معلمي قد جُنّ [ الفصل 41 ]
أمالت مييل رأسها قليلاً دون وعي، وأخذت تحدّق في الطائر الصغير. كان طائر الأوموك الأبيض، ذو الريش الفضي اللامع، يقفز بخفة على السرير دون توقف.
وما إن لمحها حتى توقف فجأة ثم مال برأسه إلى الجانب، مقلدًا حركة مييل.
“ مرحباً.”
حيّت مييل الطائر الصغير، فقد شعرت بانبعاث سحر والدها منه.
“ من أنت؟ ولماذا تتصرف هكذا في غرفتي؟“
وفجأة، انفتح منقار الطائر، وانطلق منه صوت يشبه صوت طفل صغير:
“ ومن تكونين أنتِ؟ لماذا أشعر بطاقة لياد المنبعثة منك؟“
لياد… كان هذا هو اسم الحكيم العظيم، لياد كاريلادين.
‘ هل هو مجرد رسول لأبي؟ لا، يبدو أنه أكثر من ذلك.’
تأملت مييل الطائر ملياً، ثم تمتمت بحدة:
“ عادةً من يسأل يبدأ بالتعريف عن نفسه أولاً، أليس كذلك؟“
“ آه، معك حق! لقد نسيت ترتيب الأمور. إذًا، اسمحي لي أن أعرّف بنفسي! أنا العظيم كوسيليكو، تابع الحكيم العظيم الأول!”
“ إذًا لم أكن أتوهّم… بالفعل شعرت بقوة أبي تتغلغل منك.”
عند سماع ذلك، أمال كوسيليكو رأسه مرة أخرى بدهشة.
“ أبي؟! هل أنتِ ابنة اياد؟ إذًا، أنتِ تلك الفتاة…”
“ هم؟“
“ لا، لا شيء. على أي حال، أنا الكائن الذي استدعاه لياد قبل 180 عامًا، عندما أسّس برج السحر لأول مرة. إن شئتِ، يمكنكِ مناداتي بعمي.”
قال كوسيليكو وهو ينفش ريشه بفخر.
لكن مييل أجابت بعينين باردتين:
“ قلت إن اسمك كوسيليكو، صحيح؟ سأختصره إلى كوكو إذًا.”
“ مـ… ماذا؟!”
رفرف كوسيليكو بغضب في الهواء.
“ تشبهينه كثيرًا! لياد كان يناديني هكذا أيضًا!”
ورغم غضبه وانفعاله، لم يكن أكثر من طائر صغير لطيف أمام مييل.
“ لكن يا كوكو، من أين أتيت؟“
“ من أين تظنين؟ من غرفة لياد بالطبع!”
“ آه… صحيح، والدي أقام في هذا المكان فترة طويلة بعد تأسيس البرج.”
“ بالضبط! أنا خرجت من غرفة الحكيم العظيم بنفسه! رغم أنها الآن مهجورة تمامًا!”
أومأت مييل موافقة. فغرفة لياد كانت ضمن المناطق المحظورة في البرج، والتي لا يجرؤ أحد على دخولها… باستثنائها بصفتها ابنته الوحيدة.
وقد اعتادت زيارة تلك الغرفة، التي لم يبقَ فيها سوى لوحة صغيرة لطائر مرسومة على الجدار.
“ أها… إذًا كنتَ أنت ذلك الطائر.”
“ نعم! كنتُ نائمًا داخل تلك اللوحة!”
“ لكن لماذا استيقظت الآن فجأة؟“
“ حسنًا، لقد نمت طويلًا، لكن مؤخرًا شعرت بطاقة لياد هنا… ولهذا استيقظت.”
كان هناك سبب واحد محتمل لاستيقاظ تابِع والدها بعد هذا الوقت الطويل.
“ لا يكون… بسبب سولو؟“
“ سولو؟ ما هذا؟“
سأل كوسيليكو باستغراب، فأحضرت مييل صندوقها الخاص وفتحته أمامه.
“ أوه! هذا الشيء!”
“ أتعرفه؟“
“ نعم! رأيته منذ زمن طويل… كان شيئًا خبّأه لياد بعناية. لكن أليس هناك أشياء أخرى؟“
بدأ كوسيليكو يحرّك رأسه مرارًا، وكأن الذكرى على وشك العودة.
“ كوكو… هل تعرف شيئًا عن كنوز كاريلادين؟ أقصد، كنوز والدي؟“
“ كنوز؟ لا أعلم بشأن كنوز، لكنني أعرف أنه أخفى أشياءً كثيرة.”
عندها مدت مييل يدها وأمسكت به بلطف كي لا تؤذيه.
“ إذن، أخبرني بكل ما تتذكره، كوكو!”
“مممم …”
أغمض عينيه بشدة محاولًا التذكر، ثم فتحهما فجأة.
“آه !”
“ هل تذكرت شيئًا؟!”
“ لا… لم أتذكر.”
“تبا …”
تركت مييل كوسيليكو، فحلق مجددًا واستقر على كتفها الأيسر.
كان خفيفًا جدًا، حتى أنها لم تشعر بوزنه.
“ أشعر أنني كنت أعرف كل شيء في السابق… لكن يبدو أن طاقة لياد لديك ضعيفة جدًا، ولهذا ذاكرتي ضبابية.”
“آه … مؤسف .”
كانت تأمل أن يساعدها في تحديد موقع الكنز القادم الذي ستبحث عنه… لكنه لم يكن مفيدًا.
لكن فجأة، تمتم كوسيليكو بشيء:
“ مع ذلك، هناك شيء واحد أتذكره.”
“ حقًا؟ ما هو؟“
“ أذكر أنه أخفى كتابًا في إحدى القارات.”
“ كتاب؟“
لا يمكن أن يكون…
“ نعم. كتاب ‘ العصور القديمة‘.”
***
في الوقت ذاته، في مكان بعيد…
سماء حالكة كالسواد، وصواعق لا تتوقف عن الهطول.
مكان مهجور منذ زمن، لم تطأه قدم بشرية.
هناك، فتح كائن مظلم عينيه فجأة.
“ أخيرًا… يبدو أنكِ أيقظته.”
همس بصوت خافت، محافظًا بالكاد على شكله المتماسك.
“ تعالي إلي…”
بدأ الظلام يبتلعه ببطء، مستنزفًا طاقته.
“ اجمعي كل الكنوز… وأحضريها إلي، يا مييل.”
***
رغم محاولات مييل الحثيثة للحصول على معلومات من كوسيليكو، إلا أنها لم تحصل على الكثير، باستثناء معلومة عن كتاب العصور القديمة.
“ آه! مع ذلك، أعتقد أنني أعرف مكان الكتاب. ليس بالتحديد، لكنه في أحد الأماكن.”
“ حقًا؟!”
فتحت مييل كتاب كنوز كاريلادين، وأشارت إلى خريطة بداخله.
“ أتعرف قراءة الخرائط؟“
“ قليلاً، نعم!”
رفع كوسيليكو جناحه وأشار إلى منطقة معينة.
“ هنا. قارة غرين فوريون، موطن الإلف.”
ارتسمت ابتسامة على شفتي مييل.
فحتى معلومة كهذه ثمينة في ظرفها هذا.
“ ممم… أعتقد أن قوتكِ أي قوة لياد، يجب أن تقوى أكثر حتى أسترجع بقية ذاكرتي.”
“ لكن يا كوكو… أليست لديك فكرة عن مكان أبي؟ أليس من المفترض أن تكون تابعًا له؟“
“ بلى… لكنني لا أعلم الآن. فلياد لم يستدعني بنفسه هذه المرة.”
ثم مدّ رأسه نحوها:
“ ممم… حكي لي هنا قليلاً.”
“ هنا؟“
“ نعم، تمامًا. رائع!”
وبينما كانت مييل تدلّكه بلطف، سُمع طرق خفيف على الباب.
فُتح الباب، وكان الزائر هو جايد.
“ مييل. شعرت بطاقة خفيفة من طاقة الحكيم العظيم، لذا أتيت.”
“ أهلاً معلمي.”
“ أوه… هذا الطائر يحمل طاقة الحكيم العظيم. قد لا يشعر بها الآخرون، لكنني أميزها. أليس كذلك؟“
اقترب جايد وهو يتأمل كوسيليكو بدقة.
“ إنه تابع الحكيم. وبالنظر إلى هذه البنية الصغيرة والطاقة الضعيفة، فلا شك أنه أول تابع استدعاه.”
استنتج جايد الحقيقة سريعًا، فيما أعربت مييل عن إعجابها.
أما كوسيليكو، فاهتز غاضبًا.
“ طاقة ضعيفة؟! لياد قال إنني الأقوى والألطف في الوقت نفسه!”
نفش ريشه بانفعال، فقالت مييل بصوت خافت:
“ لكنّك لطيف حقًا.”
“ أترى؟ فقط ابنة لياد تفهمني.”
طار فرِحًا ليستقر على كتفها مرة أخرى.
“ أنا فقط قلت الحقيقة.”
“ وقح! من تظن نفسك لتتحدث هكذا؟!”
“ أنا؟ مالك هذا البرج.”
“ هاه! إ مالك هذا البرج الحقيقي هو اياد! كلامك يوحي بأنك سيد البرج الحالي.”
رغم حدّة كلامه، بقي كوسيليكو مجرد طائر لطيف بنظر الجميع.
تجاهله جايد وسأل مييل:
“ وهل حصلتِ منه على شيء مفيد؟“
“ نعم. علمت بمكان الكنز الثاني.”
“ أين هو؟“
أشارت إلى موقع محدد على الخريطة.
“ هنا. غرين فوريون.”
فما كان من جايد إلا أن عبس بوضوح.
“ غرين فوريون… موطن الإلف، إذًا.”
نعم، الإلف.
أولئك الذين اشتهروا بتمييزهم ضد البشر، بل ضد كل من ليس من جنسهم.
___
ترجمة : سنو
فتحت جروب تيليجرام يضم هذه الرواية PDF وأقسام طلبات لرواياتي ومستقبلاً نسوي فعاليات وهيك قسم للسواليف عن الروايات ويمديكم ماتسولفون وبس تقرأون ♥️ .
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك : https://t.me/snowestellee
واتباد : punnychanehe
واتباد احتياطي : punnychanehep
التعليقات لهذا الفصل " 41"