أُربِكَت يساريس من الاسم الذي طُرح فجأة. لم تتوقّع أبدًا أن يُذكر اسم أمّها من فم هذه المرأة بالذّات.
ليليا تشيرنيان.
هي محظيّة مملكة فيراين ، و معروف عنها أنّها من عامّة الشّعب القادمة من المناطق القطبيّة. تزوّجت من الملك بعد أن وقعت عيناه عليها في منتجع قضى فيه عطلته.
حتّى يساريس ، التي سمعت قصّة حبّهما مباشرة من ليليا ، لم تكن تعرف سوى هذا. لذا ، كان من الطّبيعي ألّا تتوقّع أن تكون لأمّها صلة بمحاربة غامضة و قويّة.
“هل أنتِ حقًا ابنة ليليا؟ ذات الشّعر الفضّي و العينين الزّرقاوين؟”
“هذا صحيح … لكن ما علاقتكِ بأمّي؟”
“ألم تذكرني لكِ؟”
أغلقت يساريس فمها مرتبكة.
من طريقة حديثها ، يبدو أنّ لها علاقة وثيقة بأمّها ، لكنّها لم تسمع شيئًا عن ذلك ، فشعرت بالذّنب دون سبب.
“حسنًا ، لا بأس. أرى من تعابيركِ أنّكِ لا تعرفين شيئًا. من الغباء أن أتوقّع شيئًا من فتاة هربت من بيتها”
“ماذا؟”
“اركبي الآن. لننتقل من هنا و نتحدّث. ألم تكوني هاربة؟”
حاولت يساريس ، التي سمعت فجأة عن ماضٍ مذهل لأمّها ، أن تمحو كلمة “الهروب” من ذهنها. كبحت أيضًا فضولها حول العمر الحقيقي لهذه المرأة التي تبدو في العشرينات.
بدلاً من ذلك ، طرحت بحذر الموضوع الذي كان يدور بينهما قبل لحظات.
“أنا … طفلي …”
“لن أنتزعه منكِ. أنا لستُ بلا ضمير. آه ، قبل أن نذهب ، دعينا نزيّن المكان قليلاً. نضع بعض الدّماء أوّلاً … و ربّما ننثر بعض الشّعر؟ لنجعل الأمر يبدو و كأنّكِ أنتِ بالتّأكيد. الشّعر الأشقر البلاتيني نادر ، أليس كذلك؟”
شعرت بالغباء لأنّها كانت تكافح لحماية طفلها قبل دقائق فقط ، بينما بدت المرأة تتجاوز الأمر بلا مبالاة.
المرأة ذات الشّعر الأزرق الدّاكن نفّذت كلامها على الفور.
أخرجت حيوانًا كانت تحتفظ به في أمتعتها كغذاء للغريفين ، و طعنته بالخنجر مرّات عديدة.
عندما تراجعت يساريس متشنّجة من رذاذ الدّم الغزير ، جاءها صوت رتيب: “لماذا تقفين مذهولة؟ انزعي ملابسكِ”
“ماذا؟”
“سأعيركِ ردائي ، فارتديه ، و أعطيني ملابسكِ. سأمزّقها و أرميها”
“آه ، حسنًا”
“لقد هربتِ إلى هنا ، أليس كذلك؟ للأمان ، ربّما من الأفضل أن تصرخي قبل أن نغادر. هل تجيدين التّمثيل؟ أم أطلب من فين أن يتظاهر بأكلكِ؟”
“… سأحاول بمفردي”
تمّ تزوير موت يساريس في لحظات.
آثار أقدام الوحش الملطّخة بالدّم جعلت الجوّ مخيفًا. و زاد من الواقعيّة أنّ الغريفين بالفعل مزّق الملابس و أكل بعضها.
و أخيرًا …
“لماذا؟ هل لا زلتِ متعلّقة به؟”
“لا.”
أمسكت يساريس بخاتم زواجها ، الذي كانت تنظر إليه بهدوء ، و نزعته دفعة واحدة من إصبعها اليسرى.
على الرّغم من أنّ الأثر بقي بسبب ارتدائه لفترة طويلة ، شعرت بارتياح و خفقان قلبها عندما تخلّصت أخيرًا من هذا القيد.
يبدو الأمر كحلم. سعادة لا تُصدّق.
على الرّغم من شعورها بالذّهول من الحظّ المفاجئ ، كانت متأكّدة من شيء واحد.
لقد انتهى كلّ شيء إلى الأبد.
مع كازان تينيلاث.
ابتسمت يساريس أخيرًا ، و سقط خاتم الزّواج من يدها.
* * *
مضى عام منذ اختفاء الإمبراطورة.
و منذ ستّة أشهر بدأت الشّائعات تنتشر بأنّ الإمبراطور قد جنّ.
“يبدو أنّكَ أيضًا تعتقد أنّ الإمبراطورة ماتت ، أليس كذلك؟”
“لا ، لا ، جلالتك! أنا فقط …”
تشاك-!
سُرعان ما تدفّق الدّم من العنق المقطوع قبل أن يتمكّن من إكمال تبريره.
سقط الجسد الذي فقد حياته ظلمًا على الأرض ، لكنّ المحيطين به أغمضوا أعينهم بقوّة ، متجنّبين المشهد القاسي.
في المكان المتجمّد ، نفض كازان سيفه ببرود.
بدا و كأنّه يشعر بالملل و هو يقتل النّبيل دون أن يرمش له جفن.
“يا للغباء. ألم أقل إنّ الشّك فيّ يُعتبر خيانة؟”
“….”
لم ينطق الميّت ولا النّاجون بكلمة.
استدار كازان دون تردّد في المكان المملوء بالصّمت.
“تنتهي الجلسة اليوم هنا”
“حاضر ، جلالتك”
تولّى الدّوق جيفكين باريليو تنظيف الموقف بعد مغادرة الإمبراطور.
أرسل النّبلاء إلى الخارج و استدعى الخدم للتّخلّص من الجثّة بسرعة.
لم يعد أحد يحاول إسكات النّبلاء بعد تكرار الحادث عدّة مرّات. بل شُجّع على نشر الخبر لمنع ظهور أيّ مجنون آخر يجرؤ على استفزاز الإمبراطور.
“تتعب كثيرًا اليوم أيضًا”
“الدّوق بليك”
استدار جيفكين عند سماع صوت مألوف و أومأ برأسه تحيّة خفيفة.
رحّب به تيمسيان بوجه هادئ ، كأنّه لم يرَ الحادث المروّع الذي وقع للتّو.
“كنت أتمنّى لو تعود الإمبراطورة قريبًا ، لكنّ الأمر مؤسف”
“… لا مفرّ من ذلك. بالتّأكيد لديها ظروف لا مفرّ منها”
أجاب جيفكين ببرود ، لكنّه وجد الموقف مضحكًا للغاية.
إمبراطور يصرّ على أنّ الإمبراطورة الميّتة لا زالت حيّة.
و دوق بليك يتبع أوامره فقط لأنّ الإمبراطور قال ذلك.
و من سوء الحظّ أنّ جيفكين هو الشّخص الوحيد القادر على التحكّم بهما و لو قليلاً ، فكان عليه تحمّل معظم مهام التّسوية و التّنسيق.
“سأتولّى الأمر هذه المرّة أيضًا ، لكنّ القلوب مضطربة داخل القصر و خارجه مؤخرًا ، و هذا مقلق”
“ههه ، لكن بفضل جهود الدّوق باريليو ، يتصرّف جلالته بحرّيّة ، أليس كذلك؟”
“كان بإمكان الدّوق بليك مساعدتي أيضًا”
“أوه ، أنا مجرّد رجل في منتصف العمر بلا قوّة، أتحرّك فقط بأوامر جلالته”
كاد جيفكين أن يردّ على مزاح تيمسيان ، لكنّه توقّف.
في الواقع، إذا تحرّك تيمسيان، فمن المرجّح أن يتحوّل الموقف إلى بحر من الدّم بدلاً من التّسوية، لذا كان من الأفضل تجنّب هذا المقامرة الخطيرة.
“إن لم تكن هنا للمساعدة، فما الغرض من عودتك؟”
ألم يغادر متحمّسًا مع النّبلاء بعد انتهاء الاجتماع مبكرًا؟
عندما سأله عن سبب عودته الخفيّة ، تنحنح تيمسيان و قال: “سمعتُ شيئًا غريبًا في طريقي للخروج. قالوا إنّهم سيبحثون عن الإمبراطورة ليوقفوا هذه المرّة طغيان جلالته. بما أنّ الدّوق باريليو دعم الإمبراطورة سابقًا ، فكرت أن أنبّهك قبل أن يحدث شيء”
“يا لها من …”
توقّف جيفكين للحظة لاختيار كلماته.
كان سيلفّها بعبارات راقية ، لكنّه أدرك من أمامه و ألقى كلمات غير مهتمّة: “خطّة غبيّة. منذ متى تعرّضت الإمبراطورة للأذى من جلالته؟”
* * *
طاك-!
“قلت إنّني لن أفعل!”
نهضت رونيليا من مكانها و هي تضرب الطّاولة ، فتبعها الجالسون مقابلها واقفين تلقائيًا.
“جلالتكِ!”
“الكونت تاكيون ، هل أنت من حرّض على هذا؟ هل تحاول التّخلّص منّي؟”
“مـ، ماذا تقولين؟!”
“كيف يمكنني التلاعب بـفِرَق البحث عن الإمبراطورة؟ مجرّد كلمة واحدة ستجعل جلالته يلوّح بسيفه!”
أخرج الكونت تاكيون عرقًا باردًا وسط صراخ مليء بالغضب.
توقّع أن الإمبراطورة قد ترفض ، لكنّه لم يتخيّل أن يكون ردّ فعلها بهذا العنف.
“لم أقل إنّ عليكِ إيقافهم. فقط اقترحت أنّه إذا قلّلنا عدد الأشخاص في البحث قليلاً و استخدمناهم في مكان آخر ، ألن يكون ذلك مفيدًا؟”
“هذا هو نفس الشّيء. أنتم تخافون على أرواحكم ، فتدفعونني للقيام بما لا تستطيعونه. إن لم يكن هذا محاولة اغتيال ، فماذا إذًا؟”
“لكن جلالته يهتمّ بكِ أكثر منّا، أليس كذلك؟”
كأنّما وُخزت في نقطة ضعف مخفيّة ، صرخت رونيليا بعنف:
“عن أيّ إهتمام تتحدّثون؟ ألا تعلمون أنّ جلالته مفتون بالإمبراطورة الأولى و ليس بي؟! اخرجوا من هنا ، لا أريد رؤيتكم!”
“حـ، حسنًا، نعتذر”
تحت وطأة هجمتها وكأنّها سترمي شيئًا، هرب الكونت تاكيون و مجموعته مرتبكين. و بالفعل ، ما إن أغلق الباب حتى تحطّم كوب شاي بصوت مدوٍّ.
“حقًا، هؤلاء النّاقصون يُدعَون نبلاء!”
تُركت رونيليا وحيدة في غرفة الاستقبال ، تتنفّس بغضب و تفرّغ غيظها في الأشياء.
شعرت بإهانة كبيرة عندما تحدّثت عن الأسباب التي تمنعها من الفعل، فلم يهدأ غضبها بسهولة.
لو كانت الإمبراطورة يساريس ، لتقدّمت دون تردّد و نجت.
أصلاً ، أليس الإمبراطورة هي السبب في جنون الإمبراطور المستمرّ؟
كرهت رونيليا يساريس التي لا زالت تُثير شعورها بالنّقص حتّى بعد موتها. لم يعد بإمكانها السّخرية منها لتفريغ ضغطها، فتاه غضبها دون وجهة.
“كان من المفترض أن يكون ملكي …”
كان يجب أن يكون الإمبراطور ملكي بالتّأكيد.
صرّت رونيليا على أسنانها. لم تستطع فهم كيف انتهى بها الأمر في هذا الوضع.
عندما عاد الإمبراطور من رحلته في حالة يُرثى لها، دون الإمبراطورة، ظنّت أنّ الفرصة أتت أخيرًا.
تخيّلت أنّه إذا رعته وعزّته، سيفتح قلبه لها قريبًا، فغرقت في أحلام ورديّة.
لكنّ خطتها انهارت منذ اليوم الأوّل لعودة كازان، عندما تعافى جسديًا.
جرعات السّحرة تزيد الشّفاء مؤقّتًا، لكنّها لا تعالج الإصابات الخطيرة، فكيف فعل ذلك؟
“هل هو بشري أصلاً؟”
تمتمت دون وعي، ثمّ أغلقت فمها مذهولة بنفسها.
كم من النّاس قُطعت رؤوسهم مؤخرًا بسبب كلمة نابية؟
نظرت بحذر في الغرفة الخالية وتنهّدت.
هل يجب أن أكون خائفة إلى هذا الحدّ؟
“يا للغيظ.”
ركلت الكرسيّ بقوّة.
موقعها كإمبراطوريّة، ومجال نشاطها، وأشخاصها، كلّ شيء بقي كما هو، لكن الكثير تغيّر.
كلّ هذا بسبب جنون الإمبراطور.
لم يكتفِ بتدمير مملكة هيرتي، بل جعل الأراضي الحدوديّة قاحلة لا يعيش فيها شيء.
على الرّغم من مرور أكثر من عام على اختفاء الإمبراطورة، لا زال يتصرّف كما لو كانت حيّة. أرسل أعدادًا هائلة من الأشخاص المهرة للبحث عنها.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات