─────────────────────
🪻الفصل الثالث🪻
─────────────────────
هل سيستخدمُ الإغراء أم التهديد؟
لكن الرجل الواقف أمام روزيتا تجاوز كل توقعاتها بسهولة. بدلاً من أن يلجأ إلى الترهيب أو الترغيب، بدأ معها حديثًا عاديًا، كأنه يجالس صديقًا.
“الطقسُ متقلبٌ جدًا. قبل قليل كانت الثلوج تتساقط بغزارة، والآن تمطر. آه، صحيح، أنتِ مشغولة بكونك أسيرة، فلا بد أنكِ لم تلاحظي ذلك.”
إن كان يهدف إلى تشتيت ذهنها وإرباكها، فقد خطط للأمر بإتقان. وبينما كانت تحاول أن تستجمع أنفاسها وتثبت تركيزها على ملامحه، فاحت من أنفاسها المتقطعة رائحة الحديد الممزوجة بالدم.
“أمثالكِ، ذوي الإرادة الصلبة، لا تنفع معهم الإغراءات. وإن نزعت اللجام عن فمكِ، فستعجلين بالموت، أليس كذلك؟”
ابتسم الرائد كابون ابتسامة صغيرة، لكنه لم يفك اللجام. وبدلاً من ذلك، واصل تعذيبها بلا رحمة. من بين شفتيها المكمومتين، خرجت آهاتٌ مكتومة وصيحات ألم خافتة.
تجمعت الدماء في فمها، وسالت قطراتٌ حمراء كثيفة من طرف ذقنها. ثم اندفع دلو من الماء البارد فوق رأسها. جُرِفت آثار الدماء عن وجهها للحظات، لكنها لم تلبث أن غدت في حالٍ أشد بؤسًا. اختلطت المياه بالدماء، وانسابت حتى بلغت عظام الترقوة.
رغم تشوش رؤيتها، لم يفتها أن تلمح معطفها الخاص في زاوية غرفة التعذيب. أمام المعطف الملقى بإهمال، تكدست أسلحةُ روزيتا، المسدس والسكين، في فوضى بائسة. تعلّقت عيناها بتلك الأشياء، وكأنها تتشبث بما تبقى لها من وعي.
ولعل ذلك الإدراك الحاد هو ما أعاد إليها الإحساس بألم الجرح الغائر في كتفها، إذ بدأ الألم يخترق أوصالها بحدةٍ متزايدة. أغمضت عينيها بقوة وأمالت رأسها، متجاهلة الرعشة التي تسري في جسدها. قبضت على يديها حتى انتفخت عروقها البارزة.
“أنتِ صلبة المراس بالنسبة لامرأة. أو ربما لأنكِ امرأة؟”
امتدّ الألم إلى فخذها المضمّد، كأنه يُقطّع أوصالها ببطء. ومع ذلك، ضحكت روزيتا، رغم الأنفاس اللاهثة المتقطعة. خرجت ضحكتها مخنوقة، تتردد أصداؤها بين الجدران الباردة.
“حتى من يحملُ سمعة شيطانية، يظل في النهاية بشرًا. يؤلمه الجرح تمامًا كما يؤلم أي إنسان آخر.”
ألقى الرائدُ كابون بالقضيب الحديدي الذي كان بين يديه على الأرض بغير اكتراث، ثم استدار ببطء. وما إن أومأ برأسه حتى هرع الجنود الواقفون في الخلف لتنفيذ أوامره.
“أحضروا لي كرسيًا.”
استُجيبت أوامره على الفور، وُضع كرسي قبالة روزيتا، التي كانت لا تزال موثقة إلى مقعدها. جلس الرائد كابون براحة مريبة، وراح يعدل ياقة معطفه العسكري الأنيق، متلذذًا بسلطته المطلقة. انعكس الضوء الأبيض الساطع على الستائر الثقيلة، وامتلأت الغرفة بوهج بارد لا حياة فيه.
مدّ ساقه الطويلة ووضع الأخرى فوقها بتراخٍ واضح. ثم، بابتسامة مزيفة، مدّ يده وأطبق بقوة على كتف روزيتا المصاب.
“آه! معذرة. لقد نسيت أنكِ مصابة هنا.”
تشنجت شفتيها المرتعشتين من الألم. كان ملمس الحديد البارد الذي اخترق جروحها لا يزال محفورًا في جسدها، مما جعل اعتذاره يبدو كذبة وقحة. لو كانت تملك القوة، لبصقت في وجهه. لكن حتى تحريك إصبع واحد كان يبدو فوق طاقتها.
برغم وهنها، رفعت إحدى حاجبيها ببطء، ثم رسمت ابتسامة خافتة على شفتيها. كان تحديًا صامتًا. ارتسم خط عميق من الغضب على جبين الرائد كابون، واختفت من عينيه تلك الابتسامة المتكلفة. وعلى بُعد خطوات ضئيلة، التقت أعينهما في صراع صامت وسط هواء ثقيل بالخطر.
كان المصباح المعلق في السقف يومض باضطراب، وكأنه يُحتضر مثلها. لم تستطع روزيتا أن تمنع نفسها من إطلاق ضحكة ساخرة.
“كنتُ أعلم أنكِ لستِ خصمًا سهلًا، لكنكِ أكثر عنادًا مما توقعت.”
أشار بيده إلى أحد الجنود الواقفين. فأسرع إليه يحمل مظروفًا، ووقف في وضع الاستعداد بعد أن ناوله إياه. أمسك الرائد كابون بالمظروف، وقرأ العنوان المكتوب على واجهته بصوت واضح، لتسمعه جيدًا.
“روزيتا فيرهين.”
قلب المقدم كابون الملف بين يديه.
“تصنيف خطورة: الدرجة الأولى. في حال تعذّر القبض عليها، يُسمح بالتصفية في الميدان. بدأت نشاطها كقنّاصة في معركة سوهيرن. أدّت دور القنص في معارك إيفيتا، وماليسي، وروهوت. عادت إلى وطنها سالمة بعد تنفيذ جميع المهام بنجاح، وفق التقديرات.”
كان يقرأ الصفحة الأولى عندما انفجر ضاحكًا فجأة. وما إن تلاشت ضحكته المبتهجة حتى خيّم صمت خانق على المكان. انعكست في عينيه، وهما تحدّقان في روزيتا، لمعة قاتلة وغبطة غريبة.
في هذه الأثناء، ازداد وميض المصباح الكهربائي شدّة. رفع الرائد كابون رأسه ناظرًا إليه لبرهة، ثم أعاد تركيزه على روزيتا. زال أثر الابتسام عن وجهه، فغدا باردًا كالفولاذ، وصوته لم يكن أقلّ قسوة.
“هذا مذهلٌ حقًا، لا يسعني سوى أن أُبدي إعجابي. رغم كونكِ عدوة، فلا مفرّ من الاعتراف بإنجازاتك.”
لكن المعارك المعلنة لم تكن سوى جزء يسير من مهام روزيتا. كان الرائد كابون على دراية بذلك وهو يحدّق في المرأة الجالسة أمامه، بريق عينيها يتوهّج بتحدٍّ صامت. ورغم نحافة جسدها، كان واضحًا أن عضلاتها الصلبة صيغت بخبرة لا تخطئها العين.
وأما عيناها، كيف يمكن لتلك النظرة أن تكون نظرة أسيرة؟ لم تكن نظرة شخص يواجه شبح الموت. وذلك تحديدًا هو ما أثار إعجاب الرائد كابون أكثر من أي شيء آخر. هذه المرأة ثمينة للغاية ليتم إعدامها بهذه البساطة. بل كان واثقًا أنها ستترك أثرًا عميقًا إذا أُزهقت روحها هنا.
لكن، أشخاصٌ كهذه لا يخونون أبدًا من أقسموا لهم بالولاء، لا الوطن، ولا القائد، ولا الأسرة. كان من المؤسف أن تكون عميلةً لبلد معادٍ. ومع ذلك، ألن تتغير الأمور لو تمكن من الإمساك بنقطة ضعفها؟ لو أنها، مثل تيفلون هارتر، اختارت أن تنشقّ بنفسها، لكان ذلك مثالياً.
قلب صفحة أخرى من الملف.
“عميلةٌ أُرسلت من نِياميت. والدها قُتل في المعركة. والدتها توفيت بالمرض قبل خمس سنوات. لا أقارب آخرين. التحقت روزيتا فيرهين بالجيش متطوعةً وهي في التاسعة عشرة. وفي غضون عام واحد، تم اختيارها كعميلة خاصة. يا ترى، كم مسؤولًا من جانبنا أرديتِهم قتلى بيديكِ؟ أراهن أن ما كُتب هنا ليس سوى جزء يسير. هل تودّين مشاركتي الأرقام؟”
طرق بإصبعه السبابة على اللجام الذي يكبّل فمها. ثم ضرب وجنتها وعظم وجنتها المغطى بالدم، قبل أن يسحب يده. بقيت بلا حراك، ما أشعل في داخله رغبة جامحة لتحطيم كبريائها. تُرى، أي موضوع سيكسر صمتها المميت؟
كان يعرف الملف عن ظهر قلب، ومع ذلك واصل تقليب الصفحات دون اكتراث. لا يمكنه تهديدها بأحد أقارب الأسرة، وحتى تهديدها بالموت لن يُجدي، بل ربما يُسعدها. لك، تذكّر الرائد كابون فجأة الرجل الذي جلبها إلى هنا.
تيفلون هارتر.
ذلك الجندي البارد الذي تولى علاج جراحها بيديه ثم كبلها بنفسه. الذي طالب باستجوابها شخصيًا بعد تقديم تقريره إلى القيادة العليا. خائن نِياميت، ورفيقها السابق في الميدان.
لا شك أن روزيتا جاءت من أجله. بل ورد تقريرٌ يؤكد أنها وجهت سلاحها نحوه مباشرة.
“بالنظر إلة المخاطرة بالتوغل في أرض العدو وكشف هويتكِ كقنّاصة، يبدو أن تيفلون هارتر قد خان وطنه دون أدنى شك. وبهذا، يُمكننا تبرئته تمامًا من تهمة التجسّس.”
عندها، ولأول مرة، أصدرت المرأة المقيدة صوتًا. ضحكة خافتة، تحوّلت سريعًا إلى قهقهة مرعبة. دوّى صداها الغريب في أرجاء القبو، كأنما وجدت نكتة قاتلة. استمتع المقدم كابون برؤيتها تتفاعل أخيرًا، فمال صوته إلى النعومة.
“إذن، هل أنتِ مستعدة للتحدث الآن؟”
رفعت روزيتا ذقنها بتحدٍّ. عبس الرائد كابون من وقاحتها، لكنه أشار بيده لإيقاف الجنود الذين اندفعوا غاضبين. أخرج مسدسه من حزامه واقترب، ثم فك اللجام من فمها، لكنه لم يسحبه بالكامل قبل أن يدس فوهة المسدس بين شفتيها، ضاغطًا على لسانها ببرود.
“بهذا الحد، ينبغي أن تكوني قادرة على التحدث بوضوح، أليس كذلك؟”
“حتى ذلك الرجل مثيرٌ للشفقة.”
رغم نبرة حديثها المتعثرة، كان في عيني روزيتا بريقٌ قاتم ينضحُ بعزم مميت.
“من المثير للسخرية أن ذلك الخائن، الذي هجر وطنه وانحنى بالولاء لعدوّه، لم يحظَ حتى الآن باعترافٍ كامل.”
“ولاء؟ وعلى أي أساس تفوهتِ بهذه الكلمات؟”
“من يدري، لكنني بالتأكيد لستُ ملزمةً بتقديم إجابة لكَ.”
“آه، حسنًا، ما دمتِ تظنين ذلك، فلن أعارضكِ.”
كان صوت روزيتا مشوّهاً ومبهمًا، بفعل ضغط فوهة المسدس على لسانها، كأنما خرج من فمِ طفل صغير. التناقض بين صوتها الهش ونظرتها المفترسة أثار ضحك الرائد كابون في النهاية. وبينما خفتت ضحكته شيئًا فشيئًا، تولى تصحيح ما بدا أنه سوء فهم.
“يبدو أن كلماتي حملت معنى خاطئًا. لو لم يُعترف به، فكيف بلغ هارتر تلك المرتبة؟ صحيح أن خلفيّته جعلتهم يعترفون به بعقولهم، وإن ظلّت قلوبهم مترددة في تقبّله.”
“…..”
“ما رأيكِ لو أقدّم لكِ عرضًا؟”
“أرفض. اقتلني فحسب.”
“لقد أزلتُ اللجام وأطلقتُ لسانكِ، أليس من اللائق أن تُظهري قليلاً من الاهتمام؟ هكذا تجري الأمور بين العقلاء.”
نقر المقدم كابون لسانه مستهزئًا، ثم أخرج طلقة من الحقيبة السوداء المثبتة بحزامه. كانت حركاته سلسة، احترافية، تخلو من أي تردد.
ابتسم وهو يدفع بفوهة المسدس أعمق في فمها، حتى لامست حلقها، ما جعل روزيتا تسعل بعنف.
“إذا استسلمتِ كما فعل تيفلون هارتر، فسأتدبّر أمر انضمامكِ إلى جيشنا. تخيّلي أن تتحولي من مجرّدة لا تملكين سوى مناجم فقيرة في نياميت إلى مواطنة عظيمة في إمبراطورية فالين. إنها قفزة هائلة في المكانة الاجتماعية.”
التزمت روزيتا الصمت، بينما واصل الرائد كابون حديثه وهو يراقب تعابيرها محاولًا فك شفرتها.
“أقول هذا لمصلحتك. نياميت في حالة يرثى لها، ونظامها يترنّح على حافة الانهيار. تخيّلي، دولة مهزومة تخرق معاهداتها وتعيد تسليح جيشها بهذه الجرأة. أمرٌ كهذا يتجاوز حدود المنطق السليم.”
─────────────────────
لا تنسوا الضغط على النجمة أسفل الفصل ⭐ وترك تعليق لطيف 💬✨
حســاب الواتبــــاد:
أساسي: Satora_g
احتياطي: Satora_v
انستــا: Satora_v
───────────────
قوة الأرواح والقلوب ذكر الله علاّم الغيوب 🌱:
– سُبْحَانَ اللَّه 🪻
- الحَمد لله 🪻
- لا إله إلا الله 🪻
- الله أكبر 🪻
- لا حَول و لا قوة إلا بالله 🪻
- أستغفِرُ الله الْعَلِيُّ الْعَظِيم وَأَتُوبُ إِلَيْهِ 🪻
– لا إِلَهَ إِلا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ 🪻
– الْلَّهُم صَلِّ وَسَلِم وَبَارِك عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّد 🪻
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 3"