“من يكون؟”
توقف ماريليو أولًا في طريق عودتهم بعد تناول الغداء.
لوسي، التي كانت تمسك بيده، توقفت معه أيضًا، ثم اصطدمت متأخرة بظهر إيركين.
كادت أن تسقط إلى الخلف، لكن إيركين أمسك بها.
“هل هو مرتزق؟”
بعد أن أعاد لوسي إلى وضعها الطبيعي، لاحظ إيركين الرجل الذي كان يدخل القصر.
لم تكن هناك حاجة إلى مرتزقة في كريسميل، حيث كانت تتمركز فرقة الفرسان.
ومع ذلك، نظرًا لأن إيميت رحّب به بحرارة، بدا أنه ليس شخصًا مشبوهًا.
كان مظهره رثًّا كما لو كان في حالة سيئة، وكان نصف وجهه مغطى بالقناع الذي بدأ ينزعه.
بدا فارسًا بحكم السيف الذي كان يضعه عند خصره، لكنه لم يكن شخصًا يعرفه إيركين أو حتى ماريليو، حتى بعد أن نزع غطاء رأسه ونفض شعره.
“هاه؟”
أصدرت لوسي صوتًا متعجبًا وهي تقف على أطراف أصابعها.
‘لقد كنت هنا أيضًا، إذن.’
أدركت لوسي من يكون.
رغم أن مظهره أصبح رثًا مقارنة بآخر مرة رأته فيها، إلا أنه كان الفارس الشخصي لوالدتها.
حين كان مع والدتها، بدا كالأمير الوسيم.
ما الذي حدث خلال ذلك الوقت ليجعله يبدو مختلفًا تمامًا عن فرسان كريسميل؟
نظرت لوسي حولها، محاولة البحث عن أي شخص آخر أتى مع الفارس.
إن كان قد أتى إلى هنا، فهل عاد الأرشيدوق آردين أيضًا؟
حدّقت بترقّب إلى الطريق المؤدي إلى القصر، لكنها لم ترَ أي شخص آخر.
“فلنذهب بسرعة.”
افترض ماريليو أنه مرسول من قِبل الأرشيدوق آردين، فأسرع الخطى، ولحقت به لوسي شبه راكضة ناحيته.
***
اقتربت لوسي من يونيس، الذي كان جالسًا على الأرض.
“أمي كانت تشعر بالذنب الشديد تجاهك، فارسها العزيز. كانت تعتقد أنك تعرضت للكثير من التوبيخ بسببها.”
أمسك يونيس بيدي الطفلة الصغيرتين، ثم وضع جبهته عليهما ليخفي دموعه المتدفقة.
<أنا آسفة أيها الفارس. كان يجب أن تكون في ساحة المعركة تحصد المجد، ولكنني…>
عند سماع هذه الكلمات من والدتها سابقًا، لم يرد يونيس بكلمة.
لم يكن هناك ما يمكنه قوله، لأن كلماتها كانت صحيحة، كما لو أنها تخبره بأن عليه أن يشعر بالذنب.
لو أنه كان أكثر لطفًا قليلًا، لو أنه بادلها القليل من لطفها، لو أنه لم يكن متعجرفًا لأنه أصبح نائب القائد في سن صغيرة…
لو أنه فعل ذلك، ربما كانت السيدة إيسيل ستفتح له قلبها وتخبره عن صعوباتها.
وربما كان سيتمكن حتى من تقديم مواساة خفيفة.
ولو حصل ذلك، ربما كانت ستترك رسالة وداع على الأقل قبل مغادرتها القصر.
نسيانها كان سيكون أسهل، حتى لو كان ذلك بسبب الكراهية.
لكنه الآن يعلم أنها كانت تشعر بالذنب نحوه.
أثناء بحثه عن السيدة إيسيل، كان يونيس ممزقًا بين طاعة أوامر سيده وبين رغبته الشخصية.
كان يعرف جيدًا أن سيده، الأرشيدوق، كان رجلًا بارد القلب، وأن السيدة إيسيل لم تستطع تحمّل قسوة زوجة أبيه.
ولهذا، لو كان قد وجدها، وكان قلبها لا يزال متعلقًا بالأرشيدوق، لكنها لم ترغب في العودة، لكان قد احترم رغبتها.
إلا أنه حين سمع بأن الأرشيدوق يمر بأيام عصيبة، وجد نفسه ممزقًا بين رغبته في إقناعها بالعودة وبين احترام إرادتها.
“أين هي؟”
مسح يونيس دموعه بخشونة بظاهر كفه، ونظر إلى إيميت بنظرة ملؤها العجلة.
كان عليه أن يركع أمامها ويطلب الصفح عن غطرسته السابقة.
“يا رجل، اغتسل أولًا على الأقل.”
“آه… حسنًا.”
ضحك إيميت وهو يربّت على كتفه.
“اغتسل، وبعدها سأخذك إلى هناك”
حتى الطفلة وعدته بالانتظار.
كما لو كانت تعيد المشهد الأول الذي رأته حين قدم لحراسة سيدته.
نهض يونيس بسرعة، متجهًا نحو غرفة الضيوف قبل حتى أن يتحرك إيميت.
“من يكون؟”
“فارس والدتي الشخصي.”
بمجرد أن اختفى يونيس عن الأنظار، سأل ماريليو بفضول، فردّت لوسي بإجابة مختصرة قبل أن تغرق في ذكرياتها عن والدتها.
لطالما بدا يونيس رجلًا قويًّا، لذا فوجئت حين رأته يبكي.
تمامًا كما اعتقدت والدتها، لم يكن رجلًا سيئًا.
الآن فهمت مشاعر والدتها حين كانت تتمتم مرارًا بعبارات الاعتذار ليونيس أثناء مغادرتها قصر الدوقية.
لكن، هل سيكون على ما يرام عند رؤية والدتها؟ هل سيتمكن إيميت من شرح الأمر جيدًا؟
ظلت لوسي تراقب الاتجاه الذي غادر نحوه يونيس بقلق.
“أليست والدتك مريضة؟ هل يمكننا رؤيتها؟”
سأل إيركين متعجبًا.
لم يكن مهتمًا حقًّا بكيفية معرفة لوسي بالفارس.
“سأكتفي برؤيتها فقط، لا بأس.”
“إذن، أريد الذهاب أيضًا!”
“حسنًا.”
“وأنا أيضًا؟ هل يمكنني الذهاب؟”
رفع ماريليو يده بسرعة ليقاطع الحديث، ثم نظر ناحية إيركين ليأخذ موافقته أيضًا.
وفقًا لما قاله إيميت، كانت مريضة بمرض خطير، لكن تصرفات لوسي كانت خفيفة وكأن والدتها ستتعافى قريبًا.
هل كانت لوسي تجهل مدى خطورة مرض والدتها؟
قالت لوسي إنها أحضرت والدتها إلى هنا لأنها لم تستطع العثور على العلاج بسهولة.
بدت غير مرتاحة لطلب المساعدة من الدوقية.
هل يمكن أنها لا تعلم أن هذا المكان هو منزل والدها؟
كلما نظر إيركين إلى لوسي، ازدادت حيرته.
كانت هنا لأن والدتها مريضة، لكنها لم تكن سعيدة بتلقي المساعدة من الدوقية.
هل كانت صغيرة جدًا لتفهم مدى خطورة مرض والدتها؟
في سن لوسي، كان إيركين يتعلم النشل من إخوته الأيتام بالشوارع.
حياته كانت مختلفة تمامًا عن الآخرين، وعن لوسي أيضًا، لذا لم يتمكن من فهم طريقة تفكيرها.
ولهذا أراد أن يتأكد بنفسه، طالما لن يكون ذلك عبئًا.
أراد أن يرى والدتها، خطيبة الأرشيدوق، ليدرك مدى خطورة مرضها.
“نعم، لنذهب جميعًا.”
ردت لوسي ببراءة، فربّت إيركين على رأسها بينما كان يحاول تهدئة أفكاره المضطربة.
حتى لو كان يشعر بالغيرة من هذه الفتاة، إلا أنه كان يعرف أنها لم تنشأ حياة عادية.
كلما استمع إلى قصتها، كان مندهشًا من كيف تمكنت من العيش بمفردها.
حتى إيركين، قبل أن ينضم إلى عائلة الأرشيدوق، مر بحياة صعبة.
كان عليه أن يقلق بشأن الطعام في كل وجبة، ولم يستطع تلقي أي مساعدة من الكبار، بل كان عليه أن يحذر من أن يتم استغلاله.
كان من الصعب عليه أن يعتني بنفسه، ومع ذلك، كانت لوسي تعتني بوالدتها المريضة وتعيش بمفردها.
لذلك، كان يتمنى أن لا تواجه لوسي المزيد من المتاعب في المستقبل.
كان يريد لها أن تعيش حياة جديدة، كما عاش هو هنا، وأن يكون لديها فرصة لبدء حياة جديدة.
***
“هل هو نفس الشخص الذي رأيناه سابقًا؟”
“لم أتمكن من التعرف عليه أبدًا.”
تمتم ماريليو وإيركين بدهشة عندما رأيا يونيس بعد اغتساله.
لوسي، التي تعرّفت عليه على الفور، بدت وكأنها تمتلك قدرة مدهشة على تمييزه.
شعر يونيس بالإحراج وهو يحكّ مؤخرة رأسه واقترب.
“هل تناولتَ طعامك؟”
سألته لوسي بقلق عندما لاحظت أنه أنحف مما تتذكره.
“أردت أن أتناول الطعام بعد رؤية السيدة.”
كان يونيس متعجلًا جدًا لرؤيتها حتى إنه لم يرغب في تأخير اللقاء لثانية أخرى.
حاول إيميت إقناعه بتناول شيء خفيف، لكنه لم يستطع.
عندما أخبره إيميت أن سيدته تعاني من “مرض النوم”، وقف يونيس في مكانه بلا حراك، غير قادر على استيعاب الأمر.
إذا كانت لوسي قد أحضرت والدتها إلى القصر بعربة، فهذا يعني أنها لم تعد بنفسها، بل إن طفلتها هي من أحضرتها.
مدت لوسي يدها لتدعو يونيس للذهاب معها.
فكر يونيس للحظة في كيفية الإمساك بيدها الصغيرة، ثم قرر حمل الطفلة.
كان هذا أسرع بالنسبة لهما.
فوجئت لوسي بجسدها المرتفع في الهواء، لكنها أمسكت برقبة يونيس للحفاظ على توازنها.
كان الموقف محرجًا ومربكًا، ولكن مع ارتفاع مستوى نظرها، شعرت بالارتياح أكثر.
أثناء توجههم إلى الجناح المنفصل، كانت لوسي هي الوحيدة التي تتحدث دون توقف.
بينما كان إيركين ويونيس يستمعان في صمت، لم يستطع إيركين إخفاء تعبيراته في الطريق إلى هناك.
وأحيانًا كان ماريليو يتفاعل مع كلمات لوسي.
عند وصولهم إلى غرفة الأم، أنزل يونيس لوسي بحذر.
كانت لوسي أول من فتح الباب ثم صاحت بصوت عالٍ.
“أمي! اليوم جاء الكثير من الناس! جميعهم جاءوا لرؤيتكِ.”
كان صوت لوسي مشرقًا وكأنها تتحدث إلى شخص مستيقظ.
تبادل الرجال الثلاثة الذين كانوا يسيرون بخطوات ثقيلة نظرات متوترة، مبتسمين بشكل غير مريح.
تقدم يونيس ببطء نحو السرير الذي كانت ترقد عليه إيسيل.
بينما كان إيركين وماريليو يترددان عند الباب، كانا غير قادرين على التقدم بأي خطوة، حتى بدأوا بالتحرك تدريجيًا عندما شعروا بالهواء المنعش في الغرفة.
‘هاه…’
في تلك اللحظة، أدرك تمامًا لماذا تم تبنّيه في الدوقية، ولماذا قرر الأرشيدوق مدّ يده نحوه.
الشَّعرُ المضفورُ بعنايةٍ إلى جانبٍ واحد، الوجهُ الشاحبُ الذي زادَهُ المرضُ هزالًا، الجسدُ الصغيرُ الذي يُمكن تَمييزُهُ حتى وإن كانَ مُغطّى بالأغطية.
كانت هذه أولَ مرةٍ يرى السيدة المخطوبة للأرشيدوقِ. وأكثرُ ما لَفَتَ الانتباهَ في مظهرِها كانَ شَعرَها الورديَّ، المماثلَ لشَعرِه.
شعرَ بيقينٍ أنَّ عينيها ستَحملانِ اللونَ ذاتهُ حتى دونَ الحاجةِ إلى التأكُّد.
كانَ الأرشيدوق يُحبُّ خطيبَتهُ بشدّة، ولذا لم يَستَطِعْ تَجاهُلَ من يُشبهُها.
بعدَ سبعِ سنواتٍ من وُجودِه في هذا المكان، أخيرًا أدركَ السببَ الذي جاءَ بهِ إلى هنا.
لم يَشعرْ بالأسى. فكونَهُ هنا لمجرَّدِ أنهُ يُشبِهُها، لم يَكُنْ أمرًا يُزعِجُه.
بفضلِ ذلك، نجا مِن الحياةِ القاسيةِ في الشوارع.
تلقّى امتيازاتٍ تفوقُ ما يستحق، وتعلَّمَ في ظلِّ رعايةٍ كريمة.
لم تكن المانا السِّحرية خاصتهُ ولا ذَكاؤهُ الحادُّ السببَ وراءَ ذلك.
بل كانَ سببًا بسيطًا، مجرَّدَ كَونِه لَفَتَ الأنظار بسبب التشابه بينهما.
ومع ذلك، شعرَ إيركين أنَّ الحملَ الذي طالما أثقلَ صدرَهُ قد تلاشى تمامًا.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات