لم يكن آرون يتوقّع أن يردّ كايين بهذه السهولة ، ولا أن يكون ردّه إيجابيًّا إلى هذا الحدّ ، ففتح عينيه بدهشة صامتة.
لكنّ دهشة آرون لم تتوقّف عند ذلك الحدّ.
“انتهى الجدول باكرًا فذهبتُ لمشاهدة المهرجان”
“……!”
‘ا ، المهرجان؟ السيّد بنفسه؟’
أليس هو الرجل الذي يمقت إضاعة الوقت أكثر من أيّ شيء آخر؟ امتلأت عينا آرون بالذهول.
استعر فضوله فاستمرّ في الحديث.
“إن كان المهرجان الذي أُقيم في ميناء فونيريا ، فهل هو مهرجان حاكمة البحر؟ يا له من مهرجان مشهور! لا بدّ أنّ الآنسة فريجيا أحبّته كثيرًا!”
حينها تعمّق ابتسام كايين.
و اتّسعت عينا آرون حتى كادتا تبرزان.
“أجل ، لقد أحبّته فعلًا”
وضع كايين الأوراق التي كان يطالعها و اتّكأ براحة على ظهر كرسيّه ، مبتسمًا ابتسامة خفيفة ، ثمّ قال بصوت بطيء: “و في النهاية أعلنت أنّها ستحميني طوال حياتها”
كانت الجملة محرّفة قليلًا عن الأصل ، لكنّ كايين رأى أنّها تعبّر عن المعنى ذاته.
غطّى آرون فمه بيده.
“يا إلهي! هذه جملة أشبه باعتراف زواج!”
“ماذا؟”
“أن تقول إنّك ستحمي أحدًا طوال حياتك! أليست هذه العبارة تُقال عادةً و أنت راكع على ركبة واحدة تقدّم الخاتم؟”
“هه. أيّ مبالغة هذه”
لكن رغم نبرته التي لامت آرون ، كان كايين يضحك.
تأمّله آرون بعينين ماكرتين.
‘هممم. هذا و هذا …’
يبدو أنّ السيّد أيضًا لا يخلو قلبه من المشاعر تجاه الآنسة فريجيا.
‘تحت ذريعة رحلة العمل ، رجعا و هما مفعمان بجوٍّ رومانسيّ واضح!’
لم يكن يظنّ أنّه سيعيش يومًا كهذا. عضّ آرون شفتَيه ليكتم ضحكته.
‘أليس السيّد على وشك أن يتزوّجها قريبًا ، إذًا؟’
طق—!
طَرقٌ خفيف على الباب.
“ادخل”
دخل أحد السحرة و وجهه متوتّر ، و قدّم تقريرًا إلى كايين.
و حين همّ بالمغادرة بعد إشارة من كايين ، همس للساحر آرون بصوت منخفض: “أمـم ، هل حدث أمر سيّء للآنسة السكرتيرة …؟”
“همـم؟ ماذا تعني؟”
“أعني ، أنّها …”
تردّد الساحر ثمّ قال بوجه حائر: “كانت تبكي”
“ماذا؟”
“ماذا قلت؟!”
قفز كايين من مكانه بعينين متّسعتين ، و ارتسمت الدهشة على وجه آرون كذلك.
أضاف الساحر سريعًا و قد ارتبك بسبب الاهتمام الشديد: “لذلك الجميع قلقون. لكن لم يجرؤ أحد على سؤالها ، فقد بدا وجهها سيّئًا للغاية …”
“لا يعقل. ما الذي يجعل موظفة في إجازة غدًا تبكي؟”
قال آرون بوجه حائر و هو يقلّب الأوراق التي أحضرها قبل قليل.
من بينها كان طلب إجازة فريجيا ، و عليه ختم قسم الموارد البشريّة بوضوح.
“أنظر ، سيّدي ، حصلت على الموافقة من الموارد البشريّة دون أيّ مشكلة ، لــــكن …”
تجمّدت نظرات كايين و آرون على زاوية الورقة.
[سبب الإجازة: لقاء زواج (مواعدة رسمية)]
“لـ ، لـقـاء زواج؟!”
ترنّح آرون من الصدمة.
“ما … ما هذا؟”
نظر غريزيًّا نحو كايين فتجمّد مكانه.
كانت حدقتا كايين المتّسعتان تحدّقان في الورقة ببرود مخيف.
قال آرون متلعثمًا و هو يراقب تعابير سيّده: “من ، من المؤكّد أنّ هناك خطأ ما. لا يمكن أن تذهب الآنسة فريجيا إلى لقاء زواج! ربّما الحبر تلطّخ أو شيء من هذا القبيل …”
لكن لا يوجد حبر في الدنيا يجعل كلمة “لقاء زواج” تظهر بالخطأ.
أطلق آرون عذرًا بائسًا و ملامحه على وشك البكاء ، بينما وجه كايين الذي كان دافئًا كأشعة الربيع قبل قليل صار باردًا كشتاء تهبّ عليه رياح الشمال.
“ماذااا؟ الآنسة السكرتيرة ستذهب غدًا إلى لقاء زواج؟!”
تمتم الساحر الغافل بدهشة.
“لماذا؟ أليس السيّد كايين موجودًا؟ لماذا تلتقي برجل آخر …؟”
“هذا ما أقوله أنا أيضًا! لقد وعدت بأن تحمي السيّد طوال حياتها ، لا يمكن أن تفعل ذلك! بالتأكيد ثمّة خطأ!”
“أوه ، قالت شيئًا رومانسيًّا كهذا؟ إذًا لا بدّ أنّ لديها سببًا خفيًّا … آه!”
اتّسعت عينا الساحر فجأة.
“تذكّرت! سمعتُ الآنسة فيوليت تقول للآنسة لونا إنّه إن أرادت إنجاب وريث في المستقبل فلا بدّ من الزواج …”
“ماذا قلت؟!”
فغر آرون فمه على وسعه.
و في رأسه بدأت قطع الأحجية تتجمّع بسرعة.
‘أنا أحبّ السيّد الدوق كثيرًا’
فريجيا تنظر إلى ظهر كايين متورّدة الخدّين.
‘لكن من المستحيل واقعيًّا أن أتزوّج بالدوق. لذا إن أردتُ إنجاب وريث يواصل العائلة ، فعليّ الزواج برجلٍ عاديّ …’
تتأمّل منزل والديها الذي استعادته أخيرًا و تُحكم قرارها.
‘لذا ، عليّ أن أطوي مشاعري تجاه السيّد الدوق … هيه ، يا لي من حمقاء. أحبّ حبًّا لا يمكن تحقيقه’
و هكذا ، تقرّر الزواج من رجل لا تحبّه ، و دموعها في عينيها!
تنفّس آرون تنهيدة طويلة و قد اكتملت الأحجية في ذهنه.
“يا للعجب ، الآنسة فريجيا …!”
“الآنسة السكرتيرة …!”
و كذلك الساحر بجانبه ، فقد وصل إلى الاستنتاج ذاته و دمعت عيناه.
‘يا للأسف ، مسكينتنا فريجيا … كيف وقعت في حبّ رجلٍ بارد المشاعر كهذا!’
نظر آرون إلى كايين مباشرة و قال بتأكيد متعمّد: “يا إلهي! إن استمرّ الأمر هكذا ، فستتزوّج الآنسة فريجيا رجلًا آخر بالفعل!”
“إ ، إن كنتُ أنا الرجل الذي ستلتقيه ، فسأقبل بها فورًا! يا ترى كم يجب أن أقدّم كهدية زواج؟!”
قال الساحر بدوره و هو يرمق كايين بحذر.
دوّى صوت ارتطام عنيف!
كان كايين الساكن كتمثال قد ضرب المكتب فجأة.
“هاااه!”
“يا إلهي!”
استدار كايين بعينين متوهّجتين نحو آرون.
“أين هي الآن؟”
“لـ ، لقد غادرت من غرفة الأرشيف فور انتهاء دوامها”
ذلك الزواج اللعين ، يبدو أنّها مصمّمة عليه فعلًا.
صرّ كايين على أسنانه و هو يتذكّر فريجيا.
زواج الساحرات يعني الاستقالة شبه المؤكّدة.
و هذا سيشكّل مشكلة كبيرة.
فريجيا تحتاج إلى زوج ، و أنا أحتاج إلى سكرتيرة تبقى معي مدى الحياة.
منطقه الصارم أو ربّما قفزته المنطقيّة أوصلته إلى قرار نهائي.
“قلتَ إنّها أخذت إجازة غدًا ، أليس كذلك؟”
“نـ ، نـعم!”
“إلغِ جدول الغد بالكامل”
قال كايين بصوتٍ حادّ كالنصل: “ألغِه كلّه”
“أ ، أمرُك!”
هزّ آرون رأسه بسرعة و قد اتّسعت عيناه.
***
‘آه ، عينيّ تؤلمني’
أغمضتُ عينيّ مرارًا و أنا أرمش بشدّة. فمهما مسحتُ ، استمرّت الدموع بالانهمار.
‘من كان يظنّ أنّ لديّ حساسيّة من أزهار الليسيانشوس …’
كانت لونا قد أحضرت لي باقة منها كهدية أثناء زيارتها لي ، و كانت جميلة جدًّا لدرجة أنّي وضعتُ بعضها على مكتبي.
و كان ذلك أصل البلاء.
إذ تسبّبت الحساسيّة التي لم أكن أعلم بها من قبل في حرقة عينيّ و انهمار دموعي بلا توقّف.
و حين أدركت السبب و أبعدت الأزهار ، كان الأوان قد فات.
“آه ، تحرقني عيناي”
يجب أن أضع كمّادات باردة حالما أصل إلى البيت. أشعر بأنّ عينيّ منتفختان تمامًا.
‘هل سيرفضني السيّد هنري حين يراني بهذا الشكل؟’
و بينما أفكّر في ذلك ، أسرعتُ الخطى عائدةً إلى المنزل.
***
في صباح اليوم التالي ، مع بزوغ الفجر الأبيض—
“كخ ، كخ … أشرب كثيرًا”
كان فيليكس غارقًا مجدّدًا في السَكر.
قبل أيّام ، التقى سرًّا بساحر أسود تابع لنقابة الظلام.
‘اللعنة. كيف تجرؤ على المجيء إلى هنا؟ بسبب حماقتك كدنا نُفتَضح جميعًا!’
‘أعذرني ، أرجوك أعطني فرصة أخيرة! تلك اللعينة استنزفتْ كلّ طاقتي السحريّة. لكن أنتم يمكنكم مساعدتي ، أليس كذلك؟’
جثا راكعًا يتوسّل بذلّ.
تأمّله الساحر الأسود بنظرات باردة ثمّ قال باقتضاب: “خمسة ملايين ذهبة”
“ماذا؟!”
“تبرّع بخمسة ملايين ذهبة ، و سنوسّع مجرى المانا لديك توسيعًا استثنائيًّا”
“ماذااا؟!”
صُدم فيليكس.
“خمسة ملايين؟ من أين لي أن أحصل على مثل هذا المبلغ؟!”
“إن لم يكن لديك ، فاخرج من هنا. نحن لا نتعامل مع المتسوّلين”
“انتظر! أرجوك!”
قال و هو يرتجف متوسّلًا: “سأوفّر المال بطريقةٍ ما ، فقط ساعدني … أرجوك!”
“سنتحدّث حين تحضر التبرّع”
“مهلًا! أرجوك انتظر!”
لكن مهما طرق الباب ، لم يُفتح مجدّدًا.
‘اللعنة … جشعهم لا حدود له’
خمسة ملايين ذهبة؟
من أين له بهذا المبلغ؟
عاد فيليكس إلى غرقه في الشراب.
“اللعنة … هق”
في أيّ لحظة بدأ كلّ شيء يسوء إلى هذا الحدّ؟
‘… حفل تخرّج الأكاديميّة’
صحيح.
منذ أن كشفت لورينا لفريجيا عن حملها ، بدأ كلّ شيء ينهار تدريجيًّا.
التعليقات لهذا الفصل " 71"