“لقد تعبتِ حقًا في مساعدة أولئكَ الذين لا يتصرفون إلا في اللحظة الأخيرة، وكأنَّ النار اشتعلت تحت أقدامهم.”
قال إيمريك ذلك أثناء العشاء في ذلك المساء، وقد بدا على غير عادته، بملامح مُتجهمة قليلًا وهو يثني على جهود ليتيسيا.
“هيه، الأمر ليس لأن فريق الشؤون الداخلية يُماطل، بل لأن استلام الأوراق مِن هُنا وهُناك استغرق وقتًا.”
“…….”
“بالمناسبة، لماذا وجهكَ يا سنيور يبدو وهَكذا؟”
“لأن أحدهم قال إنْ العمل أهم مِن قضاء الوقت معي، ولَمْ يرغب في البقاء معي. لذا، شعرتُ بالملل الشديد خلال الأيام الماضية.”
“أوه… هَذا مؤسف.”
أجابت ليتيسيا بإحراجٍ بعد سماع رد إيمريك. فحقًا، بعد أنْ كانت تفرغ مِن العشاء معه طوال الأسبوعين الماضيين، كانت تنهض فورًا وتتجه إلى القصر الغربي، لذا فمِن الطبيعي أنْ يشعر بالاستياء.
“ما الذي يُمكنني فعله حتى أُرضي مشاعر استيائكَ ياسنيور؟”
“حسنًا، ليس أنه لا توجد طريقةٌ أبدًا.”
لَمْ يكُن هُناك رجل تبدو عليه النظرات الجانبية الساحرة بتلكَ الروعة مثل إيمريك.
“أنتِ تعلمين جيدًا أنه بما أنكِ ساعدتِ فريق الشؤون الداخلية، فحفلة رأس السنة ستُقام قريبًا، صحيح؟”
لا يُمكن أنْ يكون…
مرَّ شعورٌ سيئ بكُل جسد ليتيسيا.
“بما أنْ هَذا هو الغرب، فعليّ أنا أنْ أؤدي دور العائلة المالكة.”
أيَّ أنْ يفتتح الحفل برقصة أولى مع شريكه بوصفه المضيف.
“ليس لدي أخت ولا حبيبة ولا أيُّ شيء، لذا أرجوكِ ساعديني. ستكونين شريكتي في حفلة رأس السنة، أليس كذَلك؟”
لماذا لا تُخطئ تلكَ التوقعات السيئة أبدًا؟
قالت ليتيسيا وقد تصلبت ملامح وجهها:
“س-سنيور! أنا حقًا، فعلًا، سيئةٌ للغاية في الرقص.”
“لكن بدلًا مِن ذَلك، أنتِ بارعةٌ في الكلام وإنجاز الأوراق، لذا لا بأس.”
“الأمر لا يتعلق بالثقة بالنفس، بل هَذهِ هي الحقيقة! رُبما لَن يبقى لقدميكَ أثرٌ بعد رقصةٍ واحدة فقط!”
‘صحيح، فهو يتعامل مع الوحوش بمهارة، وينتقل لمسافات بعيدة، ويُتقن السحر، وحتى سحر الشفاء.’
“يا زميلتي. أنا الآن حزينٌ للغاية، بل شديد الحزن. جميعهم، دييغو وبقية المساعدين، ساعدوني دوّن تردد، لكن الوحيدة التي لَمْ تفعل هي أنتِ؟”
“……لا، سأفعل.”
“كما توقعت مِن زميلتي. أنتِ طيبةٌ فعلًا.”
ابتسم إيمريك بلطفٍ، أما ليتيسيا فكانت تذرفُ دموعًا داخلية مِن القهر.
هَكذا، ستُحطم صورتي في مجتمع النخبة الغربي منذُ البداية…
ظننتُ أنني سأرتاح أخيرًا هَذا المساء بعد انتهاء عملي مع فريق الشؤون الداخلية.
“إنْ كنتِ قلقةً بشأن ضعف مهاراتك في الرقص، فما رأيكِ بأنَّ نبدأ تدريباتٍ مُكثفة مِن اليوم لعدة أيام؟ لا يُعقل أنني لا أستطيع فعل هَذا مِن أجلكِ.”
‘إنْ كنتَ تهتم بي حقًا، فلتُلغِ طلبكَ في أنْ أكون شريكتكَ…’
يُقال إنْ مَن يملك حظًا في العمل، لا بد أنْ يكون العمل في انتظاره دائمًا، ويبدو أنْ ذَلك صحيح بالفعل.
منذُ ذَلك اليوم، كانت ليتيسيا، بعد إنهاء العشاء مع إيمريك، تبدأ تدريبات الرقص معه في إحدى زوايا غرفة الاستقبال الواسعة.
وعلى عكس حفلات العاصمة التي كانت تُفضل رقصة المينويت المعروفة بالحفاظ على المسافة النفسية والجسدية بين الشريكين والتي تُجسّد رُقي النبلاء…
“آه! سنيور، لحظة، لحظةً فقط!”
“لا بأس في التراخي قليلًا. سأتحمل أنا الوزن.”
في الغرب، كانت رقصة الفالس الحماسية، التي يلتصق فيها الرجل والمرأة ببعضهما البعض ويدوران بسرعة حتى يصلا لحالة مِن الاندماج التام، هي الرقصة السائدة.
ولهَذا، وجدت ليتيسيا نفسها هَذهِ المرة تلتصق بجسد رجل أكثر مِن أيِّ وقتٍ مضى في حياتها.
دق، دق.
في مواجهة هَذا الدفء الغريب، أخذ قلب ليتيسيا ينبض أسرع مِن المعتاد.
“دوران، دوران، خطوة، دوران.”
ولولا أنها كانت قد وجدت نفسها في حضن إيمريك أكثر مِن مرة سابقًا، لما تمكنت مِن الحفاظ على هدوئها الآن، وربما لَمْ تكُن لتجرؤ حتى على بدء التدريب.
“يازميلتي، رقصة المينويت الشائعة في العاصمة تكون فيها الحركات مقطعة وثابتة، أليس كذلك؟”
“ولهَذا السبب، كانت الرقصة الوحيدة التي يُمكنني مِن خلالها تغطية ضعفي بالتدريب!”
“أما رقصة الفالس، ففكري فيها على أنها تُؤدى بإرخاء الجسد واتباع الإيقاع. كيف أُشبهها لكِ؟ كما لو أنْ رأسيات الأرجل تُحرّك أطرافها؟”
“لكني أملك عظامًا، لذا الأمر مستحيل!”
“هاها، لا بأس.”
ضحك إيمريك مِن قلبه وأكمل:
“هل رأيتِ أحدًا يتذمر مِن العائلة المالكة لأنهم لا يُجيدون الرقص؟ في الغرب، أنا الأقوى. لذا، شريكتي ستكون الأقوى أيضًا. إنْ قال أحدهم شيئًا، تعالي وأخبِريني فورًا.”
“آه، لا بأس، فقط أرجو ألّا أقع هَذهِ المرّة!”
“نعم، تمّ استلام أمنيتكِ.”
“لا! أمنية رأس السنة شيءٌ مُختلف تمامًا!”
بسبب التدرّب المفاجئ على الرقص، ظلّت الأيام القليلة التالية مليئة بالفوضى.
ومع ذَلك، كتبت ليتيسيا بطاقات تهنئة بالعام الجديد إلى فريق الإدارة في البرج الأحمر، وإلى المساعدين الذين أصبحت على معرفةّ بهم، وعدد قليل مِن السحرة الذين أصبحت بينهم صداقة، وإلى ماريانا، وميل، وإيمريك.
في 31 ديسمبر، خلال آخر وجبة في السنة، تناولوا كعكة تحتوي على لؤلؤ متمنين عامًا جديدًا مليئًا بالبركة.
تلكَ عادةٌ قديمة جدًّا مِن الغرب، يُقال إنْ مَن يعثر على اللؤلؤ أثناء تناول الكعكة سيحظى بعام جديد مليء بالصحة والثروة.
“أوه، آنستي! لقد وجدتُ لؤلؤة!”
“وأنا أيضًا عثرت على لؤلؤة.”
أوه؟ هَذا لا يبدو مُناسبًا لهذين الشخصين اللذين كانا يُصنّفان كأكثر مَن يجلب النحس في الألعاب خلال حفلات العشاء.
نظرت ليتيسيا بشكّ إلى ما تبقّى مِن الكعكة، والذي كان حوالي ثلاثة أرباعها، ثم أمسكت بالسكين وبدأت في تقطيعها بنفسها.
وفي كل قطعة تُقطّع، تظهر اللآلئ خجولة بين أطرافها!
“يا إلهي! آنستي، كم لؤلؤة وُضعت في هَذهِ الكعكة بالضبط؟”
“هل الأمر أنْ كل جزءٍ مِن الكعكة يحتوي على لؤلؤة حتمًا؟”
“أ… أليست هَذا تلاعبًا بالاحتمالات؟”
“لا، بل هي تجسيدٌ لإرادة الإنسان في فتح طريقٍ بنفسه نحو القدر.”
حقًّا، كان عذرًا يبدو مقنعًا.
على أيِّ حال، وضعت ليتيسيا اللؤلؤة التي وجدتها في الكعكة في جيبها بعناية.
‘سأشتري لاحقًا صندوق مجوهرات صغير مِن راتبي اليوم، إذا سنحت الفرصة.’
حتى تحفظ فيه ذكرياتها الثمينة مثل الآن.
ورغم أنّها ساعدت فريق الشؤون الداخليّة فقط لمدة أسبوعين تقريبًا، فقد دُفع لها بدل إضافي قدرُه ثلاثون قطعة ذهبية، وبعد أنْ سدّدت جزءًا مِن ديون عائلتها التي كان إيمريك قد تكفّل بها مُسبقًا، بقي لها خمسون قطعة ذهبية.
كانت قد طُردت مِن قصر الماركيز بلا مال أو متاع، والآن بات في يدها مبلغٌ يكفي لإعالة أسرة مكوّنة مِن أربعة أفراد لمدة عام ونصف دوّن عمل، فشعرت باطمئنانٍ كبير.
تناولت ليتيسيا الكعكة الموضوعة على طبقها بنشاط، ثم أجّلت تمرين الرقص، وخرجت في نزهةٍ نادرة مع إيمريك في الحديقة.
شهر ديسمبر، آخر شهور العام، أضاء بنوره كما لو كان يهنّئها على كل ما عانته خلال الشهرين الماضيين.
“منذ قدومي إلى الغرب، كل يوم أشعر وكأنني أعيش حلمًا، لكن اليوم بالذات يبدو حلمًا أكثر مِن أيِّ يومٍ مضى.”
عندما طُردت مِن قصر الماركيز وسارت تحت المطر متّجهة نحو النُزل، ماذا كانت تفكّر؟
‘البرد… التعب… لماذا يحدُث لي كل هَذا؟’
وقتها، لَمْ ترَ أمامها سوى الموت كخيارٍ وحيد.
لكن بفضل رجُلٍ يسمى إيمريك، استطاعت النجاة، والآن باتت تحلم بمستقبل.
كان ذَلك أشبه بتحوّل الأرض الزراعية إلى بحر.
“سنيور، أنا ممتنةٌ للغاية لأنكَ معي في هَذهِ اللحظة.”
“وأنا أيضًا، بفضلكِ أقضي أيّامًا وكأنها حلم.”
همس إيمريك بلطف:
“حتى إن وضعتُ أثاثًا جيّدًا، وزرعت زهورًا جميلة، ظلّ القصر يبدو قاحلًا وكأنه ليس مكانًا يسكنه البشر، لكن الآن أشعر فيه بالدفء وكأنه منزلٌ حقيقي.”
“سنيور…”
لأن إيمريك كان يُظهر دومًا جانبًا قويًّا وثابتًا، فقد نسيت أحيانًا أنه عاش الكثير مِن المحن. لكن في مثل هَذهِ اللحظات، تستشعر ذَلك بعمق.
كانت أذناها تحترقان خجلًا، ومِن دوّن أنْ ترى وجهها في المرآة، عرفت أنه أصبح أحمر بالكامل.
“نعم، سأبقى هادئًا.”
أجاب إيمريك وهو يبتسم بهدوء، ثم وقف مكانه ساكنًا تمامًا، كما قال.
حنت ليتيسيا رأسها خجلًا، ثم عانقته.
رائحة جسده المُعتادة، دفء حرارته.
آه… بل شعرت وكأنها هي مَن نالت المواساة.
“دع الأمور السيئة والمشاعر الحزينة تُلفّ بورق الماضي وتُترك في هَذا العام، وأتمنى لكَ سنةً جديدة مليئة بالبركة، سنيور.”
“شكرًا لكِ. وأنتِ أيضًا، دعي كل ما أحزنكِ أو أغضبكِ أو جعلكِ تبكين يبقى في هَذا العام، ولتبتسمي بسعادة في العام القادم.”
كان ذَلك أدفأ مساء في نهاية العام، وأكثره حميميّة.
***
حلّ عامٌ جديد.
الأول مِن يناير. يُقال إنْ أول أيام السنة الجديدة هو يوم يُفترض فيه أنْ يظلّ المرء في منزله ليتجنّب النحس ويبدأ العام بسلوكٍ حسن، ولهَذا لَمْ تذهب ليتيسيا إلى البرج الأحمر وبقيت في المنزل.
وبما أنْ اليومين الثاني والثالث يصادفان عطلة نهاية الأسبوع حيث تُقام حفلات رأس السنة، فقد شعرت وكأنها في إجازة.
“ماريانا، مييل، شكرًا دائمًا! سنة جديدة سعيدة عليكنّ!”
“وأنتِ أيضًا، سنة جديدة سعيدة!”
بادرت ليتيسيا بإعطاء بطاقات التهنئة أولًا إلى ماريانا ومييل. ثم توجّهت إلى مكتب إيمريك لتسليمه بطاقته، لكنه لَمْ يكُن موجودًا، وكأنّ هناك أمرًا شغله.
‘لَمْ يذكر شيئًا البارحة، لا يبدو أنَّ الأمر خطير.’
على أيِّ حال، لَمْ يكُن هُناك داعٍ لتحديد موعدٍ مسبق، إذ يلتقيان عادة على العشاء، لذا قرّرت أنْ تُعطيه البطاقة حينها.
حاولت ليتيسيا التخلّي عن القلق الذي اجتاحها كعادة.
وقبيل الظهيرة، مرّت على مطعم القصر الشمالي، حيث التقت ببعض المساعدين وقدّمت لهم بطاقات التهنئة.
“إذًا، أرجو أنْ توصل البطاقة إلى السيد جوناثان والسيد جيرارد!”
“نعم، أتمنّى لكِ ظهيرة طيّبة!”
وباستثناء البطاقات التي ستُسلَّم لأعضاء الفريق والسحرة في البرج الأحمر عندما تعود للعمل، لَمْ يتبقَ سوى بطاقة واحدة لَمْ تصل إلى صاحبها بعد.
*الفصول متقدمة على قناة التيلجرام*
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 42"