قال لها الأرشيدوق آردين مرة أخرى، لكن ذلك لم يكن مفهومًا لها.
لم تستطع أن تفهم لماذا يريد آردين أن يعلن عن كونها إبنته.
أليس من المفترض أن لا يكون الأمر كذلك؟
“بالطبع، لأنكِ ابنة سمو الأرشيدوق، فمن الطبيعي أن يُعرّفكِ للجميع.”
ضحك إيركين ضحكة خفيفة وهو يشرح، وكأنه يتساءل إن كان من الضروري شرح ذلك، فانفلتت منه ابتسامة.
“لكن لماذا؟”
كانت عينا لوسي لا تزالان متسعتين بحيرة.
ضحك ماريليو متابعًا إيركين، لكنه توقف عندما سمع كلمات لوسي.
كان صوتها مختلفًا عن المعتاد، يحمل عدم فهمٍ ممزوجًا بنبرة غضب خفيفة.
نسي ماريليو أن يمسح فمه بالمنديل واستدار نحو لوسي.
“أنتِ ابنة سمو الأرشيدوق، وأمكِ موجودة هنا أيضًا. لذا، إذا كنتِ ستعيشين هنا…”
“لا أريد ذلك.”
قبل أن يكمل ماريليو كلامه، جاءه رفضٌ حاسم من لوسي.
عمّ غرفة الطعام صمتٌ بارد في لحظة، كأن موجة مدٍّ جليدية اجتاحتها.
توقفت الخادمات عن الحركة أثناء تقديم الطعام، وتجمد أفراد عائلة كريسميل حول المائدة.
عندما التفتت كل الأنظار نحوها، نظرت لوسي حولها باستغراب.
أدركت في تلك اللحظة أن شيئًا ما كان خاطئًا، لكنها لم تتراجع عن كلماتها.
“بما أنني انتهيت من الطعام، سأستأذن بالانصراف أولًا.”
نهضت لوسي من مقعدها مدركة أنها أفسدت الأجواء.
حاول إيركين النهوض متأخرًا، لكن الأرشيدوق آردين منعه.
“ما الذي أصابها؟ هل حدث شيء أزعجها؟”
تمتم ماريليو بقلق، غير قادر على فهم ماحدث.
لاحظ الآن أنها أكلت أقل بكثير من المعتاد.
نظر آردين بصمت إلى لوسي وهي تغادر غرفة الطعام، بشعرها المربوط كذيل حصان يتأرجح مع خطواتها.
لقد بدا واضحًا أنها تعرف ما تحب وما تكره، وكأن إيسيل قد ربتها جيدًا.
كان آردين في مثل عمرها يتصرف بنفس الطريقة، لا يبالي بآراء الآخرين ويعبر عن رأيه بصراحة.
بفضل ذلك، أصبح العيش في هذا القصر أكثر راحة بالنسبة له.
“إنها تشبهني.”
تمتم آردين بهدوء وهو يبتسم ابتسامة خافتة.
***
سارعت لوسي نحو الجناح المنفصل وهي تتنفس بغضب.
كانت تضرب الأرض بقدميها بقوة أثناء المشي، لكنها توقفت سريعًا بعد أن شعرت بالإرهاق بسبب وجبتها الخفيفة تلك الليلة.
استدارت لوسي بنظرة خاطفة نحو القصر الرئيسي.
في تلك الساعة التي بدأ الغسق يهبط فيها، كان القصر يشع بأضواء ساطعة تتدفق من كل نافذة.
كانت الأحجار المضيئة المزروعة بشكل متفرق في الحديقة تطرد الظلام بلمعان خافت.
وفي وسط ذلك، وقفت لوسي وحيدة، كأنها غارقة في الظلام.
نظرت إلى القصر الرئيسي المشع بالأضواء ثم هزت رأسها واستدارت مبتعدة.
توجهت مجددًا نحو الجناح المنفصل حيث توجد والدتها.
لم تفهم لماذا اتخذ الأرشيدوق آردين هذا القرار، لكنه كان أمرًا غير مقبول.
ربما لم يكن هذا قصده الحقيقي.
على الأقل، في ذكريات أمها، لم يكن آردين شخصًا يتخذ قرارات كهذه.
“سنغادر على أي حال.”
تمتمت لوسي بصوت خافت، وكادت الدموع تنهمر منها، فأطبقت على شفتيها بقوة.
بسبب الأشخاص الطيبين الذين قابلتهم هنا، شعرت بالأسف لا إراديًا.
عندما بدأت عيناها تدمعان، ركضت لوسي نحو الجناح المنفصل ودخلته مسرعة، ثم اتجهت مباشرة إلى غرفة أمها.
“أمي…”
تسلقت لوسي السرير وهي تكتم بكاءها، تحاول تهدئة أنفاسها المتقطعة.
كانت والدتها نائمة، لكن لوسي لم ترغب في البكاء أمامها.
في كل مرة تبكي فيها، كانت أمها تبدو أكثر تألمًا، لذا حاولت جاهدة كبح دموعها.
“هوو…”
أطلقت لوسي زفرة طويلة، ثم وضعت يدها على جبهة أمها.
بحثت عن الذكرى المفضلة لديها.
من بين الذكريات التي مرت كالضوء السريع، وجدت لوسي تلك اللحظة بسهولة.
لم تكن المرة الأولى أو الثانية التي تراها فيها، فقد اعتادت عليها.
<ابنتي، لقد عانيتِ كثيرًا لتخرجي إلى هذا العالم.>
كانت أمها، التي أنهكتها الولادة حتى انفجرت عروقها وغطى العرق جسدها، تهتم بها وتطمئن عليها بدلًا من نفسها.
نظرت لوسي إلى نفسها من خلال عيني أمها.
كانت الطفلةُ المغطاة بالدماء وجلدها مجعد لا يحمل أي مظهر جميل.
ومع ذلك، ظلت أمها تقبل وجهها مرات ومرات.
<أحبكِ، لوسي. شكرًا لأنكِ جئتِ إليّ.>
لم تكن تلك ذكرى تخصها، لكنها كانت أول تعبير عن الحب سمعته من أمها.
حتى لو كان صوتها متعبًا ومتهدجًا، فقد كانت كلمة “أحبكِ” تلك الأكثر تأثيرًا في قلبها.
كانت طريقة أمها في التعبير عن حبها بكل جوارحها هي الذكرى الأثمن لدى لوسي.
لم يكن في المشهد سوى طفلة قبيحة المظهر، لكن عيني أمها لم تنحرفا إلى أي مكان آخر.
كأن الشيء الوحيد الذي أرادت رؤيته هو تلك الطفلة.
تلك اللحظة التي أظهرت لها أنها كانت كل شيء في عيني أمها جعلت لوسي تشعر بسعادة تغمرها حتى أطرافها.
“أمي، أحبكِ.”
استلقت لوسي بجانب أمها بحذر، متجنبة لمس بشرتها خشية أن تؤلمها.
في ذلك اليوم، شعرت برغبة أكبر في رؤية أمها حتى وهي بجانبها، فأطبقت على شفتيها وأغمضت عينيها.
***
التقت لوسي بيونيس وعيناها منتفختان من البكاء.
لم تفهم سبب زيارته لها في الصباح الباكر، فاكتفت بالنظر إليه ببلاهة.
رغم أن ميلودي نقلتها إلى غرفتها في الفجر، وربما نامت جيدًا، إلا أنها لم تستيقظ تمامًا.
تردد يونيس أمامها في قول ما يجب قوله.
بدا واضحًا أنها لم تتناول فطورها بعد.
“هل أعود بعد الإفطار؟”
“…همم، لا، لا بأس.”
فتحت لوسي عينيها بصعوبة وضربت خديها برفق.
كان الصوت مرتفعًا بما يكفي ليفاجئ يونيس الواقف أمامها وميلودي التي كانت تحضر ماء الاغتسال.
“إذن سأكون مختصرًا. اعتبارًا من اليوم، سأتولى حمايتكِ، آنسة لوسي. أرجو أن تقبلي بي.”
“…ماذا؟”
فتحت لوسي عينيها بدهشة، فقد تبدد نعاسها في لحظة.
لم تفهم لماذا يتولى يونيس، الذي كان فارس والدتها، حمايتها الآن.
أليس الحارس الشخصي، كما رأت في ذكريات أمها، يجب عليه أن يرافقها دائمًا؟
كان اقتراحًا مزعجًا من نواحٍ عدة.
“لماذا؟ لماذا تحميني أنا؟”
“إنه أمر سيدي.”
“سيدك؟”
“أمر سمو الأرشيدوق.”
رغم التوضيح، ظل رأس لوسي مائلًا بعدم فهم.
“ألن تعود إلى فرقة الفرسان؟”
“إنه أمر منفصل عن ذلك. ما لم يكن هناك أمر هام أو مشكلة خاصة، فإن حمايتكِ هي الأولوية.”
“همم…”
غمغمت لوسي وهي تفكر، بينما تضغط على شفتيها.
يبدو أنها واجهت مشكلة لا مفر منها تتعلق بالأرشيدوق آردين.
كانت لحظة العشاء أمس لا تزال تثير قلقها، لكنها كانت بحاجة لمواجهته.
لكن قبل ذلك، أرادت معرفة نوايا يونيس الحقيقية.
“ألا تشعر بالإهانة؟”
كانت أمها على الأقل مخطوبة للأرشيدوق، أما هي فلم تكن شيئًا في هذا المنزل.
بالنسبة لشخص مثل يونيس، نائب قائد فرقة الفرسان، كان هذا العمل تافهًا.
“ماذا…؟”
“أمر سمو الأرشيدوق غريب، أليس كذلك؟ أن يضطر شخص عظيم مثلك لحماية طفلة مثلي.”
“ماذا؟”
تفاجأ يونيس بكلمات لم يتوقعها من طفلة في الثامنة، لكنه لوّح بيده سريعًا ليصحح.
“لا، ليس كذلك. كان أمر سيدي، لكنني أردت ذلك أيضًا.”
لم يكن ذلك فقط لأن لوسي ابنة سيده.
كان ذلك مهمًا، لكنها أيضًا الشخص الوحيد القادر على شفاء السيدة إيسيل من مرضها.
كان سيدُه، ويونيس أيضًا، يريان أن شخصًا يمتلك مثل هذه القدرة يحتاج الحماية.
وإذا كانت طفلة، فإنها تحتاج إلى شخص بارع وماهر.
لم يكن من الممكن ترك هذه المهمة لفارس متوسط المستوى من الفرقة.
“حقًا؟”
“نعم.”
رغم الرد السريع، ظلت لوسي تنظر إليه بعينين متشككتين.
“سأعيد كل شيء إلى أصله!”
ظنت لوسي أنه يكتم شعوره بالإهانة أمامها، فقفزت من السرير.
تركت يونيس المندهش خلفها وبدأت بغسل وجهها بسرعة.
بفضل ميلودي التي ساعدتها في تغيير ملابسها بسرعة، تمكنت لوسي من مغادرة الجناح المنفصل بسهولة.
تجاهلت يونيس الذي تبعها كجرو صغير وتوجهت نحو القصر الرئيسي.
“جئت لمقابلة سمو الأرشيدوق آردين.”
قالت ذلك لخادمة مرت بها فور دخولها القصر.
تفاجأت الخادمة التي لم ترَ لوسي عن قرب من قبل وانحنت بسرعة.
لم تكن قد تبادلت التحية مع الآنسة من قبل، لكنها عرفت من تكون.
علاوة على ذلك، كان هناك أمر من رئيس الخدم هذا الصباح بمعاملة الآنسة لوسي كأميرة كريسميل.
“سأرشدكِ.”
تبعت لوسي الخادمة لبضع دقائق حتى توقفت أمام باب أسود كبير.
تركتها الخادمة بعد أن أخبرتها بالدخول وانصرفت.
نظمت لوسي أنفاسها أمام الباب.
رفعت يدها لتطرق، لكن يونيس الذي تبعها طرق الباب بسرعة بدلًا منها.
“لا تدخل أيها الفارس.”
“حسنًا.”
أجاب يونيس بسرعة كأن ذلك متوقع، وكبح ابتسامته لأن وجه لوسي الجاد بدا لطيفًا كمن اتخذ قرارًا عظيمًا.
عندما سُمعت كلمة “ادخلي”، فتح يونيس الباب مرة أخرى لها.
نظرت لوسي إليه بنظرة جانبية ثم دخلت.
كان أول ما لفت انتباهها كومة الأوراق المكدسة بإحكام على مكتب ضخم يمكنها النوم عليه.
خلف ذلك، كان الأرشيدوق آردين جالسًا.
“جئت لأن لدي ما أقوله.”
رفع آردين رأسه فجأة عندما سمع صوت الطفلة.
لم يكن يتوقع هوية الزائر.
كان عليه أن يقول الكثير ويسمع الكثير أيضًا، لذا كانت الزيارة في وقتها المناسب.
وضع آردين قلمه ونظر إلى لوسي.
ابتلعت الطفلة ريقها وفتحت فمها.
“لا أحتاج إلى حارس شخصي.”
كان ذلك متوقعًا، فرفع آردين حاجبًا واحدًا بهدوء.
“عندما تتعافى أمي، سنغادر من هنا.”
لم يكن قد تخيل هذا الجزء من قبل، فقفز آردين من مقعده واقفًا.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 19"