2. عودة الساحرة
“ليري، ماذا تفعلين؟”
فوجئت ليريوفي بصوتٍ اخترق أذنيها فجأة، فانتفضت واستعادت وعيها.
“لماذا أنتِ شاردة هكذا؟ هل أنتِ مريضة؟”
تألّقت عيناها البنفسجيّتان، اللتين كانتا مشوشتين، بنورٍ متلألئ. عاد النفس، الذي توقّف دون وعي، ليملأ رئتيها من جديد.
شعرت ليريوفي بدمٍ يتدفّق مجدّدًا في أطرافها المشلولة، فأغمضت عينيها الجافّتين ببطءٍ ثم فتحتهما.
‘ما هذا؟ لماذا أنا هنا…؟’
كان ضوء الثريّا المرصّعة بالجواهر أوّل ما لفت انتباهها.
على الطاولة أمامها، كانت هناك مزهريّة فاخرة، وشمعدان معدنيّ، وأصنافٌ من الحلويات التي يُحبّها الأطفال.
ومضت عينا ليريوفي المشدوهتين في ذهول.
كيف حدث هذا؟
كانت متأكّدة أنّها كانت في الغابة المظلمة تحت المطر الغزير، لكنّ المكان تحول فجأة إلى غرفةٍ دافئةٍ ومضيئة.
“هيّا، ليري! ما بكِ؟ ألا تسمعين كلامي؟ انظري إليّ.”
لكنّ المفاجأة لم تنتهِ بعد.
قبل أن تستعيد ليريوفي إحساسها بالواقع، شعرت بدفءٍ يلامس خدّها فجأة.
التفتت برأسها في ذهول، مدفوعةً بصوتٍ ولمسةٍ مألوفين بشكلٍ غريب.
“…كاليونا؟”
خرج صوتٌ مذهول من شفتيها المفتوحتين.
في مجال رؤيتها، ظهر وجه فتاةٍ صغيرةٍ تعلوها نظرة قلق.
شعرٌ أسودٌ كالأبنوس، وعينان بنفسجيّتان عميقتان كحبات العنب الناضجة.
كانت ملامحها الحادّة قد استدارت قليلًا، ووجهها النحيف لا يزال يحمل بقايا طفولةٍ، لكنّ وجه الفتاة كان مألوفًا جدًا لليريوفي.
وهذا طبيعيّ، فالفتاة لم تكن سوى كاليونا.
لكن الأمر غريب.
كاليونا… لقد ماتت بالتأكيد…
لا تزال ليريوفي تتذكّر بوضوحٍ ذلك الشعور المرعب عندما لامست جسدها البارد بأطراف أصابعها.
فكيف يمكن أن تكون كاليونا هنا، بهذا الشكل الطفوليّ، أمام عينيها؟
“آه… هل أحلم الآن؟”
“ماذا؟ حلم؟”
ضحكت كاليونا بخفّةٍ على تمتمة ليريوفي المذهولة التي فقدت إحساسها بالواقع.
“حسنًا، قد يبدو الأمر كحلمٍ مع هذه الأطعمة الرائعة. منذ متى أكلنا شيئًا بهذا اللذة؟ لكنّكِ تعانين من اضطراب المعدة بسهولة، فلا تتسرّعي. تناولي الحساء الدافئ ببطءٍ كي لا تُصابي بالتخمة.”
قرصت كاليونا أنف ليريوفي مازحةً، ثم عادت لتكمل طعامها.
كانت ابتسامةٌ رقيقةٌ تملأ وجه كاليونا الصغيرة وهي تقطّع الفطائر المحمّصة وتدهنها بالزبدة.
لم تكن الأختان وحدهما في قاعة الطعام الواسعة.
كانت الأجواء صاخبةً بأطفالٍ يلتهمون الأطعمة اللذيذة بنهمٍ.
كانت ليريوفي منشغلةً بمراقبة وجه كاليونا الجانبيّ، فلم تنتبه لشيءٍ آخر.
لم تكن تعرف إن كانت تحلم أو إن كانت قد وصلت إلى الجنّة، لكنّ رؤية أختها الميتة تتنفّس وتعيش أمامها كانت معجزةً بحدّ ذاتها.
“يا إلهي، انظري إلى هاتين الفتاتين تأكلان!”
لكن للأسف، لم يدم انفعال ليريوفي طويلًا.
“هاه، يظنّ المرء أنّهما أميرتان من مكانٍ ما. وهما مجرّد يتيمتين من الأحياء الفقيرة، تتظاهران بالرقيّ!”
فجأة، سخر فتى مجهول جالسٌ مقابل الطاولة بصوتٍ عالٍ، ثم رمى قطعة فطيرةٍ كان يأكلها بعنفٍ.
سقطت الفطيرة، بعدم حظّ، في وعاء الحساء أمام ليريوفي، فأحدثت فوضى في المكان.
“ليري! هل أنتِ بخير؟ يا فتى، ما الذي تفعله؟”
في لحظةٍ، شعرت ليريوفي بشيءٍ مألوفٍ بشكلٍ غريب، بينما أمسكت كاليونا يدها ووبّخت الفتى المقابل.
كان الفتى، الذي يبدو في الرابعة عشرة تقريبًا، ذا شعرٍ أحمر، وعمرٍ مشابهٍ لكاليونا، لكنّه لم يرمش بعينيه وهو يسخر من الأختين.
“يا للمتعجرفات! الكلّ مشغولٌ بملء بطنه، لكن إحداهما تتناول حساء الخضار بهدوءٍ كأنّها نبيلة، والأخرى تأكل قطعة خبزٍ بينما تمسك بالشوكة والسكّين بتكلّف! هه، يبدو أنّكما لم تشبعا بعد!”
“وما شأنك بكيفيّة أكلنا؟”
“كيف لا يعنيني؟ تصرّفاتكما المزعجة تقتل شهيّتي!”
أمسك الفتى رغيف خبزٍ جديد بيديه العاريتين، وقطّعه بنهمٍ متعمّدًا بطريقةٍ فوضويّة.
بدت كاليونا منزعجةً من تصرّفاته، لكنّها تجاهلته وهي لا تريد مواصلة النقاش، وتفحّصت ليريوفي.
“ليري، أعطيني يدكِ. انظري، لقد احمرّت!”
نظرت ليريوفي في صمتٍ إلى كاليونا وهي تمسح يدها التي تناثر عليها الحساء بمنديلٍ بعناية.
“يبدو أنّكِ احترقتِ قليلًا، هل تؤلمكِ؟ انتظري، سأبردها بالماء البارد.”
‘أختي… تهتمّ بي؟ أختي… تعاملني بلطفٍ كما في السابق.’
فجأة، اجتاحت ليريوفي شوقٌ جارف، فاحمرّت عيناها.
“حقًا؟ هل تبكين لأنّ بضع قطرات حساء تناثرت عليكِ؟”
“ليري بشرتها ضعيفة! انظر، أنتَ السبب في احمرارها!”
“هاهاهاها! لا يبدو ذلك واضحًا، أنتِ فقط تبالغين!”
لكن يبدو أنّ الفتى شعر بقليلٍ من القلقِ و الذنب، إذ ألقى نظرة خاطفة على ليريوفي.
حدّقت كاليونا فيه بنظرةٍ حادّة.
لكن… ما هذا؟
هذا الموقف، هذا الحوار.
شعرت ليريوفي، كما شعرت من قبل، بإحساسٍ غريبٍ بالألفة، كأنّه شيءٌ مرّت به من قبل.
“يا زعيم، تجاهل هؤلاء الفتيات وكُل بسرعة! الآخرون يلتهمون كلّ شيء، لم يبقَ سوى القليل من الخبز المحشوّ باللحم!”
حتّى صوت الصبيان الجالسين بجانب الفتى، وهما يحثّانه، أثار ذكرى غامضة في ذهن ليريوفي.
“لا بأس، سيقام بعد قليل ما يُسمّى بحفل الاستقبال. يقولون إنّه سيكون رائعًا، لذا فالتأكلوا الآن باعتدال.”
“حفل الاستقبال؟ يا زعيم، ما هذا؟”
“ألم تسمعي ما قاله الشخص الذي رافقنا إلى هنا؟ لا أعرف بالضبط، لكن يبدو أنّه نوع من الاحتفال بالترحيب. ربّما هم متحمّسون لأنّ شخصًا مثلي، ساحرٌ عظيمٌ في المستقبل، انضمّ إلى برج السحر الشماليّ!”
في تلك اللحظة، وكأنّ ماءً باردًا سُكب عليها، تجمّد وجه ليريوفي.
حفل الاستقبال.
برج السحر الشماليّ.
كلماتٌ لا يمكن تجاهلها خرجت من فم الفتى.
“هاه، فتى جاهل مثلك يملك المؤهّلات لدخول برج السحر؟ هذا محال! سيتّضح أنّهم أخطأوا وسيطردونك قريبًا!”
“ماذا؟ من قال ذلك؟ أنا كنت الزعيم في حيّنا! كنتُ الأذكى والأشهر!”
“أذكى؟ من يلعب دور زعيم الحيّ في هذا العمر يبدو طفوليًا!”
“لعبة؟ أسحبي كلامكِ هذا فورًا!”
بينما كانت كاليونا الصغيرة والفتى يتجادلان، رفعت ليريوفي رأسها بسرعة لتتفحّص المكان.
لم يمضِ وقتٌ طويل حتّى شعرت بقشعريرةٍ في ذراعيها وتصلّب رقبتها.
كان ديكور الغرفة مألوفًا بشكلٍ غريب. هذا المكان كان قاعة الطعام في الجزء الخارجيّ من برج السحر الشماليّ، حيث طُردت منه ليريوفي.
كان هذا المكان مخصّصًا لاستقبال الضيوف الجدد في البرج.
لم ترَ ليريوفي هذا المكان سوى مرّةٍ واحدةٍ في حياتها، يوم دخلت البرج ممسكةً بيد كاليونا، لكنّ تلك الذكرى لا تزال حيّةً في ذهنها.
كيف يمكن أن تنسى؟ لقد تذكّرت هذا اليوم مرارًا وتكرارًا، نادمةً عليه طوال حياتها.
‘لا… يجب أن نخرج من هنا فورًا.’
لم يكن هناك وقتٌ للتفكير أكثر. نهضت ليريوفي من مكانها بسرعة وسحبت كاليونا.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 2"