كم من الوقت سيستغرق العثور عليها؟ شهرٌ على الأكثر… نعم، يمكن اعتبار ذلك رحلةً قصيرة، ولن تمانع هي في ذلك.
وحين يجدها، حين يعودان، سيمنحها المزيد من الحب والاهتمام أكثر مما كان يفعل من قبل.
كان يتحمل غيابها وهو يحلم باليوم الذي ستعود فيه ليعيشا معًا من جديد.
لكن الوقت مر بلا رحمة… عامٌ، ثم عامان.
البعض طلب منه أن يستسلم، والبعض الآخر نصحه بأن يتركها وشأنها.
ولكن كيف له أن يستسلم؟ ومن الذي يُفترض به أن يتخلى عنه؟
لم يستطع آردين فهم ذلك أبدًا.
كانت الوحيدة التي شعرت بالشفقة عليه، والتي كان يلتقي نظره بنظرها كلما التفت إليها.
عندما كان الجميع يخشونه بسبب قدراته، لكنها كانت أول من يمدّ يده له.
كانت الوحيدة التي فهمت الفراغ الذي بداخله.
كانت من أوفى بوعده، ومنحت راحةً لألمه الذي رافقه كظلٍّ ثقيل.
كيف له أن ينساها؟
كل من قال إن الوقت سيحل المشكلة كان كاذبًا.
أحيانًا كان يشعر بلمسة دفئها بوضوح، وأحيانًا أخرى لم يكن يتذكر سوى ظلّها، وكأنها محبوسة في ضباب ذاكرته.
كان غيابها عنه عذابًا لا يمكن تحمله إلا بمطاردة الوحوش وقتلها.
وأحيانًا أخرى، لم يكن يشعر بأي شيء، وكأنه بلا قلب.
“هاه…”
مسح آردين وجهه بعنف.
حتى بعد سماعه أنها مريضة، لم يكن قلقًا كثيرًا…
لأنه كان يستطيع علاجها.
لم يكن الأمر صعبًا.
حتى لو كان مرض النوم، فما عليه سوى البحث في بعض المعابد وسيجد الحل.
لم يكن هذا المرض موجودًا في الماضي، بل ظهر فجأة في مرحلة ما.
لذلك، من المستحيل أن يكون رجال الدين الذين حاربوه طوال هذه السنوات عاجزين عن معرفة علاجه.
لكن… هناك مرضٌ آخر؟
مرضٌ غريب لم يسمع باسمه من قبل؟
شعر وكأن نظره يتذبذب.
‘سأعالجها. هذا كل ما يتطلبه الأمر.’
حاول تهدئة خفقات قلبه المضطربة.
حتى الطفلة جاءت إلى هنا من أجل إنقاذ والدتها.
إذن، ما عليه سوى علاجها.
أطلق زفرةً طويلة، ثم عاد بنظره إلى إيسيل.
على الأقل، رؤيتها أمامه كانت أفضل من المعاناة في الظلام، دون أن يعرف أي شيء عن حالها.
باستثناء مظهرها الهزيل، كان الأمر وكأنه رأى وجهها بالأمس.
قبل أسبوعين فقط، كان يعتقد أنه على وشك الموت.
كان يطارد الوحوش، يحاول نسيان الألم ولو للحظات.
ولكن الآن، ها هي أمامه…
وهذا وحده كان كافيًا ليجعله يشعر بتحسن.
على الأقل، أصبح لديه ما يمكنه فعله.
رغبته الوحيدة الآن كانت التأكد من أنها قد عادت إليه حقًّا.
التفت إلى لوسي.
“هل يمكنني احتضانها؟”
“…حسنًا. لكن بلُطف.”
ترددت طويلًا قبل أن تمنحه الإذن، وشفتيها عابسةٌ بوضوح.
يبدو أنه قد فقد مكانته وهيبته عندها تمامًا.
ومع ذلك، ارتسمت ابتسامة صغيرة على شفتيه.
رفع جسد إيسيل النحيل، واحتضنها بحذر.
لا تزال تحمل عبق الصباح المنعش…
لا تزال نبضاتها تنبض برقةٍ مألوفة…
إنها المرأة التي تجعل كل شيء يبدو على ما يرام.
لقد عادت إليّ.
أراح وجهه في عنقها، وأطلق زفرةً طويلة، وكأنه أخيرًا استعاد إحساسه بالحياة.
“همف.”
زمت لوسي شفتيها وهي تراقبه.
عندما احتضن أمها بحذر، أطلقت ضحكةً ساخرة، ثم أشاحت وجهها بعيدًا.
“يبدو أن هناك الكثير لنتحدث عنه.”
نهض آردين، وصوته المنخفض حمل نبرةً باردة، مما جعل لوسي تنتفض قليلًا وهي ترفع رأسها.
لكنه لم يكن يتحدث إليها، بل إلى إيميت.
“اغتسل أولًا، ثم سنتحدث بعد العشاء.”
“لست بحاجة إلى الطعام. فقط سأغتسل، ثم نتحدث.”
كان على وشك الخروج، لكنه توقف عند الباب، والتفت إلى إيسيل مرةً أخرى.
لم يستطع منع نفسه من الابتسام قليلًا.
“هاه…”
عندما رأت لوسي والدتها تتلقى قبلة على جبينها، شهقت بذهول.
يبدو أن الأرشيدوق آردين قد سمعها، إذ التفت نحوها فورًا.
لكنه سرعان ما أطلق ضحكة قصيرة وغادر الغرفة برفقة إيميت.
توجهت لوسي مسرعة نحو الباب بعد أن استوعبت الأمر، وفتحته بحذر لتتأكد من مغادرة الأرشيدوق بالفعل.
وما إن رأت ظهره يختفي عند منعطف الرواق، أغلقت الباب بإحكام واندفعت نحو والدتها.
“أوه…!”
مدّت يدها لتفرك جبين والدتها، لكنها ترددت وسحبت طرف كُمّها الأبيض.
بدأت بالضغط برفق على جبينها، وكأنها تمحو أثر قبلة الارشيدوق آردين.
“أمي، لا… لا يجوز…!”
لم تكن تعرف كيف يجب أن تناديه الآن وهو غير موجود.
“ذلك الرجل… لا يجوز.”
في النهاية، لم تستطع وصفه إلا بأنه شخص لا علاقة له بهما.
أخذت لوسي مرهمًا موضوعًا بجانب السرير.
كان مخصصًا لعلاج مرض وافورد، لكنها غمست طرف إصبعها فيه ووضعت القليل على جبين والدتها بحذر شديد.
***
كان إيميت واقفًا في غرفة الاستقبال ينتظر سيده الذي دخل إلى الحمام.
رغم طول الانتظار، لم يتحرك من مكانه، غارقًا في أفكاره حتى إنه لم يشعر بألم ساقيه.
ظل يراجع في ذهنه المعلومات التي يجب أن يقدمها إلى سيده، يعيد ترتيبها ويكررها مرارًا.
خرج الأرشيدوق آردين مرتديًا رداء الحمام، وكان أول ما سأل عنه.
“ما هو مرض وافورد؟”
رفع إيميت رأسه على الفور، مستعيدًا وعيه بعد أن كان شاردًا.
عدّل نظارته التي انزلقت على أنفه ومسح شفتيه بيده.
لم يكن قد أولى ذلك المرض أهمية كبيرة في تقريره، لذا لم يكن مستعدًا للإجابة فورًا.
“أنا أيضًا وجدت الأمر غريبًا، لكن… هل ظهرت أي آثار له على السيدة؟”
سأله آردين عن المرض، لكنه رد بسؤال آخر.
عندها، قطّب آردين حاجبيه وألقى بالمنشفة التي كان يجفف بها شعره.
“أي آثار؟”
“آه… مرض وافورد يُقال إنه اختفى منذ زمن بعيد.”
أدرك إيميت أنه بدأ حديثه بطريقة غير منظمة، فحاول جمع أفكاره.
“كان مرضًا ناتجًا عن تجارب أجراها السحرة قديمًا…”
جلس آردين على الأريكة دون أن يجيب، ثم عقد ساقيه ونظر إلى إيميت.
لم يكن شائعًا في الوقت الحالي، لكن منذ زمن بعيد، كان الحصول على الحجر الروحي أسهل من العثور على الحجر السحري.
كان الحجر الروحي جميلًا كالجواهر، لكنه لم يكن ذا فائدة تُذكر.
لكن السحرة وجدوا طريقة لاستخدامه، إذ اكتشفوا أنه قادر على مضاعفة قدراتهم.
“إذن، إيسيل استخدمته؟”
“يبدو أن الأمر كذلك. ألم تلاحظ أي أثر لذلك؟”
لم يكن هناك سبب يجعل السيدة إيسيل تصاب بمرض وافورد ما لم تكن قد استخدمت الحجر الروحي، إذ لم يكن لهذا المرض أي سبب آخر.
تردد آردين للحظة.
بدا أن إيميت يسأل عمّا إذا كان قد لاحظ أي علامة غريبة على جسد إيسيل.
بعد تفكير، هزّ آردين رأسه.
لم يعد يتذكر بوضوح الآن، لكنه كان يعرف جسدها جيدًا، ولم يلاحظ عليه أي شيء غريب قط.
كان دافئًا وناعمًا فحسب.
“سمعتُ أن حجر الروح لا يُستخدم بطريقة عادية، بل يجب زرعه في الجسد ليكون فعالًا.”
“ماذا؟”
تفاجأ آردين بطريقة الاستخدام غير المتوقعة، فأنزل ساقيه واتخذ وضعية أكثر انتباهًا.
“أظن أنها ربما أرادت تضخيم قدرتها العلاجية…”
“أتقصد أن إيسيل فعلت ذلك بنفسها؟”
“لا يمكنني تأكيد ذلك…”
“هاه.”
أسند آردين ظهره إلى الأريكة وأرجع رأسه إلى الخلف.
دخلت إيسيل هذا المنزل بسبب قدرتها العلاجية.
أغمض آردين عينيه واسترجع المشهد الذي أتت فيه إيسيل إلى مكتبه برفقة البارون سيلفا.
حينها، لم تستطع حتى النظر إليه مباشرة، وكانت ترتجف بشدة.
أي شخص، حتى طفل في الثالثة، كان بإمكانه أن يدرك أنها لم تأتِ بإرادتها.
على عكس والدها، البارون سيلفا، الذي كان وجهه كئيبًا ومريبًا، بدت إيسيل كالسنجاب الأبيض المرتجف، ضعيفة لدرجة أنها قد تسقط أرضًا لمجرد أي حركة مفاجئة.
قال البارون حينها إن ابنته تملك قدرة علاجية مذهلة، بينما كان آردين يعاني من الألم الناجم عن اللعنة.
لذا، لم يكن لديه سبب لرفض عرضه.
منذ سن الثالثة عشرة، بدأ آردين يظهر براعته في المبارزة، لكن تلك الموهبة لم تكن نعمة، بل لعنة.
بعد أن أظهر قدرته على استخدام الهالة مبكرًا، نما جسده بسرعة.
كانت جروحه تلتئم في لمح البصر، وتجاوز حدود البشر في سن الخامسة عشرة فقط.
أحاطه الناس بالرهبة والإعجاب، لكنهم لم يعرفوا أن تلك القوة كانت لعنة تتوارثها عائلة كريسميل سرًا.
رغم قوته الهائلة وقدرته على الشفاء السريع، كان الثمن هو الألم الرهيب.
عندما بلغ العشرين، أصبح الألم حادًا لدرجة أنه لم يكن يستطيع النوم لعدة أيام.
لم تكن هناك إصابات ظاهرة على جسده، لذا لم يكن بإمكان أي شيء إنقاذه سوى العلاج الذي يحوي قوة مقدسة.
في طفولته، كان ذلك الألم يأتيه يومًا واحدًا في السنة، فتمكن من تحمله.
لكن بعد بلوغه العشرين، أصبحت نوباته تتكرر بشكل متزايد.
وبحلول الوقت الذي بدأ فيه يعاني منها مرة أو مرتين شهريًا، لم يعد بإمكانه الاعتماد على مساعدة المعبد.
في تلك اللحظة، دخلت إيسيل حياته، ولم يكن لدى آردين سبب لرفضها.
عندما رفض المعبد إرسال كهنة آخرين بحجة صعوبة الأمر، كانت إيسيل بمثابة هدية خُصّصت له وحده.
“تحقّق من عائلة سيلفا.”
“نعم، سأفعل ذلك.”
كلما فكر في الأمر، ازداد اقتناعه بأن إيسيل لم تكن لتزرع حجر الروح في جسدها بنفسها.
ناهيك عن احتمال تحملها لذلك الألم، لم تكن فتاة طامعة إلى هذا الحد.
بل على العكس، كانت تفتقر إلى الطموح تمامًا.
حتى عندما أُغدِقَت عليها أغلى المجوهرات، لم تكن تبدي سوى شكر رسمي خالٍ من أي اهتمام حقيقي.
“أي معبد يجب أن أستدعي؟”
انحنى آردين للأمام، ومسح وجهه بكلتا يديه.
حتى لو كان الأمر يتعلق فقط بمرض النوم فقد كان بحاجة إلى مساعدة المعبد.
لكن مع ظهور مرض آخر، كان عليه إيجاد الكاهن صاحب أقوى قدرة علاجية.
افترض أن إيميت قد بحث عن ذلك مسبقًا، لكنه شعر بالإحباط حين لاحظ تردده.
عقد حاجبيه وسأله بحدة: “لا تقل لي أنك لم تبحث حتى عن كاهن؟”
“أوه! لا!…”
أدرك إيميت أخيرًا السبب وراء رغبة سيده في البحث عن المعبد، فضرب جبهته بقبضته.
لقد أخطأ في ترتيب الأولويات أثناء حديثه.
كان غارقًا في التفكير بشأن عائلة سيلفا، لكن ملامحه القلقة تلاشت على الفور.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات