معلمة الروضة الإستقراطية تواجهُ يومًا عصيبًا - 16
عزيزةٌ؟ لا غنى عنها؟
شعرتْ إيفينا بالذهولِ الحقيقيِّ.
أن يقولَ أحدُ أولياءِ الأمورِ في المدرسةِ إنها لا غنى عنها، يا لها من فكرةٍ مخيفةٍ!
دونَ أن يلاحظَ شحوبَ وجهِ إيفينا، واصلَ حديثَهُ:
“العودةُ إلى المعبدِ خبرٌ سارٌّ. لنؤجلِ الأمرَ إلى لقاءٍ آخرَ. اليومَ أنا من طلبَ لقاءَها بإلحاحٍ.”
“جلالتُكُ تقصدُ أختي؟”
ارتعشَ صوتُ ليريِن بضعفٍ، واهتزتْ أطرافُ أصابعِها التي كانتْ مشدودةً بقوةٍ.
“نعم، توسلتُ على ركبتَيَّ للقائِها مرةً واحدةً فقطْ. آه، بالطبعِ، من قامَ بالتوسلِ هو مساعدي.”
ضحكَ ضحكةً خافتةً وهو يبيعُ مساعدَهُ. بل كانَ ذلكَ كذبًا صريحًا.
أن يستغلَّ مرؤوسَهُ هكذا!
بعيدًا عن الامتنانِ لمساعدتِهِ، ضيَّقتْ إيفينا عينَيها قليلًا، غيرَ قادرةٍ على تحملِ ذلكَ كموظفةٍ مثلهُ.
“…”
لا أعلمُ كيفَ فسَّرَ نظرتَها، لكن نورث منحَها ابتسامةً نصفَ دائريةٍ.
“لا يمكنُني أن أركعَ بنفسي، أليسَ كذلكَ؟”
“…بالطبعِ جلالتَكُ.”
“أن تولدَ عظيمًا لهُ أحيانًا متاعبُهُ. حتى ركبتايَ لا أستطيعُ استخدامَهما كما أشاءُ، يا للأسفِ.”
كتفاهُ المرفوعتانِ بلا مبالاةٍ بدتا ساخرتَينِ.
“لا تبدو متعبًا على الإطلاقِ.”
كادتْ هذهِ الكلماتُ أن تخرجَ من بينِ شفتَيها، لكنها ابتلعتْها بصعوبةٍ.
في تلكَ اللحظةِ، خفضَ نورث رأسَهُ كأن شيئًا خطرَ لهُ، واستقرَّتْ عيناهُ على معصمِ هاردينيسَ الذي كانَ لا يزالُ يمسكُهُ.
“يا للأمرِ المزعجِ.”
نبرةٌ غارقةٌ في الضيقِ.
أفلتَ معصمَ هاردينيسَ بلا اكتراثٍ، كأنهُ يرمي شيئًا تافهًا.
تعثرَ هاردينيسُ بفظاظةٍ تحتَ وطأةِ القوةِ الغاشمةِ، لكنه رفعَ رأسَهُ بنظرةٍ غاضبةٍ نحوَ الإمبراطورِ، نظرةٍ ملتهبةٍ جدًا.
“حتى لو كان جلالتُكُ، لا يمكنُك معاملتي هكذا…! وبعدَ ذلكَ، أنا من كانَ لديهِ أمرٌ مع إفنا أولًا. سآخذُها معي!”
“همم؟”
كانَ ذلكَ تمردًا جريئًا من شخصٍ ظلَّ متواريًا حتى الآنَ.
هبتْ نسمةٌ باردةٌ تمرُّ سريعًا.
نظرَ نورث إلى هاردينيسَ وابتسمَ ابتسامةً عميقةً.
“كررْ ما قلتَهُ، يا مركيزَ.”
“مـ، ماذا…!”
“قلْ مرةً أخرى إنكَ ستعيقُ علاقتَنا.”
أيُّ علاقةٍ؟ نحنُ؟
هل سمعتُ خطأً؟ لا، نظرةُ الثلاثةِ المذهولينَ، باستثناءِ الإمبراطورِ، تؤكدُ أنني سمعتُ جيدًا.
“قلْها ، هلَ غيرتْ رأيكَ؟”
كانَ تحريضُهُ المصحوبُ بابتسامةٍ في عينَيهِ رومانسيًا على عكسِ تهديدِهِ القاسي.
لكن هاردينيسَ، الذي يفتقرُ إلى الحسِّ ويمتلئُ بالكبرياءِ، لم يكنْ ليلاحظَ تلكَ الأجواءَ المرعبةَ.
“لديَّ كلامٌ أقولهُ لإيفينا أولًا-”
“كررُها مجددًا؟”
“…”
الحمدُ للهِ حقًا. ذلكَ الرجلُ الذي يظهرُ طباعَ مديرٍ ظالمٍ بلا مواربةٍ هو، على أيِّ حالٍ، في صفِّي الآنَ.
“لكن جلالتُكُم قالَ للتوِّ-”
“أنا؟ قلتُ ماذا؟”
يا هاردينيسُ عديمَ الحسِّ، أرجوكَ لا تطيلِ الأمرَ أكثرَ. لا أريدُ قضاءَ لحظةٍ إضافيةٍ معكَ.
“هااا…”
زفرتْ إيفينا زفرةً خافتةً، ثم تقدمتْ بابتسامةِ تعاملِ أولياءِ الأمورِ:
“ههه، جلالتُكُ، نحنُ؟ قد يُساءُ فهمُ ذلكَ إن سمعَهُ أحدٌ.”
“سوءُ فهمٍ؟ لقد اتفقنا على ‘نحنُ’، أليسَ كذلكَ؟ هل نسيتِ بالفعلِ؟”
إن كانَ يقصدُ ذلكَ…
“ألَا يُعقلُ…؟”
زيارةٌ منزليةٌ؟
“نعم، ذلكَ.”
كأنهُ سمعَ أفكارَها، ابتسمَ نورث بفمٍ مفتوحٍ على وسعِهِ.
“لا، كنتُ على وشكِ العودةِ إلى البيتِ!”
نظرتْ إليهِ بنظراتٍ شفقةٍ، ورجفتْ رأسُها الصغيرُ بحزنٍ أعمقَ.
مالَ برأسِهِ قليلًا وفتحَ فمَهُ:
“لا يمكنُكِ؟”
كيفَ أقولُ لا للإمبراطورِ وهو يسألُ؟
“لا تُريدينَ؟”
كأنهُ يَقولُ
هل لديكِ الجرأةُ لتقولي لا بصراحةٍ؟
“لا إجابةَ، إذنْ لا بأسَ، أليسَ كذلكَ؟”
تفسيرُهُ الاعتباطيُّ يصلُ إلى مستوىً رفيعٍ.
تعمَّقتْ ابتسامةُ الرجلِ الزهريةُ أكثرَ، وكأنها تقولُ لإيفينا:
“إن كنتِ تفكرينَ بالهروبِ، فمن الأفضلِ أن تتخلَّي عن ذلكَ الآنَ.”
كيفَ يستطيعُ إنسانٌ أن يهددَ بابتسامةٍ؟ إن كانَ يظنُّ أن هذا سيؤثرُ بي-
“لا بأسَ فقطْ؟ بل إنهُ رائعٌ جدًا. أنا في غايةِ الامتنانِ حتى لا أعرفُ كيفَ أتصرفُ…”
نعم، صحيحٌ تمامًا.
كعادتِها دائمًا، تخلَّتْ إيفينا عن التمردِ سريعًا.
“رائعٌ جدًا؟ نشاطُكِ هذا يُربكُني. لو علمتُ أنكِ ستكونينَ بهذا الحماسِ، لاستدعيتُكِ أكثرَ وأسرعَ. ركبتا مساعدي جاهزتانِ دائمًا.”
هذَّرَ الإمبراطورُ بشيءٍ ما، لكن من الواضحِ أنهُ لم يكنْ يستحقُّ الانتباهَ.
تجاهلتْهُ إيفينا متظاهرةً بعدمِ السماعِ، ثم اقتربتْ من هاردينيسَ:
“إيفينا، لدينا حديثٌ. إن استمررتِ هكذا، سأضطرُّ لإخبارِ الكونتِ ويندسيتر!”
صراخُهُ المهددُ بدا حقًا تافهًا.
انفرجتْ شفتاها اللامعتانِ، وخرجَ من فمِها صوتٌ باردٌ يختلفُ عن ذلكَ الذي واجهتْ بهِ نورث:
“قلْ لهُ أذن.”
“ماذا؟”
“اذهبْ إلى الكونتِ وأخبرْهُ بكلِّ ما تريدُ أنني رأيتُكَ.”
تألقتْ عيناها الخضراوانِ تحتَ الشمسِ بنقاءٍ ووضوحٍ.
“لكن ذلكَ لن يعني أنني سأساعدُكَ في تجارتِكَ الفاشلةِ.”
“إيفينا، لماذا تغيرتِ هكذا؟ منذُ أن قلتِ إننا سنفسخُ الخطوبةَ-”
“سعدتُ بلقائِكَ بعدَ زمنٍ. أتمنى ألا نلتقي مرةً ثانيةً. للأسفِ، أنا مشغولةٌ جدًا وليسَ لديَّ وقتٌ للتعاملِ معكَ.”
عليَّ أن أُساقَ لزيارةٍ منزليةٍ.
عندَ كلماتِ إيفينا، صرَّ هاردينيسُ على أسنانِهِ، لكن ذلكَ كانَ كلُّ شيءٍ.
“هكذا إذنْ.”
مع إمبراطورٍ متعجرفٍ يقفُ إلى جانبِها مباشرةً.
لكن ذلكَ الرجلَ، رغمَ تعجرفِهِ، كانَ قويًا. لم يكنْ مركيزٌ متدهورٌ قادرًا على مواجهتِهِ.
“وليريِن أيضًا.”
“نعم؟”
ارتجفتْ كتفُ ليريِن بخفةٍ.
“أهنئُكِ على أن أصبحتِ قديسةً. هذا من قلبي. أعطي بركتكِ إلى هاردينيسَ، يبدو أنهُ بحاجةٍ إليها كثيرًا، يا للأسفِ.”
“…”
بالنسبةِ لمن حصلتْ على كلِّ ما أرادتْ، بدتْ مضطربةً.
“لستُ مهتمةً على أيِّ حالٍ.”
استدارتْ إيفينا بسرعةٍ وابتسمتْ لنورث، تلكَ الابتسامةَ المخصصةَ لأولياءِ الأمورِ.
“جلالتُك، يبدو أن الاثنينِ انتهيا من أمرِهما معي. هل نذهبُ؟”
“همم.”
“لا تُظهرْ ذلكَ الوجهَ الذي يريدُ المزيدَ من المضايقةِ.”
“حسنًا.”
لحسنِ الحظِّ، وافقَ الإمبراطورُ بسهولةٍ.
وضعَ ذراعَهُ تحتَ ذراعِها وواصلَ:
“لنذهبْ إلى الدفيئةِ. أشعرُ بالبردِ.”
“يا لكَ من رقيقٍ!”
اختفى الاثنانِ المتبقيانِ من ذهنِها بسرعةٍ.
كلُّ ما شغلَها الآنَ هو كيفيةُ التغلبِ على أزمةِ هذهِ الزيارةِ المنزليةِ التي أُجبرتْ عليها قبلَ الخروجِ مباشرةً.
“…إيفينا. لا يجبُ أن تفعلي هذا. كيفَ تستطيعينَ معاملتي هكذا…”
صوتٌ لم يسمعهُ أحدٌ.
برزتْ عروقٌ مخيفةٌ في عينَي ليريِن.
طُعنتْ ظهرُ أختِها الذي يبتعدُ بنظرةٍ حادةٍ.
في تلكَ اللحظةِ، أضاءَ خاتمُ القوةِ المقدسةِ في إصبعِ ليريِن بضعفٍ، ثم انطفأَ كالظلامِ.
* * *
“هل هذا المكانُ مناسبٌ؟”
“واه، نعم. إنهُ جميلٌ حقًا.”
أومأتْ إيفينا وهي تجلسُ على الكرسيِّ الذي أشارَ إليهِ نورث.
كانَ الهواءُ الدافئُ المعتدلُ في الدفيئةِ، خاصةً أشعةُ الشمسِ التي تتسللُ عبرَ القبةِ الزجاجيةِ، مشهدًا خلابًا.
“يقالُ إن العشاقَ إذا جاؤوا هنا، فإن حبَّهُم سيستمرُّ مدى الحياةِ.”
“يا إلهي، حقًا؟ شكرًا لمساعدتِكُ قبلَ قليلٍ، يا جلالتَكُ،”
ردَّتْ إيفينا بلا روحٍ وغيَّرتْ الموضوعَ بسرعةٍ.
“ههه، حسنًا، لا بأسَ.”
لحسنِ الحظِّ، ضحكَ على مناورتِها الواضحةِ وقليلةِ الأدبِ وتجاوزَها.
“هل كانَ مكانُ الرحلةِ التعليميةِ مناسبًا؟”
“آه، نعم! أعجبَني من نواحٍ عدةٍ.”
“وهل هناكَ نقصٌ؟”
“لا على الإطلاقِ. النباتاتُ النادرةُ التي لا تُرى إلا في القارةِ الشرقيةِ كثيرةٌ، مما يجعلُهُ تعليميًا ممتازًا، والأرضُ مستويةٌ فلا خطرَ على الأطفالِ من السقوطِ.”
“بالطبعِ، إن كسرَ أنفُ أحدِ مستقبلِ الإمبراطوريةِ وهو يركضُ، فذلكَ خسارةٌ وطنيةٌ.”
لا شكَ أن ذلكَ خسارةٌ كبيرةٌ فعلًا.
“ألمْ يُسببْ لكِ إزعاجًا إخطارُنا المفاجئُ بتغييرِ المكانِ؟”
“بالطبعِ، بما أن الخططَ انقلبتْ رأسًا على عقبٍ، كانَ ذلكَ قليلًا-”
“شكرًا لقبولِكِ ذلكَ بسرورٍ.”
إذنْ لماذا سألتَ؟
لكن إيفينا، التي تقدِّرُ حياتَها الوحيدةَ، كانتْ حكيمةً. ابتسمتْ بتواضعٍ:
“نعم، كنتُ سعيدةً جدًا. رغمَ أنني لم أنمْ جيدًا ولم آكلْ كثيرًا وعملتُ فقطْ، لكن ما الضيرُ؟ المكانُ رائعٌ جدًا، حتى إن تفتتَ جسدي الهزيلُ الضعيفُ، كانَ ذلكَ شرفًا.”
لا أعلمُ هل كانَ ذلكَ نقدًا أم مدحًا. لكن كلَّ شيءٍ قالتْهُ كانَ صادقًا.
القصرُ كانَ تعليميًا ممتازًا، وهي كانتْ مستعدةً لتحملِ المشقةِ من أجلِ تعليمِ الأطفالِ.
ضيَّقَ نورث عينَيهِ أمامَ تواضعِها:
“هل أنتِ بلا خوفٍ أم مليئةٌ بهِ؟”
“…”
“احفظي كبدَكِ المتورمَ جيدًا.”
(ميري : معناة انو نفس
احفظي مشاعرك المتألمة وجروحك النفسية وعالجيها مب تقوليها عندي )
وماذا ستفعلُ إن لم أفعلْ؟
تظاهرتْ إيفينا بعدمِ الإستمَاع، عادتْ لوجهِ معلمةِ الروضةِ، وغيَّرتْ الموضوعَ:
“هل هناكَ سببٌ آخرُ لإعطائِكُم الق
صرَ؟”
ليسَ لأنني اضطررتُ لإلغاءِ المكانِ الأصليِّ، والذهابِ لاستطلاعٍ جديدٍ، وكتابةِ خطةٍ أخرى، وعملِ المهمةِ مرتَينِ، أبدًا.
“نعم، هناكَ سببٌ مهمٌّ جدًا.”
وضعَ يدَهُ الطويلةَ القويةَ تحتَ ذقنِهِ.
“هل أنتِ فضوليةٌ؟ ألستِ كذلكَ؟”
ابتسامةٌ ماكرةٌ لم تبدُ عاديةً. ما الذي سيقولُهُ الآنَ؟
أومأتْ إيفينا برأسِها أمامَ تلكَ الابتسامةِ التي بدتْ وقحةً تقريبًا:
“نعم، حسنًا…”