يقول البعض إنه لا يمكن إنكار أن عبقرية سيسيليا وإنجازاتها كانت معترف بها، ولكن لا شك أن مظهرها المميز ساهم في زيادة عدد أتباعها بشكل ملحوظ.
وجهها المفعم بالكبرياء والهيبة.
بشرة ناعمة خالية من العيوب.
عيون زرقاء صافية تلمع كالأكوامارين الأعلى جودة.
وشعر فضي براق يناسب ساحرة عظمى قادرة على إطلاق قوة سحرية هائلة.
جمال لا يمكن انتقاده.
“سيدتي سيسيليا…”
تمكن أحد المتدربين من جمع شجاعته ليبدأ بالكلام بصوت خافت.
“هل ستغادرين حقًا؟”
أمالت سيسيليا رأسها قليلاً، متعجبة.
كانت قد نوت أن تغادر بهدوء، لكن يبدو أن الأخبار انتشرت بسرعة.
“من الذي نشر الخبر بهذه السرعة؟” تساءلت في داخلها.
‘من يكون، حظه كان جيدًا.’
فقد كانت سيسيليا من النوع الذي يعيد الصاع صاعين.
‘لو لم أكن مضطرة للمغادرة فورًا، لوجدت من فعل ذلك وربطت لسانه.’
بينما كانت تفكر في ذلك، بابتسامة ناعمة تجاه المتدربين الواقفين أمامها، أجابت بهدوء.
“نعم، حان الوقت للمغادرة.”
سرعان ما عادت الضجة من حولها، هذه المرة مصحوبة بالبكاء والصراخ.
“كيف يمكنك أن تتركينا الآن، سيدتي سيسيليا! من فضلك ابقي معنا لبضع سنوات أخرى…”
“أوه، لا! لا!”
“بمهاراتك يا سيدتي، من المؤكد أنك ستكونين سيدة البرج في المستقبل، بل ربما الآن أنت أفضل من السيد برانتو نفسه…”
حينها، سُمع صوت عالٍ.
“أحسنت القول!”
لقد كان برانتو، سيد برج الحماية.
تجمد المتدربون في أماكنهم على الفور.
رغم أنه احتفل مؤخرًا بعيد ميلاده المئة، إلا أن برانتو لا يزال يتمتع بالطاقة والحيوية كشاب.
ارتد صوته العالي في جميع أرجاء البرج.
“هل تريدين أن تصبحي سيدة هذا البرج، سيسيليا؟، هل هذا هو سبب مغادرتكِ الآن؟، حقًا، إن هذا الطموح غير لائق، لكن الزمن قاسٍ ولا مفر منه.”
نظرت سيسيليا إلى معلمها بذهول.
لم تكن غبية.
بل كانت ذكية بما يكفي لتدرك الحقيقة على الفور.
إنه يحاول التخلص من كل المسؤوليات المرهقة ويعيش حياة مريحة بلا التزامات.
وكما توقعت…
“أريد أن أترك لكِ هذا المنصب وأتقاعد في الجنوب لأعيش حياة هادئة…”
“لا أريد.”
قطعت سيسيليا حديث برانتو بلا تردد.
“…لا تريدين؟”
كان دور برانتو ليفقد الكلمات هذه المرة.
لكن ذلك لم يدم طويلاً.
“لماذا؟، كيف ترفضين هذا البرج العظيم؟، البرج الذي يعود تاريخه إلى ما قبل تاريخ مملكة ماجينا!”
“لدي أسباب عديدة.”
لم تتراجع سيسيليا أبدًا.
“عليك أن تتدربي ليل نهار بلا توقف، لا أخبار من العالم الخارجي طوال الوقت، ولا يمكنك حتى إبلاغ عائلتكِ إن كنتِ على قيد الحياة أو لا… هل هذا ما يعنيه أن تعيشي كإنسان؟”
قبل ست سنوات، عندما كانت سيسيليا كريس في التاسعة عشرة فقط، اكتشفت مصيرها.
كان مقدر أن تصبح زوجة الطاغية، الإمبراطور رينيك، وتموت ميتة بائسة.
في محاولة للهروب من هذا المصير، أصبحت دوقة كريس، ولكن الإمبراطور لم يتوقف عن محاولاته لاستخدام كل الوسائل المتاحة ليجعل سيسيليا تحت سلطته.
في النهاية، كتبت سيسيليا أوراق الطلاق، وهربت من مطاردة الإمبراطور لتطرق باب برج الحماية.
ظنت أنه سيكون من حسن الحظ لو قُبلت كخادمة، ولكنها اكتشفت بفرح شديد أنها تمتلك موهبة السحر، وأصبحت متدربة.
لكن ذلك الشعور بالفرح لم يدم طويلاً.
‘ألا أستطيع مغادرة هذا المكان حتى أصبح ساحرة عظيمة؟، هل هذا يعقل؟’
عادةً، يحتاج المتدرب العادي إلى ما لا يقل عن عشر سنوات من التدريب ليصبح ساحرًا عظيمًا.
لحسن الحظ، سيسيليا أصبحت ساحرة عظيمة في خمس سنوات فقط، ولكن لم يتغير شيء سوى قدرتها على مغادرة البرج.
بل أكثر من ذلك، حتى الساحرة العظيمة تُمنع تمامًا من التواصل مع العالم الخارجي طالما كانت تقيم في برج الحماية.
لذا، سيسيليا لم تكن تعلم شيئًا عما حدث في الخارج خلال السنوات الخمس الماضية.
على الرغم من دخول متدربين جدد بين الحين والآخر، إلا أن الحديث عن العالم الخارجي كان ممنوعًا تمامًا في البرج.
“إنها سياسة قاسية ومتخلفة يا أستاذ.”
“صحيح!”
“أنتِ دائمًا على حق، سيدتي سيسيليا!”
انطلقت الهتافات من المتدربين، مما جعل وجه برانتو يتلون بالغضب وهو يفتح فمه ليتحدث.
“أنتِ ساحرة عظيمة نشأت في برج الحماية، فما الذي يمكنك فعله خارج هذا المكان؟”
لم يأخذ برانتو حتى وقتًا للتنفس وهو يكمل حديثه.
“إن خرجتِ الآن، سأطردكِ من البرج!، حتى لو توسلتِ للبقاء، فلن أقبلكِ مرة أخرى، فكري جيدًا في الأمر، سيسيليا!”
سيسيليا ضحكت في سرها.
صحيح أن الناس خارج مملكة ماجينا يترددون في استخدام السحر، ولكن الأمر مختلف تمامًا مع الساحرة العظيمة.
هناك الكثير من أصحاب النفوذ الذين سيدفعون الثمن المناسب لتوظيف شخص بقوة سيسيليا.
قد لا يدرك المتدربون الصغار الذين دخلوا البرج في سن مبكرة هذا الأمر، لكن سيسيليا كانت على يقين.
‘الأمور مختلفة الآن، مهما كان من يطاردني، يمكنني التعامل معه بقوتي.’
ولم تعد تخشى حتى الطاغية الذي كان يطاردها.
مجرد إيماءة من يد سيسيليا كانت كافية للإطاحة بأي فارس عادي كما لو كان ورقة تسقط في مهب الريح.
“لن أعود أبدًا!، ولا تفكروا حتى في مناداتي، فقد سئمت من حياة برج الحماية!”
تغير وجه برانتو ليصبح مجعدًا بغضب.
“كنت أفكر فيكِ كخليفتي…! كم على هذا المعلم العجوز البائس أن يعمل بعد الآن…؟”
كانت سيسيليا قد استمعت له بما يكفي، رغم احترامها العميق له، لم يكن لديها نية للاستماع إلى تذمره غير المجدي لفترة أطول، ناهيك عن أنها لم تكن مهتمة بتحمل أعباء البرج المزعجة.
لذلك، كان الحل الوحيد واضحًا.
‘كنت أخطط للانتقال بالخروج… لكن لا يوجد خيار آخر.’
التعليقات لهذا الفصل " 3"