سمعتُ كثيراً عن سمعته الجبّارة، لكنني لم أره بنفسي قطّ بسبب انشغالي الدائم بالوثائق. وفي الحقيقة، كنت أظنّ أنّ الأمر مُبالغٌ فيه إلى حدٍّ ما.
‘فها هو وليّ العهد أدولف، ما إن يخرج إلى العلن حتى تُلصق به ألقاب مثل: الأمير الذهبي، ووريث العرش المثالي… بينما الحقيقة أنّي أعرفه مجرد أحمق بائس.’
ولهذا ظننتُ أنّ شهرة “كال دراين” أيضاً مبالغ فيها، لكن عندما رأيتُ سيلفي متوتّرة هكذا، أدركتُ أن الأمر ليس مبالغة على ما يبدو.
فركتُ عينيّ، وحدّقتُ في ذلك الرجل الضخم القامة الذي يرتدي مريولاً زهرياً ويغسل الصحون. ومع أنني كنت أعرف حقيقة هويّته… إلا أنّه لم يُشعرني ولو قليلاً بأنه شخص بهذه الخطورة.
بل على العكس، بالنسبة لي هو…
“فكّري به كأنّه تمثال جديد جلبناه للمنزل. ومهما سمعتِ هنا، لن تتسرّب كلمة إلى الخارج.”
عند إجابتي الحاسمة، حدّقت سيلفي بي بذهول.
“آنسة فيفي؟! هل تبدّلت روحكِ وأنا غائبة؟ لستِ من تتصرف هكذا عادةً.”
كلامها صحيح. لكثرة الوثائق المهمّة التي كانت تمرّ بين يديّ في منزل العائلة، لم أكن أثق بأحد.
“الحياة مليئة بالأمور غير المتوقعة.”
أجبتها بارتخاء. ففي النهاية، أسرار هذا المقهى لا تتجاوز حقيقة أنني أفضل الأرز على الخبز، وأن خادمتي تسافر بين الحين والآخر إلى المملكة الشمالية لجلبه لي.
“هاه! لو سمع أبناء النقابة هذا الكلام لجنّ جنونهم. كلهم يعملون ليل نهار فقط لينالوا ثقتك يا آنسة بيبي.”
“وأيّ داعٍ لكل ذلك؟ قومي بإخبارهم أن يستمتعوا بحياتهم، فهي لا تُعاش إلا مرة واحدة.”
“وهل أنتِ من يجب أن يقول هذا الكلام؟”
تنفّست سيلفي الصعداء وهي ترتّب الأغراض التي اشترتها، بينما كنتُ أنا أضحك بخفة وأسألها بنبرة مرحة:
“هيا أخبريني عن العاصمة، أما من أمر ممتع يحدث هناك؟”
أجابتني بلهجة جافة:
“أقيمت الأسبوع الماضي حفلة خطوبة الآنسة جورجيانا وسمو وليّ العهد أدولف.”
“ماذا؟ خطوبة بالفعل؟! حتى لو أنني فسختُ خطبتي معه، فهذا تطوّر سريع جداً.”
رغم أنني لم أرغب يوماً بالزواج من ذلك الأمير المُقزّز، إلا أن رؤية حفلة خطوبته سريعاً هكذا أثارت سخطاً خفيفاً في نفسي. لويتُ خصلة من شعري وسألتها بلا مبالاة:
“جورجيانا مسكينة، لا تملك جواهر لائقة. هل اشتراها لها والدها؟”
“سمو ولي العهد هو من جهّز كل شيء.”
“هو؟!”
أدولف إنسان تافه… حسابيّ إلى أبعد الحدود.
وعندما أدركتُ أنني قد انغمستُ داخل أحداث الرواية باعتباري “سيدة شريرة”، كان هدفي الأول تجنّب بطل القصة أدولف تماماً.
لكن ذلك الوغد لم يتركني وشأني. فقد كان يتوقّع أن يحصل بزواجي منه على القوة والثروة معاً.
وكانت أخلاقه منحدرة لدرجة أنه تجرّأ وقال لي أمام وجهي، وأنا خطيبته آنذاك:
‘لو لم يكن في الزواج منكِ مصلحة، لما كنتُ هنا أصلاً. فاشكري ولادتكِ كابنة آل جولدوردي.’
وبالطبع لم أسكت له:
‘بل اشكر أنت حظّك. لولا أنّك وليّ العهد، هل كنتَ تجرؤ على سرقة دقيقة واحدة من وقتي الثمين؟’
كنتُ قد سهرت ثلاثة أيام بلا نوم وقتها، لذلك لم أكن في مزاج يسمح بالصبر. أما لو حصل هذا الآن، لكنتُ اعتبرت نباح الكلاب أمراً لطيفاً يمكن تجاهله.
‘على كل حال، من المدهش أن ذلك البخيل قدّم جواهر لجورجيانا التي لا تملك حتى مالاً خاصاً. ربما اعتقد أنه لا يمكنه الرجوع عن استبدال خطيبته، لذلك بالغ في إظهار حسن نيّته.’
هذا الرجل الحسابي تركني فور ظهور فتاة يسهل عليه التحكّم بها… ومع ذلك، لم يكن يعلم أن جورجيانا – بعد تسجيلها رسمياً في عائلة جولدوردي – لا تملك شيئاً من الثروة.
‘كل شيء ضمن التوقعات… لكن مزاجي لا يزال سيئاً.’
نهضتُ فجأة ولوّحت بذراعي بحماس:
“لا، لا! الجو كئيب جداً! يجب أن أتناول شطائر الفاكهة الحلوة بالكريمة فوراً!”
“ماذا؟! لماذا دائماً تختارين أطعمة مرهِقة كهذه؟”
تجهم وجه سيلفي. فشطيرة الفاكهة مجرد خبز يُحشى بالكريمة والفاكهة، ويمكن لأي طفل أن يصنعها…
لو وُجدت كريمة مخفوقة جاهزة كما في زماني.
أما هنا، فعلينا أن نخفقها يدوياً… في عمل يتطلّب قوة ومعه تُستهلك كمية كبيرة من السكر. لذلك كنتُ نادراً ما أُقدِم على صنعها.
لكن اليوم… لدي رجل صاحب ذراعين قويتين يقوم بالخفق بدلاً مني.
التعليقات لهذا الفصل " 14"