بينما كانت الموسيقى اللطيفة والمُبهجة تتردد في الأرجاء، تمكنت ليتيسيا، التي شعرت ببعض الاسترخاء، مِن التناغم مع إليوت أكثر مِما كانت تتوقع.
“لقد أصبحتِ أكثر مهارة بكثير مِما كنتِ عليه سابقًا، سيدتي.”
“لقد مر وقتٌ طويل، أليس كذَلك؟”
هل كان يعلم بما يشعرُ بهِ قلبها الذي يخفق لمُجرد هَذهِ الكلمات البسيطة الممزوجة بشيءٍ مِن المرح؟
لكن الوقت الذي استطاعت فيه ليتيسيا أنْ تستحوذ بالكامل على نظرات إليوت كان قصيرًا.
فما إنْ انتهت الرقصة وعادا إلى أماكنهما حتى بدأ النبلاء يتوافدون حول إليوت دوّن توقف.
“يا لكَ مِن رائع أيُها الماركيز! لقد سمعتُ أنكَ أظهرت بسالةً في ساحة المعركة كفارس، هلّا رويت لنا القصة؟”
“هل أسلحة مملكة كيلت حقًا بجودة ما يُشاع عنها؟”
في تلكَ الأثناء، وقعت عينا ليتيسيا، التي أُبعدت جانبًا بشكلٍ طبيعي، على الماركيزة دوبون، التي كانت تستمتع باهتمام النبلاء وكأنها سمكةٌ وجدت الماء.
“إنهُ لأمرٌ يحسد عليه أنْ يكون لكِ ابنٌ كهَذا، ماركيزة.”
“حقًا، متى سينضج إبني الثاني يا ترى؟”
“آه، سيدتي، لا تبالغي، فالسيد ماكسيميليان يقوم بواجباتهِ على نحوٍ جيد بالنسبة لعمره.”
في العادة، كان ينبغي أنْ تحظى ليتيسيا، كونها زوجة إليوت وماركيزة دوبون، باهتمام الناس، إلا أنها، لكونها مِن أسرة بارونٍ مُفلسة، كانت تُعامل بتجاهلٍ ضمني في المجتمع الراقي، مِما جعل الأجواء مِن حولها صامتة. وذَلك لأن الماركيزة، بصفتها سيدةً بارزة في المجتمع، لَمْ تتكبد يومًا عناء تقديمها أو دعمها.
“آه…”
ولا يزال الحفل في بدايته.
كانت ليتيسيا سعيدةً بتلقي إليوت إشادةً مِن الإمبراطور وبكونها رقصت معه رقصة الافتتاح، لكنها لَمْ تكُن مرتاحة في مثل هَذهِ الأماكن المُكتظة، وزاد شعورها بالعزلة مِن كآبتها.
‘أشعر وكأنني جزيرةٌ معزولة عن الجميع.’
حتى حينما حاولت الاقتراب مِن التجمعات المماثلة لها، كانت تسمع تعليقاتٍ مُبطنة تسخر منها، الأمر الذي جعلها منذُ زمنٍ تُفضل الصمت في التجمعات والولائم، ثم المُغادرة بهدوء.
لكن، على الأقل، كانت قد افتتحت رقصة النصر مع إليوت اليوم، وهَذا بحد ذاتهِ شيءٌ يُحسب لها.
‘رُبما يجدر بي استنشاق بعض الهواء.’
حملت ليتيسيا كأسًا مِن الشراب لتروي عطشها وتوجهت إلى الشرفة الخالية. وحينما لامسها النسيم البارد، شعرت أخيرًا بأنها تستطيع التنفس بحرية.
“…نعم، لا بد أنْ أفكاري مُجرد قلقٍ غير مبررة.”
لَمْ يكُن هُناك تغيّرٌ كبير في إليوت، رغم مرورهِ بتجربة الحرب القاسية، والطريقة الباردة التي تصرف بها معها الليلة الماضية كانت على الأرجح بسبب أسئلتها التي اتخذت طابع الاستجواب. أما في الحفل اليوم، فقد كان كعادته، مهذبًا ومراعيًا.
“سأعتبرها مُجرد ضيفٍ يُقيّم لفترةٍ طويلة.”
بينما كانت ليتيسيا تُحاول تهدئة قلقها بهَذهِ الفكرة، سمعت صوت تنحنح خفيفٍ خلف الستائر.
“مَن هُناك؟”
“أعتذر عن إزعاجكِ وأنتِ بمفردكِ، لكنني رغبتُ في إلقاء التحية.”
كان صوتًا مألوفًا.
ترددت ليتيسيا، غير متأكدةٍ مِما ينبغي أنْ ترد به، وعندما لَمْ تقل شيئًا، اعتبر الرجل صمتها موافقة ودخل إلى الشرفة.
“مر وقتٌ طويل، أيتُها الزميلة.”
“آه!”
عندما اقتربت منه، أدركت أنْ الدوق لَمْ يكُن شخصًا غريبًا عنها، لكنهُ بدا وكأنه شخصٌ آخر تمامًا.
شعرهُ الطويل الفضي، الذي انعكس عليهِ ضوء القمر بلمعان، ظلّ كما هو دوّن تغيّر، لكن ملامحهُ وهيئته قد تبدلت تمامًا.
‘لقد أصبح أطول مِما كنتُ أتصور، وكتفاه أوسع بكثير…’
ذَلك الفتى الجميل أصبح الآن رجُلاً بكل ما تحمله الكلمة مِن معنى. رجُلاً قويًا يتحمل عبء كونهِ سيد دوقية غارسيا، ورجُلاً اعتاد الاستمتاع بلقب بطل الحرب بكل ثقةٍ وهدوء.
شعرت ليتيسيا فجأةً بجريان الزمن.
ذَلك الوقت الذي بدا وكأنه توقف عندما تم استدعاء زوجها إلى ساحة المعركة بعد شهرٍ واحد فقط مِن زواجهما. حتى بعد عودته، كان عقرب الثواني في ساعتهم المشتركة لا يزال ثابتًا، لكنه الآن تحرك أخيرًا درجةً واحدةً إلى الأمام.
“حقًا، لقد مر وقتٌ طويل، دوق.”
وضعت ليتيسيا كأسها جانبًا وانحنت بتحيةٍ رسمية.
“دوق؟ ألا يبدو هَذا اللقب ثقيلًا بعض الشيء؟ نحنُ لسنا غريبين التقينا للمرة الأولى اليوم، بل قضينا معًا أيامًا لا تُنسى في الأكاديمية.”
قال الدوق ذَلك بصوتٍ يملؤه الحزن، وقد اتسعت عيناها كمَن فوجئ.
“آه… حسنًا، شكرًا لكَ على اعتبارها ذكرياتٍ جميلة.”
رُبما كان الأمر بسبب صغر سنها وقلة خبرتها آنذاك.
[ لماذا تقفُ تحت المطر هَكذا؟ ستُصاب بالبرد. ]
[ لَمْ أطلب منكِ أنْ تنضمي إليّ تحت المطر، لذا لا علاقة لكِ بالأمر. لا تقلقي واذهبي في طريقكِ. ]
[ ….. ]
[ أخبرتُكِ، لستُ بحاجةٍ إلى أنْ تُشاركيني المظلة. ]
[ …أنا فقط كنتُ أقف هُنا لمشاهدة البحيرة. ]
بالرغم مِن معرفتها بأنهُ شخصٌ ذو مكانةٍ عاليةٍ جدًا، إلا أنها كانت تتحدث معه بحريةٍ وكأنه مُجرد زميلٍ في الأكاديمية.
ظلّت ليتيسيا صامتة، تدور بعينيها بحثًا عن ردٍ مناسب.
“إذن، ما رأيكِ بـ ‘سينيور’؟ يبدو مُناسبًا لكلا الطرفين، أليس كذلك؟”
لَمْ يكُن هَذا أسوأ مِن مناداتهِ باسمه مُباشرةً، لكنه كان لا يزال لقبًا تشعر بالثقل بسببه.
“…سأستخدمه فقط في المواقف الخاصة، سينيور.”
قدّمت ليتيسيا حلًا، مِما جعل عينيهِ تضيقان بابتسامةٍ راضية.
“زميلتي الأصغر لا تزال كما هي، ذكيةٌ وتجيد العثور على أفضل الحلول.”
ذكية؟ لا، على الإطلاق.
لَمْ تستطع حتى إجراء محادثةٍ لائقة مع زوجها الذي عاد مِن ساحة المعركة.
أخفت ليتيسيا هَذا الألم في قلبها.
“قد تأخرتُ في قول ذَلك، لكنني سعيدةٌ لأنكَ عُدت سالمًا مِن الحرب دوّن أنْ تُصاب.”
“هاهتها.”
ضحك الدوق، وكأنَّ كلماتها البسيطة أسعدته.
“توقعتُ أنْ تقولي ذَلك.”
“بالطبع، وأهنئكَ أيضًا على إنجازاتكَ العظيمة.”
أضافت ذَلك بابتسامةٍ مُحرجة.
“كما تعلمين، الإنجازات الحربية ليست سوى شيءٍ ثانوي.”
ردّ إيمريك بوجهٍ يُشبه ذَلك الذي أظهره ذات مرةٍ عندما خاضا نقاشًا طويلًا حول ما هو الشيء الأكثر أهميةً في الحياة.
[ لا تجعل الانتقام محور حياتكَ، سينيور. يجب أنْ يكون مُجرد شيءٍ إضافي، لا أكثر. ]
“على أيِّ حال، لقد عاد شخصُكِ العزيز سالمًا أيضًا.”
حدّق إيمريك في وجه ليتيسيا، وشعّت عيناه الحمراوان بظلٍّ قاتم للحظة.
“لكن، لماذا يبدو وجهُكِ مغمورًا بالهموم؟”
نبضّ قلبُها بقوة.
كما لو أنْ صائدًا وجّه ضربتهُ الحاسمة، أو كما لو أنْ رقبة الغزال قد قطعت بسكين حاد.
إذا كان إيمريك، الذي لا يهتم كثيرًا بشؤون الآخرين، قد لاحظ ذَلك، فلا شك أنْ معظم النبلاء في القاعة لاحظوه أيضًا.
ورُبما بدأوا بالفعل في نسج تكهناتٍ مزعجة.
مَن هي تلكَ المرأة التي جلبها إليوت مِن ساحة المعركة؟ إلى أيِّ مدى ستصل مكانتُها داخل عائلة الماركيز؟
شعرت ليتيسيا بالغثيان. بدأت رؤيتها تتأرجح وكأنها تُعاني مِن دوار.
لو كانت وحدها في الشرفة، لكانت قد انهارت على الفور. لكن وجود الشخص الواقف أمامها جعلها تعضّ شفتيها وتصمد.
“أنا فقط متعبةٌ لأنني لَمْ أنم جيدًا.”
“حقًا؟ هَذا مؤسف.”
قال إيمريك، بينما ألقى نظرة خاطفة على الستائر التي تفصل القاعة عن الشرفة، وقد خف صوته فجأة.
“بما أنْ زوج زميلتي الاصغير قد عاد سالمًا بل وحقق إنجازًا عظيمًا، كنتُ أتوقع أنْ أراها تضحك بمرحٍ الليلة.”
ثم أضاف، بنبرةٍ خافتة لكنها باردة.
“يبدو أنْ شخصًا واحدًا فقط يستمتعُ بالأمر، وذَلك يزعجني قليلًا.”
وجهُه الذي كان يبتسم منذُ لحظاتٍ وكأنه قناعٌ متقن الصنع.
شعرت ليتيسيا مرةً أخرى بقوة هَذا الرجل أمامها—ذَلك الرجل الجميل ذو الملامح باردة، والذي يحكُم الغرب الشاسع، ويعد واحدًا مِن أعظم خمسة سحرةٍ في القارة.
‘هل كان بينهُ وبين إليوت علاقةٌ غير ودية؟’
كان إيمريك ينتمي إلى قسم السحر، بينما كان إليوت في قسم فنون القتال، بالإضافة إلى اختلاف السنوات الدراسية بينهما، لذا لَمْ يكُن هُناك الكثير مِن فرص الالتقاء بينهما.
لكن هَذا لَمْ يكُن وقت الغرق في الذكريات.
كان عليها أنْ تتجنب أيِّ مواجهةٍ قد تندلع بين زوجها و أيمريك.
فتحت ليتيسيا فمها بسرعة.
“كيف لا أكون سعيدة؟ زوجي عاد سالمًا، وسينيور أيضًا عاد دوّن أذى. علاوةً على ذَلك، نحن نتحدث معًا بعد وقتٍ طويل.”
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 4"