عندما سمعت صوتًا غريبًا، انتفضت ليتيسيا مِن مكانها وقد انقشع عنها النوم تمامًا، فرفعت نصف جسدها بسرعة.
كان هُناك رجلٌ يرتدي معطفًا أبيض ونظاراتٍ بدوّن إطار، وفتاةٌ صغيرة الملامح يجلسان على الكراسي.
“تفضلي، الماء!”
اقتربت الفتاة بخطًى سريعة وقدّمت لها كوبًا. ترددت ليتيسيا للحظة، إذ تذكرت ما حدث لها قبل أنْ تنهار. لكنها شربت الماء بهدوء، إذ لَمْ يكُن هُناك أحد – باستثناء أديلين والسيدة الكبرى – سيكسب شيئًا مِن إيذائها.
“شكرًا لكِ.”
اتجهت نظرات ليتيسيا نحو الرجل.
“هَذا السيّد… هل هو طبيب؟”
“نعم، يا آنسة. اسمي هاريسون.”
لكنها لَمْ تكُن آنسة، بل سيدة.
‘آه، بما أنني طُرِدت مِن قصر الماركيز، فعليَّ أنْ أكون ليتيسيا لوبيز مُجددًا.’
مِن غير المرجّح أنْ يكون هَذا الرجل قد علم بالأمر وناداها بذَلك عمدًا. رُبما فقط استخدم اللقب الذي شعر أنهُ الأنسب لعمرها.
شعرت ليتيسيا ببعض الارتياح عند سماع صوت الرجل الهادئ، ثم نظرت مِن حولها.
كانت الغرفة نظيفةً بشكلٍ مقبول، تضم سريرًا، وطاولة مع كرسيين يُمكن استخدامهما لتناول الطعام أو القراءة، وعلاّقة ملابس.
ومِن خلال نافذةٍ صغيرة تتجمّع عليها قطرات الماء، بدا أنْ المطر لا يزال يهطل في الخارج.
‘يبدو أنني سأبدأ بكُره المطر مِن الآن فصاعدًا…’
على أيِّ حال، كانت هَذهِ الغرفة أقرب إلى غرفةٍ يُمكن النزول منها إلى عيادة أو مكانٍ مُخصّص للمرضى.
“…أين أنا؟ ومَن الذي استدعى الطبيب؟”
“أنتِ في نُزل روديم. سيكون مِن الأفضل أنْ تسألي صاحبة المكان عن التفاصيل.”
وحين أومأت الفتاة برأسها تأكيدًا، أدركت ليتيسيا أنهما لا يعرفان الكثير عن الأمر.
“لقد كانت صحتكِ ضعيفةً منذُ البداية، ويبدو أنْ المطر تسبب في إصابتكِ بنزلة برد. عليكِ أنْ تأكلي جيدًا، وترتاحي كثيرًا، وتتناولي الدواء بانتظام لبعض الوقت.”
“لحُسن الحظ، يبدو أنَّ حرارتكِ قد انخفضت كثيرًا، ولَمْ يتبقَّ سوى القليل مِن السعال.”
قبل بضع ساعات فقط، كانت تشعرُ بألمٍ شديد.
يبدو أنْ أحدهم قد نقلها سريعًا مِن مكان سقوطها تحت المطر إلى هَذا النُزل، واستدعى الطبيب على الفور. كانت تسعل، لكن حالتها تسمح لها بالحركة.
إلا أنَّ الطبيب هزّ رأسه بجدية.
“لا تزال حرارتكِ مرتفعةً قليلًا، وإنْ أرهقتِ نفسكِ فقد ترتفع مُجددًا. كما يجب السيطرة على السعال بسرعة.”
فحتى الزكام قد يكون خطرًا على مَن يملك جسدًا ضعيفًا، إذ قد يتطوّر إلى التهابٍ رئوي.
“هَذا الدواء أحضرته مِن العيادة صباحًا. عليكِ تناوله ثلاث مراتٍ في اليوم بعد كُل وجبة.”
“نعم، سأفعل. شكرًا لك.”
وحين غادر الطبيب وهو يحمل حقيبته، لَمْ تتحرك الفتاة مِن مكانها، ما أوحى لليتيسيا بأنها ليست مساعدة الطبيب، بل مِن العاملين في النُزل.
لو كانت ليتيسيا القديمة، لبادرت بعد مُغادرة الطبيب بالتواصل مع صاحب النُزل عبر الفتاة لتفهم وضعها، لكنها هَذهِ المرة شعرت أنْ كُل شيءٍ مرهق ومتعب. رُبما بسبب الزكام، أو رُبما بسبب الإرهاق النفسي الذي لازمها منذُ طردها مِن قصر الماركيز.
“هل يُمكنني أنْ أعرف اسمكِ؟”
“اسمي إيما!”
“حسنًا، إيما. سأفكر في بعض الأمور قليلًا، فلا بأس إنَّ خرجتِ. لا بد أنْ البقاء في الغرفة طوال الوقت يُشعِر بالضيق.”
“آنسة، ماذا لو تناولتِ بعض الحساء وتناولتِ الدواء ثم حاولتِ النوم قليلًا؟”
عندما نظرت إلى الساعة القديمة في الغرفة، وجدت أنها الرابعة مساءً.
“قارب وقت العشاء، سأتناوله حينها.”
بدت إيما مترددةً للحظة، ثم أومأت برأسها.
“إذًا، سأوقظكِ بعد ساعتين. عليكِ أنْ تأكلي حينها.”
“حسنًا.”
وما إنْ أغمضت عينيها حتى خمد وعيّها على الفور. وبعد مرور ثلاث ساعات، لا ساعتين، جلست ليتيسيا بصعوبة.
تناولت بضع ملاعق مِن الحساء الذي جلبته إيما، لكنها لَمْ تستطع تذوق طعمه.
واستمر هَذا الروتين لعدة أيام، تتناول قليلًا مِن الطعام والدواء ثم تعود للنوم. وبينما توقف المطر أخيرًا، لَمْ تخرج ليتيسيا مِن الغرفة ولو لمرةٍ واحدة.
‘متعبة.’
‘مرهقة.’
‘أشعرُ وكأنَّ كل جزءٍ مِن جسدي يؤلمني…’
وفي تلكَ الأثناء، زارها الطبيب الذي رأتهُ أول يوم مرتين أو ثلاث مرات. شخّص حالتها على أنها مُجرد ضعفٍ عام، وأنَّ الزكام لَمْ يتفاقم مجددًا.
“آنسة، إنْ لَمْ يعجبكِ الحساء أو اليخنة أو الأومليت، هل أعدّ لكِ بعض اللحم المطهوّ على البخار بلطف؟”
“لا، لا داعي. فقط لا شهية لدي.”
لكن إيما وصاحب النُزل لَمْ يطمئنّان لحالة ليتيسيا، فقد بدت وكأنها على وشك الانهيار، كدميةٍ قُطع خيطها، بالكاد تتحرك.
وتبدّل الوضع في إحدى الليالي، حين جاء رجلٌ غريب إلى النُزل وطلب مقابلة ليتيسيا.
حينما نقلت إيمّا الرسالة، كانت تظُن أنْ ليتيسيا سترفضُ الطلب كعادتها بسبب حالتها الصحية، لكن على غير المتوقع، قبلتهُ برحابة صدر.
وبعد قليل، وجدت ليتيسيا نفسها في مواجهة رجلٍ يملك شعرًا أسود فاتح اللون مقارنةً بشعرها، وعينين خضراوين، لتعود بها الذاكرة إلى زمنٍ بعيد.
“لقد التقينا سابقًا في حفل النصر، أليس كذَلك؟”
“نعم، يا آنسة.”
عند سماعها للقب الآنسة، لمعت عينا ليتيسيا بشيءٍ مِن الدهشة.
“أنا جيرارد، المساعد العام المسؤول عن الشؤون الخارجية لدى دوق غارسيا.”
“فهمت، سيد جيرارد. سررتُ بلقائكَ مجددًا.”
“سيد جيرارد؟! لا داعي للتكلف! ناديني ببساطةٍ بـ جيرارد. إنْ علم سمو الدوق بذَلك، فسيوبخني على وقاحتي.”
وبينما كانت تتحدث، نهضت ليتيشيا مِن على الكرسي وانحنت انحناءةً خفيفة.
“أشكر لكم نقلي إلى النزل واستدعاء الطبيب لمعالجتي.”
رغم حياة الخمول التي قضتها بين الأكل والنوم فقط، فإنَّ ليتيسيا لَمْ تكُن غافلةً عن التفكير.
‘أين أخطأت؟ مِن أين بدأ كُل شيءٍ بالانهيار؟’
‘منذُ أنْ جلب إليوت الآنسة شالامي؟’
‘لا، ليس هَذا. لستُ بتلكَ الجاذبية كأنثى… رُبما لَمْ يكُن عليّ الزواج أساسًا.’
‘كان عليّ ألا أتنازل عن وظيفة مسؤولة الشؤون الإدارية في القصر الإمبراطوري.’
‘يا لي مِن حمقاء. حمقاء فعلًا.’
‘في النهاية، أنا مَن دمرتُ حياتي. يا لحقارتي وسخريتي.’
رغم أنْ معظم تفكيرها انصب على لوم الذات، إلا أنها بدأت أيضًا بالتفكير في هوية مَن أنقذها ومَن يقفُ وراءه.
[كانت الساعة قد تجاوزت الواحدة بعد منتصف الليل بقليل. اشتد المطر، وكان زوجي يتفقدُ نوافذ الغرف وغرفة الغسيل ثم همّ بالنوم قليلًا، حينها جاء رجلٌ يحمل الآنسة بين ذراعيه.]
[آه، كانت عيناهُ بلونٍ أحمر مرجاني جميل. وأيضًا… نعم! كان يرتدي رداءً، لكنهُ يختلفُ قليلًا عن أردية المسافرين مِن الأقاليم… كان يُشبه ذاك الذي يرتديه السحرة!]
[والطبيب أيضًا، هو مَن استدعاه.]
بمُجرد أنْ لفظت صاحبة النزل كلمة ساحرة، مرّ طيفُ رجلٍ واحد في ذهن ليتيسيا. إذ لا يوجد سوى شخصٍ واحد مِن السحرة كانت له صلةٌ بها.
‘السينيور إيمريك.’
لكن لا بد أنه لَمْ يكُن هو.
‘صحيح أنْ هُناك سحرًا يمكنه تغيير المظهر جزئيًا، لكن…’
‘لا يُمكن له، وهو الذي يحكم إقليمًا في الغرب، أنْ يكون في العاصمة مِن دوّن سبب.’
مع ذَلك…
‘مِن المُمكن تمامًا أنْ يكون أحد تابعيه.’
فحتى النبلاء الذين لا يستقرون في العاصمة، غالبًا ما يكون لديهم منزلٌ ثانٍ فيها.
وهي تعلم أنْ دوقية غارسيا، بعد عودة سيدها كبطل حرب، قامت بتحويل منزلها الرسمي إلى مقرٍ كبير يُظهر هيبة العائلة.
‘قد يكون مِمَن يعملون هُناك… أو رُبما أحد الجواسيس، الذي لا بد أنْ تمتلكهم كل عائلةٍ نبيلةٍ كبرى.’
‘مع ذَلك، ظهوره في الوقت المُناسب أمرٌ مريب… هل يُمكن أنْ يكون بينه وبين إليوت خلافٌ شديد لدرجة أنه كان يُراقب قصر الماركيز طوال الوقت؟’
“هاه، صحيح أنْ سمو الدوق يهتم لأمركِ لأنه يعتبركِ صديقةً ثمينة مِن أيام الأكاديمية، لكنهُ لَمْ يكُن مَن أنقذكِ، لذا لا داعي لشكره.”
قالها جيرارد بابتسامةٍ محرجة، ثم أخبرها أنْ مَن أنقذها هو أحد أتباع دوق غارسيا، ويدعى ميلون.
“ميلون هَذا، كونه ساحرًا، مُعتادًا على التجوال ليلًا. ولقد قام بعملٍ جديرٍ بالثناء هَذهِ المرة، مِما جعل سمو الدوق يثني عليهِ كثيرًا.”
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 13"