رغم أنْ إيمريك ضحكَ بسخريةٍ وكأنَّ الأمر لا يُصدّق، فإنهُ تفهَّم قلقَ ميتيلونا.
حتى لو كان الساحر المرتزق لا يذهب إلا لساحات القتال، فلا بُدّ أنه لَمْ يقتل مِن الناس أكثر مِما قتلتُهُ أنا.
“لكن، مِن الغريب أنْ مَن يجلس أمامي الآن ليس سيّد البرج، بل نائبة سيّد البرج. على حسب شخصية سيّد البرج، لكان أول ما فعلهُ هو استجوابي.”
“أعرف أنكما لا تنسجمان.”
ابتسمت ميتيلونا بسخرية.
“لكنهُ لا يكرهُكَ.”
“أوه، وأنا أيضًا لا أكرهُه. بل أجد التعامل معهُ مزعجًا فحسب.”
رغم أنه قال ذَلك وهو يهزّ كتفيهِ بلا مُبالاة، لَمْ يكن هناك دفءْ يُذكر في عيني إيمريك الحمراء. رَشفت ميتيلونا رشفةً مِن الشاي الذي لَمْ يَفقد حرارته بعد، ثم فتحت فمها قائلة:
“الطاقة السوداء التي استُشعِرَت في إينتيرا، والحرب التي دامت عامين بين الإمبراطورية ومملكة كيلت، هناك أمرٌ واحد نخشاه، أنا وسيّد البرج.”
“تخشون مِن ظهور ليتش؟”
أومأت ميتيلونا برأسها.
الليتش هو ساحرٌ رفيع المستوى تعلم السحر الأسود وحوّل نفسه إلى مخلوقٍ مِن الأحياء الأموات ليحصل على حياةٍ أبدية، ويُمكن القول إنه تجسيدٌ للطمع.
حتى يُولد الليتش، وحتى يتم القضاء عليهِ على يد الأبطال، لا يُمكن حصر عدد الكائنات التي تُقتل على يد سحرهِ الأسود الشرير. الليتش كارثةٌ عظيمة يُمكنها تدمير دولةٍ بأكملها بسهولة.
منذُ بدء تسجيل التاريخ، لَمْ يظهر في القارة سوى ليتشان.
الليتش الأول الذي دمر مملكةً صغيرة تم القضاء عليهِ بسرعةٍ نسبية على يد الأبطال، أما الثاني فلًمْ يُهزم إلا بعد أنْ حول نصف القارة إلى أرضٍ ميتة.
وقد ترك ذَلك الحادث أثرًا نفسيًا عميقًا في نفوس سكان القارة الناجين، حتى أنْ فترةٍ مِن الزمن شهدت موجة كراهيةٍ حتى للسحرة العاديين، فمرّ سحرة أبراج السحر، ومنهم البرج الأحمر، بوقتٍ عصيبٍ جدًا.
“لو وُلد ليتش بالفعل، فعلينا القضاء عليهِ في أسرع وقتٍ ممكن. فكلما مر الوقت، ازداد قوةً بابتلاعهِ بالمزيد
مِن الأرواح.”
“تُطيلين في قول ‘اقتلهُ فور رؤيته’.”
ردّ إيمريك على هَذا النحو، فتدفقت إلى ذهنه ذكرى تعود إلى أربع سنوات تقريبًا.
‘… تُرى، هل كانت تلكَ الهالة الغريبة طاقةً سوداء؟’
بعد أنْ قضى على عمّهِ وزوجة أبيه ورتب أوضاع دوقية غارسيا إلى حدٍّ ما، توجّه إيمريك بهدوء، دوّن علم جيرارد، إلى قبر كلوين، الذي فقد حياتهُ للأسف وسط الصراعات العائلية.
كان ذَلك بعد أقل مِن نصف عامٍ على وفاته.
[ما هٍذا؟ لماذا تنبعثُ هالةٌ غريبة مِن القبر…؟ هل توجد وحوشٌ شيطانية مختبئةٌ بالقرب منه؟]
أن، تسود هالةٌ مشؤومةٌ قبرَ شخصٍ مات مظلومًا… كان أمرًا مقلقًا جدًا بالنسبة لإيمريك، لذَلك أطلق سحر استكشافٍ للبحث عن الكائنات النجسة.
[ثمة شيءٌ غريبٌ هنا.]
فالمقبرة التي دُفن فيها كلوين كانت مقبرةً جماعية دُفن فيها أيضًا عددٌ مِن سحرة البرج، ومِن غير المعقول ألّا تكون هَذهِ المقبرة مُدارة بشكلٍ جيد.
في لحظةٍ، راودت إيمريك رغبةٌ في نبش القبر والنظر إلى داخله، لكنه تمسّك ببقية عقلهِ وكبح نفسه.
[على أيِّ حال، علاقتي بهِ تنتهي هُنا.]
ولَن يأتي مجددًا لزيارة قبره بمفرده هَكذا.
وحتى لو عاد كلووين كروحٍ شريرةٍ، فإنَّ إيمريك لَن يتردد في محوهِ إنَّ ألحق الأذى به أو بمَن معه.
سواء أصبح روحًا شريرة، أو مخلوقًا مِن الأحياء الأموات، طالما لَمْ يظهر أمامه، فلَن يُشكّل أيِّ فرق، وهٍكذا عاد وهو يحمل شعورًا بالضيق.
‘ماذا لو عاد كلووين كليتش؟’
نظر إيمريك إلى ميتيلونا الجالسة أمامه. كانت شخصيتها أكثر مرونةً مِن باقي السحرة، لكن إنْ نطق باسم كلووين، فلا شك أنها ستتجمد ملامحها.
‘بل لو قلتُ إنه رُبما أصبح ليتش، فستعتبرُ ذَلك إهانةً لذكراه.’
ففي البرج الأحمر، كان كلووين أكثر السحرة طيبةً وعدلاً.
وسرعان ما انحاز إيمريك إلى قرارٍ واحد.
‘لا يجب أنْ أُخبرها الآن.’
فلا دليل قاطع لديه، ولا حاجة لإثارة قلق الآخرين.
‘وبما أنْ الأمر يخص كلووين، فلا يُمكن تكليف شخصٍ آخر به. سأُحقق فيهِ بنفسي كلما أُتيحت لي الفرصة.’
طبعًا، كان ينوي أنْ يُجري تحقيقًا يقظًا، لكنه لَمْ يُرد أنْ يقلق على نحو مبالغ فيه.
فالقلق مِن شأن الضعفاء.
أما هو، فليس فريسةً تُطارَد، بل مفترسٌ يخرج إلى الصيد.
***
الأسبوع الثاني مِن العمل في البرج الأحمر.
منذُ الصباح حين تبدأ الاستعدادات للخروج إلى العمل وحتى لحظة الخلود إلى النوم، كانت ليتيسيا مشغولةٌ طوال اليوم، لكنها كانت تستمتعُ بذَلك.
“يا آنسة، هل أنهيتِ تعبئة استمارة المعلومات الشخصية التي سلمتُها لكِ الأسبوع الماضي؟ سأل عنها البارون جيرارد.”
“آه، صحيح! هُناك بعض الأسئلة التي لَمْ أُجب عنها، سأُكملها اليوم وأُسلمها صباح الغد.”
“نعم، شكرًا لكِ.”
كانت ليتيسيا، بعد انتهائها مِن العشاء مع إيمريك عقب الدوام، تقضي الوقت المُتبقي في قراءة كتبٍ عن السحر وتوسيع معرفتها في مجال العمل.
لكنها هَذا المساء أمسكت القلم وسرحت في التفكير.
“هممم…”
استمارة البيانات الشخصية التي يُلزَم الموظف الجديد بملئها كانت مليئةً بالأسئلة، وجميعها تقريبًا أسئلةٌ مفتوحة.
كان مِن السهل كتابة الاسم، واسم العائلة، والعائلة الأصلية، والعلاقات الأسرية، والمؤهلات العلمية، وغيرها مِن المعلومات الشخصية. فكل ما عليها هو تدوين الحقائق كما هي.
‘لكن… لا أعرف كيف حال عائلتي الآن.’
فما إنْ وقعت عيناها على اسم عائلة لوبيز تحت خانة “العائلة الأصلية”، حتى خطرت ببالها وجوهٌ معينة.
أولئكَ الذين لَمْ يواسوها حين كانت تُعاني مِن الإهمال مِن قِبل أهل زوجها وزوجها، بل وضعوا على كتفيها عبئًا أثقل فحسب.
لقد بذلت ما بوسعها حتى لحظة طردها مِن قصر الماركيز، لذا قررت أنْ تعيش وقد نسيتهم كما لو كانوا غرباء.
الروابط العائلية كانت قاسيةً وعَنيدة، وكان مِن الصعب تجاهلها تمامًا كما أرادت.
‘حتى لو تواصلتُ معهم الآن، فلَن يكون سوى تكرارٍ للعلاقة المقيتة السابقة.’
وفوق ذَلك، بما أنَّ إيمريك يُعاملها بلطفٍ، فالأرجح أنّه سيتصرفُ بلُطفٍ أيضًا مع عائلتها.
‘لذا، لا ينبغي أنْ أتواصل معهم بعد… فقد يتضرر سينيور أيضًا، لا أنا فقط.’
تماسكت ليتيسيا بصعوبةٍ وهي تدفع ترددها جانبًا، ثم نظرت إلى الخانات التي لَمْ تملأها بعد.
<سؤال: ما الأطعمة التي تُفضلها؟ (يُسمح بأكثر مِن إجابة)>
<سؤال: هل توجد أطعمةٌ أو زهور تُسبب لكِ حساسية؟ (يُسمح بأكثر مِن إجابة)>
<سؤال : ما الألوان التي تُفضلها؟ (يُسمح بأكثر مِن إجابة)>
<سؤال : ما هواياتكِ؟ (يُسمح بأكثر مِن إجابة)>
<سؤال : ما مهاراتكِ الخاصة؟ (يُسمح بأكثر مِن إجابة)>
<سؤال : ما القيّم التي تعتبرُها مهمةً في حياتكَ؟ (يُسمح بأكثر مِن إجابة)>
‘لنرَ، الطعام الذي أُفضّله هو…’
في منزل بارون لوبيز، وفي منزل ماركيز دوبون، عاشت ليتيسيا دائمًا في حالة توترٍ دائم دوّن أنْ تُنزل حذرها ولو ليومٍ واحد. ومِن الطبيعي ألا يكون لديها متسعٌ مِن الوقت لمعرفة تفضيلاتها الشخصية.
لكنّ الأمر تغيّر بعد دخولها القصر الكبير؛ فقد كان هناك إيمريك، وماريانا، ومييل، وغيرهم مِمَّن يراعونها، مِما أتاح لها فرصة فهم ذوقها الشخصي بعض الشيء.
‘يبدو أنّي أحبّ الطعام الذي يحمل لمسةً مِن الحِدّة، مثل لحم الضأن المطهو على البخار الذي تناولتُه مؤخرًا. حين يلسع الفم قليلاً ويُنعشه، يكون الطعم أطيب.’
<جواب : الطعام الحار مثل لحم الضأن الغربي المطهو على البخار، القهوة، الماكرون>
‘همم… حتى الآن لَمْ أشعر بالحكة أو تورم اللوزتين مِن أيِّ طعامٍ تناولته.’
<جواب : لا شيء حتى الآن>
‘كنتُ أحبّ اللون الأزرق في السابق…’
وذَلك لأنّ لون عينا إليوت، الذي كانت تُحبه، كان شبيهًا به. لكن ذَلك الحبّ، بات عليها أنْ تدفنه الآن.
ضحكت ليتيسيا بصوتٍ خافت، ثم كتبت في الفراغ ‘القراءة’.
إذ إنَّ التعرّف على المعرفة الجديدة مِن خلال الكتب وتراكمها كان أمرًا مُمتعًا ومثيرًا للاهتمام.
‘وأما عن مهارتي الخاصة…’
<جواب : التنظيم والترتيب>
كانت تُرتّب الأغراض والوثائق بحيث يسهل العثور عليها أو فهمها فورًا.
‘السؤال الأخير هو الأصعب.’
كثير مِن الناس يعتبرون العائلة أو الحبّ مِن أهم القيّم في الحياة. أما ليتيسيا، فقد سعت وراء تلكَ القيّم وواجهت فشلًا ذريعًا.
‘أما القيّم التي يُمكنني الالتزام بها مِن الآن فصاعدًا فهي…’
<جواب : تحقيق الذات، الحرية>
رُبما لا تملك غيرها.
ابتسمت ليتيسيا ابتسامةً مريرة، ثم أنهت تعبئة استمارة المعلومات الشخصية.
صباح يوم الثلاثاء.
اكتشفت ليتيسيا ظرفًا أخضرَ موضوعًا على مكتب الإدارة. كانت دعوةً مِن نائبة سيد البرج، ميتيلونا.
<إلى المساعدة ليتيسيا،
كيف كانت أولى أسابيعكِ في البرج الأحمر؟
يقولون إنَّ السيف العظيم يلفتُ الأنظار أينما وُضع، ويبدو أنَّ هَذا القول صحيح.
إذ بدأت تنتشر بين الشيوخ أخبارٌ تقول إنَّ مساعدة دوق غارسيا الجديدة، التي انضمّت إلى البرج الأحمر، مهذّبةٌ وذكية وذات كفاءةٍ عالية.
ورُبما لهَذا السبب، فإنني أتطلع أكثر إلى ما ستقصينه عليّ.
كنتُ قد أخبرتُكِ أنْ نلتقي بعد عشرة أيام، لكن للأسف، لَن أتمكن مِن إيجاد وقتٍ هَذا الأسبوع لانشغالي بأعمالٍ أخرى. فهل يناسبُكِ موعد الغداء يوم الاثنين القادم؟
إنْ وافقتِ، فسأتوجه إلى برج الضيافة. وإنْ أخبرتِ القائدة كارينا، فستُخصص لكِ نصف ساعةٍ إضافية في الجدول قبل وبعد الموعد.
وإنْ رغبتِ في تغيير الموعد أو الوقت، فبما أنّكِ لا تملكين القدرة على استخدام السحر، فهل يمكنكِ إبلاغ فيلوس في مكتب الإدارة؟ سيقوم بإبلاغي.
أتمنى لكِ يومًا سعيدًا.
– ميتيلونا.>
لا حاجة لتأجيل الموعد أو تغييره بلا داعٍ.
أبلغت ليتيسيا القائدة كارينا بالأمر فخصّصت لها وقتًا لذَلك، ثم طلبت مِن فيلوس أنْ يُبلغها بموافقتها على الدعوة.
“أوه، يبدو أنَّ السيدة ميتيلونا تنظر إلى الآنسة ليتيسيا بإيجابية.”
قال هو الآخر شيئًا مشابهًا لما قاله رودريان.
ومضى الوقت بسرعةٍ حتى اقترب موعد الانصراف يوم الجمعة.
لَمْ تركب ليتيسيا، ولا رودريان، ولا رانديل عربة دوقية غارسيا التي تضمن لهم عودةً آمنة إلى منازلهم. بل استقلّوا عربةً مشتركة مخصصةٌ لستة أشخاص كانت القائدة كارينا قد حجزتها مُسبقًا.
فقد كان مِن المقرر، كما أُخبروا الأسبوع الماضي، أنْ يُقام عشاءٌ جماعي لمساعدي دوقية غارسيا هَذا المساء في إحدى الحانات بمنطقةٍ مزدحمة.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《قناة التيلجرام مثبتة في التعليقات 》
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 33"