كانت ساي تمشي بصمتٍ فحسب. خرجت في نزهةٍ صباحيّة لترتيب أفكارها، لكنها لم تزدها إلا اضطرابًا.
‘ليس لديّ وقت لأتأثّر بهذه الطريقة أمام هذا الرجل. إنْ لم أكتشف نوايا والدي وأستعدّ لها، فسأظلّ قلقة.’
“إنْ واصلنا السير هكذا، فسوف نتأخّر عن وقت الصباح.”
حين قال بنجامين ذلك، رفعت ساي رأسها لتنظر إليه وقد ظنّت أنّه يريد قول شيءٍ آخر.
فجأة، امتدّت يد بنجامين وأمسكت بيد ساي.
“لِكي لا نتأخّر، علينا أن نُسرع قليلًا.”
ولم تُتح لها الفرصة لتسحب يدها، إذ شدّ بنجامين يدها برفقٍ وثباتٍ معًا، وسار بخطًى معتدلةٍ وهو يُمسك بها بحذرٍ واهتمام.
كان بإمكانها أن تسحب يدها إن أرادت.
وكانت ترغب، في داخلها، أن تُظهر انزعاجها أو تَدلّل قليلًا.
لكنّ يدها كانت تَخز بخفّةٍ من دفء لمسته، فلم تستطع ذلك. سارَت ساي صامتة، تُمسك بيده وهي تمشي إلى جانبه.
كانت الرّيح تتسلّل بين الأشجار وتداعب أصابعها المتشابكة بأصابعه، ثمّ تنسحب وتعود مرارًا.
وعلى الرّغم من خيبة أملها، أرادت ساي أن تُبقي يدها في مكانها، وألّا تُفلتها.
أن تظلّ تسير هكذا، طويلًا.
—
انتهت وجبة الطعام في هدوءٍ تامّ.
طرح بنجامين بضع أسئلةٍ قصيرة، فأجابتها ساي بإيجازٍ شديد. كان يمكن القول إنّها لا تزال منزعجة، لكنّها لم تستطع منع مشاعرها من الظهور.
ولأنّ ساي قالت إنّها لا ترغب في الأكل، اختفى طبق الفطر من على المائدة.
وحين قُدّم الحلوى الطريّة مع الشّاي، بدأت ساي تشعر بالندم قليلًا.
‘ربّما لم أكن أفضل حالًا حين كنتُ أتصرف بجفاءٍ في الماضي. لا أؤذي الخدم، لكنني أفعل هذا مع زوجي.’
تناولت الشّوكة وقطعت قطعةً من البودينغ الطريّ، فالتفَّ الملمس الناعم حول أسنان الشّوكة حين انقسمت القطعة.
‘لكنّني أردتُ سماعها حقًّا… تلك الكلمة التي تقول إنّني ثمينة.’
كانت ساي تدرك جيّدًا.
أنّه لا يجوز أن تُجبر الآخر على مجاراة عاطفتها حين تفيض، وأنّ قلبه ليس مِلكها لتتحكّم فيه.
لكنّها رغبت، بشدّةٍ مؤلمة، في أن تملك ذلك الاهتمام.
سواء كان مودةً أو تعلّقًا، أرادت أن تكون تلك المشاعر التي لا تُشبع ملكًا لها.
أرادت أن يُبادلها زوجها ذات المودّة التي تشعر بها نحوه.
‘قلتُ لنفسي إنّني لن أتوقّع ولن أتعلّق، لكن يبدو أنّني لا أستطيع. كنتُ أظنّ أنني قبل الزواج أتحكّم في نفسي جيدًا…’
ربّما لأنّها لم تمتلك خبرةً كافيةً مع الرجال.
ليس لأنّه زوجها فحسب، بل لأنّه لم يجذبها أحدٌ كما يفعل بنجامين.
كان رفض لطف الآخرين بابتسامةٍ أمرًا سهلًا، وكذلك تجاهل عبارات الحبّ أو الهدايا الفاخرة بأدب.
‘ما هذا السلوك الطفولي… يجب أن أهدأ.’
وبينما كانت تفكّر بذلك وتشرب الشّاي، نظر إليها بنجامين وسلّمها طردًا صغيرًا مغلفًا بورقٍ جميل.
“هدية. افتحيها.”
فتحت ساي الطرد، فوجدت داخله شالًا فاخرًا مصنوعًا من عدّة طبقاتٍ من القماش الرقيق، تتدلّى منه أحجارٌ كريمةٌ صغيرةٌ تشعّ بألوانٍ ساحرة.
كان من الواضح أنّه شيءٌ نادر.
“إنّه شالٌ من مملكة أليسين، تزيّنه أحجارٌ كريمةٌ عالية الجودة. لديّ زميلةٌ شاركتني المعارك في العاصمة، وقالت إنّها ترغب في التعرّف إليكِ وأوصتني أن أُقدّمه لكِ.”
قالت ساي وهي تحدّق في الشال الذي تمسكه بيديها:
“إن كانت ترغب في صداقتي، فلا بدّ أنّها من جنسي نفسه إذًا.”
“صحيح.”
امرأةٌ إذًا.
لم يكن غياب النساء عن ساحة المعركة أمرًا غريبًا، لكنّ الوحوش هناك كانت ذات قوى مروّعة، لذا كان عدد الرجال أكبر بكثير.
وبحسب علم ساي، لم تكن هناك أيّ امرأةٍ بين رفاقه المقربين ممن نالوا معه الفضل ذاته.
‘من تكون يا تُرى؟’
فجأةً، عاد إلى ذهنها ذكرى مُزعجة.
حين كانت والدتها نيهِلا مريضة، كان والدها ويليام يتحجّج بأعذارٍ مختلفةٍ ليقابل النساء باستمرار.
ولأنّه لم يُدخل أيًّا منهنّ إلى القصر، وكانت أعذاره تبدو منطقية، ظنّت ساي أنّها لقاءاتٌ تتعلّق بالعمل.
آنذاك، كانت لا تزال تظنّ أنّ والدها رجلٌ صارمٌ لكنه طيب، يحبّ أمّها ويعاملها هي أيضًا بلُطفٍ بسيط.
كانت تظنّ أنّ بُعده عنها بسبب انشغاله فقط.
لكن بعد وفاة نيهِلا، حين أظهر ويليام وجهه الحقيقي، اكتشفت ساي سلسلة خياناته.
كان يخون زوجته حتّى وهي على قيد الحياة، لكنّه كان يخفي ذلك بإتقانٍ شديدٍ بفضل طبيعته الحذرة.
وربّما لأنّ نيهِلا نفسها لم تكن تهتمّ كثيرًا بما يفعله.
إلّا أنّه بعد وفاتها، صار يجاهر بذلك أمام ساي بلا حياء، مصحوبًا بعباراتٍ مهينةٍ كـ: “أنتِ أدنى شأنًا من النساء اللواتي يدفئن فراشي ليلةً واحدة.”
وبعض أولئك النساء كنّ ممّن قال إنّه يعمل معهنّ في التجارة.
شعرت ساي بأنّ قلبها ينكمش ألمًا.
‘يا إلهي… هذا فظيع. أعلم أنّ الوضع مختلف، لكن مشاعري لا تستطيع تجاهل المقارنة.’
امتزجت تلك الذكريات القديمة بمشاعر خيبة الأمل التي أحسّت بها قبل قليل، فأصابها اضطرابٌ داخليّ.
‘ما زلتُ لا أعرف هذا الرجل جيّدًا. كيف لي أن أُصدّق أنّه صادقٌ فقط لأنّه زوجي؟’
بدأ القلق يتملّكها مجددًا، وتوتّرت أعصابها بشدّة.
لكنّها كانت تعرف كيف تُخفي ذلك، فقد تعلّمت البقاء على قيد الحياة بهذه الطريقة.
ابتسمت ساي وأجابت بلطفٍ مصطنع:
“فهمت. شكرًا لك يا بنجامين. ما اسم السيّدة التي أهدتني الشّال؟ لعلّني أعرفها من أيّام العاصمة، وأودّ شكرها إن التقيت بها.”
“لوريلّاي كلوي.”
أجاب بنجامين على الفور.
لوريلّاي كلوي. كانت وصيفة الأميرة. ابنة أحد النبلاء الصغار، وقد أثار تعيينها في البلاط بعض الجدل آنذاك، لكنّها كفّت عن الظهور في أي نشاطٍ اجتماعي بعد ذلك، فخمدت الأحاديث عنها.
“لم أكن أعلم أنّ الآنسة كلوي تعمل معك.”
“ليست في نفس الفرع، لكنّنا نتشارك في تنفيذ أوامر الإمبراطور.”
كانت إجابته بسيطةً وواضحة، خاليةً من أيّ تبريرٍ أو مواربة، ومع ذلك شعرت ساي بانزعاجٍ غامضٍ يتصاعد في صدرها.
ارتفع صوت ساي بدرجةٍ خفيفة من المفاجأة، لكنها استعادَت هدوءَها بسرعة.
غير أنّ بنجامين لم يتراجع.
“إنْ كان الأمر يُزعجكِ، فسأُقلّل لقاءاتي بها قدر الإمكان. ما لم يأمر الإمبراطور بذلك، يمكنني تجنّبها.”
قالها بنبرةٍ هادئةٍ خاليةٍ من الانفعال، لكنّ كلماتِه كانت حادّةً بشكلٍ أربكها.
شعرت وكأنّه قرأ أفكارها، فسألته بارتباك:
“ولِمَ تقول هذا فجأة؟”
“لأنّكِ انزعجتِ حين ذكرتها.”
“أنا بخير. يبدو أنّك أسأتَ الفهم.”
لوّحت بيدها نافيةً، لكنّه قال بنبرةٍ جادّة:
“ارتفع معدّل نبضات قلبك، واتّسعت حدقتاكِ عن المعتاد، وتشنّجت عضلات وجهك. لم يكن الأمر كذلك قبل أن أذكر اسمها. وحين فعلتُ، بدأ توتّركِ يزداد تدريجيًّا.”
ثمّ طوى الشال بعنايةٍ ووضعه مجددًا في الطرد.
“أحضرتُ هذا لأنّي ظننتُ أنّه سيسعدكِ، لكن إنْ كان يُزعجكِ فسأعيده. لا أريد فعل أيّ شيءٍ يُؤذيكِ. راحة بالكِ هي ما يهمّني أكثر من أيّ شيءٍ آخر.”
نبضات القلب؟ اتّساع الحدقتين؟ توتّر العضلات؟
بعد قليل، سيقول إنّه يسمع أصوات أعضائها الداخليّة أيضًا.
‘كيف يمكن لشخصٍ عاديّ أن يلاحظ هذا كلّه؟’ فكّرت ساي بدهشة، لكنها أدركت أنّه من العبث إنكار ما صار واضحًا له، فقالت بصراحة:
“نعم، شعرتُ بعدم ارتياحٍ حين علمتُ أنّ الهدية جاءت من امرأةٍ شابة.”
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات