في هذه الحالة، بدا الجوّ وكأنّهما على وشك التّقبيل، فرفعت ساي يدها لتُبعد شفتي بنجامين عنها. التصق نَفَسُ الرّجل بأطراف أصابعها.
“أرجو أن تتذكّر أنّني فقدتُ ذاكرتي. بالنسبة لي، ما زلنا تقريبًا غريبَين عن بعضنا.”
“أفهَم ذلك.”
تراجع الرّجل بسهولة. حاولت ساي أن تبتسم وكأنّها غير مُحرَجة، لكنّها لم تكن كذلك في داخلها.
‘هذا الرّجل… خطير. يتحرّك بمهارةٍ مُريبة. صحيح أنّنا زوجان، وهو يتذكّر، لذا ربّما لا يرى بأسًا ببعض التّلامس الجسدي، لكن قلبي لا يزال ينبض بعنف!’
“أرجو أن تقترب منّي ببطء أكثر.”
عند سماعها ذلك، تَماوَجَت حدقةُ عينيه الحمراء بعمق.
‘عيناهُ تُشبهان شُعلةً مشتعلة. على ذِكر ذلك، لَقَبُه كان الدوق ذو الدم الجليدي.’
ربّما كان ذلك بسبب لون عينيه.
‘صحيح أنّه لونٌ غير مألوف، لكن هل يستحقّ هذا اللّقب؟ ربّما هو لا يُبالي بذلك أصلاً.’
عيناه الحمراء كانتا محاطتَين برموش سوداء رقيقة. على عكس العينين المشتعلتين، كان وجهه ناعمًا كالجليد.
‘أُريد لمسَ وجهِ هذا الرّجل…’
تورد وجه ساي خجلًا من الفكرة التي خطرت لها فجأة، فشدّت يديها إلى بعضهما وفركتهما عدّة مرات. هذا النّوع من التّلامس لا يكون إلا بين مَن تربطهم علاقةٌ حميمة.
ثمّ إنّها قالت له للتوّ أن يقترب منها ببطء.
‘ما من شيءٍ يجب الحذر منه أكثر من الانجذاب لشخصٍ ما…’
رغم أنَّ ساي كانت تتعامل بلُطف مع الجميع، إلّا أنَّ قلّةً قليلةً فقط سكنوا قلبها. كانت تعلم جيّدًا أنّها حين تُفتح على أحدهم، تميل إلى أن تُغرقه بالدّلال، لذلك كانت دائمًا حذرة.
لم ترغب بأن تُجرَح مرّةً أخرى… كما حدث مع والدها وأخيها.
“إن كنتِ ترغبين بذلك، فسأفعل.”
أجاب بنجامين بلُطف وتراجع قليلًا. شعرت بالفراغ، لكنّه لم يكن ناتجًا عن مشاعر حبّ، بل عن فراغٍ عابر.
ساد الصّمت مرّةً أخرى. وفي اللّحظة التي همّ كلٌّ منهما بأن يتكلّم…
طَرقٌ على الباب.
صوتٌ مهذّبٌ رصينٌ جاء من خلفه:
“صاحب السّموّ الدّوق، حان وقت اللّقاء المُحدَّد.”
تغيّرت ملامح وجه بنجامين للحظة، ثمّ عاد هادئًا.
“لقد حان الوقت بالفعل. سأُنهي ما عليّ من عمل، وأعود لرؤيتكِ.”
“نعم، ما دمتَ بهذه الجديّة، فستكون قدوةً للجميع.”
رغم أنّها كانت مجاملةً معتادة، إلّا أنَّ بنجامين ابتسم بخفّة.
ما مِن شيءٍ يجذب الانتباه مثل تلك اللحظة التي يتحوّل فيها وجه الإنسان من العبوس إلى النّور.
“سأذهب الآن.”
“نعم، إلى اللقاء.”
حين حاولت ساي أن تنهض، ضغط بنجامين بلُطف على كتفها وأعادها إلى الأريكة.
“استريحي كما تُحبّين. أودّ أن أراكِ في صحّةٍ جيّدة قريبًا.”
“نعم…”
وهكذا، بقيت ساي في مكانها تُراقب مغادرته.
‘هذا الرّجل… سيُصبح زوجي الآن.’
ردّدت ذلك في سرّها وهي تُتابع ظهره المغادر.
***
بعد مغادرة بنجامين، بقيت ساي مُتمدّدةً على الأريكة لبعض الوقت. ليس لأنّ رأسها يؤلمها.
رغم شعورها بعدم الارتياح من تَواصُلِه معها، إلّا أنّها لم تكن تكرهه أيضًا.
لكنّه ما زال غريبًا.
أن تسمع أنّ ذلك الدّوق، الذي كانت لا تراه إلا من بعيد، أصبح زوجها الآن، لا يجعل الأمر مألوفًا فجأةً طالما أنّها لا تتذكّر شيئًا.
لذلك، كان لطفه يُحرجها ويُربكها، ومع ذلك… كانت تشعر بالسرور.
أيُّ امرأةٍ ستكره أن يُظهر لها رجلٌ جذّاب اهتمامه بها؟
“لا أستطيع التّأقلم، مهما حاولت…”
لقد تزوّجت. هذا الرّجل أصبح زوجها.
رغم جَوّه البارد وجِدّيته الصّامتة، إلّا أنّه كان مهذّبًا ورقيقًا. وفي الواقع، كان يُعاملها بلُطفٍ واضح.
‘رغم أنّه من حقي أن أتلقّى هذا اللّطف، إلّا أنّ قلقي سببه أنّ والدي اعتاد إهانتي باستمرار.’
كادت تنسى هدفها الحقيقي تحت تأثير لُطف ذلك الدّوق الغريب عنها.
لكنّ من يجب أن تحذر منه الآن، هو والدها.
فمنذ وفاة والدتها، رأت ساي الوجه الحقيقيّ لوالدها.
ذلك الرّجل، الذي ظنّتْه مُجرّد شخصٍ صارم، كشف عن طبعه الحقيقيّ فور موت زوجته، وقلّص كلّ مكانةٍ كانت تملكها داخل القصر. وأكثر من ذلك، فرض سيطرته التّامة على حياتها وزمانها.
في البداية، ظنّت أنّه يفعل ذلك لحمايتها. رغم أنّه لم يكن حنونًا، إلّا أنّه بدأ يُبدي اهتمامًا غريبًا بحياتها اليوميّة، يُقرّر بنفسه أيّ اجتماعات يجب أن تذهب إليها وأيّها لا. حتّى أنّه اختار بنفسه الخادمات المحيطات بها.
ساي، التي افتقدت دفء أمّها، صدّقت أنّ ذلك اهتمامٌ منه، فاستجابت بسهولة.
لكن بمرور الوقت، تحطّمت تلك الثّقة تمامًا.
أدركت أنّها لم تكن سوى دمية، لا تملك حُريّة قرار.
‘أذكر أنّ خادماتي المُرافقَات كُنّ بيتي، وجاكلين، وديرا.’
هؤلاء أرسلهنّ والدها خصّيصًا من قصر ألانترا ليُرافقنها. كُنّ ينفّذن أوامره دون نقاش.
ساي كرهتهنّ بشدّة.
كُنّ يستمتعن بالتحكّم بها، ولم يُخفين ذلك عنها. كُنّ دائمًا يُحطّمن كبرياءها.
‘هل كُنّ يُؤدّين نفس الدّور هنا أيضًا؟’
لو كان الأمر كذلك، فلا شكّ أنّ والدها عَلِم بكلّ التصرّفات الفظيعة التي افتعلتها ساي في قصر الدّوق.
لكن، لِمَ لم يتّخذ ضدّها أيّ إجراء؟
قرّرت أن تُلقي نظرة على الرّسائل والدّعوات التي وصلتها في الفترة الماضية. قد تجد ما يُساعدها على فهم الوضع.
نهضت، وتوجّهت نحو الطاولة البيضاء الفاخرة، المنقوش عليها رمز البجعة، وفتحت صندوق الرّسائل الكريستالي.
أثناء تصفّحها للدّعوات والرّسائل، وقعت عيناها على مظروفٍ داكن. كُتب عليه أنّه من إحدى العائلات التّابعة للدّوق.
إرسال رسائل الاطمئنان من العائلات التّابعة أمرٌ شائع، لذلك لم تُعره اهتمامًا كبيرًا.
لكن المحتوى كان مختلفًا.
فور فتح الورقة المُطويّة بعناية، ظهرت رسالةٌ مكتوبة بخطّ يد كونت ألانترا، والدها.
الرسالة كانت مختصرةً. يطمئن فيها على حالها، ويأمل أن تُحسن التصرّف.
لكن ختام الرسالة جاء غريبًا:
الربيع قد نضج الآن. نحن نُصلِح الحديقة المُغلقة منذ زمن، لذا ستُزهر عمّا قريب.
تأمّلت ساي الرسالة بعينٍ مُرتابة.
فوالدها لم يكن من أولئك الذين يتحدّثون عن الحدائق والزّهور بهذه العذوبة.
كان والد لوكالدو، وليس والدها الحقيقيّ.
رجلٌ يُحبّ المظاهر، لذا ربّما أضاف هذا الكلام العاطفيّ الخالي من المعنى ليُثير إعجاب الدّوق.
لكن السّبب الحقيقيّ وراء عدم قدرتها على صرف نظرها عن تلك الجملة… هو أنّها وجدت بخطّها عبارةً قصيرة، غائرة على الورق من شدّة الضّغط:
أتظنّ أنّني سأسمح بحدوث ذلك؟
لم تفهم مغزاها. لكنّ الغضب الكامن في تلك الجملة القصيرة كان واضحًا.
لم تتذكّرها، لكنّها شعرت بها. لأنّها تعرف نفسها.
حين كانت تغضب من قسوتهم، كانت تلجأ إلى الكتابة لتُخفّف غضبها، حتّى ينكسر سنّ القلم.
ما الذي أغضبها إلى هذا الحدّ؟
الحديقة المُغلقة في قصر الكونت كانت واحدةً فقط: تلك التي في جناح راهينويل، حيث اعتادت والدتها المريضة أن تمضي وقتها.
كانت الحديقة الوحيدة التي امتلكتها ساي فعليًّا، إذ إنَّ والدتها أرادت أن تترك لها ذلك الجناح بكلّ ما فيه.
لكن والدها، الذي لا يُطيق أن تملك ابنته شيئًا يخصّه، أغلق الحديقة فور وفاة زوجته.
تحوّلت الحديقة الجميلة بسرعة إلى مكانٍ مهجور ومليء بالأعشاب.
أتُراها كتبت تلك الجملة لأنّها لم تحتمل نفاقه، بعد أن دمّر ما تُحبّ ثمّ يتظاهر بالاهتمام؟
لكن كان في الأمر أكثر من ذلك.
لو كانت تُريد إخفاء الأمر، لأحرقت الرسالة بدلًا من تغيير ظرفها.
فلماذا أبقت عليها؟
الرسالة كانت تبدو مقروءةً مرارًا.
ربّما كانت لا تُريد نسيان ذلك الشّعور.
لكنّها لا تتذكّر ما الذي دفعها لهذا العزم.
كانت تعلم أنّها رغم احتقارها لأبيها، إلّا أنّ قلبها كان لا يزال يبحث عن لمسة حنانٍ منه.
تُريد الهروب، لكن تتمنّى في أعماقها أن يبتسم لها مرّةً واحدة فقط.
‘ربّما لذلك كتبتُ ذلك الغضب واحتفظتُ به…’
لعلّها، بسبب مراقبة الخادمات، لجأت لتبديل الظرف بدلًا من تمزيق الورقة.
‘لا شيء واضح بعد. يجب أن أتروّى.’
هكذا فكّرت ساي، ثمّ أعادت طيّ الرسالة، وأدخلتها في المظروف الذي بدّلته سابقًا. أغلقت غطاء الكريستال، ثمّ جذبت حبلاً لطلب إحدى الخادمات.
ظهرت روزا بسرعة.
قالت لها ساي بلُطف:
“أحضري لي صندوق المُجوهرات من فضلك.”
“أيُّواحدٍ من الصّناديق تُريدين، سيّدتي؟”
ضحكت ساي بخفّة.
“هل كانت لديّ صناديقٌ مرقّمة؟”
من كثرة ما اشترت من المجوهرات، بدا ذلك معقولًا. أجابت روزا بجدّيّة:
“نعم. كان لبعضها أسماءٌ أيضًا.”
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 10"