لم يكن مايكل ، على عكس الزّوجين اللذين تناولا وجبتهما الأولى متأخّرة ، بحاجة إلى أكثر من وجبة غداء خفيفة.
لحسن الحظّ ، كانت ثمار الشّجرة المتبقّية من الإفطار وفيرة ، فقرّر إطعامها له ، لكنّ المشكلة كانت أن يساريس ذهبت لقضاء حاجة تاركةً المكان لفترة وجيزة.
“……”
“……”
وجدت عينا الأب و ابنه الحمراوان نفسيهما تواجهان بعضهما عبر طاولة متواضعة. بعد لقائهما الأوّل الذي لم يتبادلا فيه سوى إيماءات الرّأس كتحيّة ، بدا الموقف محرجًا جدًّا.
في الحقيقة ، كان كازان هو الوحيد الذي يهتمّ بالأجواء.
أمّا مايكل ، فقد كان ينظر إلى كازان ببلاهة و يمضغ الفواكه دون أيّ تفكير.
راقب كازان هذا المشهد بحيرة ، ثمّ قال بجفاء: “أنا أبوك”
“……؟”
واصل مايكل المضغ ، و خدّاه متورّدان من الفواكه.
لم يجب، بل اكتفى بتحديق عينيه الكبيرتين البرّاقتين ، وهي سمة مميّزة للأطفال ، نحو كازان.
تساءل كازان إن كان الطّفل يفهم ، فكرّر: “أنا أبوك. نادني أبي”
واصل مايكل المضغ ثمّ ابتلع الثّمرة أخيرًا ، لكن بدلاً من الرّد ، تجاهل كازان و تناول قطعة أخرى.
بدا و كأنّه لم يسمع شيئًا أصلاً.
“هذا الصّغير …”
هل يتجاهلني عمدًا؟ أنا متأكّد أنّه كان يتحدّث مع يساريس بسهولة.
عبس كازان قليلاً و هو يحدّق بمايكل.
كان هذا التّهديد كافيًا ليجعل طفلاً لم يكمل عامه الثّاني يبكي ، لكن مايكل لم يكن ينظر إليه حتّى ، فلم يتأثّر.
“آام.”
أمسك مايكل بيديه الصّغيرتين ثمرة بحجم قبضته و تناولها بنهم. القوام النّاعم المتفتّت و الطّعم الحامض الحلو استوليا على انتباه الطّفل بالكامل.
واصل مايكل الأكل ، بينما راقبه كازان بنصف إحباط.
حاول فعل شيء خلال غياب يساريس ، لكنّ الطّفل كان مفتونًا بالثّمار أكثر من اللازم ، فلم يتسنّ له إجراء أيّ حوار.
“يأكل جيّدًا.”
يبدو أنّ ذوقه يشبه يساريس. و قدرته على انتقاء البذور تشير إلى ذكاء لا بأس به.
تفحّص كازان مايكل الذي يشبه يساريس كثيرًا.
كان الطّفل يحمل دماء تينيلاث ، المعروفة بشعرها الأسود النّادر بين الأرستقراطيين ، لكنّ شعره البلاتيني كان مدهشًا.
حالة نموّه كذلك.
بحساب تقريبي، يجب أن يكون عمره بين 15 و 18 شهرًا ، لكنّه بدا أصغر ممّا توقّع، و نطقه غير واضح. كان مشابهًا لأخيه الذي توفّي قبل أن يكمل عامه الأوّل.
“هل هذا معدّل النّمو الطّبيعي؟”
يبدو أنّ خصائص تينيلاث ، التي تتميّز بالنّمو السّريع ، لم تنطبق على مايكل.
إنّه مجرّد ابن ليساريس. مايكل كان يُعبّر عن ذلك بكلّيته.
ربّما لهذا كانت يساريس أكثر تعلّقًا بمايكل.
تذكّر كازان، بمزاج ثقيل، ما حدث سابقًا.
يساريس، التي تبقي مسافة من زوجها الذي لم يعد يحمل ذكريات سيّئة، كانت تُغدق حبّها على ابنها كما لو أنّها لا تستطيع العيش بدونه.
كان واضحًا منذ أن بحثت عن الطّفل أوّلاً مدى اهتمامها به.
أظهرت أيضًا كيف تتصرّف عندما تحبّ شخصًا بصدق.
أثار ذلك شعورًا بالخسارة لدى كازان.
<لم أعد أحبّك ، كاين>
كانت كلمات يساريس صحيحة. لقد تخلّت عن حبّها لكاين بصدق.
ربّما لم يكن ذلك التّعبير دقيقًا.
ففي النّهاية ، هو من دمّر كلّ شيء.
على الرّغم من أنّ العلاقة الجديدة التي أسّساها بدأت بشكل جيّد ، كان كازان يعلم أنّ ذلك لم يكن بسببه.
لو أنّ كوابيسه التي تسبّب بها لها زالت ، لكانت يساريس تعاملت مع أيّ شخص بنفس الطّريقة التي تعاملت بها معه.
كما في أيّام الأكاديميّة.
“هل تحدّثتما معًا؟”
“يساريس”
استفاق كازان من أفكاره على صوت يساريس و أدار رأسه.
رآها تقترب ببطء ، وجهها متجهّم قليلاً من الألم بسبب الجهد الذي بذلته.
“عندما نعود إلى أوزيفيا ، سأصف لكِ مسكّنات أقوى”
“سنذهب بعد أيّام ، أليس كذلك؟ بحلول ذلك الوقت ، سأكون أفضل”
هزّت يساريس رأسها وكأنّها تقول إنّها بخير، ثمّ جلست بين زوجها وابنها.
“لقد أكلتَ الكثير بالفعل، مايكل. هل أعجبك الطّعام؟”
“أوونغ.”
أومأ مايكل و فمه مملوء بالفاكهة.
كان مختلفًا عمّا فعله عندما تحدّث إليه كازان.
شعر كازان بانزعاج غامض ، فرفع حاجبيه ، لكنّ الأمّ وابنها كانا منشغلين ببعضهما ولم يلاحظاه.
“اترك يديك قليلاً، دعني أمسح فمك.”
“أوو.”
“هكذا، بارع … بعد أن تنتهي من الأكل، هل نذهب للغسيل؟”
“أونغ.”
“قل نعم.”
“ميي.”
استمرّ مايكل في المضغ ، لكنّ عينيه دارتا بحيويّة.
على الرّغم من شبعه ، أمسك ثمرة أخيرة بنهم ، لكن عندما أمسكت يد غريبة الجهة المقابلة ، فتح عينيه بدهشة.
“سأنزع البذور لك.”
“… أو.”
“أو؟”
تساءل كازان إن كان ذلك موافقة ، لكنّه عندما انتزع الثّمرة ، انفجر مايكل بالبكاء.
“وآآآء!”
“كاين! كيف تأخذ الطّعام من الطّفل؟”
“لم أقصد ، كنتُ سأنزع البذور فقط …”
“أعطني إيّاها.”
قبل أن يتمكّن كازان من التّبرير ، انتزعت يساريس الثّمرة منه. نظر إليها بحيرة ، لكنّها كانت منشغلة بتهدئة مايكل.
“اهدئ يا صغيري ، ها قد عاد الطّعام اللذيذ. هل تريد أن أطعمك؟ هيّا، آ …”
“أوو … آآ”
“أنت تأكل جيّدًا ، هيا يا ميكايل. أنت بارع جدًّا”
“……”
نظر كازان إلى المشهد العائلي الدّافئ و شعر بالعزلة. توقّع هذا عندما كان يراقب من بعيد ، لكن يبدو أنّه كان حقًّا ضيفًا غير مرغوب به.
بل كان غريبًا تمامًا.
نظر كازان إلى يده الفارغة. كانت لحظة تافهة مضحكة ، لكنّه لم يفهم لماذا شعر بهذا الفراغ.
بينما كان يجلس بصمت ، غارقًا في شعور بالظّلم دون غضب ، تغيّر مجرى الحديث.
“سآخذ البذور ، مايكل. هل تريد هذا الجزء؟ … هكذا ، أليس أسهل؟”
“أوونغ …”
“كاين كان يحاول فعل هذا. في المرّة القادمة ، لا تبكِ وانتظر ، حسنًا؟ دعنا نعطي أبيك فرصة”
“أوو.”
“قل نعم، يا صغيري.”
“ميي.”
ابتسمت يساريس بحنان و قبّلت جسر أنف مايكل.
“أحسنت يا ابني. تستمع لكلام أمّك جيّدًا.”
“أو؟”
“نعم، بارع. مايكل الأكثر براعة وجمالاً في العالم.”
كانت يساريس تلامس خدّ مايكل النّاعم بعشق واضح، ثمّ لاحظت نظرة كازان المتجمّدة. شعرت بالحرج وسعلت بخفّة.
“إذا أخذتها فجأة ، سيخاف الطّفل. لقد أريتك كيف تفعل ، ففي المرّة القادمة ستفعلها جيّدًا، أليس كذلك، يا عزيزي؟”
لم يجب كازان فورًا.
كان تصرّف يساريس ، الذي يصنع له مكانًا في عالم الأمومة الممتلئ ، يُستوعب ببطء.
لم يكن متأكّدًا من مشاعره بالضّبط، لكنّ شيئًا واحدًا كان واضحًا.
مهما فعل ، لن يتمكّن من الهروب من يساريس أبدًا.
طوال حياته.
* * *
“هل هناك شيء آخر لتحزيمه؟”
“هذا كلّ شيء.”
مضت أيّام قليلة، و حان وقت العودة إلى أوزيفيا.
بما أنّ القصر الإمبراطوري مزوّد بكلّ شيء، لم تحزم يساريس سوى ألعاب مايكل المفضّلة وبعض الملابس.
وإن أضفنا، بعض الحليّ.
نظرت يساريس فجأة إلى الخاتم في إصبعها الصّغير باليد اليمنى. كان عليها فعل شيء قبل المغادرة.
“لحظة، سأكتب رسالة وأعود.”
“رسالة؟”
“هناك شخص أعارني المنزل، تُدعى لينا. أريد أن أعبّر عن شكري.”
نست يساريس الكثير من محادثاتها مع لينا، لكنّها تذكّرت أنّها كانت تروي قصصًا عن طفولة والدتها.
كانت صداقة قديمة، وشخصًا كريمًا قبِلها في القرية وحماها، لذا كان من المناسب ترك كلمة شكر.
“هل تعرفين من هي هذه المرأة؟”
“إنّها مالكة القرية … لماذا؟”
“لا شيء. اكتبي رسالتكِ و تعالي”
نظرت يساريس إلى كازان باستغراب، ثمّ هزّت كتفيها.
غادرت بعد إيماءة، وعادات بعد قليل برسالة مكتوبة بخطّ أنيق.
طوَت الورقة بعناية ووضعتها في مظروف، ثمّ وضعته على الطّاولة لتنهي تحضيرات الانتقال الأخيرة.
“الآن يمكننا المغادرة. مايكل ، تعالَ إلى هنا. امسك يد أمّك و هيّا بنا”
“هذا!”
“كاين سينقله.”
كان إحداهما زوجة مصابة ، و الآخر طفل صغير.
حتّى لو كانت يساريس بصحّة جيّدة ، لكان كازان حمل كلّ شيء.
أمسك صندوق ألعاب ميكايل تحت ذراعه دون كلام.
و في الوقت المحدّد ، ظهر رجل عجوز بعيون ذهبيّة لامعة في مكان مظلّل خلف الأرض الخالية.
“يبدو أنّك أقنعتهم بسلاسة أكثر من المتوقّع. هل نذهب الآن؟”
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات