<افعل ما تريد. لن أبخل عليك بالدعم.>
كانت تلك الكلمات البسيطة، التي قيلت وكأنها بلا مبالاة، تعني في الواقع أنه سيدعمه مهما كان خياره.
حتى الجملة التي أُضيفت بعد ذلك، بأنه ليس عليه فعل شيء لا يريده، لم تكن تعني انعدام التوقعات.
بدأ جميعُ سوء الفهم الذي تراكم بينهما، نتيجة المحادثات القليلة التي أجراها مع الأرشيدوق، تتلاشى.
“ألا تشعر أننا نشبه بعضنا؟”
همس ماريليو بينما كان ينخز إيركين بمرفقه.
بدلًا من الإجابة، شدّ إيركين قبضته حول كتف ماريليو وابتسم.
لم يعد اللون الوردي يبدو هشًا بعد الآن، ولم يعد علامة تدل على أنه غريب عن عائلة كريسميل.
حين تذكّر كلمات الأرشيدوق، الذي قال إنه يبحث عن والدته، عضّ إيركين شفتيه.
حتى عندما كان صغيرًا، كان يعلم أن هذا لا يعني أنه يبحث عن والدته البيولوجية.
فقد كان قد اختبر بالفعل فقدان والدته التي أنجبته.
لكن الآن، برؤية خطيبة الأرشيدوق، شعر وكأنه قد وجد أمّه بالفعل.
تخيّل إيركين صورة خطيبة الأرشيدوق وهي تقف بجانبه، وشعر أن الشكوك حول عدم كونه وماريليو جزءًا من هذه العائلة قد اختفت تمامًا.
لأول مرة، شعر بالراحة لأنه لن يكون منبوذًا هنا.
بدا أن ماريليو كان يفكر في الشيء نفسه، إذ نظر إليه بعينين دامعتين وابتسامة باهتة.
لكن الجو لم يكن كله دافئًا.
“آه، سيدتي…”
ركع يونيس على ركبتيه، وهو يحاول كبح دموعه.
فزعت لوسي من ذلك، فقفزت من على السرير وركضت نحوه.
“لماذا تبكي مجددًا؟ أمي لن تموت! لقد أحضرتها هنا لأجل إنقاذها!”
بدت عيون لوسي ممتلئة بالدموع أيضًا، وكأنها تأثرت ببكاء الفارس.
“سمعتُ أنها مصابة بمرض النوم.”
تمتم يونيس بصوت مكبوت.
صحيح أن هذا المرض لا يؤدي إلى الموت الفوري، لكنه مرض يجعل المريض في النهاية غير قادر على الاستيقاظ.
عندها فقط، أدرك يونيس أن السيدة إيسيل تمتلك قدرة على الشفاء.
لم يكن يعرف ذلك، إذ لم يتولَّ حراستها إلا قبل ثلاثة أشهر من مغادرتها.
لا بد أن حياتها كانت أصعب مما كان يتخيل.
في الوقت الحاضر، حتى الكهنة كانوا يترددون في استخدام قدراتهم العلاجية، خوفًا من الإصابة بالأمراض.
لم يكن أحد يتطوع بسهولة للمخاطرة بحياته.
حتى النبلاء وأفراد العائلة الإمبراطورية كانوا يدفعون مبالغ طائلة لاستدعاء الكهنة، ومع ذلك، كانوا يرفضون تقديم العلاج أحيانًا.
بمجرد أن سمع إيركين وماريليو أن الأمر يتعلق بمرض النوم، خيم الصمت على الغرفة.
حتى إيركين، الذي كان يبتسم قبل لحظات وهو يرى وجهها المشابه له، شحب وجهه بالكامل.
كان يعلم أن مرضها خطير، لكنه لم يكن يدرك أنه غير قابل للعلاج.
“لا داعي للقلق، لأنني سأوقظها. بمجرد أن تشفى من مرض وافورد، سأوقظها.”
“ماذا؟”
“أمي لن تموت.”
لو كان ذلك صحيحًا، لما كانت قد جاءت إلى هنا.
تمتمت لوسي بتلك الكلمات بهدوء، لكن يونيس بدى وكأنه فقد روحه من الصدمة.
هل يمكن لطفلة أن تعالج مرضًا كهذا؟
هل لهذا السبب أخبره إيميت باسم المرض؟ أم أن علاج مرض النوم قد تم اكتشافه أثناء غيابه؟
ربّتت لوسي برفق على كتف يونيس قبل أن تعود إلى والدتها.
“لقد تحسن لون بشرتها كثيرًا. يبدو أنها تشعر بتحسن.”
أخرجت لوسي مرهمًا من عند رأس السرير، ثم سحبت ذراع والدتها من تحت الأغطية.
رفعت كُمّها الفضفاض برفق وبدأت بوضع المرهم بمهارة.
عندما لاحظت تلاشي الاحمرار، ارتسمت على شفتيها ابتسامة تلقائية.
مع انخفاض الألم، بدا وجه والدتها أكثر راحة.
قال الطبيب ديرموت إنه خلال شهر واحد فقط، ستكون قد تعافت تمامًا من مرض وافورد.
وهذا يعني أن موعد إيقاظ والدتها لم يعد بعيدًا.
هل ستغضب والدتها عندما تعرف أنها هنا؟ هل ستطلب منها الرحيل على الفور؟
قبل أن تأتي إلى هذا القصر، كانت تخطط للمغادرة بمجرد أن تتعافى والدتها.
فهذا المكان هو الذي هربت والدتها منه.
لم تكن تتوقع أن تلقى ترحيبًا هنا، لذا قررت أن ترد الجميل لاحقًا عندما تكبر.
لكن…
كانت هناك ميلودي، التي تساعدها على التأنق كل يوم.
وإميليا، التي كانت تأتي باستمرار لتسألها إن كانت بحاجة إلى شيء.
وإيميت، الذي كان يصدق كل ما تقوله ويعتني بها.
وإيركين وماريليو، اللذان كانا يلعبان معها دائمًا.
إذا غادرت، ستفتقدهم كثيرًا، تمامًا كما كانت والدتها تفتقد إميليا وميلودي.
“هل… هل ستستيقظ سيدتي حقًا؟”
سأل يونيس بصوت مرتجف، وعيناه منتفختان من البكاء.
ضحكت لوسي بهدوء وهي تنظر إليه.
حتى يونيس ستفتقده على ما يبدو.
“نعم، لذا توقف عن البكاء.”
‘البالغون هنا يبكون أكثر مني.’
فكرت لوسي وهي تضحك بخفّة، ثم انتقلت إلى الجانب الآخر من السرير وأخرجت ذراع والدتها الأخرى.
“هل هذا صحيح؟ هل يمكنك حقًا علاج مرض النوم؟”
بخطوات واسعة، اقترب إيركين من لوسي، وعيناه مملوءتان بالدهشة.
خطيبة الأرشيدوق بدت أكثر ضعفًا كلما اقترب منها.
في أرجاء الغرفة، كانت هناك أحجار سحرية تُستخدم عادةً للمصابين بمرض النوم، وكان للمرهم الذي كانت تحمله لوسي رائحة منعشة.
لم يستطع منع نفسه من التساؤل عن ماهيته.
“نعم، لكنه سرّ. لقد طلب مني الجد إيميت ألا أخبر أحدًا، لكن بما أنني سأوقظ أمي على أي حال، فالجميع سيعرف ذلك في النهاية.”
قالت لوسي ذلك بثقة، لكنها لم تنسَ أن تؤكد على أنه سرّ.
وضعت إصبعها على شفتيها ونظرت إلى يونيس، وإيركين، وماريليو واحدًا تلو الآخر.
كان يونيس هو آخر من أومأ برأسه، بعد أن ظل متجمدًا لفترة.
“وذلك المرهم…”
عاد اهتمام إيركين إلى المرهم الذي كان ينبعث منه عطر منعش بفضل احتوائه على طاقة سحرية وفيرة.
لاحظت لوسي تساؤله، فابتسمت بمرح.
“إنه علاج لمرض وافورد!”
ردّت بحيوية، مما جعل إيركين يشعر للحظة وكأنه قد سمع خطأً.
مرض وافورد…
مرض يصعب علاجه، مثل مرض النوم.
وكان أيضًا مرضًا لا يُصاب به أي شخص عادي.
“هل… هل حصلتِ على زهرة الفراشة؟”
هل تمكنت عائلة الأرشيدوق حقًا من العثور على تلك العشبة الأسطورية؟
منذ أن دخل هذه الغرفة، لم يستطع إيركين استعادة هدوئه.
طفلة صغيرة قادرة على علاج مرض النوم، عائلة الأرشيدوق تمتلك علاجًا لمرض من المستحيل الشفاء منه…
وخطيبة الأرشيدوق التي تشبهه كثيرًا.
تدفقت عليه الحقائق المذهلة واحدة تلو الأخرى، حتى شعر بدوار شديد.
“هاه…”
هزّ إيركين رأسه بذهول.
حتى أفضل السحرة لم يتمكنوا من العثور على زهرة الفراشة، التي لم تُسجل أي حالة للعثور عليها منذ مئات السنين.
لم يعد الناس يجربون تجارب جنونية مثل زرع الأحجار الروحية داخل أجسادهم، لذا اختفى مرض وافورد تدريجيًا من العالم.
لكن كيف أصيبت خطيبة الارشيدوق به؟
وكيف تمكنت لوسي من العثور على زهرة الفراشة؟
كانت الأسئلة كثيرة جدًا، حتى إنه لم يستطع النطق بأي منها.
لم يكن إيركين الوحيد الذي تفاجأ.
فقد انهار يونيس جالسًا على الأرض، متأثرًا بصدمة الاكتشاف.
إصابتها بمرض النوم وقدرة الشفاء لديها، والسيدة التي كانت ترتدي الأكمام الطويلة طوال الوقت في الصيف.
كما تذكر العائلة التي كانت تزعجها دائمًا بطلب المال.
كان يونيس يفكر في كل شيء.
‘لقد قاموا بعمل التجارب عليها، تلك العائلة الحقيرة، عائلة سيلفا.’
كان يونيس يعرف ما هو مرض وافورد، وأغمض عينيه بشدة.
لم يكن يعرف الكثير عن السيدة، على الرغم من أعتقاده بأنه عرف عنها الكثير بعد أن سافر للبحث عنها.
حتى أنه لم يكن يعرف كل شيء عن الطفلة.
“لم يتبق سوى القليل. ستستيقظ قريبًا.”
كانت كلمات الطفلة تحمل الطمأنينة والراحة.
أخذ يونيس نفسًا عميقًا ليهدئ من مشاعره المتصاعدة.
“أين كنتِ تعيشين؟”
سأل يونيس بهدوء.
لم يكن قد ترك مكانًا في الإمبراطورية لم يذهب إليه.
عندما يصل إلى قرية جديدة، كان دائمًا ما يحمل الأمل، وعند اكتشافه بكونها وجهة خاطئة، كان يشعر باليأس.
أحيانًا كان يشعر بالإحباط عندما لا يأخذ السيد نصيحته بجدية بشأن ترك الإمبراطورية والسفر إلى مكان آخر.
لكن السيدة لم تأتي بمفردها، بل عادت على عربة تجرها طفلتها.
في النهاية، كان السيد على صواب.
“كنت في جبل فلابي.”
“هاه…”
أطلق يونيس تنهدًا خفيفًا.
لم يكن قد فات عليه البحث في الجبال، ولكن عند سماعه لاسم جبل “فلابي”، شعر بالإحباط.
فعندما كان قد تلقى أمرًا بالعودة، كان في قرية “فراو” الواقعة أسفل جبل فلابي.
“كنت في قرية فراو.”
“هاه. لقد كنتَ في مكان قريب إذن!”
نطق بكلماته بصوت خافت مع ابتسامة مريرة، لكن الطفلة تمتمت بذلك مع ضحكة خفيفة، لقد أجابت وكأنها سعيدة بلقائه، مما جعل يونيس يبتسم أكثر.
كانت السنوات الماضية مضنية؛ فقد سار طوال اليوم حتى امتلأت قدماه بالبثور، وكان يقتصد في الوقت لدرجة أنه اكتفى بالأطعمة الجافة.
كل هذا كان يثير الإحباط في داخله.
ومع ذلك، وجد نفسه يبتسم بلا وعي.
رغم أن السيدة لا تزال مريضة، إلا أن يقين الطفلة بأنها ستتحسن قريبًا جعله يشعر بالراحة.
فبعد رحلة طويلة، عاد أخيرًا إلى المنزل، وأصبح كل شيء على ما يرام.
ثم إنه استطاع أن يبتسم بسعادة لأنه وجد السيدة ليست وحيدة، بل كانت برفقة طفلتها.
***
منذ الصباح الباكر، كان إيميت يتجول بالقرب من الفناء الداخلي.
ذهب حتى البوابة الرئيسية ثم عاد مجددًا.
كان يعلم أن سيده، الذي سيصل راكبًا جواده، لن يلقي إليه بالًا وسيدخل القصر مباشرة، لذلك عاد ليقف أمام القصر من جديد.
وصلت الحمامة الزاجلة في وقت مبكر من الفجر.
لم تحمل معها أي رسالة، لكن سرعان ما سيصل سيده بالتأكيد.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات