الفصل 48 : مِن أجل حماية حقوق النّشر ¹

<خطةُ تنظيم القوانين لحماية حقوق النشر للأبحاث والنظريات الجديدة الناتجة عن البرج الأحمر>

بمُجرّد أنْ أنهت ليتيسيا إعداد هَذا التقرير، سلّمته على الفور إلى كاريـنا، رئيسة الفريق.

وفي اليوم التالي، استدعت كاريـنا ليتيسيا إلى غرفة الاستراحة بهدوء.

“قرأتُ التقرير الذي سلّمتِنيه بالأمس بدقّة.”

انتظرت ليتيسيا ما سيأتي بعد ذَلك، وهي تُبدي توتّرًا واضحًا.

“لقد كنتُ أعتقد أنّه مِن المذهل أنّكِ تأقلمتِ بهَذهِ السرعة مع الفريق في وقتٍ قصير،”

ثمّ تابعت كاريـنا الحديث وهي تهزّ رأسها يمينًا ويسارًا.

“كان قسم الإدارة منشغِلًا بأداء المهام، وخلال نهاية العام ساعدتِ فريق الشؤون الداخليّة، لا أفهم حقًّا متى وجدتِ الوقت لإعداد أمرٍ كهَذا.”

“منذ أنْ سُمِعتُ بتكليفي بالبرج الأحمر، وعلمتُ أنَّ هناك الكثير مِن النزاعات المرتبطة بحقوق النشر، بدأتُ أُفكّر في هَذهِ المشكلة بجدّيّة. وتمكّنتُ مِن صياغة بدائل ملموسة بعد أنْ اطّلعتُ على الواقع بنفسي.”

“تنسيق التقرير مضبوط، والمحتوى ليس سيّئًا، لذا يُمكننا طرحه كبند في اجتماع نهاية هَذا الشهر.”

في البرج الأحمر، يُعقد اجتماع نهاية الشهر يحضره سيّد البرج ونائبه، والحكماء، ورؤساء الأقسام والفِرق. تُناقش فيه القضايا الأساسيّة ويتمّ اتخاذ قرارات تنفيذها.

عندما رأت كاريـنا وجه ليتيسيا يُضيء بالسعادة، ابتسمت بمرارة وأضافت:

“لكن لا تعلقي آمالًا كبيرة.”

“……ماذا تعنين؟”

“المُشرفون الذين تعاملتِ معهم حتى الآن، مثل أعضاء قسم الإدارة أو الحكيم دوسيا، أو نائب سيّد البرج، هم الأقلّ تصلّبًا في التفكير.”

في أيِّ مؤسّسة، أصحاب النفوذ غالبًا لا يُحبّون التغيير أو الإصلاح، فبالنسبة لهم، يكفي أنْ يستمرّ الوضع الحالي كما هو.

“بالنسبة لي ولكِ، نحن نعتبر أنفسنا جزءًا مِن البرج الأحمر، لكن العديد مِن الموجودين هنا ما زالوا يروننا كـ ‘غرباء’. توقّعي أنْ تواجهي مقاومةً شديدة.”

“أنا أتفهّم ما تقولينه، لكن مع ذَلك، أرجو أنْ يُطرح هَذا البند في الاجتماع.”

قالت ليتيسيا بعزيمة، يظهر على وجهها تصميمٌ صارم، كما لو أنّها على وشك دخول ساحة معركة. مِن الواضح أنّها توقّعت العقبات وكانت مستعدّةً للمواجهة.

“حسنًا، فأنا أحبّ البرج الأحمر أيضًا. وأتمنّى أنْ يتطوّر في اتجاهٍ أفضل. وإذا كان لا مانع لديكِ… هل يُمكنني أنْ أُعرب عن دعمي لهَذهِ الخطّة أثناء الاجتماع؟”

قالت كاريـنا ذلك بحذر، مؤكّدة أنّها لا تُحاول سرقة مجهود ليتيسيا.

وكما قالت أمام الآنسة نوديا سابقًا، كانت كاريـنا دائمًا مديرة فريقٍ منضبطة ومراعية.

وليتيسيا، التي فهمت هَذهِ النيّة الطيّبة، انحنت شاكرة.

“شكرًا جزيلًا لكِ، قائدة الفريق.”

***

31 يناير.

أوّل اجتماعٍ شهري في البرج الأحمر بعد بداية السنة الجديدة.

“……هَذا كلّ شيء.”

عندما أنهت كاريـنا عرض تقرير “خطة تنظيم قوانين حقوق النشر”، بدأ الهمس في القاعة التي كانت هادئة حتى تلكَ اللحظة.

“ما هَذا بحقّ السماء؟”

“نظامٌ يسمح بتسجيل حقوق النشر فورًا عند اكتمال النظريّات أو الأبحاث الجديدة، مثل براءة الاختراع؟”

“ويُمكن تسجيلها حتى إنْ لٍمْ تكتمل بنسبة 100% طالما أنّها تختلف بوضوح عن نظريّاتٍ وأبحاثٍ أخرى؟”

“يقول التقرير إنّْ مُجرّد تسجيل الحقوق سيُقلّل عدد النزاعات، وحتى إنْ حدثت، فسيكون مِن الأسهل إيجاد منطقٍ وأدلّة موضوعيّة؟”

كان التقرير يركّز على تسجيل وإدارة حقوق النشر مُسبقًا كوسيلة للوقاية مِن النزاعات، بدلًا مِن التدخّل بعد وقوعها.

بعض الحاضرين فكّروا في جدوى هًذا النظام، وبعضهم كان متردّدًا، أمّا حوالي 40% مِن الحكماء فقد عبّروا عن اعتراضهم.

“ألا يُعدّ هَذا مجرّد تغييرٍ في الترتيب لا أكثر؟ تسجيل الحقوق لا يتمّ بهَذهِ البساطة! يجب التحقّق مِن عدم تطابقها مع أبحاث أخرى.”

“يا حكيم جيكوبا، إذا نظرت إلى الصفحة 11 مِن التقرير، فسترى طريقةً مُبسّطة لذَلك.”

لم تحضر كاريـنا الاجتماع وهي تحمل تقرير ليتيسيا فقط.

فقد قرأت التقرير مرارًا قبل الاجتماع، وسألت ليتيسيا عن كلّ نقطةٍ أثارت تساؤلاتها، ما مكّنها مِن الردّ السريع على معظم الأسئلة.

وبما أنَّ التقرير كان بجودةٍ عالية رغم إعداده في وقتٍ قصير، فقد كانت التساؤلات التي طُرحت محدودة.

عندها بدأ الرافضون بتوجيه انتقادات مِن زوايا أخرى.

“هاه، أليست هَذهِ الموظّفة مِن قصر الدوق؟ لماذا تتدخّل في تنظيم البرج الأحمر؟”

“رئيسة الفريق كاريـنا، لماذا لَمْ تُحضري تلكَ المتعجرفة معكِ؟”

“كفى! أيُّ نوعٍ مٍن الفوضى هَذهِ؟!”

عندما تحدّثت نائبة سيّد البرج، ميتيـلونا، بصوتٍ مزجَت فيه القليل مِن طاقتها، عمّ الصمت القاعة.

كانت نظراتها إلى الحكماء المُعترضين باردةً وجامدة.

وبما أنّها تقود جهاز المخابرات الخاصّ بالبرج، فقد كانت تملك ملفّاتٍ عن كلّ واحدٍ منهم.

والغالبية مِمَّن أظهروا اعتراضًا شديدًا، تورّطوا سابقًا في شائعاتٍ سيّئة، مثل سرقة أبحاث المُتدرّبين أو الانحياز لطرف في نزاعات حقوق النشر.

‘إذًا هم خائفون مِن أنْ يتمّ كشف تجاوزاتهم إنْ أصبحت هَذهِ الخطّة قانونًا رسميًّا؟’

أخفت ميتيـلونا غضبها وبدأت الحديث.

“أليس مِن المُخجل أنَّ رجالًا كبارًا في السنّ يتعاونون على مهاجمة رئيسة فريقٍ شابّة؟”

“همف، مَن قال إنّها مهاجمة؟ فقط ارتفع صوتنا قليلًا.”

“لقد اندفعتُ قليلًا، أعتذر يا سيّدة ميتيـلونا.”

ثمّ تابعت ميتيـلونا حديثها وهي تُلقي نظرةً حازمة على الحضور.

“بما أنّني أرى أنَّ ترك الأمر لكم سيؤدّي إلى مزيد مِن الفوضى، سأترأّس هِذا البند بنفسي. هل تمانع، سيّدي الرئيس؟”

“بالطبع لا، يا ميتيـلونا.”

ثمّ سألت بصوتٍ عالٍ.

“مَن يُعارض تنفيذ هَذهِ الخطّة على سبيل التجربة؟ فليرفع يده.”

“……!”

اتّسعت عينا كاريـنا.

سيّد البرج الأحمر موسبيل معروفٌ بعدم تدخّله في القرارات التي ليست ذات شأنٍ خطير كقضيّة البرج أو أزمة الغرب. لذا، كانت ميتيـلونا هي الأعلى سلطةً في هَذا السياق.

‘فهمت الآن! يبدو أنَّ ميتيـلونا وليتيسيا كانتا قد اتفقتا سابقًا أثناء لقائهما خارج البرج.’

أحسّت كاريـنا بالاطمئنان وراقبت مِن بعيد.

بدأ بعض الحاضرين، وهم ينظرون إلى بعضهم بعضًا، برفع أيديهم على مضض.

وكانت نسبتهم حوالي 25% فقط.

عندها ضحكت ميتيـلونا باستهزاء وأعلنت.

“بما أنَّ أكثر مِن 60% وافقوا، فسيُجرى تنفيذ هَذهِ الخطّة تجريبيًّا بعد فترة استعداد مدّتها أسبوع، ولمدّة شهرٍ واحد.”

قد يبدو هَذا تمريرًا قسريًّا للقرار، لكن كما قالت ميتيـلونا سابقًا، البرج الأحمر في جوهره يُدار وفق قانون الأقوياء، باستثناء البند 22 مِن القوانين الأساسيّة.

وكان هَذا القانون غير الرسمي في هَذهِ اللحظة بالذات في صالحهم تمامًا.

***

“أيُّ قانونٍ هَذا؟! إنّه استبداد!”

“منذ متى أصبح البرج الأحمر يُقاد برغبات العامّة؟!”

بعد الاجتماع الشهري، اجتمع الحكماء الذين نالوا توبيخًا مِن ميتيـلونا ليُعربوا عن استيائهم.

فتح أحدهم، وكان ذا لحيةٍ أنيقة، فاه وقال:

“بما أنَّ الأمر وصل إلى هَذا الحدّ، فعلينا كسب الرأي العام داخل البرج.”

إذا ما صوّروا الأمر كصراعٍ بين الأصوات الخارجيّة والداخليّة للبرج، فسيقف السحرة العاديّون في صفّهم تحت ذريعة “حماية استقلاليّة وحقوق البرج الأحمر”.

وحتى ميتيـلونا لَن تستطيع مخالفة الأغلبيّة.

“لكن نحتاج إلى تمثيل المشهد بشكلٍ مُناسب…”

“دعوني أتولّى الأمر. لدي ثقة بقدرتي على الجدال، ومواجهة فتاةٍ صغيرة كهَذهِ أشبه بشرب حساءٍ بارد.”

ضحك أحد الحكماء، وكان وجهه يُشبه الفأر، بثقة.

اسمه كان مايس. لم يكُن بارعًا في السحر مقارنةً بباقي الحكماء، لكنّه دخل المجلس بفضل براعته الخطابيّة.

وبما أنَّ الكثيرين اختبروا مرارًا عجزهم عن الردّ عليه، فقد وافقوا جميعًا بكلّ سرور.

وفي صباح اليوم التالي، توجّه مايس إلى قسم الإدارة بخطى واثقة.

“علينا إعداد نسخةٍ مختصرة وواضحة تُساعد كلّ أعضاء البرج على فهم النقاط الأساسيّة للخطة. أمّا النسخة المُفصّلة، فيجب أنْ تُوضع في الإدارة والمكتبة لتكون في متناول الجميع…”

وفي تلكِ اللحظة، كانت كاريـنا تشرح لليتيسيا ورودريان نتائج الاجتماع الشهري، وتُحدّد المهام الواجب تنفيذها خلال الأسبوع القادم.

“هل ليتيسيا هنا؟”

“أنا ليتيسيا لوبيز، مساعدةُ الدوق. هل مِن أمرٍ تُريده؟”

“أنا مايس، أحد حكماء مجلس البرج. سمعتُ أنّكِ كنتِ تؤدّين عملكِ بإخلاص في قسم الإدارة، لكنّ التقرير الذي تمّ عرضه أمس باسمكِ يُعدّ تعدّيًا واضحًا على الصلاحيّات.”

بعبارةٍ أخرى، جاء ليمثّل المعارضين للخطة.

تجمّدت ملامح كاريـنا ورودريان حالما سمعوا اسمه.

لكن ليتيسيا ردّت بهدوء، وكأنّها توقّعت هَذا الموقف.

“هل يُمكن أنْ توضّح لي بلُطف ما هو التصرف الذي بدر مني ويُعدّ تعدّيًا، ولماذا؟”

《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》

═════• •✠•❀•✠ •═════

الترجمة: فاطمة 

حسابي ✿

《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》