على الرّغم من علمي أنّه مستحيل، تمنّيتُ أن ينجح فرسان إيمبليم.
لو اندفعت أمّي الغاضبة حقًا نحو مقعد الإمبراطور، فقد يصبح ذلك تمردًا في أسوأ الحالات، أو إهانةً للعائلة الإمبراطوريّة في أفضلها.
قد ينتهي بنا الأمر بانهيار عائلتنا دون أن أشارك حتّى في أوّل مسابقة صيد لي.
‘أرجوكم، أرجوكم، أرجوكم، أوقفوها!’
أمسكتُ يديّ معًا وتوسّلت بصدق.
إذ ظهر والدي كملاكٍ هابطٍ ليقف أمام والدتي.
“تمّ الأمر!”
هتفتُ بانتصار. الشّيء الوحيد القادر على إيقاف والدتي.
شخصٌ بالغٌ بقوّةٍ هائلة، قادرةٌ على رمي فرسان إيمبليم الأقوياء في الهواء حتّى وهم يحاولون إيقافها.
ثلاثة أشياء فقط تجعل والدتي ضعيفة: أنا، والدي، والأطفال الصّغار.
وأقواها تأثيرًا هو والدي.
وقف والدي أمام والدتي الغاضبة، ممسكًا يديه معًا وناظرًا إليها.
رغم أنّني كنتُ بعيدة، استطعتُ بسهولة تخيّل مدى رقّة وجمال وجه والدي.
“يا إلهي، تمّ الأمر حقًا.”
أنزلت والدتي، التي كانت تتلاعب بالجميع، أحد الفرسان بهدوء.
خرجت تنهيدة ارتياح. يبدو أنّ الإمبراطور، الذي كان بعيدًا، شعر بالرّاحة أيضًا، إذ عاد ليجلس على كرسيّه بعد أن كان قد رفع نصف جسده.
‘حتّى الإمبراطور يخاف من أمّي. لكن، بما أنّها حارسته الشّخصيّة، هل يظنّ أنّها قد تقتله؟’
شعرتُ بالضّيق دون داعٍ وأشحتُ بنظري عنهم. مهما فعل الكبار، ومهما كانت والدتي غاضبة، كان عليّ الآن مواجهة الوضع أمامي.
“سيل.”
اقترب إينوك، زميلي في المجموعة، منّي.
“نعم، إينوك.”
كان هذا أوّل لقاء مع إينوك منذ تلك الليلة التي التقينا فيها سرًا في حديقة قصر إيمبليم.
مرّ وقتٌ طويل، لكنّه شعر وكأنّنا التقينا بالأمس.
لم يمرّ يومٌ دون أن نقارن مهاراتنا في السّيف، نتصارع على أدقّ التّفاصيل بعزيمةٍ قويّة.
كانت أيامًا نستيقظ فيها على أخبار بعضنا وننام ونحن نفكّر في إنجازات الآخر.
“سمعتُ أنّكِ كنتِ مجتهدة في السّيف. شكرًا لاستماعكِ لطلبي.”
مدّ إينوك يده إليّ. أدركتُ أنّه أراد قول هذا أمس في الحفلة، لكنّه اكتفى بالنّظر إليّ من خلف جايد غراي.
“من يسمعك يظنّ أنّك سمعتَ أخباري للتوّ. كنتَ تسمعها يوميًا وتتظاهر بعكس ذلك.”
لم أمسك السّيف من أجل إينوك، فشعرتُ بالحرج ورددتُ بنبرةٍ متذمّرة وأمسكتُ يده.
“واو.”
بدأت تصفيقاتٌ خفيفة مع هتافاتٍ صغيرة من حولنا.
تذكّرتُ صدمة الأمس. الكبار الذين كانوا يصفقون بحماسٍ محموم وهم يتحدّثون عن تاريخ وتنافس إيمبليم وغراي، محيطين بنا.
“كفى، أرجوكم! توقّفوا!”
صرختُ بنزق، فتوقّفت موجة التصفيق التي كادت تغمرني أنا وإينوك فجأة.
“شكرًا على هذا أيضًا.”
لم أكن الوحيدة التي شعرت بالضّيق من التصفيق، إذ تنهّد إينوك بهدوء وشكرني.
رؤيته يشكرني بهدوء جعلني أفكّر أنّه أصبح أكثر تهذيبًا في غيابي.
أومأتُ وفتحتُ فمي لأقول شيئًا لإينوك، لكنّه سبقني.
“لكن هذا لا يعني أنّني سأتساهل معكِ.”
“…”
من قال شيئًا؟ اختفت رغبتي في التحدّث بودّ.
“لم أطلب منك التّساهل أصلًا.”
ألقيتُ يده التي أمسكتُها بنزق.
كما قال جدّي، لم يكن أيّ من غراي مهذّبًا.
حتّى القليل من التّعاطف بسبب صدمة التصفيق المشتركة تلاشى ككتابةٍ على الرّمال بسبب وقاحة إينوك.
“سأبذل قصارى جهدي لأهزمكَ. سأجعلكَ تندم على طلبكَ منّي تعلّم السّيف.”
“حسنًا، سأواجهكِ بكلّ سرور. لديّ سببٌ لأهزمك في هذه المسابقة.”
“حقًا؟ هذا يثير فضولي.”
عند سؤالي، ظهرت ابتسامةٌ طفوليّة للحظة على وجه إينوك الذي بدا ناضجًا.
“إذا فزتُ، وعد جدّي باستدعاء والدتي إلى القصر.”
“…هل هذا صحيح؟”
سألتُ بعدم تصديق. لقد مرّت عشر سنوات منذ قطع جايد غراي علاقته بديانا.
أي منذ أن أعلنت والدتي صداقتها مع ديانا، قبل ولادة إينوك، انقطعت علاقة ديانا بوالدها.
على الرّغم من سحب حقّ ديانا في الوراثة، لم يسحب جايد غراي منصبها كقائدة فرقة فرسان غراي.
عندما وُلد إينوك، أعاد حقّ الوراثة ظاهريًا من أجل تأمين مكانة إينوك.
لكن لتذكير ديانا أنّ هذا مجرّد شكليّات، لم يدعها أبدًا إلى القصر.
وديانا، بشخصيّتها العنيدة، لم تبدو راغبةً في العودة أيضًا.
“هل قالت خالتي ديانا إنّها ستأتي؟”
“نعم. كتبت في رسالتها أنّها ستتنازل عن كبريائها مرّةً واحدة.”
“واو، واو، مذهل…”
نسيتُ أنّ إينوك خصمي وعدوّي، وصفّقتُ. كان هذا أمرًا كبيرًا.
من أجل مستقبل إينوك، تركته ديانا لجايد غراي لتربيته، لكنّها تخلّت أيضًا عن حياتها مع ابنها بقسوة.
كانت تراه فقط عندما يسمح جايد غراي، أو عندما يأخذ إدوارد غراي، زوجها الذي اختار البقاء في القصر، إينوك سرًا للقائها.
أن تتنازل ديانا، التي كانت على خلافٍ حادّ مع والدها، وتخفض رأسها له، كان دليلًا على حبّها العميق لإينوك.
“حقًا، هذا رائع. رائع…”
بينما كنتُ أتمتم مذهولة، مال إينوك برأسه وسأل:
“ما الأمر، سيل؟”
“ماذا؟”
“فهل ستتساهلين معي؟”
“ماذا؟ لمَ أتساهل معك؟ سأسحقك.”
الأمر الجيّد هو الأمر الجيّد، لكن المباراة مباراة. لم أفكّر ولو للحظة في التّخلي عن فوزي من أجل لقاء ديانا وإينوك العاطفي.
عند إجابتي الحاسمة، رفع إينوك زاوية فمه.
“هكذا أنتِ سيل.”
“…لكنّكَ تناديني بلقبٍ ودي منذ قليل. ألم أقل لك أن تخاطبني باسمي الكامل؟ يجعلني هذا أريد التقيؤ. هل تريد رؤية تقيؤي كما في الطّفولة؟”
“لا، لا.”
عبس إينوك وسحب كمّه ليغطّي أنفه وفمه.
رؤيته يعاملني كجرثومة ساعدتني على تنظيف ذهني الذي أذهلته ديانا بالغضب مجدّدًا.
كان يومًا مثاليًا لسحق إينوك.
“آمم، أنا إيميت كوتيس، زميلكم في المجموعة.”
“أنا آوسريك بيلدمور.”
اقترب الاثنان اللذان وُضعا في مجموعة الموت الرّابعة معي ومع إينوك، بوجوهٍ شاحبة، وقدّما التّحيّة.
“سيليسيا إيمبليم.”
“إينوك غراي.”
بينما كنتُ أتبادل التّحيّات مع زملاء المجموعة، تبادلتُ أنا وإينوك النّظرات.
الآن، بدأ الأمر حقًا. المواجهة الأولى، وربّما الأخيرة، مع إينوك.
‘سأفوز مهما كان.’
كنتُ عازمةً على بذل كلّ ما تعلّمته هنا.
وبالتّأكيد، كان إينوك كذلك أيضًا.
التعليقات لهذا الفصل " 29"