الفصل 17
“أوه، في صناديق الإمدادات التي يرسلها برج السحر دوريًّا، لا تحتوي فقط على الضروريّات، بل أحيانًا أشياء أخرى. نادرًا ما نجد ورقة عليها تلميحات كهذه.”
“هل رأيتِ هذه التلميحات بنفسكِ؟”
“لا، جايد يدير كلّ الإمدادات، لذا لم أرَها مباشرة.”
“حسنًا، فهمت.”
أغلقت ليريوفي فمها عند هذا الحد.
بدت ميلينا محرجة قليلاً لعدم تلقّيها الردّ المتوقّع من ليريوفي.
“أه… يمكنكِ سؤالي إذا كنتِ فضوليّة بشأن شيء آخر؟”
“لا يوجد شيء من هذا القبيل.”
“هيا، لا تكوني كذلك. لا بدّ أنّ هناك الكثير مما لا تعرفينه بعد، وبما أنّنا الآن رفاق حتّى الموت، سأخبركِ بكلّ ما أعرفه…”
“حقًا؟ إذن، كيف يناديكِ جايد؟”
“ماذا؟”
في اللحظة التالية، توقّفت ميلينا عندما التقت عيناها بعيني ليريوفي الباردتين كالزجاج.
“الطفل الذي مات للتو كان الرقم 27. أنا الرقم 28، وأختي 29. وأنتِ؟”
“أنا… الرقم 14.”
“لقد صمدتِ طويلاً. كما رأينا للتو، هل يتمّ ترتيب الجميع في المجموعة ليحصلوا على فرصة ملء عداد المانا عندما يموت أحدهم؟”
“نعم، صحيح! كان بإمكان جايد احتكار ذلك، لكنّه لا يفعل. يوزّع النقاط بعدالة على الجميع. بالطبع، سنغادر عبر المخرج، لكن للاحتياط…”
“إذن، هل يعطون أيضًا للأشخاص مثلكِ، الذين يُنادون بالأرقام، نفس الفرصة؟”
“هذا…”
“وسألتكِ من قبل أيضًا. هل يناديكِ جايد باسمكِ أم برقمكِ؟”
“جايد يناديني… الرقم 14.”
أظلمت ملامح ميلينا.
عندما صمتت ميلينا، التي كانت تتكلم بلا توقّف، خيّم الصمت على الجو.
أدارت ليريوفي رأسها كأنّها توقّعت ذلك.
“أرأيتِ؟ لا شيء آخر لأسأل عنه.”
بدت ميلينا وكأنّها أدركت أخيرًا شيئًا غير مريح، أو ربما لم تستطع خداع نفسها بعد الآن، فغرقت ملامحها في الكآبة.
“آه…”
لكن لم يكن عبثًا أن تظلّ ميلينا عالقةً في ذاكرة ليريوفي من حياتها السابقة.
“لكن، لمَ تسألين عن جايد كثيرًا؟ ألستِ معجبةً به حقًا…؟”
“لا أحبّه. هو لا يهمني. أعتقد أنّكِ وجايد الثنائيّ الأفضل في العالم. أنا أدعمكما. لذا، كوني قويّة.”
“ماذا؟! جايد وأنا نناسب بعضنا؟ أنا لا شيء مقارنةً به… آه أنتِ حقًا~!”
أخذت ميلينا تدير شعرها بخجل.
أغمضت ليريوفي عينيها متظاهرةً بالنعاس، بسبب التعب من التعامل معها.
بالتأكيد، لا يجب التعامل مع المجانين. كرّرت هذا الدرس في ذهنها.
* * *
كانت مجموعة جايد فعلاً سريعة الحركة.
أخذ جايد ليريوفي إلى الخارج مجدّدًا، وبحث في المنطقة، و هجم على مجموعةٍ أخرى من الأطفال بسرعة.
“هذا يخالف الاتّفاق السابق! ألم تقل إنّك لن تهاجمنا إذا قدّمنا حصّتنا من الطعام أسبوعيًّا؟”
“الأوضاع تغيّرت. من طلب منكم خيانتي أوّلاً؟”
“متى فعلنا…؟!”
من الحديث، بدا أنّهم ليسوا غرباء عن جايد.
كانت المجموعة المُهاجمة ثلاثة أفراد، ويبدو أنّ جايد تركهم بشروطٍ معيّنة بدلاً من استعبادهم.
بدَوا مظلومين جدًا بسبب اتهاماته.
“يا شقراء. ما قلتِه مختلف. مهما بحثنا، لا نجد الآخرين.”
تحدّث جايد كأنّ ليريوفي هي السبب في الهجوم، لكن في ذاكرتها من الماضي قبل عودتها بالزمن، كان هؤلاء الثلاثة أيضًا ضمن عبيد جايد.
لذا، كان من المؤكّد أنّه كان سيهاجمهم بذريعةٍ ما بكلِّ الحالات.
الآن، يريد جايد “تخزين” أكبر عدد ممكن من العبيد قبل الرحلة الطويلة.
“سنعود الآن. اجمعوا الغنائم جيّدًا.”
عاد أتباع جايد إلى المخبأ بعد تحقيق هدفهم الأوّلي.
“يا شقراء جرأتكِ تعجبني. لم نجد مبتدئين مفيدين مؤخرًا، لكن ربما سأناديكِ باسمكِ بدلاً من الرقم 28 قريبًا.”
كان مفاجئًا أن يطلق جايد هذا الهراء ويحرّر قيود ليريوفي مبكرًا.
“سنرى كيف تتصرّفين، فقد نقبلكِ رفيقةً لنا. لكن، بما أنّ أختكِ تحت سيطرتنا، لا تفعلي شيئًا غبيًّا.”
كان وجهه المبتسم بغيضًا، لكن حريّة أطرافها كانت أمرًا جيّدًا.
“حرّرونا نحن أيضًا!”
“لِمَ هي فقط؟! بالمناسبة، ماذا تقصد بكلامك لها؟ هل هي من افترى علينا؟!”
إذا كان هدف جايد جعل ليريوفي هدفًا للعبيد الجدد، فهذا سيكون مزعجًا.
“هذا سوء فهم. لقد وصلتُ اليوم فقط، فلِمَ أفتري عليكم؟”
“إذن، لِمَ هاجمنا جايد فجأة؟”
“كفى، توقّفوا! هي ليست السبب. ألم تروا ذلك الوغد يسخر منا؟”
لحسن الحظ، كان هناك شخصٌ عاقل على الأقل.
“من البداية، كان يعبث بنا كالدمى. كنتُ أعلم أنّ هذا اليوم سيأتي.”
هدأ الأطفال الآخرون عند سماع الصوت المتعب المليء بالإرهاق.
بينما كان صوت البكاء يعلو، أصبح مدخل الكهف فجأة صاخبًا.
“واه! أرنبٌ مخطّط!”
“ظننتُ أنّنا أكلنا كلّ ما حولنا منذ زمن، فمن أين وجدتموه؟ إنّه لا يتكاثر كثيرًا!”
“يا الهي، لحمٌ بعد وقتٍ طويل!”
جاءت مجموعة الصيد، التي ذهبت في اتّجاهٍ معاكس لفرقة البحث، بحيوانٍ غير ملوّث.
“جيّدٌ جدًا. سنعتني بأجسادنا قبل الرحلة.”
أثنى جايد عليهم بمزاجٍ جيّد.
بدأ يشوي الأرنب، الذي أُزيل دمه خارجًا، بسحر النار. و سرعان ما ملأت رائحة اللحم المشويّ الدهنيّ الكهف.
“لحم…”
“رائحة لذيذة…”
تعلّقت أنظار أطفال العبيد باللحم المشويّ كأنّهم مفتونون.
اختفى النحيب و البكاء، وحلّ مكانه صوت تساقط اللعاب.
“يا، هذه حصّة طعام اليوم!”
لكن، بشكلٍ مخيبٍ للآمال، لم يحصلوا حتّى على عظمة الأرنب.
“ما بال وجوهكم؟ كونوا شاكرين لأنّنا سمحنا لكم بشمِ رائحة اللحم. هذا طعام خاص، فكلوا كلّ شيء دون تذمّر. فهمتم؟”
كان الطعام في الأطباق الخشبيّة الخشنة عبارة عن نباتٍ يشبه الفطر الجاف، وثمارٍ حمراء على شكل هلال، وبعض ما يشبه حبوب الفاصولياء.
تصلّبت وجوه الأطفال عند رؤية الطعام، ليس فقط بسبب التفرقة في التوزيع.
“هذه الثمرة، أراها لأوّل مرّة.”
“نعم… لم نأكل مثلها من قبل.”
شرح أحد أطفال مجموعة جايد بابتسامةٍ ماكرة: “وجدناها أثناء البحث. لم يكن هناك حقل ثمارٍ بالأمس، لكنّه ظهر فجأة. هذا المكان بائس، لكن أحيانًا تحدث مثل هذه الأشياء. جربوها أوّلاً.”
[يا لهم من أوغاد حقيرين.]
وافقت ليريوفي على كلام الصوت في رأسها.
ارتفعت التوترات بين أطفال العبيد.
“…إذن، من يجرب هذه المرّة؟”
كانت الأنظار المتبادلة بينهم مليئة بالقلق والحذر.
التعليقات