لقد استلمت رسالتكِ المليئة بالضحكات الهجائية، ويبدو أن تعاستي كانت مصدر سعادة لكِ، وهذا مبهج في حد ذاته.
يبدو أنكِ كنت ترغبين بشدة في السخرية مني بسبب انجذابي الأعمى لذلك الرجل البائس، لكن ما رأيكِ في هذا؟ ذلك الحدث لم يكن شؤماً عليَّ كما تظنين.
بل على العكس، كنت أنتظر ذلك اليوم بفارغ الصبر.
لقد كان ذلك اليوم هو حفل عيد ميلاد سمو ولي العهد، وقد حضر مع شقيقتي جورجيانا ممسكاً بذراعها، وبدلاً من التحية نطق.
“فيفيانا، أطلب فسخ خطوبتنا!”
كان يجب أن تري وجه ولي العهد المليء بالاعتزاز وهو يصرخ بذلك. كنت أحاول جاهدة أن أخفي ابتسامتي المتعالية.
“فسخ الخطوبة؟… حقاً؟”
لحسن الحظ، تمكنت من إخراج صوت حزين نوعاً ما. كل ذلك بسبب قرصي لذراعي!
بكل غطرسة، قال لي سمو ولي العهد.
“نعم! لا يمكن أن أعهد بمكانة وليّة العهد لامرأة باردة القلب مثلك، حتى مع شقيقتها!”
“حقًا؟”
كم شعرت بالراحة حينها. فقد كان موعد الزواج يقترب، وكنت قلقة من أن ينتهي بي المطاف بالزواج منه. لحسن الحظ، قرر ولي العهد فسخ الخطوبة في الوقت المناسب.
“فهمتُ، سموّك. سأقبل طلب فسخ الخطوبة.”
وبينما أمسح دموعي بظاهر يدي وأومئ برأسي، أطلقت العنان لكلماتي التي لطالما أردت قولها له.
“بما أنك طلبت الفسخ من طرف واحد، فبالطبع ستدفع لي تعويضًا، أليس كذلك؟”
“نـ… نعم!”
بدا وكأنه أراد أن يظهر بكرامته أمام الحشود التي كانت تراقب، فوافق قبل أن يفكر بالأمر. ابتسمت له ابتسامة خفيفة.
“عادةً ما يكون التعويض هو ضعف المهر المتفق عليه بين العائلتين.”
“ماذا؟!”
كما تعلمين يا ناناري، والدي قد أعد لي منجماً للألماس كمهر. تخيلي الآن حجم التعويض الذي سيكون عليهم دفعه بمضاعفته.
“لكن لا بأس، لا خيار آخر أمامي.”
شعرت وكأنني أسمع أفكار ولي العهد تدور؛ ربما افترض أن مهر أختي جورجيانا سيعوض بعض الخسارة.
وبما أن والدي قد وعدني بالفعل بأن التعويض سيكون لي، أصبحتُ كريمة للغاية مع ولي العهد الذي لا يستحق.
“سموّك، من باب الذكرى الجميلة بيننا، أرغب في إخبارك بأمر.”
لكن يبدو أن قلب ولي العهد أضيق مما توقعت، فقد نظر إليّ بنظرة ازدراء وصرخ قائلاً.
“لا تقتربي مني! كيف أصدق شريرة مثلكِ؟”
“هل ترغب أن أقولها بصوت عالٍ هنا ليعرف الجميع الحقيقة؟”
“نعم، قولي!”
رغم أنني حاولت التحلي باللطف، إلا أنه لم يقدّر ذلك.
فما كان لي إلا أن رفعت صوتي وقلت ما أردت.
“جورجيانا التي ترافقك ليست شقيقتي الحقيقية! أنصحك أن تقطع علاقتك بها قبل أن تُفضح وتصبح موضع سخرية. إلى اللقاء.”
“ماذا؟ ما الذي تعنيه بهذا الكلام، فيفيانا؟!”
بعد ذلك، حدثت ضجة كبيرة، لكنني أمسكت بفستاني بيدي وركضت بعيداً دون أن ألتفت. لم أركض هكذا منذ أن كنت في الثانية عشرة، وكانت تجربة ممتعة للغاية.
ومنذ ذلك الحين، أصبحت أختبئ، وأكتب هذه الرسالة لكِ يا صديقتي ناناري.
أليس هذا غريباً؟ لم نلتقِ منذ طفولتنا، ورغم أنكِ الأكثر تحفظاً بين جميع أصدقائي بالمراسلة، أجد نفسي أكتب لكِ عن كل ما يحدث معي.
سألتني من قبل عما سأفعله بعد أن تركت منصب خطيبة ولي العهد، أليس كذلك؟
قد تظنين أنني أتحدث بكلام شؤم، لكنني في الحقيقة سئمت. سئمت الحياة الفاخرة، وصراعات المجتمع الأرستقراطي، والجلوس بشكل متأنٍ وممل.
لقد قررت أن أعيش حياة بسيطة وأقوم بما أريده.
أفكر، على سبيل المثال، في الطبخ.
هل تؤمنين بفكرة الحياة السابقة، يا ناناري؟ في حياتي السابقة، ربما كنت شخصاً عادياً، أعمل بصمت في مكاني. لكن حتى الأشخاص العاديين لديهم أحلام.
كنت أخرج للعمل باكراً وأرى المحلات التي تبدأ في فتح أبوابها، وأتوقف وأتساءل في نفسي.
‘أليس جميلاً أن يكون لي متجري الخاص؟’
ليس عمل شخص آخر، بل عملي أنا. ربما، لو كانت لي حياة أخرى، كنت سأفتتح مطعماً.
نعم، أعلم أن هذا يبدو كأنه تخيلات طفولية لفتاة نشأت في قصر فخم، فلتنسِ الأمر.
على أي حال، سأفعل الآن ما أريد فعله، تاركة خلفي حياة العمل والقيود الماضية.
حتماً ستكون الحياة أكثر متعة من كوني مجرد خطيبة لولي العهد الأحمق وموضع اتهام بالشر.
***
صديقتي العزيزة، سليلة التنين الرائع، وأحد أقدم دعائم هذه البلاد، الانسة ناناري.
لم أعلم أنكِ مهتمة بمهاراتي في الطهي إلى هذا الحد.
نعم، سأفتتح مطعماً صغيراً.
مكاناً يمكن للناس أن يأتوا إليه في أي وقت لتناول إفطار متأخر أو غداء بسيط.
مطعماً يبيع الشاي وبعض الوجبات الخفيفة.
وأطلقت عليه اسم “المقهى برانش”
***
إلى الانسة ناناري دراين، التي نجحت في إبهاري برسائلها المثابرة.
كم كنتِ لطيفة بالسؤال عن عنواني السري. حتى عائلتي لم تسأل إلى أين ذهبت… حسناً، لأنني في الواقع هربت قبل أن يسألوا.
هذه المعلومة سرية للغاية، لكنكِ صديقتي العزيزة، لذا سأخبركِ بها.
رجاءً، لا تخبري أحداً!
أبداً، أبداً، أبداً! إذا لم تحترمي هذا الوعد، سأدعوكِ لمبارزة مناسبة للانسات. إنها مسألة سرية إلى هذا الحد!
***
عزيزتي ناناري،
لماذا شقيقكِ هنا؟ ألم نتفق أن يبقى الأمر سراً؟
أخبريه أن يعود إلى العاصمة فوراً!
***
إلى ناناري، التي يبدو أنها لا تستطيع انتظار المبارزة معي.
أجيبي على رسائلي! هل هذا معقول؟ هل وجدتِ كلامي حول المبارزة أمراً مضحكاً؟
مهما كنتِ سليلة التنين، ستضطرين للركوع أمام سكين مطبخي.
***
<إلى ناناري الجبانة التي توقفت عن الرد عندما بدأت الأمور تسوء.>
أمسكتُ بالقلم وبدأت أخط على الورقة.
<أخبري شقيقكِ بالعودة إلى بيتهِ! أنا خائفة فعلاً!>
وبعد أن كتبت هذا القدر، مزقت الرسالة.
‘ما الفائدة من الكتابة إذا كانت لا ترد؟’
لكن، بما أن الرسائل هي وسيلتي الوحيدة للاعتراض، أمسكت بالقلم وبدأت من جديد.
<هذه آخر فرصة لكِ يا ناناري، لأجل صداقتنا…>
وفي النهاية، مزقت الرسالة مجدداً. الصداقة! لا شيء منها.
‘لو كانت هناك صداقة، لما كنت في هذا المأزق أصلاً.’
تنهدت تنهيدة طويلة ونهضت، ثم بدأت في المشي.
خطوة تلو الأخرى.
اختلطت أصوات خطواتي مع صرير الأرضية الخشبية القديمة.
‘اخترت هذا المكان بسبب أجوائه العتيقة، لكنني لم أكن أتوقع أن يصدر هذا الصرير العالي مع كل خطوة.’
رغم أن خطواتي كانت واضحة، معلنةً اقترابي، إلا أن خصلات شعره الأسود المتدلية على طرف النافذة لم تتحرك قيد أنملة.
لقد مضى أسبوع كامل وهو يقف هناك ثابتاً كالشجرة القديمة، مما أرهب الزبائن ودفعهم للابتعاد، فتدهورت مبيعات المقهى بشكل حاد.
‘رجل مزعج للغاية.’
وضعت ذراعيّ على حافة النافذة المفتوحة قليلاً، وأخرجت رأسي متحدثةً.
“أ… عفواً.”
عند ندائي، التفت نحوي بعيون فضية براقة كالمعدن المصقول.
حبست أنفاسي، وأطبقت على شفتيّ لتجنب إطلاق شهقة.
‘ما هذهِ النظرة المخيفة؟’
ورغم ذلك، بدأت أعتاد عليه الآن. في المرة الأولى التي رأيته فيها كدت أجلس أرضاً من الرعب.
‘هل يصبح لون السكين بهذا الشكل إذا صقلته على الحجر لمدة عشر ساعات؟’
كارل دارين، الرجل الذي يُقال إنه الأقرب بين أحفاد عائلة دارين إلى سلالة التنانين النقية.
لم أتوقع يوماً أنني سأواجهه وجهاً لوجه هنا في هذا الريف الهادئ بعيداً عن العاصمة. حاولت أن أتحلى بالشجاعة وأناديهُ، ولكن بمجرد أن التقت أعيننا، لم أستطع أن أقول له أن يرحل. مجرد النظر إليه جعل قدمي ترتعشان. أغمضت عينيّ بقوة.
‘مهما كان مرعباً، يجب عليّ طرده بأي وسيلة.’
فبعد كل شيء، كان السبب وراء مغادرتي العاصمة وراء فسخ الخطوبة مع ولي العهد هو هذا الرجل الواقف أمامي.
“لماذا تقف أمام نافذتي منذ الصباح؟”
رداً على سؤالي الجريء، أغمض الرجل عينيه الفضيتين ببطء وفتحهما مجدداً، وحتى تلك الحركة بدت كأنها حركات زواحف، مما جعلني أشعر بقشعريرة.
إنه كارل دارين، الرجل الذي، رغم انتقال صفاته عبر أجيال عديدة، بقيَّ أقرب الناس إلى سلالة التنانين النقية، حتى وإن كان في جسد إنسان.
وهو ذاته الشرير في القصة الأصلية، الذي سيفقد السيطرة على نفسه في النهاية، ليصبح تنيناً حقيقياً يُدمر الإمبراطورية.
التعليقات لهذا الفصل " 1"