في صباح اليوم الأول مِن مُباشرتها عملها كمساعدة إدارية.
لَمْ تَعُد ليتيسيا ضيفةً في قصر الدوق، لكنها بقيت في مكان إقامتها السابق دوّن تغيير.
في الواقع، كانت قد سألت ماريانا ومييل بخجل قبل أنْ تنام البارحة، عما إذا كان ينبغي أنْ تنتقل إلى مكانٍ آخر الآن بعد أنْ أصبحت مساعدةً رسمية.
[نعتذر يا آنسة، لَمْ يتم تجهيز غرفة نومٍ منفصلة بعد…]
كانت تلكَ طريقةً لرفض الطلب بأسلوبٍ غير مباشر.
هزّت ليتيسيا رأسها وقد ارتسمت على وجهها ملامحُ الإحراج. بدا أنه لا مفر مِن الاستمرار في الاعتماد على قصر الدوق حتى تدّخر راتبها بما يكفي لشراء منزلٍ مناسب.
مقرّ عمل مساعدي الإدارة في البرج الأحمر كان في البرج الأحمر ذاته.
وبما أنْ البرج الأحمر يقع على مسافةٍ بعيدة مِن القصر الدوقي، فقد تم توفير عربةٍ كوسيلة نقل لليتيسيا.
‘حتى بالعربة، سيستغرقُ الطريق أكثر مِن ساعة بقليل.’
ارتدت بلوزة بيضاء وتنورة خضراء بنظام وأناقة، وانطلقت إلى عملها، يخفق قلبها كما في اليوم الأول الذي غادرت فيه قصر بارون لوبيز للالتحاق بالأكاديمية.
‘يا تُرى، كيف سيكون زملاء العمل؟’
‘دائمًا ما يُوصف السحرة بأنهم عباقرة يتظاهرون بالغَرابة. هل سأتأقلم مع طباعهم؟’
وفي خضم هَذهِ الأفكار، وصلت العربة إلى البرج الأحمر.
“……”
شعرت ليتيسيا بالرهبة أمام هيبة البرج الأحمر، بلونه القاني كما لو كان مغمورًا بالدماء، على عكس بياض القصر الدوقي.
البرج الأحمر لَمْ يكُن برجًا واحدًا، بل مجموعةً مِن الأبراج على غرار القصر الدوقي، تُشكّل مقرًّا للسحرة.
وبمقارنة مساحتهِ الإجمالية، يبدو أنه لا يقل حجمًا عن الأكاديمية أو القصر، بل رُبما يتفوّق عليهما.
‘مِن الطبيعي أنْ يتجمّع هُنا السحرة الذين أتقنوا سحر النار أو أولئكَ الذين يمتلكون قدرًا مِن القوة في الغرب.’
كان البرج الرئيسي أطول بثلاثة أضعافٍ على الأقل مِن القصر الرئيسي للدوقية. يكفي النظر إليه مِن الخارج ليُشعر المرء بالدوار.
“مرحبًا.”
“مرحبًا، سيد رودريان.”
يبدو أنه تلقى إخطارًا مُسبقًا، فقد كان رودريان، الذي التقت به في مطعم الجناح الشمالي، ينتظرها في استقبالها. بشعرهِ الأزرق وعينيه الكحليتين، بدا ذا حضورٍ قوي أمام البرج الأحمر.
“لقد تم تعيينكِ هُنا فعلًا بعد شهرٍ كامل. أهلًا وسهلًا بكِ، آنسة ليتيسيا.”
“شكرًا جزيلًا. أتطلّع للعمل معكم!”
“هاهاها، بفضلكِ تخلصتُ أخيرًا مِن كوني أصغر موظفٍ هُنا.”
رافقت ليتيسيا رودريان إلى أقرب برج مِن البوابة الرئيسية.
“هَذا هو برج الاستقبال. يزوره أولئكَ الذين يأتون لتقديم طلبات إلى البرج الأحمر، وهو أيضًا مقرّ عملنا الأساسي!”
بُني هَذا البرج مؤخرًا نسبيًّا، لذا بدا أنيقًا مِن الداخل والخارج. رغم صغر حجمه، إلا أنه يحتوي على جميع المرافق اللازمة: مكتب الإدارة، غرفة انتظار للزوار، مطعم ومقهى، واستراحة خاصة بالمساعدين الإداريين.
“تادا! المصعد السحري، رمز البرج الأحمر!”
كانت تتساءل سابقًا عن كيفية التنقل داخل برجٍ بهَذهِ العظمة، لكن تبيّن أنْ هُناك وسيلة نقلٍ تعمل باستخدام حجارة المانا. إنهُ أشبه بخزانةٍ صغيرة لا تتجاوز مساحتها مترًا مربعًا، يركبها الشخص ويضغط على الزر المخصص للطابق الذي يريده.
انتقل رودريان وليتيسيا أولًا إلى الطابق الثالث حيث يقع مكتب الإدارة وزملاؤهم.
“مرحبًا!”
لأن الانطباع الأول يترك أثرًا كبيرًا، حاولت ليتيسيا إلقاء التحية بأقصى ما تملك مِن حيوية ومرح.
“مرحبًا؟”
“رودريان، مَن هَذهِ؟ هل هي الموظفة الجديدة؟”
رفع مَن كانوا جالسين أنظارهم نحو رودريان وليتيسيا.
بدأ رودريان بتقديم كُل شخصٍ على حدة.
“هَذهِ السيدة كارينا، رئيسة الفريق، وهَذهِ…”
كان مكتب الإدارة مقسمًا إلى ثلاثة أقسام رئيسية:
قسم إدارة المرافق والمستلزمات التابعة للبرج الأحمر، قسم توزيع العناصر السحرية ومراقبة جودتها، وأخيرًا قسم التعامل مع النزاعات المتعلقة بحقوق المعرفة والمنتجات.
كما توقعت ليتيسيا مِن خلال مراجعة الوثائق، أغلب المشكلات في البرج الأحمر تقع في القسم الأخير.
لذا فقد تم تعيين كل مِن رودريان وكارينا فيه مسبقًا، والآن، بانضمام ليتيسيا، سيُشكّل الثلاثة فريقًا واحدًا لتولّي هَذهِ المهام.
إضافة إلى موظفي قصر غارسيا، كان هناك عددٌ مِن السحرة في مكتب الإدارة. وبما أنْ المساعدين الإداريين لا يملكون معرفةً عميقة بالسحر، فقد تم توظيف هؤلاء السحرة كمساعدين في هَذا الجانب.
“اسمي ليتيسيا لوبيز. تخرّجتُ مِن أكاديمية سيادن، وسبق لي التعامل مع الوثائق على مستوى الأقاليم والمدن الكبرى لعدة سنوات. سأبذل قصارى جهدي لتعلّم كل ما يلزم، فقط دلّوني على الطريق.”
بإنهاء ليتيسيا لتعريف نفسها، انتهى اللقاء التعريفي.
“حسنًا، آنسة ليتيسيا. فلنعمل سويًّا بكُل جد.”
قالت كارينا، رئيسة الفريق، مبتسمةً وهي ترتدي نظاراتٍ تناسبها تمامًا.
في المجتمع الراقي وغيره، عادةً ما يُنادى الأشخاص بلقب عائلتهم عند اللقاء الأول، لكن في البرج الأحمر، يُستخدم الاسم الأول فقط. أوضحت كارينا أنْ دخول البرج يُعدّ بمثابة قطع للعلاقات الدنيوية، لذا يتم استخدام الأسماء فقط.
“حتى ضمن مساعدي قصر الدوق، هُناك الكثير مِمَن كانوا سحرة، لذا مِن الشائع مناداتهم بأسمائهم مِن اللقاء الأول.”
“فهمت! نادوني فقط بليتيسيا، مِن دوّن تكلّف.”
“حسنًا. قبل أنْ نبدأ العمل الرسمي، مِن الأفضل أنْ تزوري سيد البرج ونائبه، وتأخذي جولةً في البرج أيضًا. رودريان، اهتم بالأمر.”
“سنعود بعد قليل!”
ظهرت على وجه رودريان نظرةٌ غريبة عندما لمح بعض السحرة المنتظرين بفارغ الصبر فتح باب الإدارة. ثم تقدّم على مضض وهو يحاول إخفاء ارتياحهِ للهروب المؤقت مِن العمل.
أما كارينا، التي كانت تبدو الأكبر سنًّا بين موظفي المكتب مِن غير السحرة، فقد حرّكت رأسها متنهّدةً وكأنها تراقب أخًا صغيرًا طائشًا.
لو فكروا في الترتيب المنطقي، لكان مِن الأفضل أنْ يبدؤوا بجولة في البرج، لكن…
“مع ذَلك، إلقاء التحية أولًا على كبار البرج هو الأدب الواجب. سيد البرج ونائبه يتواجدان غالبًا في البرج الرئيسي. وسيستغرق الوصول إليه، قليلًا، لا، في الواقع وقتًا طويلًا نوعًا ما.”
“بسببي تتحمّل عناءً بلا داعٍ.”
“أوه، لا بأس! لقد رأيتِ ذَلك، أليس كذلك؟ أولئكَ الذين كانوا ينتظرون فقط أنْ تُفتح بابُ الإدارة. المشي في الهواء الطلق العليل أفضل بكثير مِن التعامل معهم.”
صحيح، كما قال رودريان، لو اعتبرته نزهة، لَمْ تكُن المسافة بعيدة على الإطلاق.
وبينما كانت تنصت إلى مختلف الأحاديث التي كان يسردها وهو يمشي، وصلا إلى البرج الرئيسي أسرع مِما توقّعت.
توجّه رودريان إلى مساعدين اثنين في البرج الرئيسي وهو يبدو معتادًا على المكان، ليسأل عن مكان وجود صاحبي البرج بالضبط.
“صاحب البرج يُشارك حاليًا في مؤتمرٍ خارجي.”
“أما نائبة صاحبة البرج، فهي في مكتبها.”
“آه، إذًا سيتعيّن علينا إلقاء التحية على صاحب البرج في وقتٍ لاحق.”
لذا، استقلا المصعد السحري في البرج الرئيسي واتجها إلى الطابق الذي يقع أسفل أعلى طابق مُباشرةً، حيث يوجد مكتب نائبة صاحبة البرج.
طق طق
“مَن هُناك؟”
جاءهم صوتُ امرأة راقٍ مِن خلف الباب.
“مرحبًا، أنا رودريان، مساعدٌ مِن قصر الدوق. لقد أتينا لنقدم التحية بمناسبة انضمام مساعدةٍ جديدة.”
“أوه، هَكذا إذًا؟ انتظر لحظة فقط…”
شعرت ليتيسيا بقوةٍ سحرية خفيفة تلوح مِن داخل المكتب.
وبعد لحظات، فُتح الباب بصوتٍ طفيف.
“تفضلا بالدخول. صحيح أنْ المكان ضيّقٌ بعض الشيء.”
ظهرت الكتب والملفات مكدّسة على الطاولات وحتى على الأرض، وكأنَّ المساحة لَمْ تكُن تكفيها.
وكان هناك ممرٌ ضيق بالكاد يتّسع لشخصٍ واحد يعبر بين تلكَ التكديسات. رودريان تقدم بخطى حذرة وكأنه معتاد على هَذا، وليتيسيا بدورها كانت حريصةً ألا تمسّ أطراف تنورتها الأوراق المنتشرة.
كانت نائبة صاحبة برج الأحمر تجلس خلف مكتبٍ مِن الخشب الصلب، امرأةٌ ذات شعرٍ أخضر داكن وعيونٌ ذهبية وجسدٍ ممتلئ.
‘تبدو في أواخر الثلاثينات مِن عمرها…’
حسب ما تعرفه ليتيسيا، فإنَّ صاحب البرج ونائبته الحاليين في أوائل الخمسينات مِن أعمارهم.
لطالما قيل إنْ الفرسان والسحرة ذوي القوة العالية يحتفظون بشبابهم لزمنٍ طويل ويتقدّمون في السن ببطء، ويبدو أنْ ذَلك كان صحيحًا.
“مرحبًا، أنا ليتيسيا لوبيز، مساعدةٌ جديدة مِن قصر الدوق تم تعييني مؤخرًا في برج الأحمر. سأبذل كل جهدي لأكون جسرًا بين قصر الدوق، البرج، والمنطقة الغربية.”
نظرة نائبة صاحبة البرج التي كانت موجّهةً نحوها تلمّح إلى شيءٍ خاص.
“طموحٌ جميل. أنا نائبة سيد البرج، ميتيلونا. أرجو أنْ ننسجم جيدًا”
كان رودريان يقف بجانب ليتيسيا، يعبّر وجهه عن دهشةٍ خفيفة. فعلى مدى ثلاث سنوات مِن عمله في برج الأحمر، سمع الكثير عن ميتيلونا.
‘ميتيلونا آيغيس. صحيح أنّها ليست بقوة دوقية غارسيا، لكن عائلة آيغيس مِن أعرق العوائل النبيلة في فنون السحر.’
ابنة أحد الكونتات، كانت تمتلك مظهرًا وهيبةً لا تقلّ عن أيِّ سيدةٍ نبيلة. لكن قيل إنْ طبعها في الواقع كان شديد الحدة، شخصيتها واضحة الحدود، تحبّ وتكره بصراحة.
‘عندما قدّمت نفسي لها، لَمْ تذكر اسمها حتى، واكتفت بالترحيب العام فقط.’
قيل إنها فعلت الشيء نفسه مع بيير، ومع راندل مِن قبل.
لكن سلوكها الحالي تجاه ليتيسيا كان ودودًا بشكلٍ ملحوظ.
‘يبدو أنها أعجبت بها.’
“نعم، أعلم أنْ العمل في مكانٍ خاصّ مثل برج الحُمرة هو أمرٌ جديد كليًّا بالنسبة لي، وكل ما أعرفه مبنيّ على ما قرأته أو سمعتُه، لذَلك سأفتح أذنيّ جيدًا لكلام السحرة وزملائي الكبار.”
“جيد، سأتطلّعُ لذَلك.”
أومأت ميتيلونا برأسها كما لو تذكّرت شيئًا.
“آه، إذا لَمْ يكُن لديكِ مانع، ما رأيكِ أنْ نلتقي بعد نحو عشرة أيام للحصول على كوبٍ مِن الشاي ونتبادل أطراف الحديث؟”
“نعم؟”
تفاجأت ليتيسيا مِن اقتراحها غير المتوقع، ولَمْ يكُن رودريان أقل دهشةً منها.
“أعتقد أنه سيكون مِن المفيد أنْ أسمع منكِ انطباعاتكِ وملاحظاتكِ عن البرج، مِن منظوركِ الجديد كوافدةٍ خارجية.”
عادةً، أيُّ موظفٍ جديد كان سيتجمّدُ توترًا أمام اقتراحٍ كهَذا مِن شخصيةٍ رفيعة الشأن، لكن…
‘هل يُحاول برج الأحمر تغيير نفسه مِن الداخل؟ ويبدو أنهم يريدون أيضًا سماع وجهات نظر مِن خارجه…’
وبما أنْ ليتيسيا كانت في الماضي زوجة ماركيز تتمتع بسلطة اتخاذ القرار، فقد أجابت بسلاسة:
“نعم، سأحضرُ بكل سرور عندما تستدعينني.”
“شكرًا لكِ. لا يُمكنني إبقاؤكما مشغولين أكثر مِن ذَلك، يُمكنكما الانصراف الآن.”
وبينما كانت الباب يُغلق بهدوء خلفهما، تمتمت ميتيلونا بصوتٍ منخفض:
“لا عجب أنْ إيمريك يشعر تجاهها بالارتياح.”
معظم سحرة برج الأحمر لَمْ يكونوا على درايةٍ جيدة بأخبار الخارج، لكن كان هناك استثناءاتٌ مثل ميتيلونا، حيث كانت تستغل سحرها في تتبّع أحوال العالم وجمع المعلومات بجهدٍ كبير، حتى لُقّبت بـ ‘عين الألف ميل’.
“أتوق لرؤية ما ستُظهره لاحقًا في برج الأحمر، يا دوقة المستقبل.”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《قناة التيلجرام مثبتة في التعليقات 》
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 28"