“على كلٍّ، لَمْ أكُن أعلم أنْ السيدة التي ستُصبح زوجة أخي امرأةً جريئة إلى هَذا الحدّ. هاه! تُلقي بنفسها في أحضان العدوّ مِن أجل الانتقام، وتنتظر الفرصة المناسبة!”
كان ذَلك صحيحًا، لكنّ قول الحقيقة وحده أحيانًا قد يكون أمرًا مخزيًا. فصرخت أديلين، وقد احمرّت أذناها، بصوتٍ حادّ:
“هل جُنِنتَ بعدما نجوتَ مِن الموت؟! وما هَذا الأسلوب السوقي في الحديث…؟!”
“لقد قالها الجميع، أليس كذَلك؟ ابنٌ غير شرعي وضيع يحمل دمًا دنيئًا. أتصرفُ بما يليق بأصلي، فما الجديد في الأمر؟”
ضحك ضحكةً مكتومة، وعندها أدركت أديلين الحقيقة.
كان الأخ الأصغر، كلوين، الذي كان يُظهر الطاعة والهدوء أمام كاسلان، مجرّد قناعٍ. وهَذا هو وجهه الحقيقي.
“لماذا تظاهرتَ بالموت طوال هَذهِ المدّة؟! كاسلان كان يشتاقُ إليّكَ بشدّة!”
“أشعر بالأسف لأنني سبّبتُ لأخي الحنون ألمًا طوال حياته، لكنّ الروابط الشخصية انقطعت منذُ لحظة دخولي إلى البرج الأحمر، أليس كذلك؟”
“كاسلان… هو مًن نصحك بالدخول إلى البرج. لقد أرادك أنْ تُظهر مواهبكً وتنال التقدير وتعيش كما تستحقّ.”
“أعرف جيدًا تلكً النية النبيلة.”
هزّ كتفيه بلا مبالاة.
“كانت حياتي في البرج الأحمر لا بأس بها. هُناك، كانت المعارف التي لا يُمكن العثور عليها بسهولة، شائعةً كحبات الرمل في الصحراء.”
ارتسمت في عينيه البنفسجيتين، وهو يسترجع ذكريات البرج، مشاعرٌ يصعب وصفها بالكلمات.
“لكن في مرحلةٍ ما، بات الأمر خانقًا ومُمِلًّا. وكأنني أرتدي ثوبًا لا يناسبني. فخرجت. عشتُ كما يحلو لي، حتى وصلني خبر كلبٍ سخيف.”
عندما اندلعت الحرب بين الإمبراطورية ومملكة كيلت، لَمْ يبالِ بالأمر كثيرًا.
فلتسقط المملكة أو تبقَ، لا يهم.
كان كاسلان بروتيغو هو كلّ ما يهمّه.
كان الأخ الذي يعرفه شخصًا لطيفًا ومُخلصًا، لا يملك مِن القوة أو الشجاعة ما يؤهله للخروج إلى ساحة المعركة. لذا، لَمْ يتصوّر يومًا أنْ حياة كاسلان ستكون في خطر حتى لو خسرت المملكة الحرب، بل ظنّ أنّه سيُعامَل كأحد النبلاء في بلدٍ مهزوم فحسب.
لكنّ المملكة، وقد وصلت إلى حافة الهاوية، دفعت بجميع الرجال إلى الجبهة، والمرأة التي ابتلعها الخوف مِن فقدان حبيبها دفعت بهِ إلى الهرب، ليموتا معًا بطريقةٍ تافهة في النهاية.
يبدو أنْ أديلين فهمت ما قصده بـ”خبر الكلب”، فامتلأت عيناها بالدموع.
وانحدرت دموع كحبات الندى على خديها، بينما لَمْ يظهر على وجه الرجل أيُّ اضطراب.
“تبكين؟ على ماذا؟ هل فعلتِ شيئًا يُبكي؟”
“أجل… لو لَمْ أكُن أنا، لما حصل لكاسلان ما حصل…”
“لا تبكي على الماضي. المهم هو ما يمكنكِ فعله مِن الآن فصاعدًا.”
قال ذَلك بصوتٍ بارد.
رغم أنَّ أمهما مختلفة، إلا أنهما أخوان.
ومع ذَلك، كان كاسلان وكلوين نقيضين تمامًا.
كأنّ أحدهما نور والآخر ظلام.
“لماذا أردتِ معرفة مكان زوجة الماركيز؟”
“كنتُ فقط أريد أنْ أتحقّق مِما إذا كان مزاجي المتقلب قد أفسد الخطة.”
[سيدتي، كنتُ صادقةً عندما قلت إنني أرغبُ في التقرّب منكِ.]
[لو لَمْ نلتقِ في هَذا الموقف داخل إمبراطوريةٍ تأسست على دماء لا تُحصى…]
[لقد كنتُ دائمًا أعشق النساء المُخلصات مثلكِ، سواء كان ذَلك في الأعمال المنزلية، أو ترتيب الوثائق، أو العزف والغناء.]
رغم أنَّ ليتيسيا لَن تُصدّق ذَلك، إلا أنَّ كثيرًا مِن كلام أديلين في جلسة الشاي بعد ظهر ذَلك اليوم كان صادقًا.
فليتيسيا كانت تمثّل بالنسبة لها، صورة المرأة المثالية التي كانت تحلمُ بها وهي صغيرة.
ولو التقيا في زمنٍ سلمي، لا في زمن الحرب، ولو لَمْ تكُن أديلين نبيلة مِن دولةٍ مهزومة تسعى للانتقام، بل مواطنة أو سائحة في الإمبراطورية، لرُبما أصبحتا صديقتين.
انتقام كاسلان…
لو لَمْ تكُن أديلين الآن شخصًا طغت عليهِ هَذهِ الغاية الواحدة.
لذا، في اللحظة الأخيرة، غيّرت رأيها.
فهدفها الحقيقي هو أنْ تصل ليتيسيا إلى مستوى مِن الشقاء يدفع إليوت لتمنّي موتها، وأنْ تنهار الإمبراطورية.
وقد عذّبتها بما فيه الكفاية، لذا تركتها على قيد الحياة كما لو أنها منحتها معروفًا.
فلو كانت ليتيسيا امرأةً ذكية وقوية كما تبدو، فلا شكّ أنها ستجد طريقةً للبقاء.
“ليتيسيا دوبون، أو بالأحرى ليتيسيا لوبيز، موجودةٌ الآن في الغرب.”
“… في الغرب؟”
حين يُقال الغرب، لا يخطر في البال سوى شخصٍ واحد.
الدوق إيمريك غارسيا، الرجل الذي ساهم بشكلٍ كبير، إلى جانب إليوت دوبون، في إسقاط مملكة كيلت.
وتجمّدت ملامح أديلين على الفور.
“هل تعني أنها أصبحت تحت جناح الدوق غارسيا؟”
“لماذا هَذا الوجه المتجهم؟”
“لا شيء، فقط أدركتُ كم أنْ القدر ساخر.”
لكي تسقط الإمبراطورية، لا بدّ مِن التعرّض للدوق غارسيا أيضًا.
وبهَذهِ المرحلة، بدأت تتساءل عن علاقتها السابقة بليتيسيا.
يا ترى، ما نوع العداوة العميقة التي ربطتهما في الحياة السابقة، حتى تتصادما بهَذا الشكل في الحياة الحالية؟
“القدر؟ القدر شيءٌ حقير بطبيعته.”
“……”
“هل كان إليوت دوبون يُحبّ تلكَ المرأة؟”
“على الأرجح، نعم.”
أجابت أديلين بينما تستحضر صورة إليوت وهو يحتفظ برسائل ليتيسيا التي كانت ترسلها مِن ساحة المعركة، ليقرأها في كل فرصةٍ تتاح له. كان ذَلك هو الوقت الوحيد الذي يبتسمُ فيه وجهه الخالي مِن التعابير.
كل ذَلك ليُعاني حين يُكشف له الواقع، ولتُداس مشاعرُه ويُدمَّر كما دُمّرت مشاعرها التي لَمْ تكتمل.
“إذًا، هَذا الوضع ليس سيئًا بالنسبة لنا.”
“ما الذي تعنيه؟”
“أنا أعرف القليل عن ذَلك الذي يُدعى إيمريك غارسيا.”
تابع الرجل كلامه وهو يلتقي بعيني أديلين.
“النمر الذي يُلقّب بحاكم الجبال… كما تعلمين، تلكَ الحيوانات لا تتحمّل دخول الغرباء إلى أراضيها.”
في جبال شرق الإمبراطورية ومملكة كيلت، كانت النمور تعيش هناك. حيواناتٌ ضارية وشجاعة تقتل حتى الوحوش الصغيرة، لذا لطالما قيل إنه لا توجد وحوش في الجبال التي يسكنها النمر.
“إيمريك غارسيا يُشبههم تمامًا. حتى لو بدا لطيفًا وهو يبتسم، فإنه لَن يتهاون مع مَن يحاول سلب ما بيده. بما أنْ تلكَ المرأة هربت إلى الغرب، فلَن يستطيع إليوت استعادتها، حتى لو مات.”
ضحك الرجل كما لو كان يستمتع بالأمر.
“سيكون مِن الممتع أنْ يُدمّر بعضهم بعضًا، الشخصان اللذان أسقطا مملكة كيلت يتصادمان حتى الهلاك، أليس كذلك؟”
“صحيح أنَّ دوق غارسيا ساحرٌ عظيم، لكننا نستطيع جرّ العائلة الإمبراطورية إلى صفنا، أليس كذلك؟”
ولأن أديلين كانت فتاةً ذكية، فقد فهمت فورًا ما الذي يُخطط له الرجل.
لقد شعرت أن الهدف الضبابي المسمّى “سقوط الإمبراطورية” بات الآن يملك مسارًا ملموسًا.
“حتى لو كان الإمبراطور ضعيفًا قليلًا، وكان إليوت ساذجًا بعض الشيء، فإنَّ توحّد العائلة الإمبراطورية ونبلاء الفصيل الإمبراطوري، سيجعل مِن الصعب على حتى عائلة غارسيا العريقة أنْ تصمد أمامهم.”
خفق قلب أديلين بشدّة.
نظر إليّها الرجل وتحدث بنبرةٍ هادئة كأنه يُلقي الأوامر على أحد تابعيه:
“لهَذا السبب، إلزمي جانب إليوت كما كنتِ، وحاولي جذب بعض الشخصيات الإمبراطورية أيضًا.”
حتى تُقدَّم الإمبراطورية المُمزّقة كأضحيةٍ تُرضي روح أخيه الراحل.
***
في يوم اختبار اللياقة البدنية.
استيقظت ليتيسيا في نفس الوقت المعتاد. خرجت في نزهةٍ خفيفة لتليين جسدها، وتناولت فطورًا مناسبًا.
ثم قرأت بعض الكتب، وتناولت الغداء مع إيمريك.
“مِن حُسن الحظ أنْ الطقس جميلٌ اليوم.”
“… لو هطلت الأمطار، هل كان سيتم الاختبار على أيِّ حال؟”
“لا، دوقية غارسيا تُقدّر الكفاءات. كنا سنؤجله إلى الغد أو بعده.”
تقرّر أنْ يُجرى الاختبار بعد الغداء وأخذ قسط مِن الراحة.
بدّلت ليتيسيا ملابسها إلى زيّ الفروسية الذي ترتديه عادة عند التمارين.
وفي أثناء ذَلك، جهزت ماريانا ومييل شايًا دافئًا وبعض الوجبات الخفيفة لتتناولها أثناء تسلّق الجبل.
“بالتوفيق، آنستي!”
“لقد كنتِ تواظبين على التدريب يوميًّا، فلا بد أنْ تُحققي نتيجة جيدة.”
في الحقيقة، مقارنةً بما كانت عليه عند وصولها إلى القصر وبين وضعها الحالي، فقد تطوّر مستواها البدني بشكلٍ واضح، لذَلك شعرت أنْ الأمر يستحق المحاولة.
‘لكنّي لَمْ أصل إلى قمة الجبل مِن قبل، وهَذا ما يُقلقني.’
كانت تصعد الجبل يوميًّا لمسافةٍ معتدلة ثم تنزل لتتناول العشاء مع إيمريك.
‘أظن أنْ أفضل ما وصلت إليّه هو ثلثا الطريق؟’
أما الثلث المُتبقي، فستُخرِج ما لديها مِن عزيمةٍ دفينة لتتمكّن مِن اجتيازه.
وحين نزلت إلى الطابق الأول مِن القصر وهي تعقد عزمها، رأت كلًّا من إيمريك وجيرارد، وشخصًا آخر.
كان الغريب أشقر الشعر وأزرق العينين مثل إليوت، لكن مظهره العام كان يوحي بأنه مرحٌ ومسترخٍ. وبمقارنتهِ بجيرارد الجاد، بدأت تُخمّن منصبه.
“آنسة، زيّ الفروسية يليقُ بكِ. هَذا هو دييغو، المساعد لشؤون الإدارة الداخلية.”
“يا صاحب السمو، هل هذان هما المشرفان على اختباري؟”
لَمْ تكُن تنوي ذَلك، لكنها شعرت بثقلٍ حين علمت أنها سرقت وقت اثنين مٍن كبار المسؤولين في الإدارة الخارجية والداخلية.
“صحيح. هما لا يتفقان كثيرًا، لذَلك إذا نطق الاثنان بكلمة ناجح، فسيكون ذَلك دليلًا على نجاحكِ فعلًا.”
كان منطقًا غريبًا لكنه مقنعٌ على نحوٍ ما، لذا لَمْ تُجادل.
ركب الأربعة عربةً مِن القصر إلى سفح الجبل.
“أتمنى لكِ التوفيق.”
كان أسلوب الاختبار بسيطًا. إذا وصلت إلى قمة الجبل وأحضرت الراية الخاصة بدوقية غارسيا خلال الوقت المحدد، فهي ناجحة.
حتى عندما شجعها إيمريك بكلماته، كانت ليتيسيا مشغولةً بالتفكير في كيفية الحفاظ على طاقتها في المراحل الأولى مِن التسلق، ولَمْ تُلاحظ أنْ الآخرين أيضًا كانوا يرتدون ملابس مريحةً مناسبة للتسلق. ورُبما كانت متأخرةً في ملاحظتها لأن إيمريك كالعادة كان يرتدي زيه الرسمي الأبيض الناصع.
“آه؟ هل أنتم أيضًا ستصعدون الجبل؟”
“أشعر أنْ جسمي متيبّس قليلًا، وأردتُ ممارسة بعض التمارين.”
“… لَمْ تكُن رغبتي، لكن يبدو أني سأفعل.”
“حين يتحرك القائد، مِن الطبيعي أنْ يتبعه الجميع.”
إيمريك يبتسم بلطف، وجيرارد يبدو كأنه ذاهب إلى المسلخ، ودييغو يتحدث بنبرةٍ تجاوزت كل شيء.
حتى الشخص الذي لا يملك أيِّ قدرٍ مِن الفطنة، كان سيشعر أنْ هُناك شيئًا غريبًا في الأمر.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《قناة التيلجرام مثبتة في التعليقات 》
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 26"