الفصل 31

‘على أيّ حال، ذاكرتي ليست سيّئة إلى حدّ ما. بالطبع، هي ليست بمستوى أختي الكبرى.’

[……حقًّا. علاوة على ذلك، قلتِ إنّها مجرّد صدفة، لكن في تلك اللحظة العصيبة، تذكّرتِ بالضبط التعويذة الأكثر كفاءة؟ في لحظة قصيرة كعطسة فأر، وبمساعدتي الطفيفة، نجحتِ في نهاية المطاف في إلقاء تعويذة، ولو بشكل متواضع!]

‘كان ذلك مجرّد حظّ ولا شيء غيره…… لكن، ما هذا الأسلوب في الحديث؟ إنّه مزعج بعض الشيء.’

[جيّد. جيّد جدًّا. يبدو أنّني لم أخطئ هذه المرّة في اختيار متعاقدي.]

على الرغم من أنّ ليريوفي أبدت انزعاجها، بدا أنّ أودر، لا يهتمّ إطلاقًا.

[ليريوفي، ربّما تكونين قد خمّنتِ الأمر بالفعل، لكنّ المعجزة التي حقّقتِها بالعودة بالزمن لم تكن عملًا خيّرًا بلا مقابل. لقد حقّقتُ أمنيتكِ، وفي المقابل، هناك ما يجب عليكِ فعله من أجلي.]

ثمّ غدا صوت أودر أكثر جدّيّة وثقلًا.

[الآن، وبما أنّكِ بدأتِ التأقلم مع وضعكِ الحاليّ إلى حدّ ما، يمكنني الحديث عن الأمر.]

في الحقيقة، كان هذا هو الأمر الأكثر أهمّيّة بالنسبة لها.

‘حسنًا. ما الذي تريده منّي؟’

انتظرت ليريوفي الكلام التالي بانتباهٍ مشوبٍ بالتوتّر.

[لا تقلقي كثيرًا. الأمر ليس غير منطقيّ كأن أطلب روحكِ أو شيئًا من هذا القبيل، كما تخيّلتِ سابقًا.]

ومع ذلك، ما خرج من فم أودر كان بعيدًا كلّ البعد عن توقّعات ليريوفي، لكن بمعنى مختلف تمامًا.

[يا متعاقدتي، أنا أودر. أطلبُ منكِ الإرتقاء إلى قمّة بابل، التي تجمع كلّ الأبراج السحريّة، وكوني تلميذتي، وانقشي اسمكِ على لوحة النجوم.]

(برج بابل أصله قصة دينية عن ناس حاولوا يبنون برج يوصل للسماء، بس تعاقبوا بتفريق لغاتهم، لذلك صار رمز للطموح المفرط و تم أستخدامه في كثير من الأنميات و المانهوات الأكشن)

-شششش.

في تلك اللحظة، مرّت نسمةٌ باردة من مكان ما، مُلاطفةً ظهر ليريوفي المنتصب ببرودة، فأثارت فيها قشعريرة.

في الوقت ذاته، شعرت ليريوفي بقشعريرة تجتاح جسدها وهي تلهث متفاجئة.

قمّة بابل، التي تجمع كلّ الأبراج السحريّة.

في الأصل، كان هناك ثلاثة أبراج سحريّة ينتمي إليها السحرة في هذه الأرض، لكن على حدة، كان هناك برج سحريّ فارغ يرتفع في وسط العالم، وهو الأعلى.

ذلك هو برج بابل.

برجٌ أسطوريّ، لا يحقّ لأحد نقش اسمه على لوحة نجومه السماويّة إلّا لمن بلغ ذروة الكمال بين السحرة العظماء الذين يقفون على قمّة الأبراج الثلاثة.

للعلم، آخر من نَقَش اسمه في بابل كان حكيم العصر، رئيس البرج السحريّ الشرقيّ، وكان ذلك قبل حوالي 150 عامًا.

والآن، يطلب منها أن تفعل ماذا في مثل هذا المكان؟

‘هل أنتَ بكامل قواكَ العقليّة؟ تقول لي أن أرتقي إلى برج بابل؟ كيف يمكنني أن أنقش اسمي هناك؟’

من شدّة المفاجأة والقشعريرة، ارتفع صوتها تلقائيًّا.

كان ذلك طبيعيًّا، فقد طلب منها أمرًا يبدو مستحيلًا حتّى لو ماتت وعادت للحياة عشر مرّات.

بل إنّها بدأت تتساءل إن كان طلب روحها كمقابل سيكون أفضل.

[لا، يجب عليكِ فعل ذلك.]

لكن أودر، وكأنّه لا يدرك أنّ طلبه مستحيل، أعلن لليريوفي بصوت ثابت لا يتزعزع.

[إذا لم تستطيعي تقديم المقابل، سيُلغى العقد، وستصبح كلّ هذه العودة الزمنيّة باطلة.]

‘ماذا؟ ما هذا الكلام اللامعقول…!’

[المهلة هي حتّى خريف عيد ميلادكِ الثالث والعشرين. بالضبط حتّى اللحظة التي التقينا فيها في الغابة السوداء وأبرمنا العقد.]

هل هذا شعور الغوص عاريًا في ماء مثلّج؟

شعرت بقشعريرة تجتاح عظامها، ودوار يعمّ رأسها.

دون أن تشعر، كانت ليريوفي، مثل جايد من قبل، تتصبّب عرقًا باردًا حتّى ابتلّت ملابسها.

‘أودر، أنتَ…… كيف يمكنكَ أن تعتقد أنّ هذا ممكن؟’

[يجب أن تجعليه ممكنًا. لديكِ عشر سنوات بعد.]

‘هذا عقدٌ احتياليّ….’

[وماذا إذن؟ لو علمتِ مسبقًا، هل كنتِ سترفضين العقد؟]

بالطبع، لم يكن ذلك صحيحًا.

أغمضت ليريوفي عينيها بقوّة.

‘……لماذا تطلب منّي نقش اسمي على لوحة نجوم بابل؟ هل أمنيتكَ أن تصبح معلّم ساحرٍ عظيم يحقّق إنجازات عظيمة؟’

[بالطبع، من يصل إلى قمّة بابل يمكنه أن ينقش اسم معلّمه على لوحة النجوم بكلّ فخر، وهذا بحدّ ذاته شرف عظيم.]

لكن، ما يريده أودر حقًّا لم يكن ذلك.

[لكن بالتحديد، ليست لوحة النجوم هي هدفي الأساسي. أنتِ، كسيدةِ بابل، أريد منكِ أن تتيحي لي دخول غرفة معيّنة في الطابق العلويّ.]

‘ولِمَ تريد ذلك؟’

[ذلك…… لا داعي لأن تعرفيه. على أيّ حال، لن أطلب منكِ أكثر من ذلك. كلّ ما عليكِ فعله هو فتح تلك الغرفة في الطابق العلويّ من البرج بصلاحيّتكِ. هذا هو كلّ شيء.]

أنهى أودر حديثه بنبرة حاسمة، كأنّه لن يسمح بمزيد من الأسئلة.

كانت ليريوفي بحاجة إلى وقت لتهدئة نفسها.

على الرغم من تنفّسها العميق، كان من الصعب تهدئة العواطف الجيّاشة التي تجتاح قلبها.

شعرت بحرارة في عينيها، فرفعت يدها وفركت جفنيها بقوّة.

“الرقم 28! ما الذي يشغل بالكِ هكذا؟”

-طاخ!

فجأة، أصاب شيء صلب رأس ليريوفي و سقط على الأرض.

“هذا نصيبكِ. هذا آخر شيء لليوم، فإذا احتجتِ إليه، اشربيه.”

فتحت ليريوفي عينيها، ونظرت إلى كارم بنظرة باردة، ثمّ التقطت قربة الماء الملقاة بعد لحظة.

(القربة هي وعاء يُصنع عادةً من جلد الحيوان أو مواد مشابهة، ويستخدم لحفظ الماء أو اللبن أو السوائل أثناء السفر أو التنقل)

لكن عندما فتحت الغطاء، وجدت أنّ القربة شبه فارغة.

“هه، هل تعتقدين أنّكِ وأختكِ تستحقّان إهدار الماء والطعام؟ بسببكما، تباطأت سرعتنا كثيرًا!”

حتّى الأطفال الذين يُعاملون كعبيد كان لهم نصيب قليل من الطعام، لكن كارم كان يميّز ضدّ ليريوفي وكاليونا بصراحة.

يبدو أنّه يحمل ضغينة تجاه ليريوفي بسبب عضّها ليده.

“كارم، هذا… لا يمكنكَ حرمانهما من الطعام تمامًا، هذا قاسٍ جدًّا.”

كالعادة، مدّت ميلينا، الطيّبة القلب، يد العون إلى ليريوفي.

“خذي هذا، يمكننا مشاركته معًا.”

كانت تمدّ إليها ثمرة تشبه التوت البرّيّ، قد تأكّدت من سلامتها مسبقًا، وكانت تحمل بذورها وصنعت كمّيّة صغيرة منها قبل قليل.

لكن ليريوفي رفضت لطفها.

“سأتدبّر أنا وأختي طعامنا بأنفسنا. لا داعي للقلق.”

“لكن، هذا…”

“ميلينا، لا تتدخّلي! إنّها تقول إنّها ستتعامل مع الأمر، فدعيها وشأنها!”

جرّ كارم ميلينا بعنف، التي كانت لا تزال متردّدة.

بقيت ليريوفي وحيدة، توقّفت للحظة، ثمّ جالت بنظرها حولها بعيون مشوشة.

ثمّ تحرّكت بخطى متثاقلة قليلًا إلى الجانب، وجلست على الأرض بلا قوّة.

-طقطقة، طق.

[هل أنتِ بخير، يا متعاقدتي… لا، يا تلميذتي؟]

-طقطقة.

[هل أنتِ بخير؟ لم تفقدي عقلكِ، أليس كذلك؟]

بدأت ليريوفي فجأة بقطف العشب أمامها دون سياق واضح.

ناداها أودر بقلق، لكنّ ليريوفي شعرت بذهنها مشوش بعض الشيء.

هذا النبات غنيّ بالماء، إذا قُشّرت طبقته الخارجيّة ووُضِع في الفم، سيساعد على تخفيف العطش.

يجب أن تُجهّزه بسرعة وتعطي واحدًا لكاليونا.

إذا جاعت، ستنخفض طاقتها، لذا يجب البحث عن شيء صالح للأكل في الجوار.

بدأت مجموعة جايد تتذمّر من الطعام مع اقترابهم من الهروب المنتظر من أراضي المنطقة الخارجيّة، لكن ليريوفي، بفضل خبرتها، كانت قادرة على تمييز النباتات غير السامّة بسهولة.

والآن، بعد الخروج من منطقة الأوم، أصبح البيئة مناسبة للنباتات والحيوانات، لذا لن يكون جمع الطعام صعبًا.

بالمناسبة، لو تستيقظ كاليونا اليوم أو غدًا، سيكون ذلك رائعًا.

يا ترى كيف حال كاسيل ودينو الآن، بعد أن افترقوا عند مدخل الكهف؟

بينما كانت تتحرّك يداها بلا هدف وأفكارها تتدفّق بعشوائيّة، اقترب منها فجأة شخص ما وقال:

“ماذا تفعلين هنا وحدكِ؟”

الفصول المتقدمة في قناة التلي الرابط بالتعليق المثبت