3
” اللهُم قَرب إلينا كُل فرحة طال انتظارها “.
~استمتعوا ~
بعد يومين، أقام الدوق إدوارد عشاءً رومانسيًا لليانا.
لم يعد يسألها عن مصدر حظها؛ لقد قبل أنها مختلفة وأن هذا الاختلاف هو ما جذبه إليها.
أخرج الدوق علبة مخملية حمراء وفتحها.
كان بداخلها خاتم خطوبة مرصع بالياقوت الأحمر.
“إليانور، أنا أحبكِ. لا يهمني كيف تفعلين ما تفعلينه. ما يهم هو أنكِ جلبتِ إلى حياتي الإثارة التي كنت أبحث عنها. هل تقبلين الزواج بي؟”
شعرت ليانا بأن اليشم على عنقها يزمجر بالانتصار.
لقد نجحت الخطة. لقد حققت كل شيء.
“نعم، يا إدوارد، أقبل.”
وفي اللحظة التي قال فيها الدوق
“سأذهب لإحضار الشراب للاحتفال”، خلعت ليانا اليشم.
لقد فعلت ذلك عن قصد.
أرادت أن تتأكد من أن قرارها هذا المرة نابع من إرادتها الحرة، وليست إرادة الروح.
وبمجرد أن خلعت اليشم، عادت الذكريات التي سرقت منها تتدفق بقوة إلى عقلها.
تذكرت اسم صديقتها، وتذكرت والدتها المريضة، وتذكرت حقيقة فقرها وعملها كمدرسة بيانو.
شعرت ليانا بندم موجع على ما فعلته بإيزابيلا وعلى كذبها على إدوارد.
كانت ترى أن نجاحها بُني على دمار الآخرين.
أمسكت ليانا باليشم في يدها.
كان باردًا وثقيلاً، وكأنه ينام.
فجأة، سمعت ليانا صوت صرخة قوية في الردهة.
دخل الدوق إدوارد، وكان وجهه شاحبًا ومذعورًا. كانت يده اليسرى تنزف بغزارة.
“إليانور! الشراب! كان الزجاج مهشمًا! لم أره!”
لقد أحدثت الروح المتجسدة، وهي نائمة جزئيًا، سوء حظ لحظي للدوق فور أن خُلِعَ عنها اليشم، كتحذير أخير لليانا.
نظرت ليانا إلى الدوق المصاب، وإلى اليشم البارد في يدها.
أدركت أن هذا ليس مجرد عقد. إنه لعنة. عليها أن تختار حياة من الأناقة والثروة الخيالية مع لعنة اليشم، أم حياة من الفقر مع راحة الضمير.
***
كانت ليلة مظلمة وعاصفة.
ليانا جالسة في غرفتها، تحت ضوء شمعة خافتة، تراقب الدوق إدوارد وهو نائم في الغرفة المجاورة بعد أن تم تضميد جرح يده بعناية.
كانت يد الدوق مكسوة بالضمادات البيضاء، تذكيرًا مؤلمًا بأن اليشم، حتى وهو صامت، لا يزال يمتلك القدرة على تدمير حامله إذا قاومته.
كانت ليانا ترتدي خاتم الخطوبة المصنوع من الياقوت الأحمر، وهو رمز لوضعها الجديد والمزيف.
لكن قلبها كان يعتصرها الندم.
تذكرت الكلمات التي سرقها اليشم منها اسم والدتها الذي نسيته لعدة أيام، ابتسامة صديقتها القديمة، شعورها بالسلام عندما كانت تعزف البيانو بصدق.
لقد أدركت أن الثروة التي كسبتها كانت مجرد فخ؛ لقد اشترت كل شيء، مقابل جوهرها.
أمسكت ليانا بعقد اليشم البارد. كان صوته الصامت يتردد في عقلها بوضوح هذه المرة
“لا تكوني حمقاء. أنتِ الآن على بُعد أيام من أن تصبحي دوقة! لا تخوني الثقة التي وهبتكِ إياها! أنا الثقة! أنا الشرف! أنا الحياة الجديدة! ارتدي اليشم، وسيختفي هذا الندم السخيف.”
قررت ليانا أن تخوض المواجهة الأخيرة مع الروح المتجسدة.
وضعت ليانا العقد حول عنقها.
وبمجرد أن لامس جلدها، اندفعت موجة غامرة من الثقة والغطرسة إلى عقلها، محاولة سحق بقايا ندمها.
نظرت ليانا إلى المرآة.
كانت الروح الجورجية الآن واقفة خلفها بكامل هيئتها وجمالها البارد، تحدق في ليانا بـاحتقار لاذع.
“أنتِ تبكين على ماضٍ فقير لا يستحق الذكر، أيتها الجاهلة.”
قالت الروح بصوت صامت، لكن ليانا شعرت به كأنه صراخ.
“أنا منحتكِ كل شيء. وريثة اليشم لا تستسلم للندم.”
“أنتِ لم تمنحيني شيئًا!”
صرخت ليانا، وهذه المرة خرج الصوت خافتًا لكنه قوي.
“أنتِ سرقتِ مني حقيقتي. أنا لست إليانور دي فريس، ولا وريثة اليشم. أنا ليانا مورغان، وقد سرقتُكِ في ليلة غباء!”
ضحكت الروح الجورجية في المرآة ضحكة باردة ومعدنية.
“أنتِ تعترفين بالسرقة؟ جيد! سأستخدم اعترافكِ هذا لتدميركِ! سأجعل الدوق يستيقظ، وسأوجه إليه حظًا سيئًا لا يمكنكِ تخيله، وسوف يكتشف الجميع أنكِ مجرد لصّة!”
اندفعت الروح بـطاقة غيظ هائلة، مما جعل اليشم يتوهج بضوء أخضر حاد يملأ الغرفة. شعرت ليانا باليشم ينقبض حول عنقها بقوة، كأنه يخنقها.
لم يكن أمام ليانا وقت لتخلع العقد.
هرعت إلى حديقة الشتاء الزجاجية في القصر، وهي تحمل الشمعة المضاءة.
كانت تعلم أن عليها تدمير العقد، ولكن كيف تدمر كيانًا متجسدًا يسيطر على الحظ؟
في حديقة الشتاء، حيث كانت النباتات الاستوائية تتدلى تحت السقف الزجاجي، استجمعت ليانا قواها.
لا يمكنكِ تدميري! أنا خالدة! أنا جوهر الحظ! سيتبعكِ الحظ السيئ إلى الأبد إن تجرأتِ على ذلك!” صرخ اليشم.
أدركت ليانا أن الروح لا تخشى التدمير المادي فقط، بل تخشى التنازل عن مكانتها وسلطتها.
“أنتِ تظنين أنكِ قوية؟”
صرخت ليانا، وهي تحدق في انعكاسها في الزجاج المبلل، حيث كان شبح الروح الجورجية يظهر بوضوح.
“سأعطيكِ ما تريدين! سأعترف بالحقيقة كاملة!”
رفعت ليانا العقد نحو انعكاسها.
وبصوت عالٍ ومسموع، كما لو كانت تعترف أمام العالم، قالت
“أنا ليانا مورغان، لست إليانور. أنا كاذبة وسارقة. هذا العقد ليس ملكي. وأنا أتنازل عن حظكِ، وعن نجاحكِ، وعن كل ما منحته لي! أنا أرفضكِ!”
كان هذا الاعتراف بمثابة طرد روحي.
اشتعل اليشم بغضب مرعب، وأطلق ضوءًا أخضر كاد أن يفجر الزجاج.
فجأة، بدأت أرضية الحديقة الزجاجية تتشقق تحت قدمي ليانا، وبدأت إحدى النباتات المتسلقة الضخمة، المليئة بالأشواك، تنهار نحوها بفعل سوء حظ موجه وكارثي.
ولكن ليانا كانت مستعدة.
قبل أن تصل الأشواك إليها بثانية واحدة، استخدمت الشمعة المضاءة.
كانت تعلم أن الروح المتجسدة تكره كل ما هو مادي ومتعمد.
ضغطت ليانا قطعة اليشم الساحرة على فتيل الشمعة المشتعلة.
لم يكن اليشم ليحترق، لكن الطاقة التجسيدية للروح داخل اليشم لم تستطع تحمل التلامس مع النار المادية المتعمدة.
انطلق من العقد صرخة مدوية صامتة، صرخة غضب وألم وذعر.
الروح الجورجية، التي كانت خالدة في شكلها الروحي، لم تستطع مقاومة التدمير المتعمد لـجسدها المادي.
في ومضة خاطفة من الضوء الأخضر، تصدع اليشم نفسه في نقطة التلامس مع النار.
ثم انطفأ اليشم. لم يعد يلمع. أصبح مجرد قطعة يشم عادية، باهتة وميتة.
وفي تلك اللحظة، شعرت ليانا بالحرية الكاملة، وبفقدان الثقة المطلق. لقد انتهى الحظ، وانتهت اللعنة.
***
بعد أن هدأت العاصفة، كانت ليانا تجلس في الظلام، ممسكة بقطعة اليشم المتصدعة.
دخل الدوق إدوارد، بيده المصابة، وقد أيقظه صوت تحطم الزجاج.
“إليانور! ما هذا؟ ماذا حدث هنا؟” سأل إدوارد بقلق.
نظرت ليانا إلى الدوق.
كانت عيناها الرماديتان واضحتين، خاليتين من الغطرسة الزائفة التي منحتها إياها الروح.
“إدوارد، أنا آسفة. لم أستطع الاستمرار في الكذب.”
بدأت ليانا.
“اسمي الحقيقي هو ليانا مورغان. أنا معلمة بيانو فقيرة. لقد سرقت هذا العقد من الدوقة إيزابيلا في ليلة حفلة كارينغتون. كل شيء قلته لك عن باريس وعن عمتي كان كذبًا.”
كان الدوق مصدومًا.
“لكن… الحظ؟ كل تلك المعرفة الغريبة؟”
“ذلك كان هو العقد، يا إدوارد. إنه لعنة. إنه كيان متجسد يمنح الحظ مقابل السيطرة على من يرتديه. إنه يسرق الذاكرة والضمير. لقد دمرتُه الليلة، لكنه دمرني قبله.”
أمسكت ليانا بالخاتم الياقوتي ووضعته على الطاولة بجانب قطعة اليشم الميتة.
“لا يمكنني الزواج بك. لا يمكنني أن أعيش هذه الكذبة.”
لم يستطع إدوارد أن يغضب.
لقد كانت ليانا، لأول مرة، تبدو حقيقية، ضعيفة، وإنسانية.
“ماذا ستفعلين الآن، ليانا؟”
سأل الدوق بصوت خافت.
“سأعود إلى الضباب، يا سيدي. إلى حيث أنتمي.”
وقفت ليانا وغادرت القصر قبل أن تبزغ الشمس، تاركة خلفها الثروة والفرصة.
لم تأخذ معها سوى فستانها الأخضر، ومعها قطعة اليشم المتصدعة، كذكرى صامتة للقوة التي امتلكتها ورفضتها.
خرجت ليانا إلى شوارع لندن.
كان الضباب لا يزال كثيفًا، لكن هذه المرة، لم يكن ضبابًا مخيفًا، بل كان ساترًا للبدايات الجديدة.
وفي غرفة البيانو القديمة، عادت ليانا لتعزف. كان العزف صعبًا في البداية؛ فقد احتاجت وقتًا طويلاً لتستعيد ذكريات النغمات.
لكنها كانت تعزف بـروح حرة، لا تتحكم فيها غيرة حارسة ميتة.
في صباح أحد الأيام، جاءها طفل صغير يطلب دروس بيانو. لم يكن لديه مال.
“ما اسمك؟” سألت ليانا.
“اسمي… ألفريد. ووالدتي تقول إنني أحظى بأسوأ حظ في العالم.”
ابتسمت ليانا. لقد تخلصت من اليشم، لكنها لم تستطع التخلص من القدرة على رؤية آثار الحظ والتجسيد حولها.
احتفظت ليانا بقطعة اليشم المتصدعة في صندوق الأبنوس.
أقسمت ليانا أنها لن تسمح لأي كائن تجسيدي بأن يسيطر عليها مرة أخرى.
لكن في أعماق قلبها، كانت تعلم أن الحارسة الغيورة لم تختفِ تمامًا؛ بل أصبحت مجرد همسة خافتة جدًا، همسة قد تعود لتغريها يومًا ما، في زمن الفضة والضباب.
انتهت
سبحان الله وبحمده
سبحان الله العظيم
أستغفر الله و أتوب إليه
Chapters
Comments
- 3 - النهاية منذ 3 ساعات
- 2 - الفصل الثاني 2025-11-27
- 1 - الفصل الاول 2025-11-24
- 0 - ملاحظات 2025-11-24
- 0 - مقدمة 2025-11-24
التعليقات لهذا الفصل " 3"