ظروف الشريرة (2)
كانت سيلفي قد اعتادت على تصرفاتي الغريبة، فلم تعرها اهتمامًا ودفعت نحوّي كوبًا من شاي اللافندر.
“اليوم يجب أن تحضري الحفل الملكي بعد الظهر. من الأفضل أن تضعي قناعًا للوجه، وتستلقي للحصول على بعض الراحة.”
“أوه… هل تظنين أن لديّ هذا الوقت من الفراغ؟”
دفعت شاي اللافندر بعيدًا، وأخذت رشفة من فنجان القهوة الباردة القريبة.
“يا إلهي، إنه مقزز.”
طلبتُ قهوة قوية لتوقظني، فأحضروا لي شيئًا لا يُشرب.
لكن حقًا استيقظت. ارتشفت القهوة متجهمة، وعيناي مشغولتان في تفحص الأوراق المنتشرة على المكتب.
بصوت مفعم بالكآبة، اقترحت سيلفي.
“ربما من الأفضل تأجيل العمل لبعض الوقت…”
“إذا أجلتُه، سيصبح عمل الغد ويعود إليّ مجددًا.”
“حسنًا، يمكنك تأجيله مجددًا إلى الغد.”
“…هل اعتنقتِ ديانة غريبة دون علمي؟”
“إنني فقط أقدّم لك نصيحة منطقية.”
يبدو كأنها قد وقعت في ديانة غريبة تؤمن بالاعتماد على ‘أنا’ في الغد.
من تجربتي السابقة في العمل، أدركتُ أن نفسي في الغد أقل موثوقية بكثير من نفسي الآن. الاعتماد عليه سيجعل الحياة صعبة حقًا.
“المسألة أن هذه الأوراق مهمة للغاية. سأقوم بمراجعتها فقط، ثم أستعد.”
عند ردي، زفرت سيلفي تنهيدة عميقة.
“أعلم أنكِ قلتِ ذلك البارحة أيضًا، وسهرتِ حتى وقت متأخر.”
“ماذا؟ كيف عرفتِ ذلك؟”
لقد اختبأت البارحة واشتغلت بعيدًا عن أنظار الجميع لتجنب إزعاجهم، لكن للأسف انطفأ الضوء فجأة، فلم أتمكن من إنهاء العمل.
ضيقت عيناي ونظرت إلى سيلفي.
“لا تقولي أنكِ أطفأتِ الأنوار عمدًا؟”
“…”
تهربت سيلفي بنظرها بعيدًا، وكانت تلك إشارة ضمنية تؤكد الأمر.
“أوه، حقًا!”
ضحكتُ بخفة من شدة الاستغراب، وعندها اقتربت مني سيلفي ودفعت خدها نحوي.
“إذا كنتِ غاضبة، يمكنكِ ضربي.”
“لن أفعل ذلك، لا أشعر بالغضب منكِ على الإطلاق.”
“لكنني أفضل أن تضربيني بالسوط.”
“ليس لديّ تلك الهوايات الغريبة!”
سوط؟ ما هذا الطلب الغريب! دفعتُ سيلفي بعيدًا.
“اخرجي من هنا! بسببكِ لا أستطيع التركيز ويزداد العمل تأخرًا.”
بعد إخراجها، عدتُ إلى عملي، لكن سيلفي كانت تظهر بين الحين والآخر.
“آنستي، يجب أن تأخذي قسطًا من الراحة ولو قليلًا.”
“دعيني أنتهي فقط من هذا الجزء.”
“آنستي، حتى إن لم تستطيعي أخذ قسط من الراحة، عليكِ التحضير للحفل الملكي.”
“انتظري، دعيني أنتهي من هذا.”
“آنستي، لقد حضر سمو الأمير ليصطحبكِ. لكن السيد بنجامين قد اعترض على سموه، مصرًا على أن يكون هو رفيقكِ، ويحتاج الأمر أن تتدخلي وتوقفيه…”
“لا، لا، لا. انتظري قليلًا، أرجوكِ!”
لكن إلى متى استمر هذا الوضع؟
لم تكن سيلفي هي من أيقظتني، بل شابة لم أرها من قبل، تزينت بمجوهرات لامعة تكاد تعمي العينين.
“هل تتجاهلينني الآن، يا آنسة جولدوردي!”
“عذرًا؟”
رمشتُ بعيني بارتباك، ورفعت يدي بشكل عفوي لأمسح زاوية فمي. عادةً بعد قيلولة قصيرة، أتحقق دائمًا تحسبًا لأني قد أكون قد سال لعابي.
‘يا إلهي، يبدو أنني غفوت قليلاً.’
كل شيء بدا غريبًا. الثريات الكريستالية البراقة، الأشخاص المتأنقون في ملابسهم الحريرية الملونة، والموسيقى الهادئة التي تنساب في الأجواء.
“‘لحظة، موسيقى؟’
في منزلنا، تُمنع الموسيقى الهادئة أثناء العمل حتى لا نشعر بالنعاس.
‘كنت بالتأكيد أعمل… فكيف وصلت إلى هنا؟’
بدأتُ ألتفت حولي بارتباك، ثم نطقت بكلمات لا معنى لها.
“عما كنا نتحدث؟ هل كان عن خادمتي التي تطلب أن أضربها بالسوط عندما تخطئ؟”
شحب وجه الفتاة النبيلة التي أمامي.
“يا للعجب، عن ماذا تتحدثين الآن؟!”
“آه، أنا آسفة، يبدو أنني لم أستيقظ بالكامل بعد، أجد صعوبة في متابعة الموضوع. فهل يمكنكِ تذكيري بما كنا نتحدث عنه؟”
ارتجفت الفتاة واستدارت مبتعدة وهي تهرب مذعورة.
نظرتُ حولي في حيرة ثم التفت إلى جانبي.
‘أليس من المفترض أن يرافقني في هذه الأمسية خطيبي الأمير أدولف؟’
ولكن اليد التي كانت تمسك بي كانت يد أخي العزيز بنجامين. لم أجد بُدًا من أن أسأله.
“هل قلت شيئًا خاطئًا، بنجامين؟”
أجابني بنبرة صارمة كضابطٍ عسكري.
“أنتِ دائمًا مثالية، يا أختي.”
كانت نظرته المتوهجة تشبه نظرة نقيب يحدق بإعجاب نحو قائده، كأنه لا يمكن أن يقول كلمة سوء عني.
‘… حسنًا، ومع من سأتحدث إذن؟’
تنهدت بعمق، وقد بدأت أشعر بألم في جانبي رأسي نتيجة الاستيقاظ المفاجئ من غفوتي.
‘لا بأس، ماذا قد يحدث؟’
لم أعد أملك الطاقة للاستفسار أكثر، فاكتفيت بالتثاؤب.
وفي اليوم التالي…
لسببٍ ما، أصبحتُ شريرة الإمبراطورية، تلك التي تلهو بضرب الخادمات وتطرد الأمير بلا تردد.
***
إلى ناناري، الفتاة التي من المتوقع أن تُسجل في تاريخ الإمبراطورية كأول فتاة قد تموت من الضحكِ.
لم أكن أعلم أنكِ كنتِ شخصًا بهذا القدر من الفراغ. لم أتوقع أبدًا أن تملئي صفحة كاملة من الورق بـ (ضحكة)، وتكتبينها بنفسكِ.
إنه لشرف لي أن تجدِ كل تلك الأمور المتعلقة بأعظم شريرة في مجتمعنا مليئة بالمتعة.
ولكن، أليس من المخيف أن تضحكي هكذا علنًا، ثم بعد ذلك تجدين نفسكِ تتلقين ضربات السوط من تلك الشريرة في المجتمع؟
سمعت، يُقال إنني حاولت ضرب الأمير باستخدام السوط أيضًا، لكن تم منعي في اللحظة الأخيرة.
ربما يتعين عليَّ أن أتمرن على ضرب السوط، من أجل الوفاء بتوقعات الجميع.
وفي الصفحة التالية التي كانت مليئة ببعض الكلمات التي تبدو وكأنها تعبير عن قلقكِ عليّ بعدما أصبحَت حالتي في المجتمع أسوأ.
هل بدأتي تندمين وتقومين بتظاهر اللطف بعد أن ضحكتِ على قلبي؟
صدقيني، لن يبدو الأمر حقيقيًا إذا قلقتِ عليّ بعد أن ضحكتِ على هذا النحو.
على أي حال، لم يكن الوضع بالنسبة لي سيئًا.
كان كله بفضل تعليق سيلفي على السوط. بسبب ذلك، كنت أستطيع تناول الكثير من الشوكولاتة مع المارشميلو، وهو أمر كان ممنوعًا عليَّ عادة.
وبالحديث عن الشوكولاتة مع المارشميلو، تذكرتُ أول مرة التقيتُ فيها بناناري في الحفل.
في طفولتكِ، كنتِ حقًا لطيفة جدًا.
اقتربتِ مني فجأة وقالتِ إنكِ ظننتِني كائنًا خرافيًا، أو قلتِ كم كنتِ جميلة، وكان كلامكِ صريحًا ولطيفًا.
لكن، ما الذي جعلكِ تصبحين هكذا؟
***
في أول مرة قابلتِ فيها ناناري دارين كانت في الحفل الذي أُقيم في حديقة منزل عائلتها.
أجداد عائلة دارين ساعدوا في تأسيس المملكة، ولذلك يُعتبر أفراد هذه العائلة في الإمبراطورية موضع احترام وتقدير.
لكنني لم أكن أشارك الآخرين نفس النظرة.
‘ابن هذه العائلة قد تحول إلى تنين ودمَّر العاصمة.’
كيف لي أن أكن مثل الآخرين وأبدي إعجابًا؟
بالتأكيد لا.
في الواقع، لم أكن أرغب حتى في الاقتراب من عائلة دارين أو أي حدث مرتبط بها.
لكنني تحملتُ خوفي وجئتُ إلى هنا لسبب واحد فقط.
‘إذا درستَ عدوك ودرستَ نفسك، ستنتصر في كل معركة.’
الشرير الذي سيدمر هذه الإمبراطورية، كارل دارين.
لابد لي من معرفة من هو هذا الشخص حتى لا أضغط على الزر الذي يؤدي إلى انفجاره.
وكان لدي فضول، كيف يبدو نسل التنين الحقيقي؟ ولكن، في النهاية، لم أحصل على أي نتيجة.
‘كان يبدو عاديًا أكثر مما سمعت.’
فكرت وأنا ألوح بالمروحة في يدي.
‘قالوا إنهُ من نسل التنين، فكنت أعتقد أنهُ يعيش في كهف أو شيء من هذا القبيل.’
أو ربما كانت الجدران مغطاة بالذهب حتى يصل إلى السقف. لكن قصر عائلة دارين لم يكن مختلفًا عن أي قصر نبيل آخر.
‘في الواقع، قصر عائلة جولدوردي يبدو أكثر لمعانًا.’
هل كان أسلافنا غربانًا؟ لأن أحفادهم كانوا يجنون من اللمعان. المال، ثم المال، ثم المال.
بفضل أسلافنا الذين دخلوا في كل عمل مربح، أصبح الأحفاد يعيشون تحت ضغط العمل يومًا بعد يوم.
بل وأصبحوا، بحكم الطمع، عالقين في دوامة لا نهاية لها، غير قادرين على تنظيم شيء، ويعملون بلا توقف.
‘لكن أين هو كارل دارين؟ كان من الأفضل لي أن أعود إلى المنزل واوقع الأوراق المتأخرة.’
في ذلك الوقت، كنت في العاشرة من عمري، لكنني كنت بالفعل أؤدي دور شخص بالغ.
في البداية كان والدي يحاول منعي بحجة “إساءة معاملة الأطفال”، لكنه الآن أصبح يثق بي تمامًا.
‘ربما هو الآن يرغب في طلب يد مساعدة من أي شخص، حتى لو كان مجرد قطة…’
ما هي القطة؟ إذا كان هناك شيء يمكن أن تفعله الحيوانات، فبالتأكيد كان سيجلس الكلب أو الحصان أو البقر ليقوم بالعمل نيابة عنه.
على أي حال، لم يكن هناك شيء مميز في الحفل.
ومع ذلك، حرصت على أن لا أضيع هذا الوقت عبثًا، فوجدت قيمة في زيارتي لهذا المكان على طريقتي الخاصة.
وكانت تلك القيمة…
التعليقات لهذا الفصل " 3"
👏🙆🌷