عادت ليتيسيا إلى مكتب الإدارة مع زملائها بعد الانتهاء مِن تناول الغداء. وهُناك، تلقت مِن القائدة كارينا شرحًا استمر لأكثر مِن ساعتين حول أبرز الحالات النزاعية التي وقعت سابقًا، كما تعلمت كيفية استقبال القضايا وكيفية مراجعة المستندات الواضحة.
“حتى لو كانت الوثائق مستوفية، فإنَّ القضايا التي تتطلبُ رأيًا مُتخصصًا لا يمكننا معالجتها هُنا.”
“إلى أيِّ جهة تُحال مثل هَذهِ القضايا إذًا؟”
“في هَذهِ الحالة، يجبُ ترتيب الأوراق بعنايةٍ وتحويلها إلى (لجنة تسوية النزاعات) التي تتكون فقط مِن سحرة البرج الأحمر. لكن بمُجرد أنْ تُحال إلى هُناك… يستغرق الأمر وقتًا طويلًا حتى تظهر النتائج.”
فيما بعد، قضت بقية الوقت في مراقبة القائدة كارينا ورودريان أثناء استقبالهما القضايا، ومراجعة الأوراق بمساعدة سحرة المكتب الإداري، حيثُ ركّزت على استيعاب سير العملية.
“شكرًا لكم جميعًا على مجهوداتكم.”
“شكرًا على يومكم الحافل!”
رغم أنْ الجدول لَمْ يكُن مرهقًا، فإنَّ مُجرد كونه أول يوم عمل كان كافيًا ليُشعرها بالإرهاق.
في طريق العودة إلى بوابة البرج الأحمر مع رودريان ورانديل، طرأ على ذهن ليتيسيا فكروٌ بسيطة:
‘ماذا لو أبدى رانديل انزعاجه مِن أنني الوحيدة التي تستخدم العربة بشكلٍ منفرد؟ كيف ينبغي أنْ أتعامل مع الأمر؟’
لكن رودريان، بابتسامتهُ المشرقة، جرّ رانديل وصعد معه على الفور إلى عربتهما، ما أزال عنها القلق.
‘يبدو أنني أتلقى المساعدة منه طوال اليوم.’
شعرت بالامتنان لوجود زملاء لطفاء وذوي لباقة إلى جانب الزملاء الذين شعرت معهم ببعض الانزعاج.
‘على الأرجح، عاد سينيور بالفعل وتناول عشاءه.’
نظرًا إلى وقت التنقل، كان لا بد أنْ يتأخر عشاء ليتيسيا بأكثر مِن ساعة مقارنةً بالمُعتاد. ورغم أنها كانت سعيدةً ببدء العمل، فإنَّ فكرة أنها بالكاد ستتناول الطعام مع إيمريك أو تلتقيه خلال الأسبوع، جعلتها تشعرُ بشيءٍ مِن الأسى.
‘هل أتناول العشاء في الغرفة بشكلٍ بسيط؟’
وما إنْ دخلت الطابق الأول مِن القصر الرئيس وهي تُفكر في الأمر، حتى رأت ماريانا ومييل وكأنهما كانتا بانتظارها.
“لقد عُدت!”
“هل عدتِ بخير يا آنستي؟”
“كيف كان أول يوم عمل؟”
استقبلتاها بابتسامةٍ وهما تأخذان حقيبتها.
“أشعر أنًّ رأسي أثقل قليلًا مِن كثرة ما حفظتُه، لكن الأمور كانت جيدة.”
وبينما كانت تخلع سترتها داخل الغرفة، سألت:
“هل يُمكنني تناول العشاء في الغرفة بشكلٍ بسيط؟”
نظرت ماريانا ومييل إلى بعضهما البعض بحذرٍ ثم أجابتا برفق:
“هل أنتي مرهقةٌ جدًا، آنستي؟ في الواقع، الدوق أجّل عشاءه لأنه أراد تناول الطعام معكِ.”
“حقًا؟ ظننتُ أنه أنهى طعامه منذُ مدة… سأنزل إلى قاعة الطعام بعد أنْ أُرتب ملابسي فقط.”
“نعم، آنستي.”
ماريانا ومييل… وإيمريك.
أشخاصٌ ينتظرونها.
بالطبع، ماريانا ومييل تؤديان دوريهما كخادمتين، لكنها كانت تعرف أنهما تتعاملان معها بإخلاص، وهَذا وحده كان كافيًا ليشعرها بالارتياح.
بفضلهما، شعرت أخيرًا أنْ لديها مكانًا يُمكن أنْ تسميه “بيتًا”.
“هل كان يومكِ جيدًا؟”
بصوتٍ دافئ، حيّاها إيمريك عندما وصلت إلى قاعة الطعام قبله.
في سؤاله عن يومها –وليس عن العمل تحديدًا– شعرت بلطفهِ يتغلغل إلى قلبها. حتى الإرهاق الذي كانت تشعرُ به قبل لحظاتٍ تلاشى فجأة.
“بالطبع. زملائي لطفاءٌ للغاية، ومرافق البرج الأحمر رائعة.”
“إذًا، برأيكِ… هل طعام برج الأحمر أفضل، أم طعام قصر الدوق؟”
سرعان ما ألقت ليتيسيا نظرةً خاطفة على الطاولة، متفحصةً ما أُعد مِن أطباق.
كأنَّ الطهاة قد تواطؤوا مُسبقًا مع سؤاله، إذ بدا أنْ الطعام أُعد بعنايةٍ فائقة أكثر مِن المُعتاد.
“طبعًا طعام قصر الدوق هو الأفضل.”
“هاهاها، لا تنسي أنني تذوقتُ أطعمة العديد مِن الاطعمة مِن قبل. في الأكاديمية، وفي البرج الأحمر… حاولت الاستفادة مِن مميزات كُل مطبخ، كما أنني اخترت الطهاة بدقةٍ. مِن طبيعي أنْ يكون الأفضل.”
وبينما كانت تتناول الطعام اللذيذ مع إيمريك، تبادلت معه الحديث الخفيف كما اعتادت دائمًا.
ورُبما لأن الموضوع كان عن البرج الأحمر، الذي كان إيمريك يقيمُ فيهِ ذات يوم، لَمْ يكُن هُناك توقفٌ في مجرى الحديث.
“آه، لَمْ ألتقَ اليوم بسيد البرج، فقط قابلتُ نائبته. لكنني دُهشتُ مِن أنها تبدو أصغر بكثيرٍ مُما يُشاع عن عمرها.”
“قابلتِ السيدة ميتيلونا؟”
“نعم. عرّفتُ نفسي كمساعدةٍ جديدة، فاقترحت أنْ نتناول الشاي معًا بعد عشرة أيام.”
“… تلكً العجوز… هل جُنّت؟”
“ماذا؟”
كأنها سمعت لتوّها شيئًا غريبًا.
“لا، لا شيء. يبدو أنْ السيدة ميتيلونا وجدت فيكِ شيئًا لطيفًا.”
“هل علاقتُكَ بها جيدة؟”
“أفضل مِن علاقتي بسيد البرج أو باقي الشيوخ على الأقل. فهي، على خلاف السحرة الآخرين، تُدير قسم الاستخبارات، وتبقي آذانها مفتوحةً على ما يدور في العالم الخارجي.”
“… لا بد أنها شخصيةٌ مهيبة.”
قسم الاستخبارات في البرج الأحمر…
لمُجرد التفكير في ذَلك شعرت ليتيسيا بقشعريرة خفيفة.
فكل أعضاء القسم يجيدون استخدام السحر، وبالتالي فإنَّ قدراتهم على جمع المعلومات وكفاءتهم لا تُقارن.
“هل هُناك شيءٌ عليّ أنْ أضعه في الاعتبار عند التعامل معها؟”
“فقط كوني كما أنتِ.”
“هيه، ما هَذا الجواب؟”
“أعنيها. فقط لا تجذبي الانتباه كثيرًا. إنْ أُعجبت بكِ وحاولت إبقاءكِ في البرج الأحمر، فسيكون الأمر مرهقًا قليلًا.”
ضحكت ليتيسيا كما لو كانت تسمع نكتةً طريفة، لكن إيمريك كان جادًا.
‘سأوصي كارينا مُجددًا بأنْ تُراقب الوضع بعناية.’
رغم أنه خصّص أولى مهام ليتيسيا في البرج الأحمر ليمنحها صلةً قوية في الغرب الذي لا تملك فيهِ أيَّ سند…
إلا أنه لَمْ يكُن ليسمح لأيِّ أحدٍ هُناك بابتلاعها بالكامل.
* * *
إنْ كان يوم الأمس أقرب إلى وقتٍ للتعلُّم والمُشاهدة، فإنَّ اليوم كان بداية الانخراط الفعلي في العمل.
“لقد شرحتُ لكِ الأمور الأساسية بالأمس، لكن فكّري في هَذا الأسبوع كفترةٍ لاكتساب الخبرة تدريجيًّا. وإذا واجهتِ حالةً معقّدة، يمكنكِ إخباري في أيِّ وقت.”
“نعم، فهمتُ.”
استقبلت ليتيسيا أوّل مراجعٍ لها في المقعد الذي يحمل اسمها. كان ساحرًا ذا بشرةٍ شاحبة كأنَّ الشمس لَمْ تُلامسها يومًا، وجسمٌ نحيلٌ للغاية.
“مرحبًا، ما المشكلة التي أتيتَ بها اليوم؟”
“أنا… أُجري أبحاثًا سحريًا… وأعتقد أنَّ السحر الذي ابتكرتُه مؤخرًا قد استُخدم دوّن إذني في… منتجٍ أصدرته شركة أكتيون.”
كان صوت الساحر خافتًا ونُطقه غير واضح، حتى إنَّ الكلمات الأساسية في حديثه لَمْ تُفهم جيدًا.
عقدت كارينا حاجبيها قليلًا وهي تُراقب مِن جانبها. يبدو أنَّ أول مراجع كان شخصًا صعب المراس.
‘همم… هل أخُذ هَذا الطلب بنفسي؟’
في تلكَ اللحظة، قدّمت ليتيسيا استمارة تسجيل الحادثة وقلمًا للساحر بأدب، ثم قالت:
“لأني جديدة في هَذا القسم، قد أخلط بين أنواع السحر أو أسماء التعويذات. فهل يمكنكَ ملء الأجزاء المظلّلة لتقليل احتمالية الخطأ عند التسجيل؟”
“نعم، لحظةً فقط…”
لحُسن الحظ، ملأ الساحر الفراغات المطلوبة بسهولة.
‘تتمتعُ ببديهةٍ رائعة.’
أُعجِبت كارينا بذَلك في سرّها، وواصلت مراقبتها لها باهتمام.
“إذًا، أنتَ السيد شتاين، وتبحثُ في سحر الأوهام؟”
“نعم.”
“وقد طوّرت مؤخرًا تعويذةً تُحدُث خللًا في الحواس، وتشتبه في أنْ هَذهِ التعويذة استُخدمت دوّن إذنكَ في بخّاخ طرد الوحوش الذي أصدرته شركة أكتيون؟”
“صحيح.”
“هل أحضرتَ معك دفتر ملاحظاتٍ أو مقالات أو أيَّ موادٍ أخرى دوّنتَ فيها أبحاثكَ حول تعويذة اضطراب الحواس؟”
“أحضرت… هَذا، كما أنّني قصصتُ مقالةً عن المنتج مِن صحيفة.”
تسلّمت ليتيسيا منه دفتر ملاحظات قديمًا ومقالة صحفيةٍ مقصوصة.
“شكرًا، تسلّمتُ الوثائق. سأُعيدُها لكَ بعد نسخها.”
“حسنًا.”
“سنتواصل معكً خلال أسبوع إذا احتجنا لأيِّ وثائقٍ إضافية. لذا، نرجو أنْ تحتفظ بأيِّ مستنداتٍ قد تُفيد التحقيق.”
“نعم، بالتأكيد.”
بعدها، شرحت ليتيسيا كيف ستُعالج القضية، وأنهَت أول عملية تسجيل شكوى بنجاح.
“رائع!”
قال رودريان، الذي كان يراقب بصمتٍ إلى جانب كارينا، وقد لمعَت عيناه.
“ليتيسيا، أنتِ بارعةٌ حقًّا في الكلام! كنتُ أعلم ذَلك منذُ أنْ أجبتِ بكُل ثقة أمام نائبة سيد البرج.”
“هل نسيتُ ذكر أيِّ توجيهاتٍ عن طريق الخطأ؟”
“أبدًا. لقد كنتِ أكثر سلاسةً مني وأنا في عامي الثالث.”
تبًا، وكأنّه يفتخرُ بنفسه.
رمقته كارينا بنظرةٍ جانبية وأضافت:
“أجدتِ التعامل بهدوء واتّزان، أحسنتِ يا ليتيسيا.”
كانت بدايةً موفّقة.
يُقال إنْ الإبرة تُخرق الجيب.
وبعد مرور ثلاثة أيام على بدء ليتيسيا عملها، لَمْ يكُن أمام كارينا ورودريان مِن فريقها سوى الاعتراف بأنَّ هَذهِ المستجدة… لًمْ تكُن مستجدّةً حقًّا.
يكفي أنّها استوعبت دليل التعاملات الأساسية بسرعة ليُشاد بها، لكنها أيضًا تعاملت مع المراجعين بدقّةٍ وهدوء تام.
“السيدة فيوليت، السبب وراء رفض طلبكِ السابق هو أنْ المعادلة التي قدمتها مطابقةٌ لقانون ارتداد الطاقة السحرية الذي وضعه الساحر الكبير أفندرس قبل 300 عام، ولذَلك اعتبرتها لجنة تسوية النزاعات غير أصيلة.”
“لا، لا! قانون ارتداد الطاقة يحتوي فقط على ثلاث نظريات، لكنني صنّفتُها إلى ست نظريات!”
“حسنًا، هَذهِ خلاصة الكلمات المفتاحية مِن المعادلتين الأولى والثانية اللتين قدّمتِهما. هل يُمكن مقارنتهما بالكلمات المفتاحية لقانون الارتداد الأول؟”
كان عالم الاجتماع الشهير سيبيل سوسايتي قد طرح نظريةً لافتة تُدعى ‘قانون بقاء المزعجين’، حظيت باهتمامٍ كبير.
تنصّ تلكَ النظرية على أنَّ كلّ مجموعةٍ تحتوي نسبةً ثابتة مٍن الأشخاص المزعجين، ولَمْ تكُن أبراج السحر، رغم كونها تجمّعًا لعقلاء، استثناءً مِن ذَلك.
وكان أكبر ما يُثقل كاهل كارينا وفريقها أنَّ المتذمّرين في برج السحر كانوا أكثر ذكاءً مِن غيرهم.
كما أنَّ كارينا وبيير، كونهما غير ساحرين، كانا يترددان قليلًا حين تظهر مصطلحاتٌ سحرية.
أما ليتيسيا، فرغم دراستها للموضوع مِن الكتب، لَمْ تكُن تجرؤ على مجاراة السحرة في علومهم.
لكنّها تفوّقت عليهم في قدرتها على تحليل العلاقات السببية بمنطقٍ راسخ.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《قناة التيلجرام مثبتة في التعليقات 》
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 30"