3
” اللهُم قَرب إلينا كُل فرحة طال انتظارها “
※استمتعوا※
🦋—————🦋
لياندر لم يتجوّل في أرجاء القلعة كأنه غِرّ لا يعرف طريقه. بل ذهب مباشرة إلى قاعة الطعام، فالرجل يمتلك منخاراً ويعرف كيف يستخدمه.
أي إنه يميّز الروائح، ولم يكن بحاجة إلى فتح أي باب ليدرك أنه مرّ بورشة نجارة، ومدبغة، ومسلّحة، وغرفة للنوم… إن صحّ تسميتها بذلك. فكل الرجال كانوا ينامون في تلك الغرفة. الباب الوحيد الذي فتحه كان باب قاعة الطعام.
هناك، استقبلته صورة يعرفها جيداً رجال مجتمعون، يكسرون الخبز ويغمسونه في مرق لحم ثقيل النكهة. يبدو أن هناك من يطبخ لهم طبخاً ممتازاً.
دخل الصف.
“مهلاً، من أنت؟”
سأله الرجل الواقف أمامه. كان رجلاً طويلاً تغطيه نشارة الخشب من رأسه حتى قدميه، مما جعل عينيه البنيتين تبدوان أكثر قتامة.
أزاح لياندر شعره الأشقر المائل للبياض عن وجهه ليُظهر عينيه البرونزيتين.
“أنا لياندر… وجائع جداً. هل هناك أوعية في مقدمة الصف؟”
“نعم. أنا ستوكينغ، وهذا بارنيبو.”
قال مشيراً إلى رجل أقصر منه يقف أمامهم.
“وخذ نصيحة لا تفكّر حتى في التحدث مع الصبية الليلة، بما أنها أول ليلة لك هنا. ستُغضب الجميع.”
“لا أعرف عما تتحدث.” قال لياندر كاذباً.
“الفتاة ذات الفستان الأحمر. أليست هي السبب في وجودك هنا؟”
“لقد أحضروني بالمنطاد من طرف الغابة. أليس هذا هو المعتاد؟”
حرّك ستوكينغ نظره بمكر.
“أحياناً يأتي البعض بهذه الطريقة. أنا أخذت طريق المتاهة عبر الشظايا المعدنية عندما كنت في الثانية عشرة.”
لم يرَ لياندر أيّ طريق حين فحص الخندق. وبالنظر إلى عمر الرجل، خمّن أنه سلك ذلك الطريق منذ سبع أو ثماني سنوات. يبدو أنهم أضافوا المزيد من المعدن بعد ذلك.
قال لياندر بإيجابية
“هذا مذهل. اسمح لي أن أصافحك.”
وتصافح الرجلان.
“لماذا كنت يائساً إلى هذا الحد لتأتي إلى هنا؟”
سأل لياندر. بالنسبة له، لم يكن ليسلك طريقاً كهذا إلا لو أمره ملكه.
أشار ستوكينغ بيده، فرأى لياندر الفتاة مجدداً، لكنه الآن رآها من داخل الغرفة، وليس عبر مسافات شاسعة، فكأنها تظهر له لأول مرة.
كانت متألقة… كلها رقّة وجمال، وكلّه يخنقه من الداخل بطريقة لم يجد لها وصفاً.
ماذا يريد من امرأة مثلها؟ شعر ذهبي، عينان زرقاوان، عنق مكشوف، وانحناءة خفيفة لصدرها قبل أن يخفي خطّ العنق أسرار جسدها.
كانت رؤية تخطف الأنفاس. هل أراد أن يعبدها كملكته؟ أم أن يقسم لها بالولاء كما يفعل بعض الفرسان؟ الإحساس لم يكن مناسباً لأيّ من هذه الأفكار.
هل أراد أن يلاعبها كما يفعل مع نادلة حانة؟ أم أن يمسكها ويقبّلها قبلة الوداع قبل الذهاب إلى الحرب؟ كل مشاعره المعتادة فشلت في وصف ما يجري بداخله.
كانت الفتاة محاطة بالمُعجبين، إلى درجة أن السبب الوحيد لرؤيتها كان أن طاولتها موضوعة في منتصف القاعة على منصة أعلى قليلاً.
كانت تأكل وحدها، رغم أن رجلاً كان يناولها منديله لتستخدمه كمحرمة، ورجل آخر ينهض ليملئ كأس ماءها. آخرون يحاولون التحدث معها، وآخرون يكتفون بالتحديق إليها كأن هذا أقصى ما يتمنونه.
ماذا كان يشعر لياندر؟
لم يفهم. إحساسه غير منطقي. هل هو منجذب إليها أم لا؟
لكن شيئاً واحداً كان واضحاً لقد كره كل الرجال حولها. كان ذلك مقزّزاً. ولكن لماذا؟ لطالما حدث أن يعود من الحرب فيجتمع الناس حوله، وكثير منهم فتيات صغيرات.
كان ذلك عادياً بالنسبة له. أما الآن، رؤية المشهد مقلوباً… كان يخدش شيئاً داخله.
“ما اسمها؟” سأل لياندر.
“لا يخبروننا أسماءهن. لا تعرف اسمها إلا إذا اختارتك.” قال ستوكينغ وهو يلتقط صحنه ووعاءه ويتقدم لجمع الخبز والمرق.
قلّد لياندر الرجل. “ماذا يعني أن تختارك؟”
جلسوا بعيداً عن المنصة، وكأن ستوكينغ يخشى أن تسمعهم.
“هنا يأتي الناس غير المرغوب فيهم ليحصلوا على حياة.”
“حياة.” قال لياندر بتفكير. “ماذا يعني ذلك؟”
“أنا كنت يتيماً.” قال ستوكينغ.
“لكنني لم أُربَّ في ميتم. عائلتي قُتلت على الطريق على يد قطاع طرق. كنت في الثانية عشرة، وكنت بعيداً عن قريتي. وكنت الوحيد الباقي. لم أعرف طريق العودة… ولا أي طريق. بدأت أمشي في غابة قرب الطريق أملاً أن أصل إلى بلدة. لكن لم تكن هناك بلدة. مضت أيام، وكنت يائساً للغاية. ثم رأيتها امرأة بفستان أحمر. ركضت خلفها، لكنها كانت دائماً تتقدم قليلاً أمامي.”
خمن لياندر أن تلك المرأة لم تكن الصبية، بل “السيدة الشبح” تقوده إلى القلعة.
“أخيراً وصلت إلى طرف الغابة ورأيت القلعة”
تابع ستوكينغ. “دخلت المتاهة، وبعدها وصلت إلى بوابة القلعة. رحّبوا بي وقالوا إنني سأعمل هنا حتى أتقن مهنتي بما يكفي لأعيش خارجها، لكنني سأُمنح جائزة.”
“أي جائزة؟” تساءل لياندر.
نظر إليه ستوكينغ كأنه أغبى من حلزون بلا قوقعة. “الفتاة طبعاً.”
التفت لياندر نحو الفتاة ذات الفستان الأحمر. “ستتزوجها؟” قال بدهشة. “يبدو أن المنافسة شرسة.”
“هذه بالذات شديدة الشعبية.” قال مشيراً إليها بقشرة الخبز.
“ستنقلب الدنيا إن لم تختَر قريباً. قلت لها رأيي، فقالت إنها ستتحدث مع الجميع قبل أن تقرر. المشكلة أنها تحدّثت مع الجميع ثلاث مرات ولا تزال محتارة. هناك فتيات أخريات يرتدين الأحمر، لكنهم يظهرون واحدة فقط كل مرة.”
“حسناً، إن لم يعجبها أيٌّ منكم، ربما ستفضّلني على الجميع.” قال لياندر مازحاً.
كاد ستوكينغ يختنق مما في فمه. وبارنيبو ضحك حتى كاد يشهق المرق في أنفه.
“حظاً موفقاً.” قال ستوكينغ دون أن ينظر حتى لصديقه.
“لا، لا.” قال لياندر رافعاً إصبعه. “كنت سأراهنك أنها ستكون لي وحدي غداً ليلاً، وسأرحل بها صباح اليوم التالي… لكنك لن تستطيع تحصيل الرهان لأني سأكون قد ذهبت.”
ضحك ستوكينغ. “مع ذلك، سأقبل الرهان. ما الذي نراهن عليه؟ أظن أنك وصلت إلى هنا عارياً تماماً.”
“لا. كنت أرتدي ذلك السروال الداخلي العظيم.”
“الذي أخذوه منك.” ضحك ستوكينغ.
“صحيح، لأن حالته كانت كارثية.”
“أي مليء بالثقوب؟”
“نعم,” ضحك لياندر. “أكثر بكثير من الأربعة الإلزامية.”
“إن كنت هنا بعد غد,” قال ستوكينغ ممسكاً فكرة رائعة، “فعليك أن تجد ذلك السروال، وتُريه للجميع… وترتديه. وحده لا غير. طوال اليوم.”
“موافق.” قال لياندر. “وإن فزتُ أنا؟”
قهقه ستوكينغ. “إن فزتَ فستكون تلك الجميلة صدرك وسادتك. حتى لو كانت متكبّرة، لن أقول لا لذلك.”
تصافحوا مجدداً، وقاد ستوكينغ لياندر إلى غرفة النوم رغم أن لياندر لم يكن يحتاج دليلاً. كل قلعة زارها كانت لها روائحها التي لا تُخطئ.
يتبع…
🦋——————–🦋
سبحان الله وبحمده 🍒
سبحان الله العظيم🍒
استغفر الله واتوب اليه 🍒
تمت الترجمة بواسطة لونا 🎀
*حسباتي على الواتباد ، هيزو مانغا ، رواياتي :luna_aj7
*حسابي على الانستغرام :luna.aj7
Chapters
Comments
- 3 - رائحة القلعة منذ 5 ساعات
- 2 - نفثة من الدخان الأحمر منذ يوم واحد
- 1 - فارس الوحل 2025-12-19
- 0 - ملاحظة 2025-12-19
التعليقات لهذا الفصل " 3"