─────────────────────
🪻الفصل الثاني🪻
─────────────────────
“يا لكم من أوغاد! هل تخرقون اتفاقية السلام وتشنون هجومًا مباغتًا؟”
صاح جندي المناوبة الذي كان يقف أمام غرفة التعذيب تحت الأرض، في انفجار من الغضب. بدأ الجنود الآخرون، الواقفون إلى جانبه، يرفعون أصواتهم واحدًا تلو الآخر.
“أوغادُ نِياميت اللعينون. كان يجب أن نعرف منذ أن هددونا بتسليم الأراضي. قلتُ لكم إن هذا سيحدث!”
“لو قبلوا الهزيمة وخضعوا للنتائج، لدفعوا التعويضات بهدوء، لكن أن يطعنونا في الظهر بهذه الطريقة؟ بل إنهم ألقوا القنابل وهم يعلمون بوجود المدنيين! في قلب العاصمة!”
“أليس من الأفضل أن نسلّم الأرض بسرعة وننهي الأمر؟ أصلاً كانت أرض نِياميت منذ البداية.”
“هل تقول هذا لأنك لا تعرف كم من الدماء سُفكت وكم من الأرواح زهقت من أجل قطعة الأرض تلك؟”
صرخ جندي كالصاعقة وضرب بقبضته قضبان غرفة التعذيب الحديدية. رنّت أصوات الحديد المتقاطعة بقوة مع كل ضربة من قبضته. فرك الجندي الذي كان يناقش تسليم الأرض مؤخرة عنقه في حرج وتنحنح. تدخل زملاؤه الجنود الآخرون منتقدين قصر نظره.
استعادت روزيتا وعيها، واستمعت إلى كلامهم دون أن تتحرك. كان الألم شديدًا لدرجة أنها لم تستطع لمس جروحها حتى لو حاولت. كانت جالسة على كرسي، معصماها وكاحليها مقيّدان، وخصرها مربوط بالمسند، فلم تتمكن من الحركة ولو قليلاً.
“لقد عبرت دبابات نِياميت الحدود. يا لهؤلاء المجانين. يبدو أنهم يقولون: لنفعل ذلك بجدية.”
“ما الذي يدفعهم لفعل هذا في وقت يشتدّ فيه البرد؟”
“من كان يتوقع ذلك؟ من كان يظن أن الحرب ستندلع مجددًا؟”
“ما أخبارُ تحركاتِ الدول المتحالفة؟”
“أعلنت الدول الثلاث المتحالفة نيتها في المشاركة، لكن يبدو أنها لم تتخذ أي خطواتٍ عسكرية ملموسة حتى الآن.”
“حسنًا، ماذا يمكن أن تفعل؟ على الرغم من أنهم استفادوا أكثر من الحرب مع نِياميت، إلا أنهم عانوا أيضًا أكثر من غيرهم. علاوة على ذلك، بما أن نِياميت ألغت الاتفاقية من جانب واحد ورفضت دفع التعويضات، فلا بد أنهم يفكرون كثيرًا.”
تنهد الجندي الذي كان يتذمرُ بيأس ثم رد بنبرة غاضبة:
“ومع ذلك، إنهم يُدعون حلفاء، حلفاء! إذا كانوا سيكتفون بهذا الرد المتردد، فلماذا أبرموا معنا الاتفاقية أصلاً؟”
“كيف لي أن أعرف؟ المسؤولون الكبار هم من يعلمون.”
“تبًا! ألن نكون نحن الوحيدون الذين سيتضررون في النهاية؟”
بينما كانت روزيتا تتابع حوارهم مركزة، أبقت رأسها منخفضًا، تتفحص بعينيها فقط المناطق التي اخترقتها الرصاصات. كان كتفاها وفخذاها ملفوفان بالضمادات بإحكام. يبدو أنهم عالجوا جروحها الرصاصية، مما يعني أنها أُخذت أسيرة. استنتجت من كلامهم مجرى الأحداث.
كما توقعت، كانَ هجومًا استباقيًا بالفعل.
كان وطن روزيتا، نِياميت، غارقًا في مرارة الهزيمة بعد خسارة الحرب. مرّت عشرون سنة كاملة منذ انتهت الحرب التي اندلعت بسبب تضارب مصالح الدول، أي منذ إعلان الهدنة.
انتهت الحرب، لكن الوضع الدولي ظل يترنح كمن يمشي على جليد رقيق. خاض عملاء الدول حروبًا استخباراتية، واستمرت الحرب الصامتة دون توقف. كما قال الجنود، وبعد تفكير عميق، وجدت نِياميت، المُثقلة بالتعويضات الهائلة، مخرجًا جديدًا: الحرب. لقد أشعل الرئيس الجديد لنِياميت فتيلها أخيرًا.
“لكن تلك المرأة، هل هي حقًا روزيتا فِرهين؟”
سأل جنديٌّ بحذر، فأجابه آخر إجابة جافة وهو يبتلع ريقه:
“نعم، إنها تشبه تمامًا الوجه الموجود في قوائم المطلوبين لدينا.”
“قيلَ إنها شقراء.”
“يمكن تزييف لون الشعر بسهولة، لكن لون عينيها الأزرقُ السماوي صحيح. وقد أكد الرائد هارتر ذلك بنفسه.”
“إذن، هذه هي روزيتا فِرهين التي سمعنا عنها في الشائعات فقط؟ تلك الفتاة الصغيرة قتلت أخي؟ يجب أن أوقظها الآن. سأستجوبها بنفسي قبل أن يصل ضابطُ التعذيب.”
“اهدأ وابقَ ساكنًا. هذه أوامر من الأعلى.”
“لا يمكنني تصديقُ هذا، أرى عدوي أمام عيني ويُطلب مني أن أكتفي بالنظر!”
قناصةٌ بارعة. راميةٌ لا تخطئ هدفها. روزيتا فِرهين، التي تحمل اسمًا مجيدًا في وطنها وتزرع الرعب في قلوب أعدائها. لقد أسروا عميلةً من النخبة في جيش العدو، جديرة بوسام شجاعة، لكن معنويات جيش فالين لم ترتفع على ما يبدو.
لا داعي لإهدار الغضب بلا جدوى بين أعداء متبادلين. أفضل أن أقتله فحسب. فكرت روزيتا، وابتلعت ضحكة جافة ساخرة. مع اشتداد الألم، بدأت ذكرياتُ الماضي غير المرغوبة تعبر ذهنها كالومضات. أسوأ ما يمكن.
وُلدت روزيتا وترعرعت وسط الحرب. عندما فتحت عينيها وأدركت العالم من حولها، كان المشهد الأول الذي رأته هو جحيمٌ مليء بصرخات الناس وجثث الموتى المتناثرة. كانت القنابل تسقط من السماء بدلاً من قطرات المطر أو رقائق الثلج، وكانت الرصاصات تتطاير من كل حدب وصوب.
حتى حينما حلّ الليل، لم تستطع أن تغفو. كان الرعب من أن تطالها نيران الحرب مجددًا جاثمًا على صدرها، ينهش سكينتها، لتقاوم كل يوم بصعوبة بالغة. ظلت تلك الذكريات منقوشةً في ذهنها بوضوح مؤلم. لقد شهدت الحرب وعاشت حتى رأت إعلان انتهائها بعينيها، لكنها كانت حينها طفلة صغيرة. كان يفترض أن تتلاشى تلك الذكريات مع الزمن، لكنها بقيت حادة كالنصل.
وسط هذا الخراب، نبت في قلب الطفلة روزيتا حلمٌ واحد. أن تنضم إلى الجيش وتصبح جنديةً بارعة. لم يكن هناك سبب واضح أو دافع عظيم؛ بدا وكأنه قرارٌ تشكّل في أعماقها بشكل طبيعي مع مرور الأيام. على عكس جيوش الدول الأخرى التي كان ضباطها من طبقة النبلاء، كان جيش نِياميت يفتح أبوابه أمام أي شخص يمتلك الكفاءة. لم تكن هناك حواجز تمنع الجنود العاديين من شق طريقهم إلى القمة، ما داموا يملكون المهارة.
في عالمٍ تعصف به الفوضى، كان أسرع وأضمن طريق لتحقيق المكانة هو الانخراط في الجيش وصناعة الأمجاد. ولهذا السبب أصبحت جندية، ولم تشعر روزيتا بالندم قط على هذا القرار، حتى وهي الآن أسيرة في قبضة أعدائها. لقد حققت الكثير في حياتها، فلم يكن لديها ما تتحسر عليه.
ما ظلّ يعتصرُ قلبها هو أنها لم تتمكن من القضاء على الخائن بيدها. رغم ذلك، بقيت روزيتا مخلصة لشرف جيش نِياميت، مما فرضَ عليها أن تكبح رغباتها الشخصية وتلتزم بالقواعد العسكرية. كل ما كانت ترجوه أن يتمكن رفاقها من نيل العدالة والانتقام من الخائن.
إذا وقعتَ في الأسر، فانتحر.
كيف لها أن تنسى هذا الأمر؟ كان أول ما لُقِّنَت به حين أصبحت عميلة في الوحدة الخاصة. أن تموت أثناء تنفيذ المهمة كان شرفًا لجنديٍّ مثلها. بحركة خفية، حاولت أن تحرك لسانها المثقل باللجام، باحثةً خلف ضرسها عن الكبسولة السامة. لكنها لم تجدها.
كما هو متوقع، تيفلون هارتر، هذا من فعلك. لم يكن هناك سواه ليفعلها. لا بد أنه أزالها مسبقًا، إذ يعرف موضعها بدقة.
حتى لو أرادت أن تعضّ لسانها لتضع حدًا لحياتها، كان اللجام يحول بينها وبين ذلك. شعرت أن أي حركة زائدة قد تربك أنفاسها، فآثرت السكون. لم يكن عليها سوى انتظار الفرصة. عاجلًا أم آجلًا، سيتوقفون عن تكميم فمها، وعندها ستجد لحظة مناسبة لإنهاء حياتها. وحتى ذلك الحين، أصغت باهتمام إلى حديثهم تحسّبًا لأي فرصة للهرب.
عند حافة زنزانتها، كان أحد الجنود يركل القضبان غاضبًا وهو يهدر بأنه يجب أن ينتقمَ لأخيه. لكنه ما لبث أن تراجع إلى الخلف بعد لحظة من الغليان. حاول رفاقه، وكأنهم يثنون على رباطة جأشه، تهدئته بلطف.
“تحمّل حتى يحصل المحققون على الاعتراف. سأطلب من عمي شخصيًا أن يمنحكَ إياها.”
“ماذا؟”
“أنت تريد التنفيس عن غضبك، لذا عندما ينتهون منها وتصبح عديمة الفائدة، سأجعلها لك.”
لا يمكنني سوى أن أشعر بالشفقة. لا تدري أنني سأكون جثة قبل ذلك.
تمتمت روزيتا في سرها، ساخرة من أملهم المريض. إن أرادوا التنفيس عن غضبهم، فليفعلوا بجثتها ما شاؤوا.
“عندما أفكر في ذلك، تفكيركَ قصير. تلكَ المرأةُ فاتنةٌ للغاية.”
وبعد هذه الكلمات، انحدر الحديث إلى مستنقع من النكات الوضيعة والتفاخر المبتذل. تبادلوا قصصًا فاجرة عن النساء اللواتي وقعن في أسرهم، عن كيفية إذلالهن ومصيرهن البائس. رغم أنها لم تكن ترغب بسماع شيء، إلا أن كلماتهم القذرة كانت تلسع أذنيها، فهذه الحقائق المظلمة كانت مألوفةً لديها تمامًا.
مثيرٌ للاشمئزاز.
لم تكن الحرب عادلة قط. بل كانت أكثر قسوة على من لا يملكون قوة الدفاع عن أنفسهم.
بينما كانت روزيتا تكتمُ ضحكةً مريرة على سخافة الموقف، دوّى صوت فتح باب صدئ. تبع ذلك وقع أقدام عسكرية تقترب بخطى محسوبة في صمت.
“لقد وصلت، حضرة الرائد كابون!”
“كيف حال الأسيرة؟”
“لم تستعد وعيها بعد. هل ترغبُ في أن نبلغك عند استيقاظها؟”
“لا. أيقظوها الآن، لا وقت لدينا.”
رنّ صوت قفل يُفتح، وتلاه صرير القضبان وهي تُسحب جانبًا. غُمرت الزنزانة بوقع دلو يُملأ بالماء. يد غليظة أمسكت برأس روزيتا وأرغمتها على إمالته للخلف. فجأة، ارتطمت مياه باردة كالجليد بوجهها.
“مرحبًا أيتها الأسيرة الجميلة من نِياميت. أخيرًا ألتقيكِ وجهًا لوجه. أتعلمين؟ لقد سببتِ لي الكثير من المتاعب. بفضلكِ، لم أعد أملكُ وجهًا أقابل به قادتي.”
فتحت عينيها، لتلتقي بنظرات الرجل الذي كان يمسك بخصلات شعرها. ابتسم ابتسامة زائفة، تنضح بالسخرية.
“طلبَ منّي الرائد هارتر أن أتحلى بالصبر. لكن، ماذا يمكنني أن أفعل، لقد نفدَ صبري.”
شدّ رأسها بعنف إلى الجانب، وكأن شعرها سينتزع من فروة رأسها. رغم الألم، حافظت روزيتا على نظرتها الثابتة نحوه.
“كما هو متوقع، أنتِ روزيتا فيرهينداور الشهيرة ذات السمعة السيئة. لديّ فضولٌ لأعرف كم ستتحملين قبل أن تنهاري.”
ترك الرائد كابون شعرها وتراجع خطوة، ثم مال برأسه مبتسمًا ابتسامة باردة.
“حسنًا إذن، لنبدأ الاحتفال.”
─────────────────────
لا تنسوا الضغط على النجمة أسفل الفصل ⭐ وترك تعليق لطيف 💬✨
حســاب الواتبــــاد:
أساسي: Satora_g
احتياطي: Satora_v
انستــا: Satora_v
───────────────
قوة الأرواح والقلوب ذكر الله علاّم الغيوب 🌱:
– سُبْحَانَ اللَّه 🪻
- الحَمد لله 🪻
- لا إله إلا الله 🪻
- الله أكبر 🪻
- لا حَول و لا قوة إلا بالله 🪻
- أستغفِرُ الله الْعَلِيُّ الْعَظِيم وَأَتُوبُ إِلَيْهِ 🪻
– لا إِلَهَ إِلا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ 🪻
– الْلَّهُم صَلِّ وَسَلِم وَبَارِك عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّد 🪻
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
في مشكلة حالياً في الموقع تتعلق بأرشفة الفصول الجديدة بعد نشرها، وراح يتم حلها قريباً إن شاء الله.
وكإجراء احتياطي نرجو منكم الاحتفاظ بنسخة من الفصل بعد نشره على الأقل لمدة يومين أو ثلاثة أيام، لو صار أي خلل مفاجئ.
كما نوصي بمراجعة الفصل المنشور خلال هذه الفترة للتأكد من ظهوره بشكل سليم، ومن عدم حدوث أي خلل تقني أو أرشفة خاطئة.
نعتذر عن الإزعاج، وشكراً على صبركم وتعاونكم الدائم
— إدارة الموقع Hizo Manga
التعليقات لهذا الفصل " 2"