“هاه……”
تنهّد بجفاف. شعرت بعضلات صدره تنتفخ وتنكمش أمامها.
إيفينا ربتت برفق على ذراعِ نورث.
“هل أنتَ بخير؟”
“نعم.”
بخير؟ بالكاد استطاع أن يقول ذلك كما لو أنه ليس بخيرٍ.
ابتسمت إيفينا ابتسامة خفيفة متظاهرة بعدم الملاحظة.
“كنت أسأل عن ظهركَ. لقد سمعت صوت ارتطام قبل قليل.”
عند سماع كلامها، تدلل نورث بسرعةٍ.
“لست بخير. أكاد أموت من الألم. انظري، هل تمزّق؟”
“عليك أن تحرر ذراعيك لأتمكن من الرؤيةٍ.”
“في الحقيقة، لم يتمزق.”
يغيّر كلامه كقلب كف اليد لكنه لا يحرر ذراعيه أبداً.
في النهاية، شعرت وهي في أحضانه الكبيرة بحركة ظهره بوضوح.
تمتم وهو يدفن وجهه في عنقها طوال الوقتِ.
“ماذا لو.”
“نعم، جلالةَ الملك.”
“ماذا سيحدث إذا كان ماكسيون قد ارتكب الغش فعلاً؟”
شعرت بالدغدغة عندما كادت شفتاه تلمس عنقها، لكن الهواء فقط مر عليهِ.
هزت إيفينا كتفيها قليلاً.
“سيتم إعطاؤه صفراً في المادة التي اكتُشف فيها الغش.”
“والطرد؟”
“يا إلهي، لا توجد روضة في العالم تطرد طفلاً لمثل هذا الأمر.”
إنه ليس من طبعه أن يسأل بهدوء عن الطردِ. بدلاً من ذلك، لماذا لا تهدد بإزالة الروضة؟
“حسناً. إذا كان هذا كل ما في الأمر… فيمكنني تحملهُ.”
كانت ضحكته الهادئة التي خرجت من فمه كالتنهدِ.
جمعت إيفينا الأوراق المتناثرة حولها بسرعة وهي في وضع غير مريحٍ.
من بينها، كان الأكثر لفتاً للانتباه هو الانتقاد الموجه لماكسيون. انتقاد يشكك في “أهلية الأمير ماكسيون لوراثة العرش”.
وضعت إيفينا تلك الورقة في أسفل الكومة حتى لا تقع عين الإمبراطور عليها.
“لا تقلق. اختبارات صف الخامسة لا تؤثر على القبول في الأكاديمية. لا بأس حتى لو حصل على صفر في كل شيء.”
مزحت إيفينا. كان بإمكانها قول ذلك لأنها ونورث لم يكونا قلقين حقاً بشأن الالتحاق بالأكاديميةِ.
“هاها. هذا خبر سار وسط كل ما أسمعه، نعم.”
أطلق نورث للمرة الأولى ضحكةً طبيعية كالمعتاد.
“لكن صفر في كل شيء؟ أن يكون الأخير أمرٌ صعب.”
“… عندما تقول مثل هذا في الوضع الحالي، لا يبدو كمزحة.”
“ليست مزحة.”
يا له من أمر. هكذا يكون الإمبراطور إذن.
ابتسمت إيفينا. رتبت الأوراق بضربات سريعة على كفها وغيرت الموضوع.
“في الواقع، هناك بعض الأمور المثيرة للشك في كلام ماكسيون، وأنوي التحقق منها بنفسي. بدلاً من الضغط على ماكسيون، ساعده على الاستقرارِ يا جلالة الملك.”
“… حسناً، سأفعل. هل هناك ما يمكنني فعلهُ لمساعدتك؟”
“سأخبرك إذا خطر لي شيء.”
أومأ برأسه قليلاً وهو لا يزال يحتضن إيفينا.
كان الغسق يغرب من خلال النافذة. لم يتركها نورث لفترة طويلة، كما لو كان قد وجد ملاذاً وسط قطيع من الضباع.
أخيراً نادته.
“جلالةَ الملك.”
“نعم.”
“ساقي تخدرت.”
“تحملي. سأوصلِك دون أن تحركي إصبعاً.”
ما هذا؟ كيف يمكن لأمرٍ أناني وأدب مثالي أن يتعايشا في جملة واحدة؟
أدارت إيفينا رأسها وابتسمت له بسعادةٍ.
“سأرفضُ العرض.”
“هذا مؤسف.”
أخيراً تركها بطواعية.
“هل ستعودين الآن؟”
“نعم. لقد غربت الشمس، ولم أنهِ كل أعمالي اليوم.”
“… حسناً.”
“استرح جيداً، جلالةَ الملك. سأذهبُ الآن.”
عندما عادت إيفينا إلى المنزل سيراً على قدميها، فكرت أولاً.
إذا كان كلام ماكسيون صحيحاً، فلا يمكن تفسيره إلا بالسحر أو التعويذة.
“ما الحقيقةُ في كل هذا؟”
بعد تفكير طويل، ذهبت إيفينا إلى النوم. وعندما استيقظت في اليوم التالي،
“لماذا بهذه السرعة……”
وصلت العاصفة المتوقعة. لقد أصدر حزب النبلاء بياناً.
كان محتواه كالتالي:
“نظراً للشكوك الجدية حول أهلية الأمير ماكسيون ، نطالب بحرمانه من حق وراثة العرش.”
والجملة التي تلت ذلك في صحيفة الثرثرة كانت أكثر صدمة.
“مع تزايد الشكوك حول العائلة الإمبراطورية بسبب قضية الأمير ماكسيون، نناشد بتعجيل تتويج الإمبراطورة لتعزيز السلطة الإمبراطورية…”
شعرت إيفينا أنها تعرف الكلمة المحذوفة في المنتصف. تتويج إمبراطورة (من حزب النبلاء).
فجأة، تذكرت إيفينا ما قاله الإمبراطورُ سابقاً.
“ألا يمكنك أن تشفقي عليّ؟ هناك الكثير من الفئران التي تتنصت ليلاً ونهاراً، مما يجعل حياة الإمبراطور صعبة ومؤلمة. نعم، يمكنك منحي ركناً في غرفة الاستشارة.”
كانت إيفينا، التي كانت في حياتها السابقة ، منزعجة قليلاً في ذلك الوقت، لكنها الآن فهمت تماماً ما كان يعنيه.
لأن حزب النبلاء الذي أصدر البيان كان يشبه الفئران التي تقرض الشقوق وتتسلل منها.
“من الأفضل ألا يأتي ماكسيون إلى الروضةِ اليوم…”
وضعت إيفينا الصحيفة التي أحضرها أخوها الثاني جانباً وذهبت إلى الروضة.
لكن خلافاً لرغبتها، كان ماكسيون أول من دخل الروضة ممسكاً بحقيبته بإحكام.
“قال جلالته إنني يجب ألا أهرب من مثل هذه الأمور. لأن الناس سيظنون أنها حقيقية…”
“نعم، هذا صحيح. إذا شعرتَ بالتعب، أخبر المعلمة أولاً. مفهوم؟”
“نعم. هق.”
بعد ذلك، ركضت ميرين بخفة وقفزت على ظهر ماكسيون.
“آه! ما هذا!”
“إنها أنا.”
“ميرين؟”
“نعم. أنا، ماكسيون. أنتَ أتبكي؟”
تشبثت به كالحشرة وهي تحمل نفسها على ظهره وتقرب وجهها.
بدا أن ذلك أحرجهُ، فقد كان يحملها بيد واحدة بينما يمسح عينيه باليد الأخرى.
“أنا لا أبكي!”
” أيها الباكي. الذي يَبكي دائماً.”
يبدو أن ميرين نسيت.
في يوم الاختبار الفصلي، عندما ركضت إلى إيفينا أولاً وهي تبكي قائلة إن ماكسيون سيُعاقب من المعلمة…
حركت ميرين قدميها وهي متعلقةٍ به براحة.
“هيا، لا تبكِ. أنت لم تنظر خلسة وتكتب وتفعل تلك الأشياء.”
“… نعم. لم أفعل. لكن لا أحد يصدقني.”
“ليس صحيحاً. أنا أصدقكَ.”
اتسعت عينا ماكسيون عند سماع كلمات ميرين البسيطة.
“حقاً؟”
“أنا أيضاً أصدقكَ.”
جاء الرد من مكان آخر على صوته الذي كان يسأل للتأكيد.
نزلت أريستيا بأناقةٍ بمساعدة السائق وأزاحت شعرها البلاتيني اللامع.
“بالطبع، أنا لا أصدق فقط. لقد رأيت. رأيت الحروف تظهر فجأة على يد ماكسيون الفارغةِ.”
“أرأيت؟ أنت أيضاً رأيت ذلك يا أريستيا؟”
“نعم. توقف عن تقريب وجهكَ. رذاذ لعابك يتطاير. بلا أدب… على أي حال، أنا أيضاً أؤمن بماكسيون، لذا أرجو استبعادي من أولئك ‘الذين لا يصدقون’ الأغبياء.”
ثم دخلت الروضة بخطوات سريعة. لم تنس أن تنصح ميرين بالتصرف كسيدة.
وسط هؤلاء الأطفال، كانت إيفينا هي الأكثر تصلباً.
‘أريستيا رأت أيضاً…؟’
هذا غريب حقاً. هناك خطأ ما. شعرت بإحساس قوي بذلك.
“هيا نذهب معاً!”
“آه! ماكسيون، اركض ببطء. سأسقطُ!”
يبدو أن مزاجه تحسن بسرعة بعد سماع كلمات أصدقائه بأنهم يصدقونه. ركض ماكسيون بسرعةٍ ودخل الروضة.
سقط شيء من حقيبة الطفل. كان القلم الذي وزعته على الأطفال يوم الاختبار الفصلي.
“ماكسيون، لقد أسقطت هذا…!”
لقد دخل بالفعل. نفضت إيفينا التراب عن القلم ووضعته في جيبها.
“إذا ظهرت الكتابة فجأة حقاً، فلا يمكن أن يكون هذا إلا سحراً…”
انتظر. سحر؟
رفعت إيفينا رأسها بسرعة.
“الآن أتذكر…”
كان هناك. كانت هناك حالة مشابهة.
في القصة الأصلية، استخدم النبلاء السحر الأسود لاتهام ماكسيون زوراً لمهاجمته.
كان الأمر مشابهاً لما يحدث الآن. خلال المفاوضات الدبلوماسية مع مملكة كويمان، تمت إضافة معاهدة لم يكتبها ماكسيون.
كانت معاهدة غير مواتية جداً لمملكة كويمان، وفشلت الدبلوماسية في النهاية.
كان كل ذلك مكيدة من حزب النبلاء الذين استخدموا السحر الأسود.
“حزب النبلاء…”
وسواء كانت صدفةً أم لا، فإن حزب النبلاء هو الأكثر نشاطاً الآن أيضاً.
ركضت إلى القصر الإمبراطوري فور انتهاء دروس الروضة، متجاهلة أعمال التوثيق اليومية.
استقبلها مساعد الإمبراطور بوجه أكثر نحافة.
“معلمة إيفينا، لقد أتيت؟ صباح سعيد… لا، مساء سعيد. هاها.”
يبدو أنه أيضاً ليس في كامل وعيه بسبب الإرهاقِ.
“مرحباً، المساعد ديفراندو. هل يمكنني رؤية جلالة الإمبراطور؟”
“نعم. كنت على وشك الموت. من فضلكِ ادخلي.”
ما هذا؟ شعرت إيفينا فجأة بالخوف من لقاء نورث.
لكن المساعد الذي توسل “من فضلكِ” لم يكن لديه نية لتركها تذهب وأخذها إلى الإمبراطور.
“جلالة الملك. ديفراندو هنا. سأدخل.”
طرق المساعد الباب بأناقة، وجاء صوت حاد كالسكين من داخل المكتب.
“اغرب عن وجهي.”
“…”
ساد صمت مؤقت بين المساعد وإيفينا.
التعليقات لهذا الفصل " 51"