‘هَذهِ ليست مشكلةً يُمكن حلّها بطعامٍ لذيذ أو مكمّلاتٍ غذائية، ولا يُمكن حلّها بمكافآتٍ مستقبلية كزيادة في الرواتب.’
لأن كمية العمل كبيرةٌ بشكلٍ مُطلق.
‘علينا إنهاء تقرير ختام السنة والاستعداد لحفل العام الجديد قبل الثلاثين مِن ديسمبر.’
ولا يُمكن تقليل عدد المستندات لمُجرد الرغبة بذَلك، لذا لَمْ يكُن هُناك سوى جوابٍ واحد.
‘يجبُ إدخال المزيد مِن القوى العاملة، لا بل المزيد مِن العبيد.’
ولكن، لو كان مِن السهل العثور على أفرادٍ موثوقين يعرفون كيف يتعاملون مع مستنداتٍ تحتوي على أرقامٍ بهَذا الحجم، لما كانت هَذهِ المشاهد تتكرر كل عام.
‘حتى العام الماضي، كانت هَذهِ مُجرد فكرة، لكن هَذا العام الوضع مُختلف!’
ولهَذا الوقت تحديدًا، كان دييغو قد وضع عينه منذُ نحو شهرين على شخصٍ موهوب.
‘حسنًا، لنذهب لطلب المساعدة.’
“انتظر لحظة! سيّد دييغو! إلى أين تذهب الآن؟ لا تقل لي… أنكَ تهربُ بحجة وجود مهمةٍ أخرى؟”
صرخت إميلي، ذات الشعر الرمادي المربوط بإحكام، وهي تُحدّق بعينيها الواسعتين وتوقف دييغو، الذي كان يُحاول مغادرة قاعة الاجتماعات التي تحوّلت إلى مكانٍ لتخزين الملفات.
توجهت إليّهِ عدة أنظارٍ منهكة، أشبه بجثثٍ تنظر إلى المستندات بعيون خاوية وأيادٍ مرتجفة كأنها زومبي، وكانت تلكَ النظرات مخيفة.
كأنها مشهدٌ قد يظهر في كابوس.
“آه، اللع— لا، ليس كذَلك! أنا ذاهبٌ لاستعارة بعض الأشخاص!”
“الجميع مشغولٌ الآن، مَن الذي ستستعيرُه في مثل هَذا الوقت؟ مَن تبقّى لا بد أنْ يكونوا مُجرد حثالة.”
“لا، قسم الإدارة في البرج الأحمر لا يملكون شيئًا يُنهون بهِ العام، أليس كذلك؟”
كل ما عليهم هو تقديم بعض التقارير الموجزة.
“وفوق ذَلك، فإنَّ السحرة هُناك في نهاية العام يذبلون كالكُرنب المملّح. كلّهم يعانون مِن مرض ‘لَن أستطيع’.”
حين قارن دييغو، بصوتٍ مُبالغٍ فيه وحركاتٍ درامية، بين حالة سحرة البرج الأحمر في نهاية وبداية العام، صدرت ضحكاتٌ خفيفة هُنا وهناك.
ولكن إميلي ما زالت تنظر إليّه بنظراتٍ صارمة.
“ذاك القسم فريقٌ خاص، ولا يجيدون التعامل مع المستندات الإدارية العامة.”
“صحيح، ما عدا شخصٌ واحد. ألَمْ تنسي؟ لقد انضم إليّهم عضوٌ جديد.”
آه!
رمشت إميلي بسرعةٍ عندما خطرت ببالها ليتيسيا.
“للعلم، الآنسة ليتيسيا كانت على وشك أنْ تُصبح أصغر موظفةٍ إدارية في القصر الإمبراطوري. وهي مَن اخترعت مفهومي الأعمدة البيانية والرسوم الخطية!”
أصغت آذان الجميع باهتمام.
تلكَ المؤهلات تجعل منها نخبةً يُمكن إشراكها في العمل مُباشرةً.
رأى دييغو بريق الأمل في العيون التي كانت قبل لحظات أشبه بعيون سمكٍ مُتعفن، ولَمْ يستطع كبح اندفاعه فصرخ بثقة:
“وفوق ذَلك، أنا… مقرّبٌ مِن الآنسة ليتيسيا!”
“أوووووه!”
في لحظةٍ، دوّى تصفيقٌ وهتاف كاد أنْ يهزّ قاعة الاجتماعات. كانت ردة فعل الموظفين عنيفةً لدرجة جعلت أكتاف دييغو ترتجف.
“أندراس، ماذا تفعل؟ لِمَ لا تفتحُ الباب سريعًا حتى يخرج السيّد دييغو؟”
“نحن مشغولون لدرجة أننا نكتفي بقطعة خبزٍ في الوجبة، لكن عندما نحاول إقناع أحدهم، علينا بذل قصارى جهدنا. أرجوك، اشترِ شيئًا لذيذًا للآنسة ليتيسيا، وافتح الحديث، وأحضرها فورًا!”
تصرّف المساعدون والإداريون بسرعة.
“أممم، هُناك مطاعمٌ ومقاهي جيّدة في شارع إيرفان، يُمكنكَ أخذُ ذَلك بالحسبان.”
حتى إميلي، التي كانت عابسةً منذُ قليل، أضافت تعليقًا بنبرةٍ أكثر ليونة.
‘أوه… الآن لو فشلت في إحضار الآنسة ليتيسيا، سيُمزّقونني إربًا.’
هَكذا هو قد أندفع، لا بد أنْ يكون محسوبًا.
كان ظهر دييغو قد غرق في العرق البارد، كما لو أنه امتطى ظهر نمرٍ لا يستطيع النزول عنه.
***
“سيّدة ليتيسياااا! أرجوكِ! أنقذينا!”
حين أخبرها أحدُهم بوجود زائر أثناء العمل، توجّهت ليتيسيا إلى غرفة الاستراحة، وصُدمت حين رأت دييغو يركع على ركبتيهِ أمامها يتوسّل.
“مهلًا، سيّد دييغو. ما الأمر؟ على الأقل، انهض أولًا.”
“لَن أنهض قبل أنْ تقولي إنكِ ستُساعدينني!”
“…إذًا ابقَ جالسًا كما تشاء.”
قالت ليتيسيا، مظهرةً امتعاضًا واضحًا، إذ لَمْ تكُن تُطيق هَذا النوع مِن الطلبات غير المنطقية.
وفي اللحظة التي رآها فيها هًكذا، أدرك دييغو فورًا أنْ أسلوبه في التقرّب كان خاطئًا، فصرخ بكل ما أوتي مِن قوّة:
“أرجوكِ ساعدينا! المساعدون والإداريون في قسم الشؤون الداخلية يلفظون أنفاسهم الأخيرة!”
ثم قضى ما يقارب عشرين دقيقة يُناشدها بصوتٍ يائس، يشرحُ فيها كم تراكم عليهم مِن العمل، وكم أصبحت حياتُه وحياة مساعديهِ أشبه بحياة أشباح.
‘همم، تقرير ختام السنة والاستعداد لحفل العام الجديد، إذًا…’
بالرغم مِن أنّها لَمْ تكُن تكره الأعمال التي تتولاها حاليًّا في البرج الأحمر، فإنَّ ما اعتادت عليهِ وتجيده فعليًّا كان أقرب إلى مجال فريق الشؤون الداخلية، إذ إنَّ الأعمال التي أدّتها بصفتها زوجة ماركيز على مدار السنوات الثلاث الماضية كانت مِن هَذا القبيل.
‘لحُسن الحظ، لَمْ تزدَد المهام هُنا بسبب نهاية العام. ووفقًا لما قاله رودريان، فإنَّ بداية العام تشهدُ ازدحامًا في العمل بسبب وضع السحرة لأهدافهم السنوية وبدئهم بالحركة…’
لكنّ هَذا أمرٌ سيحين حينه.
أما الآن، فليتيسيا كانت تملكُ وقتًا كافيًا بالفعل.
[هل يُمكنني الوصول إلى مجالٍ مختلف إذا اقتضى الأمر؟]
[بالطبع. كما تعلمين، بعض الخطط تشمل كلاً مِن الشؤون الخارجية والداخلية، وقد تحتاج إلى تعاون مِن البرج الأحمر أيضًا.]
رغم أنَّ الأمر يبدو مختلفًا قليلًا، فقد قال إيمريك في السابق إنه يُمكنها الوصول إلى مجالاتٍ أخرى.
‘وفوق ذَلك، فإنَّ مَن يطلب مساعدتي شخصيًّا هو السيد دييغو المسؤول عن فريق الشؤون الداخلية…’
لذا، لَمْ يكُن مِن المحتمل أنْ يُساء فهم تدخلها على أنّه طمعٌ في مهام فريقٍ آخر.
‘في النهاية، التقارير الختامية لنهاية العام مهمةٌ في كل مكان. على نطاقٍ واسع، تُفيد كبار المسؤولين، وعلى نطاقٍ ضيّق، فإنها تُساعد دييغو والسيّدة كارينا وزملاءهم. لذا أعتقد أنْ مِن الصواب أنْ أوافق.’
حسمت ليتيسيا قرارها وفتحت فمها قائلة:
“أظنّ أنَّ عليّ أولًا طلب الإذن مِن السيدة كارينا، فهي رئيسة الفريق.”
فحتى لو طلب منها دييغو شخصيًّا، لا ينبغي تجاهل الإجراءات طالما أنّها تعمل ضمن منظمةٍ تنظيمية.
“أوه، نعم نعم! يُمكنني إقناع كارينا بسهولة!”
أدرك دييغو مِن كلمات ليتيسيا أنها تقبل، فتوهّج وجهُه فرحًا.
“لا، سأُخبرها بنفسي. وأعتقدُ أنه لا ينبغي أنْ يؤثر ذَلك على عملي الأساسي. لذا لَن أتمكن مِن المساعدة إلا بعد ساعات الدوام، خلال المساء وعطلة نهاية الأسبوع. هل سيكون هَذا مناسبًا؟”
“هَذا أكثر مِن كافٍ! أنْ تساعدينا خلال كل أوقات راحتكِ خارج الدوام، فذَلك أمرٌ لا يُقدَّر بثمن. إنّكِ نور فريق الشؤون الداخلية! أنتِ النور!”
في كل مرّة التقت فيها ليتيسيا بدييغو خلال الرحلات أو الاجتماعات الجماعية، كانت تشعرُ أنه رغم مظهرهِ الهادئ، فهو شخصٌ مليء بالحيوية والحماس.
“لا داعي للمُبالغة. نحن الزملاء، ويجبُ أنْ نُعين بعضنا البعض. لكن بالمقابل، أرجو أنْ تُساعدونا أنتم أيضًا عندما يزداد عبء العمل على البرج الأحمر، حسنًا؟”
“بالتأكيد!”
غادرت ليتيسيا غرفة الاستراحة بعد الانتهاء مِن الاتفاق، وبعد دقائق دخلت كارينا لتكمل الحوار مع دييغو، الذي بدأ يأخذ طابع الجدال.
“هل جننت؟! ما الذي ستقوله للدوق لاحقًا؟!”
“لا أطلب منها شيئًا خطيرًا أو سيئًا! فقط طلبتُ منها بعض المساعدة! وهي بنفسها وافقت!”
“أنتَ رجل، لذا فكّر قليلًا. هل يعجبكَ أنْ ترى فتاتكَ العزيزة تُعامَل وكأنها ستنكسر إنْ لمستها أو تطير إنْ هبّ النسيم، وقد أُنهكت حتى أصبحت تتجول مثل الزومبي مِن شدّة التعب، مثل رجالكم؟”
“…حتى لو لَمْ يعجبني، فسوف أقول: ‘رائت، إنها قوية! مذهلة!’ وأُبدي إعجابي بها.”
“ولهَذا السبب بالضبط، انتَ لا تزال أعزبًا.”
“آه، بحق السماء!”
هزّت كارينا رأسها بيأس كما لو أنها أمام حالةٍ ميؤوسٍ منها، لكنها لَمْ تفُتها ملاحظة كم شحُب وجهه مقارنةً بما كان عليهِ قبل أيامٍ قليلة فقط، خلال الاجتماع الجماعي الأخير.
لَمْ يكُن قد مرّ على ذَلك اليوم عشرة أيامٍ بعد.
وكان مِن الواضح أنَّ حال بقية الإداريين والمساعدين في فريق الشؤون الداخلية لا يختلف كثيرًا.
‘وكأنها طقوسٌ سنوية… تشه.’
تنهدت كارينا بعمق وقالت:
“سأتغاضى عن الأمر، لكن لا تتوقع مني الدفاع عنكَ بقوة إنْ بدأ الدوق بمساءلتكَ لاحقًا.”
“نعم، نعم. على أيِّ حال، أنْ يُوبَّخ في نهاية العام هو أمرٌ معتاد. الفرق الوحيد هِذا العام أنني سأُقتل مِن قِبَل مرؤوسيّ إنْ لَمْ أحصل على مساعدةٍ مِن ليتيسيا.”
كلّما رأت فيهِ جانبًا اجابيًا، وجدت فيهِ عيبًا آخر.
رأت أنَّ النقاش معه لِن يُجدي سوى صداع الرأس، فقرّرت مغادرة غرفة الاستراحة بسرعة.
***
“السيدة ليتيسيا، أنا أُقدّر كثيرًا رغبتكِ في مساعدة زملائكِ. ولكن بصفتي رئيسة فريق إدارة البرج الأحمر، لا بُدّ لي مِن توبيخكِ إنْ أهملتِ عملكِ الأصلي بسبب انشغالكِ بمساعدة فريقٍ آخر.”
“هَذا أمرٌ بديهي. سأنتبه لذَلك.”
“حسنًا. أتمنّى أنْ تُحافظي على توازنٍ جيد بين مهامكِ الأساسية، والتعاون مع فريق الشؤون الداخلية، وأخذ قسطٍ كافٍ مِن الراحة.”
وبعد أنْ نالت موافقة كارينا، أنهت ليتيسيا عشاءها مع إيمريك على عجل – خلافًا لعادتها – وتوجهت على الفور إلى القصر الغربي. ولَمْ تُلاحظ نظرة إيمريك الدقيقة التي لحقَت بها.
“مرحبًا، لقد أتيتُ تلبيةً لطلب السيد دييغو. مِن أين أبدأ المساعدة؟”
“هل فعلاً سنحصُل على دعمٍ إضافي؟!”
“إنها ملاك! لقد ظهر ملاكٌ بيننا!”
كان ردّ فعل الموجودين في قاعة الاجتماعات بالقصر الغربي حماسيًا للغاية، حتى أنْ ليتيسيا تراجعت خطواتٍ إلى الوراء بدهشة.
“أرأيتُم؟ أخبرتُكم إنني سأجلبها!”
وفي تلكِ اللحظة، كان دييغو مشغولاً بالافتخار بإنجازهِ كما لو كان نصرًا شخصيًا.
“آنسة ليتيسيا، لقد جئتي إلى هَذا الجحيم. شكرًا جزيلًا لكِ.”
تقدّمت إميلي التي تعرّفت عليها ليتيسيا خلال اجتماعٍ سابق، وأعربت عن امتنانٍ غريبٍ، ثم بدأت بشرح المهام التي تحتاج إلى دعمٍ فيها.
“بما أنّكِ مِن إدارة البرج الأحمر، أعتقد أنه مِن الجيد أنْ تبدئي بمراجعة هَذهِ المستندات. أرسلتها السيدة كارينا – المعروفة بدقتها – فور بداية شهر ديسمبر…”
المستندات التي سلّمتها إميلي كانت تحوي بيانات عمولات الوساطة الشهرية التي يجنيها البرج الأحمر مِن بيع الأدوات السحرية عبر التجار في الغرب، إضافةً إلى تفاصيل رواتب العاملين.
“تفاصيل الرواتب بسيطة، لكن عمولات الوساطة كما ترين متنوّعةٌ بسبب اختلاف الأصناف وكثرة التجار، لذا سيستغرقُ تنظيمها بعض الوقت. آه، يمكنكِ الرجوع إلى هَذا النموذج النهائي عند الحاجة.”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《قناة التيلجرام مثبتة في التعليقات 》
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 40"