“آ، أبي؟”
التفتَ الرجلُ الوسيم بسرعة إلى صوت ليريان، وبينما كان يبتسم بسذاجة، خفَت صوته فجأة وصار باردًا.
“مَن الذي ختم جبهة ابنتي بخاتم ملكي؟”
“همم، لقد سقطتُ وأنا نائمة.”
“يا إلهي. هل وقعتِ بقوّة؟ لا بد أنّكِ تألمتِ. ألم أقل لكِ أن تنامي معي؟ تعالي، سأفحصكِ.”
وما إن اعترفت ليريان أنّها السبب، حتى لانَ تعبير الدوق كايزار إيرسيوني مجددًا، وحاول أن يرفعها من على الأرض.
لكنّها تجنّبت ذلك بحركة غريزيّة، فتجمّدت يداه في الهواء.
ساد بينهما صمتٌ ثقيل.
ثم ما لبثت ملامح كايزار أن تكسّرت، كأنّ العالم قد انهار عليه.
“لـ… ليري؟”
ليري.
كان ذاك اسم دلعها في صغرها.
صحيحٌ أنّ والدها، الدوق كايزار، اعتاد أن يناديها بألقاب كثيرة مثل “ابنتي”، “كنزي”، و”أميرتي”، لكن “ليري” لم يكن سوى واحد من ألقابٍ عديدة.
ورؤية الرجل الشبيه بوالدها يرتجف بتلك الصدمة، جعلت ليريان تشعر بالذنب قليلًا.
‘لا يجب أن أنغمس في هذا الوهم.’
سحر الوهم الذي يستخدمه ساحر الأعماق كان يُضلِّل الناس حتى يغفلوا، ثم يسوقهم إلى الهلاك.
ترددت ليريان لحظة، قبل أن تفكر:
‘إنْ لزم الأمر، فسأضرب مؤخرة عنقه ليُغمى عليه!’
وببرودٍ شديد، قررت المضيّ مع الأمر.
اندفعت بين ذراعي كايزار، الذي جلس على الأرض محطّمًا وقد نسيَ كبرياءه.
“ليري…؟”
كان حضن والدها مألوفًا ودافئًا على غير العادة.
‘لكن، لماذا أشعر أنّني صغيرة هكذا؟’
الرؤية أمامها بدت كأنها تعود لطفلة في الخامسة من عمرها.
“ليري، هل تكرهين أباكِ؟ هل أخطأتُ بحقكِ؟”
“لا، أبي لم يُخطئ. ولا أكرهك.”
“آه… يا لها من ابنةٍ جميلة… ‘قبلة، قبلة’! كم أنتِ لطيفة!”
“آه! أبي، لحيتك! إنها تخزني!”
انهالت قبلات والدها الكثيرة على وجهها وهو يحكّ لحيته بوجنتيها. صرخت ليريان محاولةً التملص من ذراعيه.
لكنها لم تستطع.
‘لـ… لماذا لا يفلِتني؟!’
قوة والدها التي كانت تتغلّب عليها بسهولة في الماضي، أصبحت الآن كقوة عملاق، لا تُقاوَم.
هل زادت قوّة تنّين الأعماق لديه أكثر ممّا كان؟
بدأ العرق البارد يتصبّب من جبينها.
“لماذا تتعرّق أميرتي هكذا؟ هل رأيتِ كابوسًا؟”
كابوس…؟
“هل ظهر لكِ وحشٌ مخيف في المنام؟”
ارتبكت ليريان.
هل يمكن أن يكون كلّ ما مرّت به مجرّد حلم؟
“في الأحلام، يمكن أن يظهر أيّ شيء… حتى وحوش سوداء بشعة.”
رفعت يدها، فوجدتها صغيرة، بالكاد أكبر من ورقة شجر. يد لا تستطيع حتى الإمساك بمقبض سيف.
جعلت يدها تنفتح وتنغلق مرارًا، علّها تُصدّق.
عندها أمسك كايزار بقبضتها الصغيرة وراح يتظاهر بأنّه يعضّها بلطف.
“هل ليري رأت كابوسًا مخيفًا؟”
لو رآه أحد رجاله الآن، لظنّ أنه فقد هيبته.
حدّقت فيه ليريان بذهول، بينما هو يتصرّف كطفل.
ثماني سنواتٍ كاملة مضت.
ثماني سنوات لم ترَ فيها والدها.
منذ شتاء عمرها السابع عشر، قبل شهرٍ من بلوغها سنّ الرشد، حين وقعت “الهاوية”.
فُتحت الشقوق في كل مكان، وتدفّقت وحوش الأعماق منها، حتى البشر العاديون غرقوا في ظلامها وتحولوا إلى “مخالب الأعماق”.
ومنذ ذلك اليوم، لم ترَ عائلتها أبدًا.
‘هل كان كل ذلك مجرّد حلم؟’
“…….”
رمقها كايزار وهي تقبض قبضتيها الصغيرتين بعزم، وقد بدا على وجهه القلق.
‘لا بد أنّها رأت كابوسًا مرعبًا.’
أمسك كتفيها برفق وقال:
“لا تقلقي يا ليري. أنا دائمًا بجانبك.”
“أيها الوحش.”
“…؟”
رفع رأسه بدهشة، فرأى ابنته الصغيرة تحدّق به بعينين مثلثة الشكل.
لكنها بدت أشبه بقطة صغيرة غاضبة أكثر منها مخيفة.
خصوصًا مع خصلات شعرها الصغيرة المرتفعة.
“أيها الوحش الشرير! توقّف عن تقمّص هيئة أبي!”
“ماذا؟! ليري! انتظري!”
“هاااا!”
وبلا تردّد، انقضّت عليه بأظافرها بدل السيف.
انهارت الطاولة، وتكسّرت الأواني، وتحول صباح الأب والابنة إلى فوضى عارمة.
…
“هل أنت بخير، سيّدي؟”
“آه، شكرًا لك يا سيفير.”
اقترب كبير الخدم من الدوق الجالس على الأريكة، وقد قدّم له منديلًا.
شَعرٌ منتوف، خدٌّ مخدوش، يدٌ تحمل آثار عضٍّ صغيرة…
ومع ذلك، ما زال وسيمًا بشكل غير عادل.
“غغغغ…”
التفت نحو مصدر الصوت، فإذا بليريان تحدّق به من تحت الغطاء بعينين حادّتين.
تمتم كايزار بتعب:
“يبدو أنّ ابنتي دخلت سنّ المراهقة.”
ضحك سيفير وقال:
“هذا أمرٌ طبيعي، يا سيّدي. تذكّر ما كان يفعله السيد جيريل.”
“همم… صحيح. كان أكثر شغبًا منها.”
“وربما هي فقط مشوَّشة. فهي ما زالت صغيرة.”
أخذ الدوق نفسًا عميقًا، واستعاد هدوءه.
لكنّ عينيه ظلّتا تفيض بالحنين، وهو يراقبها.
…
“آنستي، ماذا تحبّين للفطور؟ هل أقدّم لكِ سكونز ساخنًا مع مربّى الفراولة؟”
“لا… ليس الفراولة.”
“إذن مربّى التوت الأزرق؟ لقد وصلنا طازجًا هذا الصباح.”
“… نعم.”
انزلقت الإجابة من فمها دون وعي، فأدركت فورًا أنّها وقعت في الفخ.
‘اللعنة! لقد استدرجني!’
كانت دائمًا ضعيفة أمام هذا الخادم العجوز.
“هل أُقدّم لكِ بيضتين مقليّتين؟”
“لا! ثلاث!”
لم تستطع مقاومة الإغراء.
…
لحظةً بعد لحظة، غمرها طعم الزبدة الغني، وحلاوة المربّى، ونكهة العصير الطازج.
لم تستطع تمالك نفسها.
‘لذيذ جدًّا!’
وملأت فمها بالبسكويت والبيض والبَيكُن، حتى امتلأت بطنها الصغيرة.
لم تُدرك سوى لاحقًا:
‘انتظري… لا يمكن للوهم أن يمنحني هذا الطعم الحقيقي.’
…
في تلك اللحظة، سُمِع صوتٌ مألوف من وراء الباب:
“أميرتي… هل لا زلتِ غاضبة؟”
فتح كايزار الباب بسرعة، وهو يلهث.
اقترب منها، ملامحه الحادة لا تناسب رجلًا يركض خلف طفلة… ومع ذلك كان وجهه مألوفًا.
‘لو كان أبي حقًّا…’
نظرت إليه بجدّية وقالت:
“أبي.”
“نعم، صغيرتي؟”
“في مسرحية الدُمى ‘ساحرة القمر روز’، ما اسم عصاها السحرية؟”
أجاب من فوره بثقة:
“طبعًا، عصا فلورامون روبي.”
“وفي حديقة الكعك، ما الاسم الذي استخدمته روز في التسلّل؟”
“لونا.”
“وعبارة التحوّل التي تردّدها دومًا؟”
ابتسم بثقة وقالها بحماسة:
“سأطهّر الشرّ باسم العدالة!”
ارتجفت عينا ليريان بالدموع، واندفعت تعانقه بقوّة.
“أبي!”
“ليري!”
لم يكن هناك شك بعد الآن.
هذا الرجل كان والدها حقًّا.
…
وفي نهاية اليوم، بعد أن لعبت في كل أرجاء القصر حتى غلبها النوم، رآها كايزار غافية على الأريكة، ممسكة بسيف خشبي صغير.
اقترب منها، وحاول أن يسحب السيف من يدها، لكنه استسلم حين وجدها متمسكة به حتى في نومها.
جلس إلى جوارها، يراقب وجهها الهادئ، وهمس وهو يقبّل جبينها برفق:
“لا مزيد من الكوابيس بعد الآن، يا ليري.”
ترَجمةُ : مَـريِــانا
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
ليري ممكن تزوجيني بابا؟🥺🥺