ثم، بدلاً من المغادرة فورًا، ارتسمت على شفتيه ابتسامة تمتزج فيها الضيق والتسلية، وسألها.
“وما الذي تحبّينه أيضًا؟”
“ماذا؟”
“بخلاف العشب والحشرات، إذا كان هناك شيء آخر تحبّينه، أخبريني.”
كان سؤالًا غريبًا لأيّ شخص يسمعه، فوجهت ليريوفي عينيها المتجهّمتين إلى وجه الفتى ذو الشعر الأبيض.
في تلك اللحظة، ارتجفت على الفور.
الآن فقط أدركت…
كانا قريبين جدًّا من بعضهما.
حتّى في العلاقات الحميمة العاديّة، لا يواجه الناس بعضهم من هذه المسافة القريبة، ناهيك عن أنّ ليريوفي وهذا الفتى لم يكونا في علاقة وديّة.
كان وجه الفتى، الناعم كاليشم المصقول، لا يزال جميلًا بشكل لا يتناسب مع الموقف، مما جعل ليريوفي تشعر بشعور غريب.
من رأسه إلى أخمص قدميه، شعرت بلسعة خفيفة غريبة في كلّ مكان مرّت به نظراته.
ثم، عندما التقت عيناها بعينيه الحمراوين مجدّدًا، رأت وميضًا ذهبيًّا بدا كوهمٍ مؤقّت، فتراجعت نصف خطوة دون وعي.
انتبهي.
وبّخت ليريوفي نفسها بشدّة.
حتّى لو بدا سلوكه ودودًا بشكل غريب، فهو الشخص الذي حاول قتلها منذ وقت ليس ببعيد.
شدّت ليريوفي جسدها الذي استرخى دون أن تدرك.
أدرك فيلكياس تغيّر سلوكها بحدّة.
“لا شيء. حتّى لو كان هناك، لِمَ أخبرك؟”
كان شعور الرفض والحذر الذي يفيض من جسدها الصغير يتدفّق إلى الخارج.
“حسنًا، إذًا؟”
على الرغم من أنّه كان تحفيزًا ضعيفًا مقارنةً بعضّة وحش على يده بلا خوف، شعر فيلكياس، على غير عادته، بانقباض طفيف في صدره.
“إذًا، سأعطيكِ المزيد ممّا تحبّين.”
كومةٌ من الحشرات، تحمل انزعاجه، تراكمت أمام ليريوفي.
عندما رأى وجهها المذهول، شعر أنّ إبادة حشرات المنطقة الخارجيّة كانت تستحقّ العناء، مما خفّف من ضيقه قليلاً.
لكن، شعوره بالغضب من تصرّفه الصبيانيّ عاد، فنظر إلى ليريوفي بنظرة حادّة ثم استخدم سحر الانتقال الفضائيّ لمغادرة المنطقة الخارجيّة.
كان الموقف، مع جبل الحشرات المتبقّي، سخيفًا جدًّا بالنسبة إلى ليريوفي.
حتّى مع تحمّلها الجيّد، لم تكن تحبّ الحشرات إلى هذا الحدّ، لذا فقدت شهيّتها عند رؤية هذه الأكوام.
لكن الشخص الذي كانت ستنفّس عن غضبها عليه قد اختفى بالفعل.
لذا، لم يكن أمامها سوى التذمّر بمفردها لتهدئة غضبها.
ومع ذلك، لم يكن للطعام ذنب، لذا جمعته ليريوفي سرًّا في جيوبها.
بالطبع، كان سرًّا بينها وبين أودر، الذي تنهّد باستسلام واختار معها الحشرات الأقل قبحًا.
وكان سرًّا أكبر أنّ كاسيل ودينو، اللذين نسيتهما ليريوفي، نزلا لاحقًا من الأشجار خلسة، ونظرا إلى أكوام الحشرات بذهول، ثم جمعا بعضها كطعام طوارئ وهما يكبحان دموعهما.
* * *
كانت الغابة المغطّاة بالظلام الدامس مخيفة جدًّا.
كان صوت الحشرات المتقطّع هو الصوت الوحيد في الغابة الهادئة، ممزوجًا بأنفاس الأطفال المتوتّرين.
حتّى الأطفال الذين زاروا هذه الغابة الخضراء من قبل، وأولئك الذين وطئوا أرضها لأوّل مرّة، كانوا يحرّكون حدقاتهم المنقبضة بالتوتر بلا توقّف، متيقّظين لما حولهم.
شعر الجميع في هذا المكان كأنّهم ذبائح تتّجه إلى فم وحش.
ومع ذلك، لم يكن لدى أحد الشجاعة لمغادرة الصفّ بتهوّر، فأمسكوا بأسلحتهم بقوّة أكبر وتقدّموا أعمق في الظلام.
كانوا كالحيوانات التي وقعت في مستنقع دون معرفة كيفيّة الخروج.
“لا، لا تذهبوا. أمي، أبي، أختي، إخوتي… لا تتركوني وحدي…”
كم مرّ من الوقت بعد ذلك؟
تسلّل صوت ميلينا الباكي إلى ذهن ليريوفي المشوّش التي لم تدوك ما الذي أصابهم.
فتحت ليريوفي عينيها المغلقتين بقوّة، وعضّت شفتيها بشدّة. طعم الدم الخفيف جعل رؤيتها أوضح.
“أستطيع الجري أسرع. أخي، خذني معك، أرجوك…”
كانت الغابة الخضراء تحيط بهم من كلّ جانب.
عندما فتحت عينيها، كانت هناك أزهار ضخمة وملوّنة مزهرة بكثرة بشكل مقزّز.
كانت الأزهار العملاقة، التي تغطّي رؤوسهم كعمالقة ينظرون إليهم من الأعلى، تلقي بظلال سوداء كستارة.
كانت البقع الرماديّة الداكنة على بتلات الزهور الزرقاء تبدو كمئات العيون التي تحدّق بليريوفي.
كانت ميلينا، نصف مأكولة من إحدى براعم الزهور، تهلوس وتتمتم وهي تبكي.
كما لو أنّها وقعت في وكر أفاعٍ، كانت الكروم الزرقاء السميكة، التي تغطّي الأرض وتتسلّق الأشجار، تتحرّك بلا توقّف، مشدّدة قبضتها على فريسة محاصرة.
عندما نظرت حولها، أدركت أنّ ليس ميلينا وحدها، بل جميع أطفال مجموعة جايد كانوا في نفس الحالة.
“لـ-لم أكن أنوي قتله. أقسم… لكن ماذا أفعل، يجب أن يعيش الأحياء!”
“لا، لا… أنا، أنا لستُ لذيذًا. لا تأكلني…”
“بارد… أوه، باردٌ جدًّا… أرجوك، أنقذني…”
كانوا جميعًا تائهين في وهم مصنوع بعناية، لكنّهم كانوا يرون أعمق مخاوفهم.
و…
أمام عيني ليريوفي، ظهرت امرأةٌ ذات شعرٍ أسود تتلوّى في طينٍ قذر دون مفاجأة.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 40"
اللحظه حماسيه اوب