1
لو كنتَ ستجعلني أتجسّد، فلماذا فعلتَ هذا إذن؟
في وقتٍ كنتُ فيه مرهقةً من الحياة الواقعية المزدحمة، أُقِرّ بأنّ جعلي أتجسّد داخل اللعبة التي أحبُّها كان أمرًا يستحقّ المديح.
لا، لحظة.
لو دقّقنا النظر، فربّما أنا التي تستحقّ المديح لأنّي اخترتُ لعبةَ حبٍّ مريحةٍ وليست روايةً مليئةً بالبؤس أو الإثارة!
كانت البداية حقًّا جميلة.
أن أجدَ شخصيّتي المفضّلة داخل لعبتي المفضّلة؟ يا له من حُلمٍ مشروعٍ يتحقّق!
بل إنّها لعبة شفاءٍ خاليةٌ من الوحوش والدماء والخراب.
كلّ شيءٍ كان مثاليًّا…
إلى أن وصلني ذلك الإشعار اللعين من النظام:
“مبارك! بما أنّ مستوى المودّة بلغ 70٪، يُرجى اختيار النهاية.”
1. النهاية السيّئة.
2. النهاية السعيدة.
في حال اختيار (2)، سيعود اللاعب إلى عالمه الأصلي بعد الانتهاء من النهاية.
“ماذا؟! لعبة حبٍّ مريحة، ويُطلب منّي ألّا أقع في الحبّ؟! هذا مثل أن تقول لمطعمٍ ألّا يُقدّم الطّعام!”
تنهدت لِـيتيا وهي تمسك جبينها بكفّها.
كانت الخطة بسيطة: أستمتع بالرومانسية قليلًا، أراقب حبيبي المفضّل، أرى النهاية السعيدة ثم أعود إلى حياتي الواقعية.
فلماذا أشعر وكأنّ الأمر خطير؟
كم تمنّيتُ لو كان الأمر بهذه البساطة.
لكنّ هناك مشكلةً كبيرةً واحدة.
لقد وقعتُ، بكلّ غباء، في حبّ “سيدريك إدوين”.
كان كلّ شيءٍ يسير بسلاسة.
العلاقة مع البطل ممتازة، والتقدّم مثالي.
لكنّ الخطأ الفادح كان… أنّي أحببتُه حقًّا.
“كيف أترك سيدريك وأرحل؟ بصراحة، هل أريد أصلًا العودة إلى حياتي الواقعية من دونه؟”
كانت حياتي الواقعية عاديةً إلى حدٍّ مملّ.
خمسة أيّامِ عملٍ في الأسبوع، من التاسعة إلى السادسة.
راتبٌ لطيفٌ لكنّ فواتيرَ الضرائب ليست كذلك.
هل هذا يُسمّى حياةً طبيعية؟ لا أظنّ.
لن أعود إلى هناك إلا إنْ أقرّوا نظامَ الدوامِ لأربعة أيّام!
مدّخرات؟ لا شيء.
لكنّ لديّ مجموعتي الثمينة من سلع الألعاب المفضّلة، وهي عديمة الفائدة الآن بعد أن صرتُ أرى سيدريك الحقيقي أمامي.
لو علم أصدقائي بهذا، لقالوا لي: “ابقَي هناك للأبد!”
“هاها… حسنًا. طالما لا أرى النهاية السعيدة، فلن أُطرد من هنا، أليس كذلك؟”
ثمّ ضغطتُ على زرّ النهاية بحزم.
“هل أنتِ جادّة، أيّتها الإنسانة؟”
“بالطبع، أيّها النظام.”
مسحت لِيتِيا أنفها بفخرٍ وأجابت بثقة.
صمت النظام قليلًا، ثمّ ظهر أمامها شاشةٌ ضخمة.
“لقد اخترتِ النهاية السيّئة.”
لن أرى النهاية السعيدة.
ولن أعود إلى الحياة الواقعية… حتّى لو مُتّ.
*
الفصل 1. أخيرًا… لقد تجسّدت!
“هـ… هاه؟!”
رمشت لِيتِيا بعينيها بسرعة.
كان المفروض أن ترى سقفًا أبيض بعد أن تستيقظ…
لكنّها رأت لوحةً فنيّةً مذهلة كأنّها من قصرٍ متحفيّ.
هناك احتمالان فقط:
‘اختطاف؟’
أو تجارةُ بشر.
تفحّصت جسدها بذعر، فلم تجد أيَّ آثارٍ للقيود أو الجروح.
الحمد لله.
أيّ خاطفٍ هذا الذي يضع ضحيّته في قصرٍ فخم؟
لحظة… قصر؟
أدارت رأسها بتصلّبٍ ونظرت حولها ببطء.
“يا إلهي… هل وصلتُ لمرحلةٍ صرتُ أرى فيها أحلامًا واعية؟”
اقتربت من باب الشرفة، ولمست المزلاج البارد.
كان ملمس المعدن واقعيًّا بشكلٍ مريب.
فتحت الباب، فداعب الهواء الدافئ خدّيها، وامتلأت أنفها برائحة الأعشاب والزهور.
“ما هذا…؟”
امتدّ أمامها حديقةٌ ضخمةٌ كأنّها من فيلمٍ وثائقيّ.
كانت الأزهار في كلّ مكانٍ، والفراشات تطير حولها، وطائرٌ أزرقُ يرفرف بين الأغصان.
“غريب. كنتُ نائمةً في منزلي تمامًا…”
طرقٌ خفيفٌ على الباب قطع أفكارها.
دقّ. دقّ.
شهقت لِيتِيا، وضغطت على صدرها لتمنع قلبها من القفز.
“آنسة، أحضرتُ ماء الغسل.”
آنسة؟
أمالت رأسها بتعجّب، ثمّ رأت مرآةً قرب السرير.
يا إلهي، كم هو مشهدٌ مألوفٌ ومُثير!
اقتربت من المرآة بخطًى متردّدة، ثمّ صرخت:
“آآاااه!”
“آنسة! ما الأمر؟!”
دخلت الخادمةُ راكضة، لكنّ لِيتيا كانت تصرخ بسعادة:
“إنّني… إنّني جميلةٌ جدًّا!”
“عفوًا؟!”
وقفت الخادمةُ مذهولةً أمام سيّدتها التي تكاد تدخل المرآة من شدّة انبهارها بنفسها.
أما لِيتيا، فقد بلغت ذروة الحماس حتى شعرها انتصب من الفرح.
“أنا أشبهُ بجنيّةٍ! يا إلهي… لكنْ، لحظة… لقد رأيتُ هذا الوجه من قبل.”
“يبدو أنّكِ حلمتِ حلمًا واقعيًّا جدًّا، آنسة. تفضّلي، هذا ماء الغسل.”
بمعنى آخر: اغسلي وجهك بالماء البارد واهدئي.
دفعت لِيتيا وجهها في وعاء الماء بكلّ قوّة.
‘هذا الوجه… أنا متأكّدة أنّي رأيتُه في مكانٍ ما. أين؟ كأنّه وجهٌ من إحدى صور اللعبة…’
وفجأة، رفعت رأسها من الماء بسرعة.
“بخّ!”
“ها هي المنشَفَة، آنسة.”
ناولتها الخادمةُ المنشفة، لكنّ لِيتيا كانت مشدوهةً بما رأت.
“ذلك الشعار… لا يمكن!”
ظهر أمامها نصٌّ مضيء:
“مرحبًا بكِ في لعبة (ألا يمكن أن نحبَّ فحسب؟).
هل ترغبين في بدء الدليل التمهيدي؟
“Y / N”
[م.م: اختصار Your name ومعناهُ أسمكَ أنت]
“ألا يمكن أن نحبَّ فحسب؟!”
إنّها اللعبة التي كنتُ ألعبها كلّ يومٍ في طريقي إلى العمل!
اللعبة التي دفعتُ فيها نقودًا حقيقيّة لأول مرّة!
اللعبة التي أحبّها أكثر من أيّ شيء!
تجمّدت لِيتيا، تحدّق في النافذة العائمة.
“لقد تجسّدتُ.”
“نعم، آنسة؟”
“لقد تجسّدتُ فعلًا!”
رفعت ذراعيها بحماسٍ شديد وهتفت.
أخيرًا، لقد دخلت إلى اللعبة!
بل إلى لعبتي المفضّلة!
حتى الخادمةُ رفعت يديها بتردّد، متأثّرةً بحماس سيّدتها.
‘حسنًا، لنجرب الطريقة نفسها كما في اللعبة.’
ضغطت لِيتيا على (Y)، فظهرت شاشةٌ جديدة:
“اللاعبة هي الآن ابنةُ الكونت إتوار الوحيدة،
لِيتيا إتوار.
ارفعي مستوى مودّة الشخصيات للوصول إلى النهاية!”
[ الحياة: 10/10
الطاقة العقلية: 80/100
المودّة: ؟/100 ]
“كلّ شيءٍ مطابقٌ تمامًا… لكن، أنا لم أمت، أليس كذلك؟”
أليست القصصُ كلّها تبدأ بالموت أو بحادثِ شاحنة؟
هل يمكن أن يتجسّد المرء من دون أن يموت؟
حاولت تذكّر الروايات الأخيرة التي قرأتها، فلم يخطر ببالها شيء.
فقد كانت منشغلةً تمامًا بهذه اللعبة أصلاً.
‘كنتُ في المنزل، بعد يوم عملٍ شاقّ… قلتُ: يا إلهي، ما زال الثلاثاء… ثمّ شغّلتُ اللعبة… وبعدها؟’
“مجرد أن أغمضتُ عينيّ وفتحتُها؟”
هل الشركة قتلتني من شدّة العمل؟
احتمالٌ وارد. فقد عدتُ من الدوام الساعة الحادية عشرة ليلًا.
من قال إنّ الدوام ينتهي السادسة أصلًا؟!
شعرت بالغبن وهي تهمّ بقبض يدها، لكنّ الخادمة قطعت أفكارها:
“آنسة، بما أنّكِ استيقظتِ، دعيني أساعدكِ على تبديل ملابسك.”
“أوه…”
نظرت لِيتيا إليها بدهشةٍ وإعجاب.
كان في ابتسامتها أسلوبُ موظّفي الخدمة الذين يتقنون الابتسامة الاجتماعية المثالية.
“آه، صحيح، ما اسمكِ؟”
كادت لِيتيا تُخرج بطاقة عملٍ من جيبها قبل أن تتذكّر أنّها ترتدي ملابسَ نومٍ.
ضحكت الخادمة بخجلٍ ومدّت يدها.
“اسمي هيث، آنسة. ويُرجى أن تُخاطبيني دون تكلّف.”
“مهما كان… لن أقدر على ذلك. سررتُ بمعرفتك، هيث.”
صافحتها بابتسامةٍ مشرقة.
لكن ما إن همّمت بذكر كلمة (اللعبة) حتى تشوّشت الكلمات في فمي.
يبدو أنّه لا يُسمح للاعبين بإفشاء أنّ هذا عالم لعبة.
ارتديت فستان وجلست لتسريح شعري، أشعر وكأنني جروٌ مدلّلٌ في صالون تجميل.
حين تذكّرت كلبي الأبيض الصغير “ساراني”، ابتسمت بحنين.
“كنتَ تعيش حياةً جميلة، يا صغيري.”
“انتهينا، آنسة.”
“شكرًا لكِ، هيث. يدكِ خفيفة فعلًا.”
“هل ستزورين الكونت كما في العادة؟”
“آه… الكونت إتوار.”
تذكّرت لِيتيا الشخصية الجانبية التي تُدعى “الكونت إتوار”، والد البطلة.
كان يظهر في بعض المسارات فقط، ويموت غالبًا في منتصف القصة.
‘لن أتعلّق به كثيرًا إذًا.’
سارت خلف الخادمة عبر ممرّاتٍ مزيّنةٍ بألوانٍ مبهجةٍ وزهورٍ جميلة.
“السيّد الكونت، الآنسة لِيتيا وصلت.”
“لتدخل.”
وكأنّ الجميع يعلم أنّه لن يرفض لقاءها أبدًا، فُتِح الباب قبل أن يعلن الخادم إذنه.
“لِيتيا، تعالي يا ابنتي.”
“نعم، يا أبي.”
وما إن وقع نظرها عليه، حتى شهقت وغطّت فمها بكلتا يديها.
“ياااه!”
“مم؟ ما بكِ يا لِيتيا؟”
“جمالكَ أخّاذ، يا أبي!”
“… أتقصدينني أنا؟”
كان ذا شعرٍ ورديٍّ لامعٍ وبشرةٍ بيضاءَ ناصعةٍ ورموشٍ طويلةٍ وعينين زرقاوين كالجواهر.
حتى في الصور داخل اللعبة كان يبدو ككائنٍ أسطوريّ، لكن رؤيته في الواقع كانت شيئًا آخر تمامًا.
“حقًّا، هذا أوّل مرّةٍ أرى فيها شخصًا أجملَ من رسمه!”
وما إن قالتها حتى ظهر أمامها إشعارٌ جديد:
[ الاسم: ريفان إتوار
العمر: 172 سنة
ملاحظة: لُعِنَ بلعنةِ تنّينٍ فصار خالدًا.
لا يمكنه الموت بسبب القرابة الدموية. ]
كانت قد اعتبرت هذه الخلفيّة سخيفةً من قبل…
لكن الآن؟ لم يعُد غريبًا أن يقع التنّين في غرامه.
“غريب… أنتِ…”
“هاه؟”
ابتسم الكونت بخفوتٍ ثمّ غيّر الموضوع.
“على كلٍّ، حفلُ تقديمكِ للمجتمع اقترب. هل اخترتِ شريككِ للرقصة؟”
وما إن أنهى كلامه، حتّى توقّف الزمن فجأة
ظهر أمامها خيارٌ جديد:
“اختاري شريك حفل الديبوتا!”
1. قائد فرسان الكنيسة
2. الدوق
3. زعيم النقابة المظلمة
4. الكونت إتوار
نظرت حولها بقلقٍ، وقد تجمّد كلّ شيءٍ حتى المشهدُ خارج النافذة.
ارتجف صوتها وهي تهمس:
“هل أنا حقًّا… داخل اللعبة؟”
تسلّل الخوف إلى قلبها.
هل هذا تجسّدٌ حقيقي؟ حلم؟ أم مجرّد خيالٍ صنعه عقلها؟
لم يجبها أحد.
التعليقات لهذا الفصل " 1"