مدينة تحتضن القصر الإمبراطوري والعديد مِن قصور ومنازل النبلاء، وهي بحقٍ تُعدّ قلب الإمبراطورية النابض.
وكانت الحياة الاجتماعية في هَذهِ المدينة هي المسرح الذي تُولد فيه أحدث صيحات الموضة وتتشكل فيه آراء العامة وتنتشر.
حتى وقتٍ قريب، كان الخبر الذي أشعل الأوساط الاجتماعية هو ما يخص زوجة ماركيز دوبون.
امرأةٌ مِن أسرةٍ متواضعة، حالفها الحظ لتُصبح سيدة قصر ماركيز دوبون، لكنها سمّمت شابةً مِن دولة منهارة كان زوجها قد جلبها مِن ساحة المعركة بدافع الغيرة، فطُردت مِن المنزل!
يا له مِن خبرٍ مثير!
سعى كثير مِن الناس لمعرفة أدق التفاصيل عن هَذهِ الحادثة المشوّقة، وقد تأججت أعينهم حماسةً وفضولًا.
وسعى صحفيو الجرائد إلى رشوة الخدم والخادمات في قصر الماركيز للحصول على المعلومات.
أما النبلاء، فبدلًا مِن محاولة الوصول إلى سيد الأسرة الصارم قليل الكلام، إليوت، سعوا للحصول على خفايا القصة مِن أشخاص أقرب وأسهل منالًا، كوالدته السيدة دوبون، وأحد أطراف القضية العاطفية، أديلين.
ومنذُ بدأت الشائعات تنتشر عن أنْ أديلين قد فقدت جنينها بسبب مكيدة زوجة الماركيز الشريرة، بدأت تنهال على أديلين رسائل الاطمئنان والهدايا.
< “إلى الآنسة شالامي،
في هَذهِ الأيام، نشعر بجمال الخريف في السماء التي يزداد زرقتها، وفي النسيم البارد الذي يلامس وجناتنا.
أكان الشاعر بيرتيه مِن قال ذَلك؟ إنْ الخريف هو زمن تتداخل فيه الكوميديا والمأساة. كما قال، لَمْ أستطع كبح حزني عندما علمت مصادفةً بما جرى لكِ مؤخرًا…”>
مهما زخرفوا رسائلهم بالكلماتٍ المنمّقة والعبارات المواسية، فإنَّ غايتهم واحدة.
“آنستي، أرسلت إليكِ كونتيسة فاليندر أعشابًا طبية قالت إنها مفيدةٌ لاستعادة الطاقة. لَمْ أرَ شيئًا بهَذا الحجم مِن قبل!”
“إنه لطفٌ كبير منها، لا يسعني إلا أنْ أكون ممتنّة.”
“رُبما يجدر بكِ إرسالها إلى الطبيب الخاص ليعد لكِ منها دواءً مقويًا.”
وإلى جانب الأعشاب النادرة، تدفقت إلى القصر مستحضرات تجميل وعطور فاخرة، ومجوهرات ثمينة تخفف مِن كآبة النفس، حتى بدا الأمر وكأنَّ الخادمات أنفسهن هنّ مًن تلقين هَذهِ الهدايا، لما أبدينه مِن فرح.
“فرق شاسع بينها وبين تلكَ التي طُردت. إنْ هَذا دليلٌ على أنْ بقية النبلاء بدؤوا يعترفون بمكانة آنستنا.”
“شش، لا تجلبي لنا النحس بذكر تلكَ المرأة!”
بدأ بعضهن، بألسنتهن السليطة، يُقارنّ بين أديلين وليتيسيا الغائبة، فيُذمِمَن الأخرى، وكأنهنّ يشعرن بالفخر لاشتراكهنّ في طرد الزوجة الشريرة.
أديلين، وقد رسمت على شفتيها ابتسامةً واهنة أشبه بابتسامة مريض، كانت تُساير أحاديثهنّ بقدرٍ معقول، بينما في داخلها كانت تشعرُ بالغثيان.
فرغم تعقيدات أسرتها، إلا أنها كانت في يومٍ مِن الأيام الابنة الكبرى لأسرةٍ مِن طبقة النبلاء.
وهي تعرف جيدًا ما الذي يريده هؤلاء النبلاء مِن وراء إرسال هَذهِ الرسائل والهدايا، مِما جعلها تشعرُ بالقرف إلى درجة أنها رغبت في التقيؤ كل ما تناولته قبل قليل مِن الحساء.
‘هؤلاء الأوغاد هم مَن داسوا على وطني… وهم مَن تسببوا في موت كاسلان.’
لقد كان أمرًا ظالمًا، مُحزنًا، ومثيرًا للسخط.
ظاهريًا، وحتى داخل قصر الماركيز، كانت أديلين تُعامل كمريضة، لذا كان كبير الخدم ورئيسة الخادمات هما مَن يتكفلان بالرد على الرسائل والهدايا.
أما أديلين، فلَمْ يكُن مطلوبًا منها سوى الراحة وسط كل هَذا الاهتمام والرعاية. حتى والدة إليوت، التي كانت دومًا تفتعل المشكلات معها لمُجرد رؤيتها، باتت الآن تُظهر لها الكثير مِن التسامح.
وكانت أيامها تنتهي عادةً بتناول العشاء بهدوء برفقة إليوت، الذي يعود مِن مهامه كقائدٍ عام لسلاح البنادق في الإمبراطورية.
“سألت الطبيب، فقال إنْ فقدان الطفل يُرهق الجسد أكثر مِن الولادة. لذا، أديلين، لا تفكّري في شيء الآن، وارتاحي قدر الإمكان.”
“إليوت العزيز، ما دمت إلى جانبي كما أنتَ الآن، فكل شيء… سيكون على ما يرام.”
لقد بدا حديثهما وكأنه حوارٌ بين عاشقين.
لكن أديلين لَمْ تكُن تصدّق مشاعر إليوت.
فالرجل الوحيد الذي همس لها بكلمات حب صادقة، قد أصبح منذُ زمن جثةً باردة. ولًمْ يُدفن حتى بطريقةٍ لائقة، بل مات ميتةً مفجعة.
[…القواعد تبقى قواعد. اقتلوا كل رجل يُمكن أنْ يُستدعى للقتال، واتركوا النساء.]
[أوامرك.]>
حتى عندما كانت تتبادل القُبل مع رجلٍ وسيم كمنحوتةٍ صنعها نحاتٌ بارع – إليوت – كانت تشعر وكأنها تبتلع السم.
شفاه إليوت، واللعاب الذي يختلط رغمًا عنها، كانا يثيران فيها التقزز لا غير.
وكانت أديلين تقضي صباحاتها غالبًا في قراءة الصحف.
وكان الخدم والخادمات، لا سيما مِن يخدمنها عن قرب، يعتبرن ذَلك دليلًا على ذكائها وأناقتها.
كم هو أمرٌ مضحك.
فبحسب ما تعرفه أديلين… كانت ليتيسيا أيضًا تواظبُ على قراءة الصحف.
ولَمْ يقتصر الأمر على ذَلك. فقد كان مكتب زوجة الماركيز مليئًا بالكتب التي يصعبُ فهم محتواها لمَن يملك فقط مستوى ثقافيًا عامًّا، وكانت ليتيسيا تُنجز أيِّ وثيقةٍ بكفاءةٍ وسرعة مذهلتين.
وبالتالي، حتى لو لَمْ تكُن أديلين قد دخلت إلى منزل الماركيز، لما كان بوسع ليتيسيا أنْ تنعم بشيخوخةٍ مريحة في هَذا المكان المليء بالناس ذوي الأحكام المسبقة.
وحين فكرت أديلين بذَلك، خفَّ شعورها بعدم الراحة الناتج عن إيذاء امرأةٍ بريئة وطردها مِن أجل الانتقام.
<فضيحة أخرى تهزّ العاصمة! زوجة الدوق فارنييل: “لَمْ أتخيل أنْ يطعني مَن وثقتُ بهِ في ظهري.”>
مرّ حوالي ثلاثة أسابيع منذ طُردت ليتيسيا مِن منزل دوق دوبون.
ولاحظت أديلين أنْ الصحف التي كانت تقرؤها يوميًّا بدأت فجأةً تتناول موضوعًا جديدًا، وكأنها قد اتفقت مسبقًا على ذَلك.
‘هل لأنهم تناولوا فضيحة منزل دوبون لثلاثة أسابيع حتى ملّوا منها؟ لا، هَذا مستبعد…’
فليتيسيا، كونها مِن أسرةٍ متواضعة، لَمْ يكُن لديها أيُّ حمايةٍ حقيقية بعد خروجها مِن منزل الماركيز، وكان هُناك الكثير مِمّن وجدوا متعةً في شقائها، لدرجة أنهم كانوا يكشفون كل يوم عن قصةٍ جديدة تخصّها.
‘لو كان السبب أنْ فضيحة خيانة الدوق وظهور ابنته غير الشرعية أكثر إثارة، فلماذا اختفت جميع المقالات المتعلقة بليتيسيا فجأة؟’
كأنَّ أحد الكبار قد وجّه إليّهم تهديدًا.
وشعرت أديلين بحدسها ينبّهها.
لا يجبُ أنْ تتغاضى عن هَذا الأمر.
ولذَلك، قرّرت أنْ تخرج مِن حالة الحزن المزعومة التي تعيشها بسبب فقدان جنينها، وتخرج في نزهةٍ خارج المنزل.
حين عبّرت أديلين عن رغبتها في استنشاق هواء الخارج بعد فترةٍ طويلة، عمّت حركةٌ غير مُعتادة منزل الماركيز.
وبدلاً مِن إليوت الذي كان في القصر الإمبراطوري لأداء واجبه، تولّى كبير الخدم ورئيسة الخادمات تجهيز حراسةٍ لها مكوّنة مِن خادمة واحدة وفارسين. كما أُعدت لها عربة كبيرة تحمل شعار عائلة دوبون.
“لقد تسببتُ بإزعاجكم جميعًا بسبب كلمتي الطائشة. أعتذر.”
قالت أديلين ذَلك، بينما كانت الأقراط الكبيرة مِن الياقوت الأحمر تلمع ببريق فاتن على أذنيها.
اختارت أديلين التوجه إلى شارع بيلمير، الذي يقع على بُعدٍ قليل مِن شارع هيلديرن، حيثُ تكثر زيارة النبيلات والسيدات الراقيات.
وكان في شارع بيلمير مقاهٍ ومحال أزياء ومجوهرات تُناسب ذوق النساء، لكنها تُركّز على المنتجات العملية بدلًا مِن الفاخرة. إذ إنْ الزوار المعتادين لذَلك المكان كانوا مِن النبلاء مِن الطبقة الدنيا أو مِن عامة الشعب الميسورين.
وبناءً على معرفتها بذَلك، قالت الخادمة سييرا:
“آنستي، ألا تعتقدين أنْ التنزه في شارع هيلديرن سيكون أفضل؟”
“أنا أيضًا أحب شارع هيلديرن أكثر، لكنني أرغبُ في قضاء وقتٍ هادئ اليوم. ذَلك الشارع مزدحم ويجذب الكثير مِن الأنظار.”
“آه… معكِ حق. لَمْ أفكر جيدًا.”
“لا بأس، فاقتراحكِ نابع مِن حرصكِ عليّ.”
وحين وصلت أديلين إلى شارع بيلمير، أشارت إلى مقهى فيه عددٌ قليل مِن الزبائن قائلة:
“أعجبني ديكور ذَلك المقهى اللطيف. يبدو أنهم يبيعون التارت والكعك إلى جانب السكون والمكرون. سييرا، هيا ندخل ونتناول كعكة حلوة معًا.”
“نعم، آنستي!”
في الطابق الأول الذي يحوي عددًا قليلاً مِن المقاعد، كان هُناك طاولة زبائنٍ واحدةٍ فقط، بينما كان الطابق الثاني، الأوسع، فيه ثلاثة طاولات فقط.
‘الطابق الأول معرضٌ لأنظار المارة مِن الشارع.’
فتعمّدت أديلين اختيار مقعدٍ في الطابق الثاني، وما إنْ وصلت طلباتهم مِن مشروبات وكعك وتارت، حتى رفعت خصلات شعرها الأحمر الداكن خلف أذنها، كاشفةً أقراط الياقوت.
وفي اللحظة التي أطلق فيها الياقوت الكبير بريقًا غامضًا، نظرت أديلين مُباشرةً في عيني سييرا وهمست لها:
– أنتِ اليوم جلستِ مع الآنسة أديلين، وتناولتِ المشروب والكعك، وتحدثتِ عن آخر صيحات الموضة في العاصمة. مفهوم؟
كانت أديلين، التي تبدو ضعيفةً وبريئة لدرجة أنها لا تستطيع قتل حتى حشرة، في الحقيقة كانت ساحرةً خبيرة في طقوسٍ عالية المستوى.
ومع شعورٍ يُشبه يدًا تعصر دماغها، تسللت تلكَ الهمسات الجميلة والمرعبة إلى عقل سييرا.
“نعم، نـ… نعم…”
اهتزّت عينا سييرا بقوة، وسرعان ما أجابت بما أرادته أديلين وقد غابت النظرة عن عينيها.
“هله.”
ارتسمت ابتسامةٌ صغيرة على شفتي أديلين.
يالها مِن غريزة بقاءٍ مذهلة بالفعل.
كانت طقوس تعديل الذاكرة مِن الطقوس العليا التي لا يُجيدها سوى القلة، وكلما طال زمن مقاومة دماغ الهدف، زادت احتمالية تعرّضه للتلف.
لكن سييرا، التي كانت أول مَن تخلّى عن ولائهِ لليتيسيا والتحقت بأديلين، استسلم جسدُها بسرعة تحت تأثير الطاقة، ولهَذا، لَن تعاني مِن ضررٍ في دماغها سوى التواء طفيف في ذاكرتها لبضع ساعات فقط، وستواصل حياتها بشكلٍ طبيعي.
ثم ألقت أديلين نفس الطقس على باقي الزبائن في الطابق الثاني، وعلى صاحب المقهى الذي كان يستقبل الطلبات في الطابق الأول.
– الفتاة ذات الشعر الأحمر الداكن والعينين الخضراوين كانت طوال الوقت في الطابق الثاني مع خادمتها. واضح؟
وبما أنْ التلاعب بالذاكرة لَمْ يكُن متعلقًا بأمورٍ تمسّ سلامتهم الشخصية، فلَمْ يُبدِ أحد مقاومة تُذكر.
فقط أحد الحراس الواقفَين خارج المقهى إلى جانب العربة أظهر بعض المقاومة، لكنها لَمْ تكُن قويةً لدرجة ألا تُخضعه أديلين بطقوسها.
ثم ارتدت الروب والقناع اللذين كانت قد أعدّتهما مُسبقًا لإخفاء ملامحها، وتوجهت إلى المنطقةٍ التجارية خلف شارع بيلمير.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《قناة التيلجرام مثبتة في التعليقات 》
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 24"