما يرغبون في التركيز على التدريب والبحث، ولا يريدون التّعامل مع الأعمال الإداريّة، لذا أُرسلوا لمساعدتهم في ذَلك.”

تجمّدت تعابير وجه بيلوس والسحرة الذين كانوا يساعدون في المكتب الإداري.

فَفي البداية، كانوا يفكّرون مثل مايس. كانوا يندبون حظّهم السيّئ الذي جعلهم يُجبرون على هَذهِ الأعمال، ويريدون فقط تمضية الوقت سريعًا ليعودوا إلى مساكنهم أو مختبراتهم.

لكن مع مرور الوقت، بدأوا يدركون شيئًا فَشيئًا: البقاء منغلقين في غرفهم أو المُختبرات لا يُحسّن المهارات السحريّة ولا يؤدّي بالضّرورة إلى نتائج بحثيّة عظيمة.

فالإنسان قادرٌ على اكتساب الأفكار والتعلّم حتّى مِن خلال حياته اليوميّة.

وسحرة المكتب الإداري كانوا أحيانًا يشرحون نظريّاتٍ معيّنة للمساعدين الذين يفتقرون للمعرفة السحريّة، وأحيانًا يُلقون برأيّ كمستشار، مِمّا يجعلهم يُدركون نقائصهم ويتقدّمون خطوةً إلى الأمام.

لذا، هم اعترفوا بأنَّ مساعدة الآخرين تُعدّ شكلًا آخر مِن أشكال التدريب، وكانوا يؤدّون مهامهم بإخلاص. لكن أنْ يقول مثل هَذا الكلام؟!

اشتعلت عيون السحرة التابعين للمكتب الإداري بالغضب، لكنّهم لَمْ يرفعوا صوتهم على مايس متهوّرين.

بل اختاروا الثقة بـ ليتيسيا وانتظار ردّها.

“كلماتُكَ كان يُمكن أنْ تُقال بأسلوبٍ وآخر، لكن كلامك كان مغرورًا للغاية. في محاولة للنيل مِن عملنا كمساعدين، بدا لي وكأنّكم تحقّرون أيضًا جهود السحرة الذين يقدّمون المساعدة هنا.”

“آه، لا، هَذا ليس ما قصدته…”

عندها فقط، أدرك مايس أنَّ السحرة، وعلى رأسهم بيلوس، يحدّقون فيه بنظرات حادّة.

“دورهم مختلفٌ عن دور المساعدين، فهم هنا كمستشارين فقط، أليس كذلك؟”

“رغم أنّني أراك للمرّة الأولى، يبدو أنّكَ شخص يُحبّ تقسيم العالم إلى حليف وعدو بهَذهِ الطريقة الثنائيّة، أليس كذلك يا سيد مايس؟”

نبرة ليتيسيا بقيت هادئة، ومِن نبرة صوتها وسلوكها، كان مِن السّهل توقّع مَن يملك الأفضلية.

‘أيُّ فتاةٍ هَذهِ…’

مايس طحن على أسنانه في داخله.

فهي رغم مظهرها الضّعيف كفتاةٍ أرستقراطيّة مريضة، كانت تحمل حضورًا قويًّا.

في الواقع، مايس كان يُطلق مقدارًا بسيطًا مِن طاقتهِ السحريّة منذُ دخوله المكتب، لإشعار الطرف الآخر بضغطٍ غير مرئي، لكنّ المرأة أمامه لًمْ تُظهر أيِّ خوفٍ أو تراجع.

‘أجل، لا شكّ أنّها لم تحصل على منصب مساعدة إيمريك الوحش عن طريق الحظ.’

“أنا فقط أفضل الوضوح في الأمور. لا تُمسكي بالكلمات بلا داعٍ. دعينا ننتقل إلى صلب الموضوع. التقرير الذي عرضتِه أمس هو…”

“لحظة واحدة، سيد مايس. أنا أيضًا أفضّل استخدام كلمات بشكلٍ دقيقة. لا تُجمل ما عرضتُه بقولك ‘التقرير’ فقط، بل تحدث بوضوحٍ مِن فضلك.”

ثم نظرت إلى الحاضرين وقالت:

“لقد قدّمتُ منذُ أيّام تقريرًا بعنوان ‘خطّة تعديل التشريعات القانونيّة لحماية النظريّات والاكتشافات الجديدة التي يُنتجها برج السحر’.”

“تعديلات في قانون حقوق النّشر؟”

“قانون يحمي النّظريّات والاكتشافات الجديدة؟”

انتشرت الهمسات بين السّحرة الذين جاؤوا لقضاء شؤونهم وشهدوا الجدال بالصدفة.

وكان حوالي 40% منهم قد جاؤوا لأنّهم شعروا أنَّ أعمالهم أو نظريّاتهم قد سُرقت دوّن وجه حق.

لذا، بدأت نظراتهم تتّجه نحو ليتيسيا محمّلةً بالأمل.

“وقد رأت السيّدة كاريـنا، بعد مراجعتها، أنَّ المحتوى يستحق العرض، لذا قامت بإدراجه في جدول أعمال اجتماع البرج الشهري.”

“ثمّ، وبما أنَّ السيدة ميتلونا، نائبة رئيس البرج، تهتمّ دومًا بحقوق السحرة، فقد قرّرت تنفيذ النظام تجريبيًّا لمدة شهر للتأكّد مِن فاعليته.”

“رائع…”

كانت كاريـنا مذهولة.

فليتيسيا بكلماتٍ قليلة أصابت هدفين.

أوّلًا، شرحت بإيجازٍ النظام المقترح للحاضرين.

ثانيًا، عزّزت مصداقيّة كلامها بذكر كاريـنا وميتلونا، وأكّدت أنَّ النظام سيُنفّذ فعليًّا لشهرٍ على الأقل.

‘أسلوبها صريح لكنه يحمل طابعًا أرستقراطيًّا ساحرًا. مثيرٌ للاهتمام.’

ومايس، الذي كان بارعًا في الجدل، أدرك هو الآخر أنّه بدأ يخسر.

‘لا، لا بد مِن جرجرتها إلى وحل الكلام. وإلّا سأُهزم تمامًا…’

“بما أنّكِ تُحبّين الدقّة، سأشرح للبقيّة ما جاء في تقريركِ.”

“حسب التقرير، الفكرة الأساسيّة هي تسجيل حقوق النشر حالما يتمّ إنتاج نظريّةٍ أو اكتشافٍ جديد كما نفعل في براءات الاختراع، أليس كذلك؟”

“لكن، هل فكّرتِ في احتمال زيادة النزاعات بسبب ذَلك؟”

“ماذا لو جاء كلّ شخصٍ بنتيجة غير مكتملة وأصرّ على تسجيلها؟”

“لا يُمكن قبول كلّ شيء هَكذا، فهناك وقتٌ وتكاليف إداريّة! كيف ستُعالَج هَذهِ الأمور؟”

“الدوقيّة بالفعل تربح رسومًا كبيرة مِن إرسال المساعدين، هل تريدون تضخيم النزاعات وزيادة العدد لتحصيل المزيد؟”

تغيّر جوّ المكتب الإداري فجأةً بعد تلك الكلمات.

فالموضوع حين يتعلّق بالمال والمصالح يصبح حسّاسًا للغاية.

“سيد مايس، إنْ كنتَ جئتَ للحديث عن هَذا، فكان عليكَ على الأقل قراءة تقريري بعناية.”

تنهدت هي الأخرى وتابعت:

“صحيح، في البداية سيستهلكَ النظام وقتًا وجهدًا أكثر. لأنّ الجميع، سواء المساعدون أو السحرة، سيخوضون مرحلة مِن التجربة والخطأ.”

“لكن حين يستقرّ النظام ويُطبَّق بالشكل الصحيح…”

“عندها سيوفّر وقتًا هائلًا، ويقلّل النزاعات، ويجعل معالجتها أكثر كفاءة.”

وضعت يدها على صدرها وتحدثت بإحساس:

“أيُّها السّحرة! كـ عُلماء ومفكّرين في هَذا العصر، ألَمْ يحدث أنْ صُدمتُم حين تلقّيتم إشعارًا يُتّهم فيهِ عملكم بأنّه منسوخ عن شخصٍ آخر، رغم أنكم لم تفكّروا أبدًا في سرقة أيِّ أحد؟”

“صحيح، تلقيتُ إشعارًا كهَذا مرةً وكنتُ مصدومًا.”

“وأنا كذَلك، ظننت أني ظلمت جاستن، رغم أنْ موضوعنا تشابه فقط بالصدفة.”

بدأ بعض السّحرة يهزون برؤوسهم متذكرين مواقف مشابهة.

“إذا قمنا بإصلاح قانون حقوق النّشر الآن، فسنوفّر على السّحرة الكثير مِن الوقت والجهد الضائع في النزاعات العقيمة.”

“ويُمكن استخدام الوقت الذي نوفره في تدريبٍ أفضل وأبحاثٍ أكثر جودة.”

“ثمّ، مهما كان عدد المساعدين الذين تُرسلهم الدوقيّة، فإنَّ الاتفاق الأصليّ بين البرج والدوقيّة لَمْ يتغيّر، ولَن تزيد الرسوم أبدًا.”

“والآن بعد أنْ فنّدتُ ادعاءكَ بالحجّة، لننتقل إلى المشاعر.”

“فأنا قبل أنْ أكون مساعدةً للدوقيّة، أنا شخصٌ اختار أنْ يعيش في الغرب، لذا وضعت هَذا النظام وأعددت التقرير حرصًا على تطوّر برج السحر.”

قال بيلوس مؤيدًا:

“أنا رأيتُ بعيني كم هي مخلصةٌ لعملها.”

وانضمّ إليه سحرةُ المكتب:

“صحيح، لم أرَ أحدًا يعمل بجدٍّ وإخلاص كما تعمل ليتيسيا!”

“فكروا بعقولكم! مَن الذي يبادر إلى إنجاز مهامٍ غير مطلوبةٍ منه؟ هَذا يُسمّى شغفًا وولاءً!”

اندهشت ليتيسيا مِن هَذا الدعم غير المتوقع، فانحنت لهم امتنانًا، ثمّ نظرت إلى مايس بثبات.

“هل يا ترى، سيد مايس، لا تهمّكَ على الإطلاق حقوق السّحرة الضعفاء الذين لا صوت لهم؟ أم أنّكَ تُضايَق مِن فكرة حصولهم على الحماية؟”

انتهى الأمر.

أغلق مايس عينيه غصبًا عنه.

وما حدث، انتشر سريعًا في جميع أنحاء برج السحر بفضل أحاديث السحرة.

***

“أوه، كان واثقًا بنفسه، ثم خسر هكذا؟!”

“…لابد أنَّ تلك الفتاة الصغيرة استعملت خدعةً خبيثة! لقد تسلّلتُ بطاقةٍ سحريّةٍ خفيفة للهيمنة، ومع ذَلك لم تتأثّر أبدًا!”

صرخ مايس في وجه بقيّة الحكماء الذين كانوا يلومونه.

فقال أحدهم، وقد تلألأت عيناه:

“خدعة؟ رُبما تكون قد تعلّمت تلكَ الطلاسم البسيطة التي يتقنها الأطفال في الخامسة بدولٍ أخرى؟”

كان المتحدث يُدعى كريستان، وهو ساحرٌ مِن نوعٍ نادر في البرج، يختصّ بالسّحر العقلي.

“دعوني أتولّى الأمر هَذهِ المرّة.”

توجّهت إليه أنظار الجميع، فقال بابتسامةٍ خبيثة:

“عادةً، لنجاح نظام جديد، يجب أنْ يكون مقدّمه صلبًا ومتماسكًا. لكن، ماذا لو هُزّ استقرارُه بسبب أمورٍ شخصيّة؟”

فهم الجميع المعنى.

فقال أحدهم بقلق:

“لكنها تابعةٌ للدوقيّة، ويُقال إنَّ الدوق يُقدّرها كثيرًا… هل لَن يكون هناك تبعات؟”

“هاهاها، هل تظنونني سأستخدم قوتي الكاملة على عامّي؟ سأكتفي بتأديبها قليلًا في الحلم فقط.”

“آه، إنْ كان الأمر هَكذا فلا بأس.”

فاطمأنّوا جميعًا.

وفي تلكَ الليلة، تسلّل كريستان سرًّا إلى مكتب الإدارة بعد انتهاء الدوام وخروج الجميع.

《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》

═════• •✠•❀•✠ •═════

الترجمة: فاطمة 

حسابي ✿

《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》