ارتجف بعض الحاضرين مِن الصوت الهادئ إلى حد البرود الذي صدر مِن ليتيسيا، وكأنهم فُوجِئوا به، حتى حاجبا إليوت ارتعشا قليلاً.
عندها صاحت إحدى الخادمات وهي تُحدّق بليتيسيا بنظرةٍ غاضبة.
“سيدتي كانت قد احتست الشاي مع الآنسة هَذا العصر! لا شك أنها استغلت تلكَ الفرصة لتقوم بفعلٍ خبيث!”
فردّت ليتيسيا مشيرةً إلى إحدى الخادمات ذات الشعر البني قائلة.
“لو أنني أنا مَن أعدّ الشاي والحلويات ودعوت الآنسة لاحتساء الشاي، لكان لادّعائكِ بعض المنطق.”
“لكن سييرا هُناك هي مَن أبلغتني هَذا الصباح.”
قالت إنْ الآنسة هي مَن ستُعِدّ الشاي، وطلبت مني الحضور إلى الحديقة في الساعة الثالثة عصرًا.
“فكيف لي، وأنا الضيفة التي قُدّم لها الشاي والحلويات التي أعدّتها الآنسة، أنْ أتصرف بأيِّ حيلة؟”
سألت ليتيسيا وهي تُحدّق بثباتٍ في إليوت وحماتها.
كانت الخطة هزيلةً جدًا لدرجة أنها لَمْ تجد فيها إلا الحيرة.
“لكن الآنسة صرفتنا جميعًا بعد ذَلك! وبقيتُما وحدكما، لذا لو أردتِ أنْ تفعلي شيئًا، فكان الوقت كافيًا! حتى الطبيب قال بنفسه…”
فقاطع الطبيب الحديث نيابة عن سييرا التي كانت منفعلة:
“الآنسة اشتكت مِن ألمٍ في البطن أثناء تناول العشاء مع السيد. وعندما طُلِبَ مني الحضور وتفقدتها، كانت حالتها قد تجاوزت مرحلة العلاج.”
ويُقال إنَّ أديلين لَمْ تكُن تشتهي الطعام اليوم، لذَلك لَمْ يُقدَّم على مائدة العشاء سوى القليل مِن الحساء والفواكه. وعند ظهور الأعراض، تم فحص الطعام فورًا.
“ولحُسن الحظ، لَمْ يُكتشف أيُّ خللٍ في تلكَ الأطعمة. ومع ذَلك، وفي وسط الألم والارتباك، تذكّرت الآنسة أنها شربت شاي اليوريان في وقت الظهيرة، على غير عادتها.”
[حين أفكر في الأمر مُجددًا… في لحظة ما، بدا شاي اليوريان بلا طعم. تُرى، هل كان هُناك خللٌ في الشاي؟]
“وبما أنني لَمْ أُحضّر ذَلك الشراب، فالفُرصة الوحيدة لإضافة شيء إليه كانت أثناء شربنا معًا. لكن مع عينيها وأذنيها السليمتين، كيف لي أنْ أقوم بذَلك دوّن أن أُكتشف؟”
“الآنسة كثيرًا ما تُصاب بتشنجاتٍ في ساقيها منذُ حملها، فتقوم بالانحناء وتدليك ساقيها. وفي تلكَ اللحظة، لَمْ يكُن أحدٌ بجانبهما، لذا رُبما استغللتِ تلكَ الفرصة!”
“كل ما أعرفه هو أنني رأيتُ السيدة تترك الشاي دوّن أنْ تشرب منه سوى القليل.”
“صحيح! وبصراحة، مَن في هَذا القصر غير السيدة يرفض حمل الآنسة؟”
“نعم، لَمْ أركِ ولو لمرةٍ واحدة تهنئين أديلين على حملها!”
صرخت السيدة الكبرى وكأنها وجدت الذريعة المُناسبة.
كانت ليتيسيا تُحاول الرد بهدوء على هَذا المنطق الجائر الذي يُحاصرها، ولكنها أدركت أخيرًا الحقيقة.
أنْ مَن في هَذا المكان لا يهمهم ما إذا كانت قد استخدمت السم فعلاً أم لا.
فالجنين قد مات قبل أنْ يرى النور، والناس بحاجةٍ إلى شخصٍ يوجهون له اللوم، ويُسقِطون عليهِ مشاعر الغضب والحزن، كي يفهموا هَذهِ المأساة.
وكانت ليتيسيا هي الضحية المثالية التي تناسب أهواء الجميع.
دوّي صوت ارتطام بالخارج.
ربما كانت الرياح قد اشتدّت، وفي داخل غرفة النوم الساكنة، لَمْ يُسمع سوى أنينٍ خافت مِن أديلين، واهتزازٍ مزعج لإطار النافذة.
نظرت ليتيسيا إلى أديلين، التي كانت في حضن إليوت، وكأنها لا تستطيعُ تصديق ما يحدث.
هي لَمْ تكُن الجانية. وإذا كان ما قيل صحيحًا، ولَمْ يكُن في هَذا القصر مَن يعارض حمل أديلين غيرها…
حُب إليوت، ورضا السيدة الكبرى، وولاء عددٍ لا يُحصى مِن الخدم.
ولو أنها أنجبت الطفل بسلام، لكانت قد عززت مكانتها أكثر، ونالت مزيدًا مِن المحبة والاهتمام مِن عائلة الماركيز.
أتراها استخدمت الجنين، الذي احتفظت به في رحمها لأشهر، كورقةٍ لتتخلص مِن ليتيسيا، التي لَمْ تملك سوى لقب زوجة الماركيز الشكلي؟
لَمْ تستطع ليتيسيا أنْ تفهم ذَلك القرار القاسي واللا إنساني، ولَمْ تكُن ترغب في فهمه.
‘كان مِن الأفضل أنْ تطلبي مني الرحيل مِن هَذا القصر بعد ظهر اليوم فقط…’
أشفقت على الطفل الذي مات على يد أمهِ الحقيقية دوّن أنْ يفهم شيئًا، كما شعرت بالأسى على نفسها وقد أُلصقت بها فجأةً تُهمة القتل في هَذا الليل البارد.
“… هَذا مذهلٌ حقًا، يا آنسة. لقد ربحتِ.”
شعرت ليتيسيا بإرهاقٍ شديد، وكأنَّ اليأس الذي تغذّى داخلها طوال الشهور الماضية قد غمرها تمامًا.
“يا للوقاحة!”
صاحت السيدة الكبرى وهي تشير إليّها بأصبعها، والغضب يعلو وجهها.
“لَمْ أتخيل أبدًا… كيف لكِ أنْ تفعلي شيئًا كهَذا…؟”
بدت ملامح إليوت مصدومةً، وكأنه سمع للتو نبأ سقوط السماء.
“لقد أخبرتكم بالحقيقة، بأنني لَمْ أفعل شيئًا، وأجبتُ على كل الأسئلة بصدق. وإنْ كنتم ما زلتم لا تصدقونني، فماذا عساي أنْ أفعل أكثر مِن ذَلك؟”
وبما أنْ وقتًا قد مضى منذُ انتهاء جلسة الشاي، فلا بد أنْ ما تبقّى مِن الشاي قد أُهدر، وتم تنظيف الإبريق والفناجين.
لذا، لا يملكون شيئًت سوى الشكوك، ويضغطون عليها فقط لأجل الحصول على اعترافٍ منها.
أليس مِن المعروف أنْ إثبات عدم قيامكَ بشيءٍ ما أصعب بكثير مِن إثبات قيامكَ به؟
“كفى! لا حاجة بعد الآن لتمييز الصواب مِن الخطأ! لقد عرفتُ حقيقتها منذُ أنْ بدأت تردّ على الأكبر منها لمُجرد أنها درست قليلاً في الأكاديمية رغم أنها تجهل أبسط الأدب! هَذهِ الفتاة هي مَن ستجلبُ الدمار لعائلتنا!”
وما إنْ أومأت السيدة الكبرى بعينيها، حتى بدأت الخادمات يقتربن مِن ليتيسيا وكأنهنَّ يضيّقنً عليها الخناق. كانت الخطة أنْ يُقبض عليها وتُحبس في غرفةٍ ضيّقة، دوّن طعامٍ أو شراب، حتى تعترف بجريمتها.
وإنْ ماتت خلال ذَلك، فسيُعتبر ذَلك حظًا سيئًا لا أكثر. وبالطبع، كان مِن المقرر أنْ يُعلَن في الخارج عن وفاتها كمرضٍ أو حادث.
“سيدتي… أنا، أنا فقط… يكفيني ألا أرى وجهها مرةً أخرى.”
“آه، يا إلهي!”
تنهدت السيدة الكبرى، ومعها الخادمات، بمرارةٍ. فقد بدا لهنَ أنْ أديلين، التي تُبدي شفقةً تجاه مَن أضرت بطفلها، لَمْ تكُن ساذجةً فقط بل أقرب إلى الحمقاء.
حتى ليتيسيا نظرت إليّها بدهشة.
إلصاق تُهمةٍ ظالمة بالزوجة الأولى، هَذا بحد ذاتهِ يُعد خُبثًا شديدًا لا يصدر إلا عن عشيقةٍ حقيرة.
لكن أديلين، في تلكَ اللحظة، بدت شبيهةً بتلكَ المرأة التي كانت تتحدثُ بكلامٍ تافهٍ خلال جلسة الشاي.
وعلى الأقل، كلماتها تلكَ لًمْ تكُن مؤذيةً لليتيسيا بشكلٍ مُباشر.
‘… ما هَذا، هل تعاني مِن انفصامٍ في الشخصية؟’
فتح إليوت فمه بعد أنْ ربت على كتف أديلين، وكأنهُ يُدرك تمامًا ما يدور في داخلها.
“أمي، أنا كذَلك أوافق رأيّ أديلين. ما دامت لا توجد أدلةٌ قاطعة، علينا أنْ نكون حذرين. يبدو أنْ الأفضل حاليًا هو فصل الجاني عن الضحية.”
وبما أنْ الضحية ووريث العائلة اتفقا على رأيٍّ واحد، فقد تحدد مصيرُ ليتيسيا سريعًا.
***
هطل المطر لعدة ساعات، فابتلَّ الشارع أمام البوابة الرئيسية، وتجمعت المياه في الأماكن المنخفضة.
وفوق تلكَ البرك، رُميت حقيبةُ سفرٍ خُصِّصت لها على عجل.
ثم دُفعت ليتيسيا إلى الخارج تحت المطر، وهي لا ترتدي سوى فستانٍ داخليٍ رثّ، فبدت مبتلّةً في لحظة.
بعد محاولاتٍ عدة، تمكنت بالكاد مِن الوقوف، وفكرت أنْ أول ما عليها فعله هو الاحتماء مِن المطر.
أفضل حلٍ هو الوقوف تحت سقف أحد المباني القريبة حتى يهدأ المطر. لكن الحي الذي يقع فيهِ قصر الماركيز كان ممتلئًا بقصور النبلاء الأثرياء، ولَمْ يكُن مِن السهل إيجاد مكانٍ آمن فيه.
‘…الخيار الثاني هو استئجار غرفةٍ في نُزل.’
رغم أنها طُردت دوّن أنْ تحمل أيِّ مالٍ معها، إلا أنَّ قلادتها وسوارها الرقيق قد يُمكن تحويلهما إلى بعض النقود التي تُغطي تكلفة الإقامة لبضعة أيام.
حملت ليتيسيا حقيبتها المُثقلة بالماء، وبدأت تمشي بخطى متعثرة.
“كح، كح.”
جسدها، الذي ضعف كثيرًا خلال الأشهر الماضية، لَمْ يتحمّل المطر والبرد لأكثر مِن ثلاثين دقيقة، حتى بدأت تسعل بشدةٍ. أطرافها المتجمدة بالكاد كانت تُشعرها بأيِّ إحساس.
‘بقي القليل فقط…’
عندما كانت تستقل العربة مِن بوابة القصر، لَمْ تكُن المسافة إلى الحانات والمتاجر بعيدة. لكن وهي تمشي حاملةً أمتعتها، شعرت وكأنَّ كل خطوةٍ كانت جديدة لَمْ تُخطُها مِن قبل.
هُوِيت.
فجأةً، انهارت ركبتيها وسقطت ليتيسيا على الأرض الموحلة.
“…هَذهِ مصيبة.”
ما إنْ فقدت ليتيسيا وعيّها، حتى ظهر رجلٌ كأنه خرج مِن الأرض فجأةً، فأسرع إلى حملها واندفع بها نحو أحد النُزُل.
وما إنْ خطا خطوةً، حتى بدت قطرات المطر الساقطة وكأنها تتحاشى المكان الذي يسيرُ فيه، كأنما يُمسك بمظلّةٍ خفية لا تُرى.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليغرام》
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 11"
اتمنى انها انتقامها يبرد القلب