ها قد أصبحتُ قِطّة، بل وقِطّةً ضالّة أيضًا. وبينما كنتُ أتذمّر بلا توقّف، أظهرتُ ما اكتسبتُه في حياتي السابقة من قوّة وصلابةٍ للبقاء، ونجوتُ بسهولة.
[ماذا أحضرتَ؟ هيا أخرجْه بسرعة.]
لم أكنْ أصلًا أنوي أن ينتهي بي الأمر هكذا، لكنّ الأمور جرت على هذا النحو.
بعض القطط الضخمة لم تكفّ عن استفزازي ، فلمّا لقّنتُها درسًا قاسيًا، تجمّعت القطط الأخرى من تلقاء نفسها حولي بعدما رأت ذلك المشهد.
[يا زعيمة! انظري! لقد اصطدتُ اليوم سمكة تونة طازجة!]
[آه، أجل. شكرًا.]
وجدتُ نفسي في هذا الموقف بلا قصد، لكنّه كان مريحًا. فالسلطة دائمًا ما تأتي بمنافعها.
‘آه، ولماذا أشعرُ بالفخر الآن!’
كنتُ أراقب بسعادة كومة الطعام التي راحت تتزايد أمامي، ثمّ سرعان ما أفقتُ وأطلقتُ تنهيدةً مكتومة لا يسمعها أحد.
ومع ذلك، خطرت لي فكرة: أأنا، التي كنتُ بشرًا يومًا ما، أسرعتُ كثيرًا في التأقلم مع حياة القطط؟
[سيّدتي روزي، قبل أن تفحصي الطعام الذي جلبته بقيّة القطط! هل تودّين إلقاء نظرة على ما حضّرتُه أنا خصيصًا؟]
[وما ذاك؟]
[لقد أحضرتُ بعض القطط الذكور الصغيرة المميّزة استعدادًا لِـ… فترة تزاوجك القادمة!]
[قلتُ لا حاجة لذلك!!!]
على أيّ حال، وإنْ بدا للآخرين أنّ القطط تصطفّ لتقدّم الطعام وتخدمني كأنّها تُستَغَلّ، إلّا أنّ الأمر لم يكن كذلك.
فالطعام الذي يُوضَع هناك كنّا نتقاسمه جميعًا، وإذا نشب قتال مع جماعة أخرى كنتُ أتقدّم الصفوف.
وحتّى حين يخرج الآخرون للصيد، كنتُ أتطوّع للعناية بالصغار.
بكلمة أخرى، هم اختاروا بأنفسهم أن يرفعوني لمكانة الزعيمة.
‘ها أنا أُربّي هنا القطط التي لم أستطعْ الاعتناء بها سابقًا.’
كنتُ ألهو مع الصغار بلطفٍ ومرح، لكن في بعض الأوقات يداهمني شعور بالفراغ: ما الذي أفعلُه بحقّ السماء؟
ومع ذلك، كان هذا أفضل بكثير من الوحدة، بل وجدته مجزيًا ومريحًا أيضًا.
‘تركوني وظنّوا أنّي لن أستطيع العيش؟’
مضى شهر منذ أن تجسّدتُ في هيئة قِطّة.
وما دامت صاحبتي لم تعد تبحث عنّي، فالأرجح أنّني قد تُركتُ بالفعل.
أن يُلقوا بقِطّةٍ كانوا يعتنون بها في الشارع! كلّما فكّرتُ في الأمر اشتعل غضبي، لكن، على أيّ حال، كنتُ آكل وأعيش جيّدًا.
فأنا معتادة على النجاة في أقسى الظروف.
لكن…
ثمّة أمر واحد كان يؤلمني في كلّ مرّة.
―هنا قِطّة!
―قِطّة؟ إنّها لطيفة… أاااه! لا تقتربوا! إنّها قِطّة ملعونة!
إنّه ردّ فعل الناس هذا بالذات.
حين أفقتُ لأوّل مرّة، حاول مشرَّد سرقة القلادة المعلّقة في عنقي. ومنذ ذلك الحين، صار كلّ من يلتقي عينيّ يصاب بالذعر ويهرب صارخًا مثلهم.
يتحدّثون عن لعنةٍ وما إلى ذلك، وكأنّهم رأوا شيئًا مريعًا.
لم أستطع أن أفهم ما الذي يجري.
حين نظرتُ إلى انعكاسي في بركة ماء فور استيقاظي، كان المشهد واضحًا.
فرو أبيض طويل مع بقع بنّيّة في مواضع محدّدة، من سلالة الرَغدول.
لقد تجسّدتُ بالضبط في جسد القِطّة التي كنتُ قد اندفعتُ لإنقاذها من تحت عجلات السيّارة في حياتي السابقة.
وكانت كما تذكّرتُها: بالغة الجمال، أشبه بدمية متقنة.
فكيف يخاف الناس من قِطّة كهذه؟
صحيح أنّ عينيَّ كانتا حمراوين قاتمتين، تُذكّران بلون الورود الداكنة، وهو ما يختلف عن القطط العاديّة. لكن، أذلك مهمّ إلى هذا الحدّ؟
لم يكن الأمر ليستدعي كلّ ذاك الصراخ والهرب.
‘أيمكن أن يكون مالكي قد تخلّى عنّي لهذا السبب؟’
ربّما قام بتربيتي وأنا صغيرة و لا يعرف، ثمّ فجأةً ما عاد يحتمل منظري حين كبُرت؟
مهما يكن، وبين تلك الأفكار، واصلتُ العيش واعتدتُ أكثر على حياة القطط.
[انظري! سيّدتي روزي! أليست أكتاف هذا القِطّ الاسود عريضة ومهيبة!]
[قلتُ لا حاجة لذلك!]
مهما كانت الأكتاف عريضة، فهي لن تبدو مهيبة في نظري كامرأةٍ سابقة.
كنتُ أجد هراء تلك القطّة الملقَّبة بالـ”تُكْسيدو” مثيرًا للضحك، ومع ذلك، بدأتُ أقتنع أنّ حياةً كاملةً كقِطّة قد لا تكون سيّئة.
لكن خطرًا جديدًا أخذ يقترب من حياتي تلك.
—
[كارثة!]
ما إنْ عدتُ اليوم ظافرةً من قتالٍ على الأرض حتى أسرعت التُكْسيدو لتزفّ إليّ خبرًا سيّئًا.
[ما الأمر؟]
[القِطّ الأصفر من الحيّ المجاور قد اختفى.]
[مجدّدًا؟]
لمّا خُيّل إليّ أنّ السلام قد عاد، بدأت القطط في الجوار تختفي واحدًا تلو الآخر.
‘أيّ مجنونٍ يفعل هذا؟’
لم نكن نعرف من هؤلاء البشر الذين يخطفون القطط. ربّما من أولئك الحمقى الذين يظنّون أكلها دواءً شافيًا.
[الزعيمة!]
[سيّدتي القائدة!]
وبينما القطط الصغيرة تفرك أجسادها بي غير مدركين لخطورة الموقف، تنفّستُ أنا بعمقٍ إثر جواب التُكْسيدو.
‘هل عليَّ أن أنقل المخبأ؟’
بدأ القلق يتسرّب إليّ: ماذا لو خُطِف هؤلاء الصغار أيضًا؟
كنتُ أعطف عليهم كأمٍّ بعدما فقدوا أمهاتهم.
‘لا يمكن أن أسمح لهم بملاقاة ذاك المصير!’
هل أنقلهم إلى الجبال؟ لكن هنا الطعام وفير… أيكون ذلك قرارًا صائبًا؟
وبينما كنتُ غارقةً في التفكير بكيفيّة حماية الجماعة، إذا بأصواتٍ تصدح:
“ها هي القطط هنا!”
ظهر رجالٌ عدّة عند المدخل الذي دخلتُ منه، يحملون عصيًّا طويلة يتدلّى من أطرافها شِباك. لا شكّ أنّهم جاؤوا لصيدنا.
[تُكْسيدو! خُذِ الصغار واهربي فورًا!]
[وماذا عنكِ أيّتها الزعيمة!]
[سأكون بخير! سأشغلهم عنكم! اهربي!]
هربت القطط البالغة بسرعة حين ظهر الغرباء، أمّا الصغار فارتجفوا في أماكنهم عاجزين.
سلّمتُهم للتُكْسيدو، ثمّ استدرتُ لأواجه الرجال.
‘أتظنّون أنّي سأدعهم يأخذون صغاري الذين ربيتهم بيدي؟’
واندفعتُ بكلّ طاقتي نحوهم.
“إنّها تهرب! أمسكوا بها!”
وثبتُ فوق الجدران الضيّقة متقاطعةً هنا وهناك، فشدّ ذلك أنظارهم إليّ.
“لقد اتّجهت إلى هناك!”
“أغلقوا الطريق!”
فليحاولوا إن استطاعوا!
ركضتُ عبر الجدار القريب من رؤوسهم وقفزتُ نحو الطريق الكبير، حيث رأيتُ شجرةً عالية أمامي.
“أمسكوا بتلك القِطّة!”
“آه!”
مدّ بعضهم أيديهم نحوي، لكنّني اخترقتُ صفوفهم وقفزتُ بخفّة إلى أعلى الشجرة.
وحين بلغتُ مكانًا لا تصل إليه أيديهم، تطلّعتُ إلى الأسفل. ولحسن الحظ، بدا أنّ معظمهم تبعني وخرج من الزقاق.
رفعتُ صدري واستندتُ بمخالبي إلى الجذع، أحدّق فيهم بتكبّر.
‘هاه! فلتحاولوا إن قدرتُم!’
أن تمسّوني؟ هذا أبكر منكم بقرن!
وبقيتُ هكذا زمنًا حتّى بدأ الرجال يدركون عبثيّة ما يفعلونه، فتفرّقوا واحدًا تلو الآخر.
شعرتُ ببعض الارتياح، فتمدّدتُ على غصنٍ غليظ أحدّق نحو الزقاق.
‘أرجو أن يكون الجميع قد نجا.’
وبينما استمتعتُ بالهدوء أخيرًا، داهمني تساؤل.
‘متى أصبح الجوّ معتمًا هكذا؟’
منذ قليل كان مضيئًا، لكنّ الغيوم تجمّعت بسرعة.
دوّي رعدٍ مفاجئ.
وإذا ببرقٍ يضرب الشجرة التي أجلسُ فوقها.
“مياااوو!”
سقطتُ مترنّحةً من شدّة الصدمة، وفكّرتُ بيأس:
‘يا إلهي… أأموت مرّةً أخرى؟!’
كنتُ بالكاد قد اعتدتُ على حياة القِطّة، وإذا بالموت يطرق الباب مجدّدًا. يا لسخريّة القدر!
—
أن يُصيبني هذا مرّة أخرى…
‘هاهاها.’
يُقال إنّ المرءَ، حين تبلغ معاناته ذروتها، قد لا يجد سوى الضحك. وها أنا أختبر ذلك بنفسي.
لقد تجاوزتُ حدود الاستيعاب، ولم يبقَ سوى الضحك.
غير أنّ سؤالًا خطر ببالي.
‘أين أنا؟’
أيمكن أنّي نجوتُ من الصاعقة بطريقة ما؟
فتحتُ عينيّ ببطء، فرأيتُ قدميّ القططيتين مسترخيتين أمامي، لكنّ ما خلفهما لم يكن السوق الذي اعتدتُه.
بل مكانًا آخر تمامًا.
كنتُ ممدّدة على سريرٍ وثيرٍ أشبه بالغيمة.
الفراش بدا فاخرًا لدرجةٍ مبالغٍ فيها، وكأنّه لا نهاية له.
الغرفة واسعة بما يسع عشرين سريرًا مثله، مغطّاة بورق جدران حريريّ جديد، تتلألأ فيها التحف والعناصر المزخرفة بعناية.
حتى بعينيّ المرهَقتين بدا واضحًا أنّني في بيتٍ من بيوت الأثرياء.
“سيّدة غرين! يبدو أنّ السيّدة روزي قد أفاقت!”
“الحمد لله على ذلك.”
وهناك، رأيتُ نساءً يرتدين فساتين سوداء أنيقة مع مآزر بيضاء وأغطية رأس… زيّ الخادمات التقليدي لدى العائلات النبيلة.
‘أخيرًا… وجدتُ خدمي.’
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات