واصل هانليم بكاءه بحرقة، وأراد جايد أن يقول شيئًا، لكن الكلمات خانته.
في تلك اللحظة، اقتربت مييل من جايد، ولما التفت نحوها، هزّت رأسها بهدوء.
‘دعنا نمنحه بعض الوقت.’
فهم جايد مقصودها، فأومأ برأسه وتراجع خطوة إلى الوراء.
تقدّمت مييل بنفسها نحو هانليم، لم تقل شيئًا، بل اكتفت بالوقوف إلى جانبه، وربّتت بلطف على كتفه.
“آنستي…”
بكى هانليم كطفل صغير.
ناولته مييل منديلاً في صمت.
أما الآخرون، فاكتفوا بالبقاء بجانبه بصمت، حتى تهدأ عاصفة مشاعره.
“…أعتذر. فقط… غمرني الشعور فجأة.”
بعد وقت، تمكّن هانليم أخيرًا من تمالك نفسه والكلام.
فقدّمت له مييل كوب ماء.
“اشرب هذا أولًا يا هانليم.”
“ن–نعم، شكرًا.”
شربه دفعة واحدة، ثم زفر بعمق.
وبعد أن بدا أكثر هدوءًا، ابتسمت مييل بخفة ثم قالت:
“هانليم، أصغِ جيدًا.”
كان صوتها هادئًا خاليًا من الانفعال، لكن جادًا للغاية.
“ما حدث هذه المرة أمر مؤسف حقًا. لكن عليك أن تدرك شيئًا مهمًا، هذا ليس خطأك.”
“أنت لم تكن تعلم ماهية القوة التي يحملها ذلك العقد.”
سكت هانليم قليلًا عند سماع كلماتها، ثم تحدّث بنبرة قلقة:
“لكن… الجهل ليس عذرًا. هذا ما تعلمته. حين كنت عبدًا لم أكن أعلم ما هو الصواب والخطأ. لكن بعدما صرت من عامة الناس، أدركت أن الجهل يمكن أن يُسبّب الأذى أيضًا.”
عاد البكاء يلوح في عينيه، فناولته مييل منديلًا آخر.
لسبب ما، كلمات هانليم هذه اخترقت قلبها.
‘كيف أشرح له؟‘
نعم، كنوز والدي موزّعة في أماكن نائية، وهانليم لم يفعل سوى أنه صادف أحدها صدفة…
صحيح أن هناك أساطير تتحدث عن كنوز كاريلادين منتشرة في أرجاء العالم، لكن قلّة فقط من يبحثون عنها فعلًا.
فبالنسبة لمعظم الناس، لم تكن سوى خرافات.
وأهل القارات الأخرى غالبًا لا يعرفون عنها شيئًا على الإطلاق.
بالفعل، ما حدث لم يكن سوى سوء حظ.
حدّقت مييل في هانليم الغارق في شعوره بالذنب، ثم قالت بحزم:
“هذا ليس ذنبك يا هانلبم.”
رفع هانليم رأسه في دهشة.
كان صوتها أكثر صرامة من أي مرة سمعها تتحدث بها من قبل.
“هل سمعت من قبل باسم كاريلادين؟“
“هاه؟ لا… لا، لم أسمع به قط.”
كما توقّعت، أومأت مييل قليلاً.
“وماذا عن الحكيم العظيم؟“
“لا… لا أعرف هذا الاسم أيضًا.”
“هل تعتقد أن أحدًا في القارة الشرقية سمع بهما من قبل؟“
“ربما لا أحد… أو قلة قليلة؟ أنا نفسي عشت أكثر من عشرين سنة ولم أسمع شيئًا.”
أومأت مييل مرة أخرى.
ففي القارة الشرقية، التي تفتقر تمامًا لعالم السحر، من الطبيعي ألا يعرف أحد تلك الأسماء.
رفعت العقد من الطاولة ولوّحت به قليلًا.
“إن كان أهل الشرق لا يعرفون اسم كاريلادين، أو الحكيم العظيم… فمن الطبيعي تمامًا أن يجهلوا ما هو هذا الشيء.”
“عذرًا؟“
“حتى لو سمع أحدهم بالاسم، فإن من يرى هذا العقد لأول مرة… سيظنه زينة عادية. فهو لا يبدو كتحفة سحرية.”
نقرت على التعويذة بخفة وتابعت:
“بصراحة، حتى في قارتنا، قلّة قليلة يعرفون حقيقته. إنه قطعة من كنز أسطوري يعود إلى ساحر أسطوري. حتى نحن في برج السحر لم نكن نعرف حقيقته في البداية.”
“أوه…”
“لذا من الطبيعي تمامًا أنك لم تكن تعرف. وحتى لو كنت تعرف، فإن مرضها لم يكن ذنبك.”
“هذا الشيء يحتوي على طاقة الحكيم العظيم. لكنه لا يؤثر في الناس العاديين مثلك بأي ضرر.”
“لكن… تلك الفتاة…”
“لا أعلم إن كنت سمعت حديثنا قبل قليل، لكن تلك الآنسة… ليست كغيرها.”
اختارت مييل كلماتها بعناية.
“في القارة الشرقية، وإن كان ذلك نادرًا، يولد أحيانًا أشخاص لديهم قدرة سحرية فطرية. وأظن أنها واحدة منهم.”
“…لهذا كانت ذكية إلى هذا الحد.”
تمتم هانليم وكأنه فهم شيئًا لتوّه.
رغم أن الموهبة السحرية لا تعني بالضرورة الذكاء الفائق، فإن مييل تجاهلت ذلك.
“على الأرجح، هي نفسها لم تكن تعرف ما بها. ربما ظنت أنها فقط مختلفة قليلًا…لكن في مكانٍ يُعدّ السحر فيه مجهولًا، لم يكن لها أن تفهم ماهية تلك الطاقة في داخلها.”
“ولو كانت هناك مؤسسات سحرية في الشرق، لما حدث هذا أصلًا. هي فقط… لم تكن تملك الوسيلة لفهم حالتها.”
خفض هانليم رأسه في صمت.
“ولهذا السبب… الأمر ليس خطأك.”
“…فهمت.”
ابتسم بمرارة.
كان شعور الذنب قد خفّ قليلاً، لكن المشكلة لم تُحل تمامًا.
“لكن… هي ما زالت بحاجة للعلاج. أعتقد أنه يجب أن أعود إلى الشمال لأبحث عن نبتة ماندريك الحمراء…”
حكّ رأسه بحرج، محاولًا أن يبتسم.
حينها فقط، تكلم جايد بنبرة هادئة:
“لا حاجة لكل هذا.”
“هاه؟ لماذا؟“
“ألم أقل لك من قبل؟ أنا ساحر عظيم.”
ابتسم جايد بخفة.
“فتاتك… يمكنني علاجها من تسمم المانا.”
“حقًا؟!”
اتسعت عينا هانليم بدهشة، فأومأ جايد بثقة:
“أجل. قلت إنها مريضة منذ قرابة الشهر، صحيح؟“
“نعم، بالضبط!”
“في هذه الحالة، يمكنني علاجها حتى دون الماندريك الأحمر. فلا تقلق.”
رغم أن بعض الأمراض المرتبطة بالحياة والموت لا يمكن علاجها بالسحر، إلا أن أمراض المانا شيء آخر تمامًا بالنسبة لساحر عظيم.
“هل هذا… صحيح؟ شكرًا، شكرًا جزيلًا يا سيدي!”
نهض هانليم بسرعة وأمسك بيدي جايد، ينحني مرارًا امتنانًا له.
“هاي هاي، كفى. لست بحاجة إلى كل هذا الشكر.”
سحب جايد يديه، وكأن الأمر أزعجه قليلًا، لكن ملامحه بقيت لطيفة.
“لكن، سنأخذ العقدين معنا. وأظن أنك تدرك السبب.”
“بالطبع! إن كنتم ستأخذونه لأنه سبّب الأذى لآنستي…فأنا ممتن فقط.”
رغم أن العقدين لم يُؤكّدا رسميًا ككنوز بعد، إلا أن كل الدلائل كانت تشير إلى ذلك.
ابتسمت مييل بهدوء.
لكن توروي… لم يستطع أن يبتسم.
‘مرة أخرى… لم أكن مفيدًا.’
‘كل ما فعلته أنني اعتمدت على مييل وسيد البرج…’
غمره شعور بعدم الارتياح، لكنه شدّ على قلبه.
‘لا بأس. سأكون موجودًا دائمًا من أجلها متى احتاجتني.’
وبينما كان توروي يعقد العزم في داخله، كان جايد قد أعاد هانليم إلى السرير، يُعينه على الاستلقاء.
“الآن، نم جيدًا، مفهوم؟“
قالها جايد بنبرته المألوفة المزعجة، لكن هانليم ابتسم بصفاء.
قلبه الذي كان مثقلًا بالهم، غمره الامتنان والسكينة أخيرًا.
“شكرًا… شكرًا لك يا سيدي. ولكم جميعًا الشكر من قلبي.”
وسرعان ما غلبه النعاس من جديد.
فبقايا النبيذ في جسده، والتعب العاطفي من البكاء، أنهكاه تمامًا.
نظر جايد إلى مييل وابتسم.
فردّت عليه بابتسامة مماثلة.
…لكن توروي، وحده، لم يستطع الابتسام.
_
ترجمة : سنو
فتحت جروب تيليجرام يضم هذه الرواية PDF وأقسام طلبات لرواياتي ومستقبلاً نسوي فعاليات وهيك قسم للسواليف عن الروايات ويمديكم ماتسولفون وبس تقرأون ♥️.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 69"