أطلقتُ تنهيدة طويلة وأنا أفكر في حفل عيد التأسيس الذي سيقام غدًا.
لم تكن الفساتين التي سأرتديها في الحفل، أو المجوهرات، أو حتى لفت الأنظار هي ما يهمّني من الأساس.
كل ما كان يشغل بالي هو الأشخاص الذين سألتقي بهم هناك، وكيف سأبدو في أعينهم.
ماذا سيقول النبلاء عندما يرونني إلى جانب الأمير ريموند ، وأنا التي لا أتناسب معه ولو بمقدار ذرة؟
على الرغم من وعدي بمسايرة خطط الأميرة يوري، بدأت أشعر بالتردد والشك: هل هذا حقًا جيد؟
وأكثر من ذلك… كانت الحقيقة التي تُثقل قدميّ هي أن ذلك الشخص سيكون بالتأكيد من بين الحاضرين في الحفل.
كنتُ خائفة من مواجهته.
خائفة من أن أجد نفسي أتبعه بعينيّ دون وعي.
خائفة من أن أقترب منه بحماقة وتعلّق.
خائفة من أن أجد نفسي أتمسك به.
شخص واحد أشتاق إليه حتى الموت، لكن في الوقت نفسه، لا أريد رؤيته حتى الموت.
“أختي، هذه المرة جربي هذا!”
أعادني صوت الأميرة يوري، التي صاحت بثقة وكأنها تقول “هذه المرة هي الأصح!”، إلى الواقع.
هززتُ رأسي لأتخلّص من أفكاري الغارقة، ثم فصلتُ ظهري عن الحائط وسارت قدماي المتعثرة نحوها.
عندما اقتربتُ، رأيتُ الفستان الذي اختارته هذه المرة: فستان أخضر يذكّر بملكة من عالم الجنيات.
كان مزيّنًا بالعديد من الجواهر الصغيرة، مما جعلني أشعر على الفور أنه سيكون ثقيلًا وصعب الارتداء والخلع.
قلقي بشأن الحفل كان مسألة مؤجلة.
الآن… كان عليّ أولاً أن أتجاوز هذا العذاب الذي أسميته “جحيم الفساتين”.
* * *
طقطقة.
صدر صوت من قلادة أستيل التي كنتُ أمسكها بكلتا يديّ.
كأن هذا الصوت كان إشارة، فتحت آريا عينيها المغلقتين ورفعت بصرها.
رأت تمثال حاكمة سيلين، الذي كان ينحني نحوها.
حاكمة سيلين، التي اختارت الصمت الأبدي بعيون مغلقة.
كل من يراها يُغرقها بالمديح والأوصاف الرنانة، لكن عينيها الزرقاوين كانتا تحدقان بها بصمت، ثم أطرقت رأسها مجددًا.
تبع ذلك تدفق خصلات شعرها الفضية كخيوط فضية، حتى هذه الحركة البسيطة بدت مليئة بالنبل والرقي.
لم يكن جمالها الخارق، الذي يُوصف بأنه تجسيد للحاكمة سيلين، هو الوحيد الذي يُضفي عليها هذا السحر، بل كانت هالتها الغامضة تُكمل هذا الانطباع.
كانت آريا القديسة، التي لا نقص فيها لتكون ممثلة حاكمة سيلين على الأرض، كما يصفها الجميع.
كانت آريا تُصلي بهدوء أمام تمثال حاكمة، الذي وضعته مؤقتًا في غرفتها.
كانت غرفتها، التي وفرتها إمبراطورية كاجيس، واسعة بشكل مبالغ فيه، حتى أن التمثال بحجم قامتها بدا صغيرًا في هذا الفضاء.
بما أنها طلبت أن تُترك بمفردها لفترة، استطاعت آريا أن تُصلي بهدوء وتغرق في أفكارها العميقة.
“إذن، سمو الأمير الثاني سيعقد زواجه الملكي أخيرًا؟”
فتحت آريا عينيها ببطء عندما سمعت أصواتًا خافتة تأتي من خلف الباب المغلق.
“لكن أن تكون الطرف الآخر ابنة فيكونت، أليس هذا متدنيًا جدًا؟ هل هذا صحيح؟”
“ألم ترَ موكب العربات من أفضل التجار في الإمبراطورية؟ يقال إنها كلها فساتين ومجوهرات لخطيبة الأمير الثاني.”
“يا إلهي، مذهل! هل صحيح أيضًا أنهم أدخلوها القصر بالفعل قبل الزواج الملكي؟”
“نعم، يُشاع أنها تقيم مع الأميرة يوري في جناحها.”
“إذن يمكننا اعتبار الأمر مؤكدًا.”
طقطقة.
صدر صوت آخر من قلادة أستيل بسبب قبضتي التي شدّت دون وعي.
تحولت عينا آريا من التمثال إلى النافذة الضخمة خلفه.
من خلال النافذة، امتدت أمامها قصور الإمبراطورية كاجيس، ملأت مجال رؤيتها.
“ريموند أليك كاجيس.”
بعد أن تأملت المنظر لفترة، همست آريا باسم كان يدور في ذهنها، متحركة شفتيها ببطء.
طق!
وضعت قلادة أستيل التي كانت تمسكها على الأرض كما لو كانت قطعة شطرنج، وتقلّصت عيناها بشراسة.
* * *
كانت هناك امرأة غريبة في المرآة.
بشرة بيضاء نقية خالية من أي عيب، عينان كبيرتان وأنف مرتفع، وشفتان حمراء ممتلئتان.
شعرها الطويل تم رفعه نصفه بأناقة، مما أضفى جوًا من الرقي.
الفستان الأخضر الذي يكشف عن كتفيها قليلًا كان يتناغم بشكل مثالي مع بشرتها البيضاء، مما جعلها تبدو أكثر تألقًا في المرآة.
المجوهرات ذات الحجم المناسب أدّت دورها بامتياز، مضيفة إلى إشراقها.
كانت المرأة أمامي جميلة.
جميلة لدرجة لا يمكنني تصديق أنها كلير هيذر التي أعرفها.
حتى وأنا أنظر بعينيّ، لم أستطع تصديق ذلك بسهولة، فحدّقتُ في المرأة في المرآة بلا توقف.
نظرتُ ونظرتُ، بل ولمستُ المرآة بنفسي.
الفستان، المكياج، الشعر، وحتى أصغر قطعة من المجوهرات، كلها كانت من اختيار الأميرة يوري.
صحيح أن رئيسة الخادمات والأمير رويانت قدّما بعض الاقتراحات، لكن الأساس كله كان من عملها.
كانت الأميرة يوري مصرّة منذ البداية على أن أكون الأجمل في الحفل.
اليوم، يوم حفل عيد التأسيس، استدعت منذ الصباح الباكر الكثير من الخادمات لتزييني وتجميلي بعناية فائقة.
لكن الأمور أصبحت أكثر جدية عندما قال الأمير رويانت شيئًا عن أن هذا قد يكون ظهوري الأول في المجتمع الراقي.
الحدث الحاسم كان عندما أعلنت الأميرة يوري أنها ستعطيني قلادة <دموع الحورية>، التي تلقتها كهدية عيد ميلادها العام الماضي.
كانت تلك القلادة، التي صُنعت كآخر أعمال الحرفي الشهير شويل من الأقزام، واشتهرت في القارة بأسرها، ذات قيمة فلكية.
لكن الأهم من ذلك، أنها كانت هدية من الإمبراطور للأميرة يوري في عيد ميلادها الرابع عشر، مما جعلها ذات معنى خاص.
بطبيعة الحال، تسبب هذا الإعلان في ضجة كبيرة.
لحسن الحظ، تم حل المسألة بتدخل رئيسة الخادمات والأمير رويانت ، لكن حتى الآن، مجرد التفكير في تلك اللحظة يجعلني أتعرّق باردًا.
“أختي، هل انتهيتِ بعد؟”
“اختي الكبيره ، أريد رؤيتكِ!”
سمعتُ طرقًا خفيفًا على الباب، يتبعه صوت الأخوين يتحدثان معًا كجوقة.
التفتُ نحو الباب تلقائيًا وابتلعتُ أنفاسي المتوترة.
كنتُ قد أرسلتُ الخادمات اللواتي ساعدنني في ارتداء الفستان، وبقيتُ وحدي لأهيئ نفسي نفسيًا.
في نظري، كان هذا أجمل مظهر لي على الإطلاق، لكنني لم أكن متأكدة من رأي الآخرين، فترددتُ.
خاصة أن الأميرة يوري نفسها، وكل من حولها، كانوا جميلين بشكل مدهش، مما زاد من قلقي.
كنتُ أخشى أنه إذا خرجتُ ورأيتُ ابتسامات متكلفة تقول “إنكِ جميلة”، سأرغب في الاختباء مجددًا في غرفة الملابس.
لكنني لم أستطع إبقاء الجميع ينتظرون إلى الأبد، فأخذتُ نفسًا عميقًا وخطوتُ إلى الأمام.
طق طق طق.
أضاف صوت كعب حذائي، الذي يتردد في الفضاء، إلى توتري.
توقفتُ أمام الباب، مترددة في لمس المقبض، ثم فتحتُ الباب أخيرًا.
خلف الباب كانت غرفة الأميرة يوري.
كانت الأميرة يوري والأمير آلين يقفان بالقرب من الباب ينتظرانني.
وخلفهما، كان الأمير رويانت يرفع
حاجبًا وينظر إليّ باهتمام.
“اختي الكبيره ، أنتِ جميلة جدًا جدًا!”
كان الأمير آلين أول من تفاعل.
ربما لأنه كان قلقًا من إفساد فستاني، لم يقترب ليعانقني، بل وقف على مسافة وقفز صائحًا بحماس.
كان الأمير آلين قد أكمل تحضيراته للحفل أيضًا.
شعره الذهبي المجعد تم تصفيفه للخلف بعناية، وبدلته الرسمية جعلته يبدو وسيمًا ولطيفًا ومحببًا.
“أنتِ الأجمل في العالم!”
“شكرًا، سمو الأمير الرابع.”
لم يبدُ وكأنه يكذب، فشكرته بخجل.
“هيك.”
لكن قبل أن أطمئن، بدأت الأميرة يوري، التي كانت تحدّق بي ببلاهة، فجأة بالبكاء.
كانت دموعها تنهمر رغم مكياجها الخفيف.
“هيك هيك، لقد فعلتُ الصواب باختيار الفستان بعناية. أختي هي الأجمل في العالم.”
“أختي، لا تبكي.”
اقتربتُ أنا والأمير آلين لتهدئتها، فبدت تهدأ قليلًا وهي تشهق .
“أختي كانت جميلة دائمًا، لكنها اليوم جميلة بشكل لا يُصدق. لذا كوني واثقة! أعرف أن شخصيتكِ قد تجعلكِ تخشين أن تبدي غريبة أو محرجة، لذا أقول لكِ هذا مسبقًا! هل فهمتِ؟”
لم أفهم تمامًا ما تعنيه، لكنني ابتسمتُ بخجل مرة أخرى عندما رأيتها ترفع إبهامها بحماس.
فكرتُ أنها أحيانًا تعرفني أكثر مما أعرف نفسي، وهذا أمر عجيب.
“كما قالت يوري، أنا واثق أنكِ ستكونين الأجمل بين النساء في الحفل اليوم، آنسة هيذر.”
اقترب الأمير رويانت وتحدث مبتسمًا.
لم يبدُ تعبيره متكلفًا، مما جعلني أشعر براحة أكبر.
“شكرًا لكما.”
شكرتهما من قلبي، ورسمتُ ابتسامة أكثر راحة.
“ماذا لو أغمي على الأخ الثاني لأن أختي جميلة جدًا؟”
“هه، حتى لو كان كذلك، لا أظن أن أخي سيفعل.”
“ماذا؟ هل تقصد أن أختي ليست جميلة بما فيه الكفاية الآن؟”
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 25"