معلمي قد جُنّ [ الفصل 76 ]
سارت مييل مع جايد عائدةً إلى القصر.
كان الطريق قصيرًا، لكن قلبيهما كانا يخفقان بسرعة طواله.
لم يتبادلا النظرات كثيرًا، لذا لم يلحظ أحدهما حال الآخر.
أطراف أذني جايد كانت تحمرّ شيئًا فشيئًا، ووجنتا مييل أيضًا لم تكونا بحال مختلف.
لكن بما أن كلاهما كان يتجنب نظر الآخر، فقد نجحا في إخفاء ما يشعران به.
“…القارة الشرقية، تبدو مكانًا لطيفًا فعلًا.”
قالها جايد بعد لحظة صمت بينهما.
رفعت مييل عينيها إليه بابتسامة.
“أحقًّا؟“
“نعم. المناظر الطبيعية جميلة، والناس ودودون، والطعام… لذيذ.”
“حتى الطعام راقك؟“
ازدادت إشراقة وجهها، فابتسم جايد لا إراديًّا وهو ينظر إليها.
‘صحيح… لم أرَ مييل تستمتع بالطعام هكذا من قبل. كانت تأكله بشهية حقيقية.’
سألها بابتسامة:
“كنتِ تأكلين بحماسة كبيرة. هل سبق أن تذوقتِ أطعمة القارة الشرقية؟“
“آه، لا… ليس حقًّا…”
كانت قد ذاقت أطعمة مشابهة في حياتها السابقة، لكنها لم تستطع شرح ذلك، فاختارت تغيير الموضوع:
“فقط… أعجبتني النكهات. كانت تمامًا على ذوقي.”
ضحكت بخفة وهي تقولها، أما جايد، فلم يكن يهتم كثيرًا بتفاصيل السبب، بل كان يشعر بالسعادة لمجرد معرفته أنها تحب تلك الأطعمة.
‘هذا يكفيني.’
ابتسم مجددًا وهو يتابع السير.
لم يبتعدا كثيرًا عن القصر، وحين يدخلان عليهما أن يفترقا.
شعر فجأة بشيء من الأسف، فتوقف قليلًا ثم قال:
“…مييل. بعد أن ينتهي كل هذا، لنعد إلى القارة الشرقية معًا.”
قالها بجديّة خالصة، جعلت مييل تتردد في الرد.
نظرت إليه مليًّا، ثم ابتسمت بلطف.
“حسنًا. أحبّ ذلك.”
حتى تلك الإجابة القصيرة جعلت قلبه يقفز فرحًا.
“إذًا، … يا معلمي سأسبقك لأخلد إلى النوم.”
“آه، نعم، نعم. اذهبي وارتاحي.”
بقي جايد واقفًا مكانه، يحدّق نحو مدخل القصر حيث دخلت مييل، حتى بعد أن غابت عن ناظريه.
وما زال قلبه يخفق بنبضٍ لطيف… ومليء بالسعادة.
***
عادت مييل إلى غرفتها، فوجدت كوسيليكو ممددًا على السرير غارقًا في نوم عميق.
خافت أن توقظه، فاكتفت بمسح يديها وقدميها سريعًا، ثم انزلقت بهدوء إلى السرير.
انطفأت الأنوار الداخلية، وغرقت الغرفة في سكون الليل.
استسلمت مييل للنوم بسرعة.
ظلام تام، ثم وعي خافت بدأ يتشكّل… عندها أدركت أنها تحلم.
‘دائمًا ما أرى هذا النوع من الأحلام بعد حصولي على كنز سحري…’
لم تكن تعرف مغزى تلك الأحلام حتى الآن، لكنّها بدأت تتساءل عمّا سترى هذه المرة.
شيئًا فشيئًا، تبدّل الظلام من حولها، وبدأ المشهد يتشكل.
رأت مجددًا الرجل والمرأة الذين اعتادت رؤيتهما في أحلامها.
لكن هذه المرة، لم يكونا في برج السحر.
‘أين هما…؟‘
بدت لهما كوخًا خشبيًا صغيرًا في الجبال، مكان دافئ وهادئ.
‘يبدو أنهما في رحلةٍ ما…’
كانا مستلقيين معًا على السرير، والرجل يلمس بطن المرأة بسعادة غامرة.
شعرت مييل بأن المشاعر المتبادلة بينهما في هذا الحلم كانت أكثر دفئًا وسعادة من أي وقتٍ مضى.
‘لا يكون…؟‘
ثم فهمت بسرعة سبب فرحهما…المرأة كانت حاملًا.
غمرهما الفرح الحقيقي، وهما ينتظران ولادة ذلك الطفل.
وهنا… انتهى الحلم.
“…!”
فتحت مييل عينيها فجأة، وإذا بها تجد ضوء الشمس يتسلل إلى الغرفة.
رمشت مرتين وهي تستوعب ما رأت.
‘واو… طفل بينهما، إذًا؟ ترى ماذا سأرى في الحلم القادم؟ ولادة الطفل، ربما؟‘
وهي تفكر بذلك، استيقظ كوسيليكو من جانبها.
“ممم… مييل؟ هل أشرقت الشمس فعلًا؟“
“صباح الخير يا كوكو. هل نِمتَ جيدًا؟“
“ممم، نعم… تثاؤب.”
في تلك اللحظة، سمعت حركة خلف باب الغرفة.
فبادرت بإخفاء كوسيليكو تحت اللحاف.
“آه؟!”
تفاجأ، لكنه سكن بسرعة داخل الغطاء.
“آنسة مييل، هل استيقظتِ؟ جلبتُ لكِ الإفطار.”
كان الصوت صوت الخادم نفسه الذي أوصلها بالأمس.
“آه، نعم! أنا مستيقظة!”
ردّت بحماس لم تستطع إخفاءه حين سمعت كلمة إفطار.
دخل الخادم وهو يحمل صينية طعام كبيرة، ووضعها أمام السرير.
“أتمنى لكِ وجبة شهية.”
قالها ثم خرج بهدوء.
“واو… هذه وجبة الإفطار؟!”
انفرجت شفتا مييل تلقائيًّا.
وفي اللحظة ذاتها، قفز كوسيليكو من تحت اللحاف.
“ما الذي يحدث؟ أريد أن أرى!”
واتسعت عيناه بدهشة حين رأى المائدة.
أرز أبيض ناصع، حساء يبدو كأنه حساء الأعشاب البحرية، لحم مقلي بتوابل حمراء، وأطباق جانبية كثيرة، أكثر من عشر أصناف!
‘آه… القارة الشرقية أروع من أن توصف.’
جلست مييل أمام المائدة وهي تبتسم، وبدأت في تناول الطعام بسعادة.
وبالطبع، لم تنسَ أن تملأ وعاءً صغيرًا خاصًّا بكوسيليكو.
“واو! إنه لذيذ فعلًا! أشعر أنني أريد العودة إلى هنا مجددًا!”
“أليس كذلك؟ هاااه… لا أريد مغادرة هذا المكان أصلًا.”
قالتها مييل بعينين دامعتين من شدّة التأثر، فقال كوسيليكو بمزاح:
“هاها، لا داعي لكل هذا الحزن. لديكِ ختم ساريم، أليس كذلك؟ يمكنكِ العودة إلى أي مكان زرتهِ مرة واحدة في اليوم!”
“صحيح… لكن هذه ميزة لا يمكن استخدامها كل حين.”
“لكن إن لم تكوني منشغلة بالبحث عن الكنوز، واشتقتِ إلى الطعام هنا، فلا بأس باستخدامها أحيانًا.”
“…نعم. سأفعل ذلك.”
قالتها كأنها عاهدت نفسها دون أن تشعر.
حين تنتهي من العثور على الكنوز، ستعود إلى هنا متى اشتاقت.
وهكذا، أنهت مييل وكوسيليكو فطورًا سعيدًا مليئًا بالرضا.
ثم اغتسلت مييل، وارتدت ملابس الخروج مع عباءتها، وغطّت رأسها بقبعة المعطف، وحرصت على إخفاء كوسيليكو جيدًا في حضنها قبل أن تغادر الغرفة.
“آنسة مييل، الجميع بانتظارك.”
قال لها الخادم الذي كان ينتظر عند الباب.
واصطحبها إلى قاعة الاستقبال.
“أهلاً، آنسة مييل! أتمنى أن تكوني قد قضيتِ ليلة هانئة.”
استقبلها السيد جونغ وهو يجلس في صدر المجلس، مبتسمًا بلطف.
كان جايد وتوروي قد وصلا قبلاً، وكانا يحتسيان الشاي.
“هل نمتِ جيدًا يا ممييل؟“
“هل تناولتِ فطورك يا آنسة مييل؟“
بادرها الاثنان بالسؤال، وكان بجانبهما هانليم ويونسو أيضًا.
“أهلاً يا مييل.”
“هل استرحتِ جيدًا؟“
ابتسمت لهما مييل، لكنّ عينيها ثبتت على يونسو.
‘لقد عالجناها من تسمم المانا بالأمس… لكنها تبدو أفضل بكثير اليوم.’
فكّرت مييل، وكأن جايد قرأ أفكارها فقال:
“تسمم المانا من الأمراض التي تُشفى سريعًا بعد العلاج.”
ثم أشار إلى المقعد الفارغ بينه وبين توروي:
“تعالي، اجلسي هنا يا مييل.”
ذهبت مييل وجلست في المقعد، فقال السيد جونغ بأسف:
“حقًّا… يؤسفني أنكم سترحلون قريبًا. كنت أودّ قضاء وقت أطول مع من أنقذ حياة ابنتي.”
“لا خيار لنا، فنحن لسنا من هذه البلاد في الأساس.”
قالها جايد رافعًا كتفيه بابتسامة.
“لكنني لا أستطيع إنكار شعوري بالحسرة، خاصة وأنكم ترفضون أي مكافأة…”
ثم أخرج من جيبه شيئًا صغيرًا.
كان قرصًا ذهبيًّا دائريًّا بحجم راحة اليد، وقد خُتم عليه ختم العائلة.
————
ترجمة : سنو
فتحت جروب تيليجرام يضم هذه الرواية PDF وأقسام طلبات لرواياتي ومستقبلاً نسوي فعاليات وهيك قسم للسواليف عن الروايات ويمديكم ماتسولفون وبس تقرأون ♥️.
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك : https://t.me/snowestellee
واتباد : punnychanehe
واتباد احتياطي : punnychanehep
التعليقات لهذا الفصل " 76"