مع وجود بعض الاختلافات بين الصحف، إلا أنَّ أغلب المقالات صوّرت ليتيسيا على أنّها امرأةٌ شريرة لا تعرف حدودها، غارت مِن العشيقة وشوّهت سمعة ومكانة عائلة ماركيز دوبون، في حين أُغرقت التعليقات الإيجابية على أديلين.
وبما أنَّ ليتيسيا كانت قادرةً على توقّع هَذا الوضع بطبيعة الحال دوّن الحاجة إلى أنْ ترى أو تسمع، فَلَمْ يكُن بوسعها إلا أنْ تسأل جيرارد.
“أنا ممتنةٌ بصدقٍ للعناية التي يُوليها سموّه لزميلةٍ ناقصةٍ مثلي.”
“يا آنسة.”
“لكن، أما فكّر في أنّني إذا قبلتُ منصب المساعدة في عائلة الدوق، فقد يؤدّي ذَلك إلى المساس بسمعته؟”
كانت ليتيسيا تُدرك أنَّ ذهنها لَمْ يعُد كما كان سابقًا، فقد أصبح بطيئًا ووهنت عزيمتها.
‘سأُغادر هَذا النزل قريبًا على الأرجح، وليس لدي منزلٌ حقيقيٌّ لألجأ إليّه…’
ومع ذَلك، لا يزال لديها مِن الحياء ما يكفي لرفض عرضٍ نابعٍ مِن حُسن نية زميلها بأدب.
فقد عاشت زمنًا بصفتها سيدة عائلة ماركيز دوبون، وتعرفُ جيدًا ما للقيم الاجتماعية والسمعة مِن تأثير، ولذَلك لا يُمكنها أنْ تُسبب عبئًا على إيمريك الذي لا تربطها بهِ صلةٌ قوية.
توقّعت ليتيسيا مِن خلال ردّة فعل جيرارد احتمالين اثنين.
أولهما: أنْ يُجيب إجابةً أرستقراطيةً ومتكبّرةً بقوله: ‘إنّ عائلة الدوق غارسيا لا تأبه برأيّ أحد.’
وثانيهما: أنْ يتظاهر بإعطائها وقتًا للتفكير ثم يتراجع عن عرضه.
‘لا بأس أيًّا كان الجواب.’
انتظرت ليتيسيا إجابته بهدوء. فـ رمش جيرارد بعينيهِد وكأنّه تفاجأ، ثم فتح فمه قائلًا:
“آه، هَذا مدهشٌ حقًا.”
“…أيُّ شيءٍ بالتحديد؟”
“صاحب السموّ غالبًا ما يُشبه مَن أتى مِن المستقبل، إذ يُحسن توقّع ردود فعل الآخرين بدقّة. فما سأقوله الآن هو بالضبط ما أوصاني أنْ أُجيب بهِ إنْ أبدتِ تردّدًا لنفس الأسباب التي ذكرتِها للتو.”
زميلتي العزيزة.
عائلة الدوق غارسيا غنيّة، غير أنَّ أراضي الدوقية – التي تضمّ الكثير مِن الصحارى والأراضي القاحلة – ليست كذَلك. وأنا مشغولٌ بما يكفي بإدارة هَذا الإقليم اللعين، فلا وقت لديّ للاهتمام بكلام الناس السخيف.
ما أريدهُ شيءٌ واحدٌ فقط: الكفاءة.
فإذا كان مِن سيُسهم في تطوير الدوقية هو قاتلٌ حاول اغتيال إمبراطور الإمبراطورية وفشل، فسأتقبّلهُ بصدرٍ رحب.
“…ماذا؟”
أليس ما قِيل في آخر الحديث يُعد خيانةً لو وصلت إلى آذان الآخرين؟
اتّسعت عينا ليتيسيا لا إراديًّا. وارتجفت قليلًا وهي تُفكر باستنكار.
‘حتى لو كان هَذا بأمرٍ مِن سموّه، كيف تقول شيئًا كهَذا بصراحة؟ على أيِّ أساسٍ وضع ثقتهُ فيّ؟’
وكان عليها أنْ تعترف.
أنّها كانت تقلّل مِن شأن هَذا الرجل الذي فوّض إليّه إيمريك صلاحياتٍ كبيرة.
جيرارد لَمْ يكُن شخصًا عاديًّا بأيّ حال.
ومع ترقية منزلته في عقل ليتيسيا، تنهد وأضاف:
“بما أنكِ درستِ في الأكاديمية معه، فلا شكّ أنكِ تعلمين بعض الشيء. فصاحب السموّ لا يُلقي بالًا لنظرات الآخرين أو لكلام الناس طالما أنّه بخيرٍ مع نفسه.”
هممم؟ لكنها تتذكّر أنه كان يُصغي جيدًا حتى لكلام زميلةٍ لا قيمة لها مثلها.
[إذا لَمْ ينجح الأمر، يمكنكِ دائمًا الهرب إلى البرج الأحمر. رغم أنني لستُ فارسًا، إلا أنَّ هُناك قولًا مأثورًا يقول إنَّ انتقام الفارس لا يتأخر حتى لو مرّت عليهِ عشر سنوات، أليس كذلك؟]
[…أتظُن ذَلك حقًا؟]
ربّما مع مرور الوقت، أصبحت أكثر وضوحًا في التعبير عن ذاتها، وأقوى قليلًا مِن ذي قبل.
“وأيضًا… لعلّ هَذا التعبير فيه شيءٌ مِن عدم الاحترام، لكن سموّه يُشبه ضفدع الشجرة أحيانًا.”
تخيُّل صورةٍ كهَذهِ لدوقٍ نبيل هو في حدّ ذاته عملٌ غير لائق، يجعلها تتجاوز جيرارد في قِلّة الاحترام.
“لأوضح الوضع أكثر للآنسة، فإنَّ صاحب السموّ لا يمدّ يده فقط لأنّ مَن أمامه زميلٌ مِن الأكاديمية.”
“….”
“ولو كان رجُلًا ضعيفًا، لما استطاع أنْ يُقاتل – بل أنْ يثور – في حربه مع مملكة كيلت.”
“….”
“أعلم أنّكِ، قبل زواجكِ، تمّ اختياركِ كأصغر إداريةٍ في القصر الإمبراطوري. وبوصفي المساعد العام للشؤون الخارجية في لعائلة الدوق، أؤكّد لكِ أنَّ منزل الدوق والمنطقة الغربية بحاجةٍ إلى مهاراتكِ.”
كنك، كنك.
أدركت ليتيسيا فجأةً أنًّ قلبها بدأ يخفقُ أسرع مِن المعتاد.
‘منذُ متى؟ الأمر واضح…’
[تعالي إلى الغرب، وكوني مساعدة صاحب السموّ الدوق غارسيا.]
منذُ أنْ سمعت هَذا الكلام.
فهو عرضٌ يهمس في أذنها – بعد أنْ طُردت من قصر الماركيز الذي كرّست لهُ ثلاث سنواتٍ مِن حياتها – بأنَّ لها قيمةً لا تزال باقية، وأنَّ في انتظارها حياةً جديدة.
كم هو عذبٌ هَذا الشعور.
ومع ذَلك، عضَّت ليتيسيا شفتَيْها بإحكام، محاولةً كبحَ الكلمات التي كادت تفلت منها.
فقد كان ندمُ اتخاذِ قرارٍ متسرّع بدافعِ خفقةٍ لحظيةٍ كافيًا لمرةٍ واحدةٍ فقط في حياتها.
‘يجبُ أنْ أفكر بعقلانية، يا ليتيسيا.’
‘قال سينيور إنّه يمكنه حتى قبلو قاتلٍ فاشلٍ حاول اغتيال الإمبراطور إنْ كان يملك كفاءةً عالية. لكنّ هَذا يعني أنّه لا بد مِن إثبات جدارةٍ كبيرةٍ في المقابل.’
‘هل يمكنني مُجددًا أنْ أتحمّل مسؤولية إدارة الإقليم؟’
‘هل سأستطيع التواصل بسلاسةٍ والتعاون مع الآخرين، وليس فقط مع سينيور؟’
ما حملتهُ عائلة ماركيز دوبون وأديلين لليتيسيا لَمْ يكُن مُجرد شعورٍ بالعجز.
بل كان أيضًا كرامةً محطمة جراء إنكار كل ما بذلتهُ مِن إخلاص، وخيبةَ أملٍ مريرة بسبب الطعنة التي تلقتها مِن مَن وثقت بهم، ويقظةً مرهقة قادت إلى انعدام الثقة بالنفس، وإحساسًا بالغثيان والرفض تجاه الآخرين.
‘لا أرغبُ بفعل شيء.’
‘ألَن يكون مِن الأسهل لو استسلمتُ تمامًا؟ إنْ ارتميتُ على الأرض لَن أخشى السقوط بعد الآن، أليس كذلك؟’
‘إلى متى تظنين أنْ سينيور سيستمر في معاملتكِ بلطفٍ رغم كونكِ بلا قيمة؟’
‘أظنّين أنْ الغرب سيكون مُختلفًا؟ الناس أينما كانوا هم أنفسهم.’
كي تكونَ مساعدةً تساند حُكم إيمريك كما ينبغي، كان عليها أنْ تواجهَ وتنتصر على هَذهِ المشاعر السلبية.
وفي النهاية، لَمْ تستطع ليتيسيا سوى أنْ تنطق بجملةٍ واحدةٍ ببطء:
“…هل يُمكنكَ أنْ تمنحني وقتًا للتفكير؟”
تم الأمر! لقد اجتزتُ نصف الطريق!
أجاب جيرارد محاولًا كبح ابتهاجه:
“بالطبع. في كل الأحوال، حتى لو وافقتِ على هَذا العرض في هَذهِ اللحظة، لَمْ يكُن مِن المُمكن أنْ تغادري إلى الغرب مُباشرةً.”
“ولِمَ ذَلك؟”
أخرج جيرارد ورقتين مِن بين طيات ملابسه.
كانت لفافتين سحريتين تشعّان بضوءٍ خافت، ينبعث مِن طاقة المانا المخزّنة فيهما.
“في رأيي، بحالتكِ البدنية الحالية، لا يمكنكِ استخدام لفافة الانتقال هَذهِ.”
صحيح أنْ سعرها مرتفع، لكنها كانت وسيلة الانتقال الأفضل مِن حيث السرعة والأمان.
وقد جُهِّزت خصيصًا مراعاةً لها، إلا أنَّ حالتها الصحية قد تحول دوّن استخدامها.
‘كم مضى مِن الوقت منذُ غادرتُ هَذهِ الغرفة؟’
لقد كانت ترقد داخل غرفة نومها في قصر الماركيز لشهور، ما استنزف طاقتها الجسدية تمامًا.
وبحالتها الآن، فإنَّ مُجرد صعود ونزول الدرج مِن الطابق الأول إلى الثالث قد يتركها تئن مِن الألم. فلَمْ يكُن لديها ما تقوله.
‘عليّ أولاً أنْ أستعيد صحتي!’
فالعقل السليم في الجسم السليم. وإذا استعادت قوتها، فإنَّ قراراتها ستغدو أكثر رزانةً وحكمة.
‘لاستعادة طاقتي، يجبُ أنْ آكل جيدًا وأرتاح جيدًا. لا حاجة للرياضة الشاقة، بل عليَّ أنْ أبدأ بزيادة وقت المشي تدريجيًا.’
ورغم وجود ساحةٍ صغيرة خلف النزل، إلا أنَّ استخدامها بحرّيةٍ لَمْ يكُن مُمكنًا.
فإذا ما كانت الأنظار لا تزال تلاحق زوجة الماركيز المطرودة، فإنَّ ظهورها هُناك كفيلٌ بجذب الصحفيين كجحافل النحل.
‘حسنًا، سأخرج للمشي سرًّا في الصباح الباكر أو في وقتٍ متأخر مِن الليل، وسأحرص على أداء بعض التمارين الخفيفة داخل الغرفة.’
تألّقت عينا ليتيسيا الذهبيتان كنجمتين حينما اتخذت هَذا القرار.
وكان جيرارد، الجالس مقابلها، يراقب كل تلكَ التغيرات الدقيقة.
في تلكَ اللحظة، بدأ يُدرك -ولو قليلًا- السبب الذي جعل سيّده مهتمًّا بها إلى هَذهِ الدرجة.
فذَلك البريق الذي شعّ مِن عينيها حين تجلّت فيهما الإرادة، كان جميلًا جدًا إلى درجة تجذب الأنظار قسرًا.
“…ما رأيكِ أنْ أعود بعد عشرة أيام؟”
“موافقَة، يا سيد.”
ثم أضاف، بصيغة عرضٍ لا إجبار فيها:
“وقد أمرني سموّه أنْ أبلّغكِ أنه إنْ كان هَذا المكان يسبّب لكِ أيَّ إزعاج، فيمكنكِ الانتقال إلى القصر التابعة لعائلة الدوق في أيِّ وقتٍ تشائين.”
قالها جيرارد بحذرٍ واحترام. إلا أنْ ليتيسيا أومأت نافية برأسها.
“أشكركَ كثيرًا، لكني سأرفض. لا أشعر بالراحة بفكرة الانتقال إلى هُناك، خاصةً وأنني لًمْ أقرر بعد قبول العرض. وفوق ذَلك…”
“مفهوم. وكما تعلمين، فإنَّ عائلة الدوق قدّمت مكافآتٍ كثيرة لإدارة النزل، لذَلك إنْ احتجتِ شيئًا، فلا تترددي في طلبه.”
“نعم، السيّدان المالكان للنزل، وكذَلك إيما، يقدمون لي كُل الدعم اللازم.”
“هَذا جيد. إذًا، إلى أنْ نلتقي مُجددًا بعد عشرة أيام، أتمنى لكِ السلام والراحة.”
قال جيرارد ذَلك بأسلوبٍ أكثر لطفًا مِن لقائهما الأول، ثم انصرف.
***
حتى مالكا النزل وإيما شعروا بتغير ليتيسيا ابتداءً مِن اليوم التالي.
استيقظت ليتيسيا في الصباح الباكر، نزلت إلى الطابق الأول، ودارت في الساحة الخلفية لمرّتين أو ثلاث، ثم بدأت تصعد السلالم وهي تتأوه.
“آنستي، هل تودّين أنْ نبدّل لكِ الغرفة إلى الطابق الأول؟”
“لا، لا بأس! صعود السلالم، هااه، يعدّ تمرينًا أيضًا.”
<أنا…>
وفي حين كانت بالكاد تلمس الشوربة أو الحساء في السابق، أصبحت الآن تنهي أكثر مِن نصفها.
“إيما، أرجو المعذرة، هل يمكنكِ الذهاب إلى المكتبة وشراء بعض الكتب عن الغرب؟ كتب تاريخ، أو جغرافيا، أو حتى مجلات سياحية، أيُّ شيءٍ سيكون مفيدًا.”
<أنا …>
غادرت السرير وبدأت تتحرّك مِن جديد.
“سُرِرتُ كثيرًا برؤيتكِ بهَذهِ الحالة الجيدة. إذا استعدتِ طاقتكِ بهَذا الشكل، فَلَن تعاني مِن نزلات البرد كثيرًا بعد الآن.”
<ما زلتُ لا أستطيع التخلي عن كل شيء.>
وهَكذا، عندما زادت مِن كميات طعامها، وبدأت تتحرك بنشاط، وتبنت أسلوب حياةٍ منتظم، اختفى البرد الذي لَمْ يكُن يزول حتى مع الأدوية.
ولَمْ يكُن هَذا كل شيء.
فقد استعاد وجهها الشاحب نضارته، وعادت الحيوية إلى شعرها وبشرتها بعد أنْ كانا باهتين، مِما غيّر ملامحها بشكلٍ واضح.
لقد استعادت على الأقل لياقةً بدنية مُماثلةً لما تتمتع بهِ السيدات النبيلات العاديات.
<أريدُ أنْ أبدأ مِن جديد.>
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليغرام》
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 14"